الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علم اللغة
هذا العلم هو بيان الموضوعات اللّغويّة وذلك أنّه لمّا فسدت ملكة اللّسان العربيّ في الحركات المسمّاة عند أهل النّحو بالإعراب واستنبطت القوانين لحفظها كما قلناه. ثمّ استمرّ ذلك الفساد بملابسة العجم ومخالطتهم حتّى تأدّى الفساد إلى موضوعات الألفاظ فاستعمل كثير من كلام العرب في غير موضوعة عندهم ميلا مع هجنة [1] المستعربين [2] في اصطلاحاتهم المخالفة لصريح العربيّة فاحتيج إلى حفظ الموضوعات اللّغويّة بالكتاب والتّدوين خشية الدّروس وما ينشأ عنه من الجهل بالقرآن والحديث فشمّر كثير من أئمّة اللّسان لذلك وأملوا فيه الدّواوين. وكان سابق الحلبة في ذلك الخليل بن أحمد الفراهيديّ. ألّف فيها كتاب العين فحصر فيه مركّبات حروف المعجم كلّها من الثّنائيّ والثّلاثيّ والرّباعيّ والخماسيّ وهو غاية ما ينتهي إليه التّركيب في اللّسان العربيّ. وتأتّى له حصر ذلك بوجوه عديدة حاضرة وذلك أنّ جملة الكلمات الثّنائيّة تخرج من جميع الأعداد على التّوالي من واحد إلى سبعة وعشرين وهو دون نهاية حروف المعجم بواحد. لأنّ الحرف الواحد منها يؤخذ مع كلّ واحد من السّبعة والعشرين فتكون سبعة وعشرين كلمة ثنائيّة. ثمّ يؤخذ الثّاني مع السّتّة والعشرين كذلك.
ثمّ الثّالث والرّابع. ثمّ يؤخذ السّابع والعشرون مع الثّامن والعشرين فيكون واحدا فتكون كلّها أعدادا على توالي العدد من واحد إلى سبعة وعشرين فتجمع كما هي بالعمل المعروف عند أهل الحساب وهو أن تجمع الأوّل مع الأخير وتضرب المجموع في نصف العدّة. ثمّ تضاعف لأجل قلب الثّنائيّ لأنّ التّقديم والتّأخير بين الحروف معتبر في التّركيب فيكون الخارج جملة الثّنائيّات. وتخرج الثّلاثيّات من ضرب عدد الثّنائيّات فيما يجمع من واحد إلى ستّة وعشرين على
[1] الهجنة في الكلام: العيب والقبح (قاموس) .
[2]
وفي نسخة أخرى: المتعربين.
توالي العدد لأنّ كلّ ثنائيّة يزيد عليها حرفا فتكون ثلاثيّة. فتكون الثّنائيّة بمنزلة الحرف الواحد مع كلّ واحد من الحروف الباقية وهي ستّة وعشرون حرفا بعد الثّنائيّة فتجمع من واحد إلى ستّة وعشرين على توالي العدد ويضرب فيه جملة الثّنائيّات. ثمّ تضرب الخارج في ستّة، جملة مقلوبات الكلمة الثّلاثيّة فيخرج مجموع تراكيبها من حروف المعجم. وكذلك في الرّباعيّ والخماسيّ. فانحصرت له التّراكيب بهذا الوجه ورتّب أبوابه على حروف المعجم بالتّرتيب المتعارف.
واعتمد فيه ترتيب المخارج فبدأ بحروف الحلق ثمّ بعده من حروف الحنك ثمّ الأضراس ثمّ الشّفة وجعل حروف العلّة آخرا وهي الحروف الهوائيّة. وبدأ من حروف الحلق بالعين لأنّه الأقصر [1] منها فلذلك سمّي كتابه بالعين لأنّ المتقدّمين كانوا يذهبون في تسمية دواوينهم إلى مثل هذا وهو تسميته بأوّل ما يقع فيه من الكلمات والألفاظ. ثمّ بيّن المهمل منها من المستعمل وكان المهمل في الرّباعيّ والخماسيّ أكثر لقلّة استعمال العرب له لثقله ولحق به الثنائيّ لقلّة دورانه وكان الاستعمال في الثّلاثيّ أغلب فكانت أوضاعه أكثر لدورانه.
