الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الستون في أشعار العرب وأهل الأمصار لهذا العهد
اعلم أنّ الشّعر لا يختصّ باللّسان العربيّ فقط بل هو موجود في كلّ لغة سواء كانت عربيّة أو عجميّة وقد كان في الفرس شعراء وفي يونان كذلك وذكر منهم أرسطو في كتاب المنطق أو ميروس الشّاعر وأثنى عليه. وكان في حمير أيضا شعراء متقدّمون. ولمّا فسد لسان مضر ولغتهم الّتي دوّنت مقاييسها وقوانين إعرابها وفسدت اللّغات من بعد بحسب ما خالطها ومازجها من العجمة فكانت تحيل [1] العرب بأنفسهم لغة خالفت لغة سلفهم من مضر في الإعراب جملة وفي كثير من الموضوعات اللّغويّة وبناء الكلمات. وكذلك الحضر أهل الأمصار نشأت فيهم لغة أخرى خالفت لسان مضر في الإعراب وأكثر الأوضاع والتّصاريف وخالفت أيضا لغة الجيل من العرب لهذا العهد. واختلفت هي في نفسها بحسب اصطلاحات أهل الآفاق فلأهل الشّرق وأمصاره لغة غير لغة أهل المغرب وأمصاره وتخالفهما أيضا لغة أهل الأندلس وأمصاره. ثمّ لمّا كان الشّعر موجودا بالطّبع في أهل كلّ لسان لأنّ الموازين على نسبة واحدة في أعداد المتحرّكات والسّواكن وتقابلها موجودة في طباع البشر فلم يهجر الشّعر بفقدان لغة واحدة وهي لغة مضر الّذين كانوا فحوله وفرسان ميدانه حسبما اشتهر بين أهل الخليقة. بل كلّ جيل وأهل كلّ لغة من العرب المستعجمين والحضر أهل الأمصار يتعاطون منه ما يطاوعهم في انتحاله ورصف بنائه على مهيع كلامهم. فأمّا العرب أهل هذا الجيل المستعجمون عن لغة سلفهم من مضر فيقرضون الشّعر لهذا العهد في سائر الأعاريض على ما كان عليه سلفهم المستعربون ويأتون منه بالمطوّلات مشتملة
[1] وفي نسخة أخرى: لجيل.
على مذاهب الشّعر وأغراضه من النّسيب والمدح والرّثاء والهجاء ويستطردون في الخروج من فنّ إلى فنّ في الكلام. وربّما هجموا على المقصود لأوّل كلامهم وأكثر ابتدائهم في قصائدهم باسم الشّاعر ثمّ بعد ذلك ينسبون. فأهل أمصار المغرب من العرب يسمّون هذه القصائد بالأصمعيّات نسبة إلى الأصمعيّ راوية العرب في أشعارهم. وأهل المشرق من العرب يسمّون هذا النّوع من الشّعر بالبدويّ والحورانيّ والقيسيّ. وربّما يلحنون فيه ألحانا بسيطة لا على طريقة الصّناعة الموسيقيّة. ثمّ يغنّون به ويسمّون الغناء به باسم الحورانيّ نسبة إلى حوران من أطراف العراق والشّام وهي من منازل العرب البادية ومساكنهم إلى هذا العهد.
ولهم فنّ آخر كثير التّداول في نظمهم يجيئون به معصّبا على أربعة أجزاء يخالف آخرها الثّلاثة في رويّه ويلتزمون القافية الرّابعة في كلّ بيت إلى آخر القصيدة شبيها بالمربّع والمخمّس الّذي أحدثه المتأخّرون من المولّدين. ولهؤلاء العرب في هذا الشّعر بلاغة فائقة وفيهم الفحول والمتأخّرون والكثير من المنتحلين للعلوم لهذا العهد وخصوصا علم اللّسان يستنكر صاحبها هذه الفنون الّتي لهم إذا سمعها ويمجّ نظمهم إذا أنشد ويعتقد أنّ ذوقه إنّما نبا عنها لاستهجانها وفقدان الإعراب منها. وهذا إنّما أتى من فقدان الملكة في لغتهم فلو حصلت له ملكة من ملكاتهم لشهد له طبعه وذوقه ببلاغتها إن كان سليما من الآفات في فطرته ونظره وإلّا فالإعراب لا مدخل له في البلاغة إنّما البلاغة مطابقة الكلام للمقصود ولمقتضى الحال من الوجود فيه سواء كان الرّفع دالّا على الفاعل والنّصب دالّا على المفعول أو بالعكس وإنّما يدلّ على ذلك قرائن الكلام كما هو في لغتهم هذه. فالدّلالة بحسب ما يصطلح عليه أهل الملكة فإذا عرف اصطلاح في ملكة واشتهر صحّة الدّلالة وإذا طابقت تلك الدّلالة المقصود ومقتضى الحال صحّت البلاغة ولا عبرة بقوانين النّحاة في ذلك. وأساليب الشّعر وفنونه موجودة في أشعارهم هذه ما عدا حركات الإعراب في أواخر الكلم فإنّ غالب كلماتهم موقوفة الآخر. ويتميّز
عندهم الفاعل من المفعول والمبتدأ من الخبر بقرائن الكلام لا بحركات الإعراب.
