الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيها من مثل ذلك فهي مشاركة لها في الجنس البعيد من حيث إنّها العلوم الشّرعيّة [1] المنزلة من عند الله تعالى على صاحب الشّرعية المبلغ لها. وأمّا على الخصوص فمباينة لجميع الملل لأنّها ناسخة لها. وكلّ ما قبلها من علوم الملل فمهجورة والنّظر فيها محظور. فقد نهى الشّرع عن النّظر في الكتب المنزلة غير القرآن. قال صلى الله عليه وسلم: «لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذّبوهم وقولوا آمنّا بالّذي أنزل علينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد» ورأى النّبيّ صلى الله عليه وسلم في يد عمر رضي الله عنه ورقة من التّوراة فغضب حتّى تبيّن الغضب في وجهه ثمّ قال: «ألم آتكم بها بيضاء نقيّة؟ والله لو كان موسى حيّا ما وسعه إلّا أتباعي. ثمّ إنّ هذه العلوم الشّرعيّة قد نفقت أسواقها في هذه الملّة بما لا مزيد عليه وانتهت فيها مدارك النّاظرين إلى الغاية الّتي لا شيء فوقها وهذّبت الاصطلاحات ورتّبت الفنون فجاءت من وراء الغاية في الحسن والتّنميق. وكان لكلّ فنّ رجال يرجع إليهم فيه وأوضاع يستفاد منها التّعليم. واختصّ المشرق من ذلك والمغرب بما هو مشهور منها حسبما نذكره الآن عند تعديد هذه الفنون. وقد كسدت لهذا العهد أسواق العلم بالمغرب لتناقص العمران فيه وانقطاع سند العلم والتّعليم كما قدّمناه في الفصل قبله. وما أدري ما فعل الله بالمشرق والظّنّ به نفاق العلم فيه واتّصال التّعليم في العلوم وفي سائر الصّنائع الضّروريّة والكماليّة لكثرة عمرانه والحضارة ووجود الإعانة لطالب العلم بالجراية من الأوقاف الّتي اتّسعت بها أرزاقهم. والله سبحانه وتعالى هو الفعّال لما يريد وبيده التّوفيق والإعانة.
الفصل الخامس في علوم القرآن من التفسير والقراءات
القرآن هو كلام الله المنزل على نبيّه المكتوب بين دفّتي المصحف. وهو متواتر بين الأمّة إلّا أنّ الصّحابة رووه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على طرق مختلفة في
[1] وفي نسخة أخرى: علوم الشريعة.
بعض ألفاظه وكيفيّات الحروف في أدائها. وتنوقل ذلك واشتهر إلى أن استقرّت منها سبع طرق معيّنة تواتر نقلها أيضا بأدائها واختصّت بالانتساب إلى من اشتهر بروايتها من الجمّ الغفير فصارت هذه القراءات السّبع أصولا للقراءة. وربّما زيد بعد ذلك قراءات أخر لحقت بالسّبع إلّا أنّها عند أئمة القراءة لا تقوى قوّتها في النّقل. وهذه القراءات السّبع معروفة في كتبها. وقد خالف بعض النّاس في تواتر طرقها لأنّها عندهم كيفيّات للأداء وهو غير منضبط. وليس ذلك عندهم بقادح في تواتر القرآن. وأباه الأكثر وقالوا بتواترها وقال آخرون بتواتر غير الأداء منها كالمدّ والتّسهيل [1] لعدم الوقوف على كيفيّته بالسّمع وهو الصّحيح. ولم يزل القرّاء يتداولون هذه القراءات وروايتها إلى أن كتبت العلوم ودوّنت فكتبت فيما كتب من العلوم وصارت صناعة مخصوصة وعلما منفردا وتناقله النّاس بالمشرق والأندلس في جيل بعد جيل. إلى أن ملك بشرق الأندلس مجاهد من موالي العامريّين وكان معتنيا بهذا الفنّ من بين فنون القرآن لمّا أخذه به مولاه المنصور بن أبي العامر واجتهد في تعليمه وعرضه على من كان من أئمّة القرّاء بحضرته فكان سهمه في ذلك وافرا. واختصّ مجاهد بعد ذلك بإمارة دانية والجزائر الشّرقيّة فنفقت بها سوق القراءة لما كان هو من أئمّتها وبما كان له من العناية بسائر العلوم عموما وبالقراءات خصوصا. فظهر لعهده أبو عمرو الدّانيّ وبلغ الغاية فيها ووقفت عليه معرفتها. وانتهت إلى روايته أسانيدها وتعدّدت تآليفه فيها. وعوّل النّاس عليها وعدلوا عن غيرها واعتمدوا من بينها كتاب التّيسير له. ثمّ ظهر بعد ذلك فيما يليه من العصور والأجيال أبو القاسم بن فيرّه [2] من أهل شاطبة فعمد إلى تهذيب ما دوّنه أبو عمرو وتلخيصه فنظم ذلك كلّه في قصيدة لغز فيها أسماء القرّاء بحروف (أب ج د) ترتيبا أحكمه ليتيسّر
[1] وفي نسخة أخرى: والتمهيل.
[2]
ورد ذكره في كتاب الأعلام لخير الدين الزركلي وهو القاسم بن فيره بن خلف بن أحمد الرعينيّ أبو محمد الشاطبي إمام القراء وكان ضريرا.