وضمّن الخليل ذلك كلّه في كتاب العين واستوعبه أحسن استيعاب وأوعاه [2] .
وجاء أبو بكر الزّبيديّ وكتب لهشام المؤيّد بالأندلس في المائة الرّابعة فاختصره مع المحافظة على الاستيعاب وحذف منه المهمل كلّه وكثيرا من شواهد المستعمل ولخّصه للحفظ أحسن تلخيص. وألّف الجوهريّ من المشارقة كتاب الصّحاح على التّرتيب المتعارف لحروف المعجم فجعل البداءة منها بالهمزة وجعل التّرجمة بالحروف على الحرف الأخير من الكلمة لاضطرار النّاس في الأكثر إلى أواخر الكلم فجعل ذلك بابا. ثمّ يأتي بالحروف أوّل الكلمة على ترتيب حروف المعجم أيضا ويترجم عليها بالفصول إلى آخرها. وحصر اللّغة اقتداء بحصر الخليل. ثمّ ألّف
[1] وفي نسخة أخرى: الأقصى.
[2]
وفي نسخة أخرى: وأوفاه.
فيها من الأندلسيّين ابن سيده من أهل دانية في دولة عليّ بن مجاهد كتاب المحكم على ذلك المنحى من الاستيعاب وعلى نحو ترتيب كتاب العين. وزاد فيه التّعرض لاشتقاقات الكلم وتصاريفها فجاء من أحسن الدّواوين. ولخّصه محمّد بن أبي الحسين صاحب المستنصر من ملوك الدّولة الحفصيّة بتونس.
وقلب ترتيبه إلى ترتيب كتاب الصّحاح في اعتبار أواخر الكلم وبناء التّراجم عليها فكانا توأمي رحم وسليلي أبوّة ولكراع من أئمّة اللّغة كتاب المنجد، ولابن دريد كتاب الجمهرة ولابن الأنباريّ كتاب الزاهر هذه أصول كتب اللّغة فيما علمناه.
وهناك مختصرات أخرى مختصّة بصنف من الكلم ومستوعبة لبعض الأبواب أو لكلّها. إلّا أنّ وجه الحصر فيها خفيّ ووجه الحصر في تلك جليّ من قبل التّراكيب كما رأيت. ومن الكتب الموضوعة أيضا في اللّغة كتاب الزّمخشريّ في المجاز سمّاه أساس البلاغة بيّن فيه كلّ ما تجوّزت به العرب من الألفاظ وفيما تجوّزت به من المدلولات وهو كتاب شريف الإفادة. ثمّ لمّا كانت العرب تضع الشّيء على العموم ثمّ تستعمل في الأمور الخاصّة ألفاظا أخرى خاصّة بها فوق ذلك عندنا، وبيّن الوضع والاستعمال واحتاج إلى فقه في اللّغة عزيز المأخذ كما وضع الأبيض بالوضع العامّ لكلّ ما فيه بياض ثمّ اختصّ ما فيه بياض من الخيل بالأشهب ومن الإنسان بالأزهر ومن الغنم بالأملح حتّى صار استعمال الأبيض في هذه كلّها لحنا وخروجا عن لسان العرب. واختصّ بالتّأليف في هذا المنحى الثّعالبيّ وأفرده في كتاب له سمّاه فقه اللّغة وهو من أكد ما يأخذ به اللّغويّ نفسه أن يحرّف استعمال العرب عن مواضعه. فليس معرفة الوضع الأوّل بكاف في التّرتيب حتّى يشهد له استعمال العرب لذلك. وأكثر ما يحتاج إلى ذلك الأديب في فنّي نظمه ونثره حذرا من أن يكثر لحنه في الموضوعات اللّغويّة في مفرداتها وتراكيبها وهو أشدّ [1] من اللّحن في الإعراب وأفحش. وكذلك ألّف بعض المتأخّرين في الألفاظ
[1] وفي نسخة أخرى: أشرّ.