فمن أشعارهم على لسان الشّريف بن هاشم يبكي الجازية بنت سرحان، ويذكر ظعنها مع قومها إلى المغرب:
قال الشريف ابن هاشم علي
…
ترى كبدي حرّى شكت من زفيرها
يغزّ للإعلام أين ما رأت خاطري
…
يردّ غلام البدو يلوي عصيرها
وماذا شكاة الروح مما طرا لها
…
عداة وزائغ تلف الله خبيرها
يحسّ إن قطاع عامر ضميرها
…
طوى وهند جافي ذكيرها
وعادت كما خوارة في يد غاسل
…
على مثل شوك الطلح عقدوا يسيرها
تجابذوها اثنين والنزع بينهم
…
على شوك لعه والبقايا جريرها
وباتت دموع العين ذارفات لشأنها
…
شبيه دوّار السواني يديرها
تدارك منها النجم حذرا وزادها
…
مرون يجي متراكبا من صبيرها
يصبّ من القيعان من جانب الصّفا
…
عيون ولجاز البرق في غزيرها
هذا الغنى حتى تسابيت غزوة
…
ناضت من بغداد حتى فقيرها
ونادى المنادي بالرحيل وشدّوا
…
وعرج عاريها على مستعيرها
وشدّ لها الأدهم دياب بن غانم
…
على أيدين ماضي وليد مقرب ميرها
وقال لهم حسن بن سرحان غرّبوا
…
وسوقوا النجوع إن كان أنا هو غفيرها
ويركض وبيده شهامه بالتسامح
…
وباليمين لا يجدوا في مغيرها
غدرني زيان السيح من عابس
…
وما كان يرضى زين حمير وميرها
غدرني وهو زعما صديقي وصاحبي
…
وأناليه ما من درقتي ما يديرها
ورجع يقول لهم بلال بن هاشم
…
بحر البلاد العطشى ما بخيرها
حرام علي باب بغداد وأرضها
…
داخل ولا عائد ركيزه من نعيرها
تصدف روحي عن بلاد ابن هاشم
…
على الشمس أو حول الغظامن هجيرها
وباتت نيران العذارى قوادح
…
بلوذ وبجرجان يشدوا أسيرها
ومن قولهم في رثاء أمير زناتة أبي سعدى اليفرني مقارعهم بإفريقية وأرض الزاب ورثاؤهم له على جهة التهكّم:
تقول فتاة الحيّ [1] سعدى وهاضها
…
لها في ظعون الباكرين عويل
أيا سائلي عن قبر الزناتي خليفة
…
خذ النعت مني لا تكون هبيل
تراه يعالي وادي ران وفوقه
…
من الربط عيساوي بناه طويل
أراه يميل النور من شارع النقا
…
به الواد شرقا واليراع دليل
أيا لهف كبدي على الزناتي خليفة
…
قد كان لأعقاب الجياد سليل
قتيل فتى الهيجا دياب بن غانم
…
جراحة كأفواه المزاد تسيل
أيا جائزا مات الزناتي خليفة
…
لا ترحل إلا أن يريد رحيل
ألا واش رحّلنا ثلاثين مرة
…
وعشرا وستا في النهار قليل
ومن قولهم على لسان الشّريف بن هاشم يذكر عتابا وقع بينه وبين ماضي بن مقرب:
تبدّى ماضي الجبار وقال لي
…
أشكر ما نحنا عليك رضاش
أشكر أعد ما بقي ودّ بيننا
…
ورانا عريب عربا لابسين نماش
نحن غدينا نصدفو ما قضى لنا
…
كما صادفت طعم الزباد طشاش
أشكر أعد إلى يزيد ملامه
…
ليحدو ومن عمر بلاده عاش
ان كان نبت الشوك يلقح بأرضكم
…
هنا العرب ما زدنا لهن صياش
