الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التّعامل فكان البغليّ والطّبريّ اثني عشر دانقا وكان الدّرهم ستّة دوانق وإن زدت ثلاثة أسباعه كان مثقالا وإذا أنقصت ثلاثة أعشار المثقال كان درهما فلمّا رأى عبد الملك اتّخاذ السّكّة لصيانة النّقدين الجاريين في معاملة المسلمين من الغشّ عيّن مقدارها على هذا الّذي استقرّ لعهد عمر رضي الله عنه. واتّخذ فيه كلمات لا صورا، لأنّ العرب كان الكلام والبلاغة أقرب مناحيهم وأظهرها مع أنّ الشّرع ينهى عن الصّور فلمّا فعل ذلك استمرّ بين النّاس في أيّام الملّة كلّها وكان الدّينار والدّرهم على شكلين مدوّرين والكتابة عليهما في دوائر متوازية يكتب فيها من أحد الوجهين أسماء الله تهليلا وتحميدا وصلاة على النّبيّ وآله. وفي الوجه الثّاني التّاريخ واسم الخليفة وهكذا أيّام العبّاسيّين والعبيديّين والأمويّين وأمّا صنهاجة فلم يتّخذوا سكّة إلّا آخر الأمر اتّخذها منصور صاحب بجاية ذكر ذلك ابن حماد في تاريخه ولمّا جاءت دولة الموحّدين كان ممّا سنّ لهم المهديّ اتّخاذ سكّة الدّرهم مربّع الشّكل وأن يرسم في دائرة الدّينار شكل مربّع في وسطه ويملأ من أحد الجانبين تهليلا وتحميدا ومن الجانب الآخر كتبا في السّطور باسمه واسم الخلفاء من بعده ففعل ذلك الموحّدون وكانت سكّتهم على هذا الشّكل لهذا العهد ولقد كان المهديّ فيما ينقل ينعت قبل ظهوره بصاحب الدّرهم المربّع نعته بذلك المتكلّمون بالحدثان من قبله المخبرون في ملاحمهم عن دولته وأمّا أهل المشرق لهذا العهد فسكّتهم غير مقدّرة وإنّما يتعاملون بالدّنانير والدّراهم وزنا بالصّنجات المقدّرة بعدّة منها ولا يطبعون عليها بالسّكّة نقوش الكلمات بالتّهليل والصّلاة واسم السّلطان كما يفعله أهل المغرب «ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ 6: 96» .
ولنختم الكلام في السّكّة بذكر حقيقة الدّرهم والدّينار الشّرعيّين وبيان حقيقة مقدارهما.
مقدار الدرهم والدينار الشرعيين
وذلك أنّ الدّينار والدّرهم مختلفا السّكّة في المقدار والموازين بالآفاق
والأمصار وسائر الأعمال والشّرع قد تعرّض لذكرهما وعلّق كثيرا من الأحكام بهما في الزّكاة والأنكحة والحدود وغيرها فلا بدّ لهما عنده من حقيقة ومقدار معيّن في تقدير تجري عليهما أحكامه دون غير الشّرعيّ منهما فاعلم أنّ الإجماع منعقد منذ صدر الإسلام وعهد الصّحابة والتّابعين أنّ الدّرهم الشّرعيّ هو الّذي تزن العشرة منه سبعة مثاقيل من الذّهب والأوقيّة منه أربعين درهما وهو على هذا سبعة أعشار الدّينار ووزن المثقال من الذّهب اثنتان وسبعون حبّة من الشّعير فالدّرهم الّذي هو سبعة أعشاره خمسون حبّة وخمسا حبّة وهذه المقادير كلّها ثابتة بالإجماع فإنّ الدّرهم الجاهليّ كان بينهم على أنواع أجودها الطّبريّ وهو أربعة دوانق والبغليّ وهو ثمانية دوانق فجعلوا الشّرعيّ بينهما وهو ستّة دوانق فكانوا يوجبون الزّكاة في مائة درهم بغليّة ومائة طبريّة خمسة دراهم وسطا وقد اختلف النّاس هل كان ذلك من وضع عبد الملك أو إجماع النّاس بعد عليه كما ذكرناه. ذكر ذلك الخطام في كتاب معالم السّنن والماورديّ في الأحكام السّلطانيّة وأنكره المحقّقون من المتأخّرين لما يلزم عليه أن يكون الدّينار والدّرهم الشّرعيّان مجهولين في عهد الصّحابة ومن بعدهم مع تعلّق الحقوق الشّرعيّة بهما في الزّكاة والأنكحة والحدود وغيرها كما ذكرناه والحقّ أنّهما كانا معلومي المقدار في ذلك العصر لجريان الأحكام يومئذ بما يتعلّق بهما من الحقوق وكان مقدارهما غير مستخصّ في الخارج وإنّما كان متعارفا بينهم بالحكم الشّرعيّ على المقدار في مقدارهما وزنتهما حتّى استفحل الإسلام وعظمت الدّولة ودعت الحال إلى تشخيصهما في المقدار والوزن كما هو عند الشّرع ليستريحوا من كلفة التّقدير وقارن ذلك أيّام عبد الملك [1] فشخّص مقدارهما وعيّنهما في الخارج كما هو في الذّهن ونقش عليهما السّكّة باسمه وتأريخه أثر الشّهادتين الإيمانيّتين وطرح النّقود الجاهليّة رأسا حتّى خلصت ونقش عليها سكّة وتلاشى وجودها فهذا هو
[1] مقتضى السياق «وقارن ذلك عبد الملك
…
» .