الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أيضا نصير الدّين الطّوسيّ المعروف بخواجه من أهل المشرق [1] وبحث مع الإمام في كثير من مسائله فأوفى على أنظاره وبحوثه وفوق كلّ ذي علم عليم وَالله يَهْدِي من يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ 2: 213.
الفصل الخامس والعشرون في علم الطب
ومن فروع الطّبيعيّات صناعة الطّبّ وهي صناعة تنظر في بدن الإنسان من حيث يمرض ويصحّ فيحاول صاحبها حفظ الصّحّة وبرء المرض بالأدوية والأغذية بعد أن يتبيّن المرض الّذي يخصّ كلّ عضو من أعضاء البدن وأسباب تلك الأمراض الّتي تنشأ عنها وما لكلّ مرض من الأدوية مستدلّين على ذلك بأمزجة الأدوية وقواها وعلى المرض بالعلامات المؤذن بنضجه وقبوله الدّواء أوّلا: في السّجيّة والفضلات والنّبض محاذين لذلك قوّة الطّبيعة فإنّها المدبّرة في حالتي الصّحّة والمرض. وإنّما الطّبيب يحاذيها ويعينها بعض الشّيء بحسب ما تقتضيه طبيعة المادّة والفصل والسّنّ ويسمّى العلم الجامع لهذا كلّه علم الطّبّ.
وربّما أفردوا بعض الأعضاء بالكلام وجعلوه علما خاصّا، كالعين وعللها وأكحالها. وكذلك ألحقوا بالفن من منافع الأعضاء ومعناها المنفعة الّتي لأجلها خلق كلّ عضو من أعضاء البدن الحيوانيّ. وإن لم يكن ذلك من موضوع علم الطّبّ إلّا أنّهم جعلوه من لواحقه وتوابعه. وإمام هذه الصّناعة الّتي ترجمت كتبه فيها من الأقدمين جالينوس يقال إنّه كان معاصرا لعيسى عليه السلام ويقال إنّه مات بصقلّيّة في سبيل تغلّب [2] ومطاوعة اغتراب. وتآليفه فيها هي الأمّهات الّتي
[1] وفي النسخة الباريسية: من أهل العراق. ومقتضى السياق: المعروف بين أهل العراق بخواجه والذكور ولد بطوس من اعمال إيران وتوفي في بغداد (كتاب الأعلام لخير الدين الزركلي) جح
[2]
وفي النسخة الباريسية: تقلب.
اقتدى بها جميع الأطبّاء بعده. وكان في الإسلام في هذه الصّناعة أئمّة جاءوا من وراء الغاية مثل الرّازي والمجوسيّ وابن سينا ومن أهل الأندلس أيضا كثير وأشهرهم ابن زهر. وهي لهذا العهد في المدن الإسلاميّة كأنّها نقصت لوقوف العمران وتناقصه وهي من الصّنائع الّتي لا تستدعيها إلّا الحضارة والتّرف كما نبيّنه بعد. وللبادية من أهل العمران طبّ يبنونه في غالب الأمر على تجربة قاصرة على بعض الأشخاص متوارثا عن مشايخ الحيّ وعجائزه، وربّما يصحّ منه البعض إلّا أنّه ليس على قانون طبيعيّ ولا على موافقة المزاج. وكان عند العرب من هذا الطّبّ كثير وكان فيهم أطبّاء معروفون كالحارث بن كلدة وغيره.
والطّبّ المنقول في الشّرعيّات [1] من هذا القبيل وليس من الوحي في شيء وإنّما هو أمر كان عاديّا للعرب. ووقع في ذكر أحوال النّبيّ صلى الله عليه وسلم من نوع ذكر أحواله الّتي هي عادة وجبلّة لا من جهة أنّ ذلك مشروع على ذلك النّحو من العمل.
فإنّه صلى الله عليه وسلم إنّما بعث ليعلّمنا الشّرائع ولم يبعث لتعريف الطّبّ ولا غيره من العاديّات. وقد وقع له في شأن تلقيح النّخل ما وقع فقال: «أنتم أعلم بأمور دنياكم» . فلا ينبغي أن يحمل شيء من الطّبّ الّذي وقع في الأحاديث الصحيحة المنقولة على أنّه مشروع فليس هناك ما يدلّ عليه اللَّهمّ إلّا إذا استعمل على جهة التّبرّك وصدق العقد الإيمانيّ فيكون له أثر عظيم في النّفع. وليس ذلك في الطّبّ المزاجيّ وإنّما هو من آثار الكلمة الإيمانيّة كما وقع في مداواة المبطون بالعسل ونحوه والله الهادي إلى الصّواب لا ربّ سواه.
[1] وفي النسخة الباريسية: في النبوات.