ومن قولهم في ذكر رحلتهم إلى الغرب وغلبهم زناتة عليه:
وأيّ جميل ضاع لي في الشريف بن هاشم
…
وأي رجال ضاع قبلي جميلها
[1] كذا. وفي ب: نقاة الخلد:
لقد كنت أنا وياه في زهو بيتنا
…
عناني بحجة ما غباني دليلها
وعدت كأني شارب من مدامة
…
من الخمر فهو ما قدر من يميلها
أو مثل شمطامات مظنون كبدها
…
غريبا وهي مدوّخه عن قبيلها
أتاها زمان السوء حتى تدوّحت
…
وهي بين عربا غافلا عن نزيلها
كذلك أنا مما لحاني من الوجى
…
شاكي بكبد باديتها زعيلها
وأمرت قومي بالرحيل وبكّروا
…
وقوّوا وشدّاد الحوايا حميلها
قعدنا سبعة أيام محبوس نجعنا
…
والبدو ما ترفع عمود يقيلها
نظلّ على حداب الثنايا نوازي
…
يظل الجرى فوق النضا ونصيلها
ومن شعر سلطان بن مظفّر بن يحيى من الزواودة [1] أحد بطون رياح وأهل الرئاسة فيهم، يقولها وهو معتقل بالمهديّة في سجن الأمير أبي زكريّا بن أبي حفص أوّل ملوك إفريقية من الموحّدين:
يقول وفي بوح الدجا بعد وهنة
…
حرام على أجفان عيني منامها
يا من لقلب حالف الوجد والأسى
…
وروح هيامي طال ما في سقامها
حجازية بدوية عربية
…
عداوية ولها بعيد مرامها
مولعة بالبدو لا تألف القرى
…
سوى عانك الوعسا يؤتي خيامها
غيات ومشتاها بها كل شتوة
…
ممحونة بيها وبيها صحيح غرامها
ومر باها عشب الأراضي من الحيا
…
يواتي من الخور الخلايا جسامها
تشوق شوق العين مما تداركت
…
عليها من السحب السواري عمامها
وماذا بكت بالما وماذا تناحطت
…
عيون غرار المزن عذبا حمامها
كأنّ عروس البكر لاحت ثيابها
…
عليها ومن نور الأقاحي خزامها
فلاة ودهنا واتساع ومنة
…
ومرعى سوى ما في مراعي نعامها
ومشروبها من مخض ألبان شولها
…
غنيم ومن لحم الجوازي طعامها
[1] كذا. وفي نسخة: الدواودة.
تفانت عن الأبواب والموقف الّذي
…
يشيب الفتى مما يقاسي زحامها
سقى الله ذا الوادي المشجر بالحيا
…
وبلا ويحيى ما بلي من رمامها
فكافأتها بالودّ مني وليتني
…
ظفرت بأيام مضت في ركامها
ليالي أقواس الصبا في سواعدي
…
إذا قمت لم تحظ من أيدي سهامها
وفرسي عديد تحت سرجي مشاقة
…
زمان الصبا سرجا وبيدي لجامها
وكم من رداح أسهرتني ولم أرى
…
من الخلق أبهى من نظام ابتسامها
وكم غيرها من كاعب مرجحنة
…
مطرّزة الأجفان باهي وشامها
وصفقت من وجدي عليها طريجة
…
بكفي ولم ينسى جداها ذمامها
ونار بخطب الوجد توهج في الحشا
…
وتوهج لا يطفأ من الماء ضرامها
أيا من وعدتي الوعد هذا إلى متى
…
فني العمر في دار عماني ظلامها
ولكن رأيت الشمس تكسف ساعة
…
ويغمى عليها ثم يبدأ غيامها
بنود ورايات من السعد أقبلت
…
إلينا بعون الله يهفو علامها
أرى في الفلا بالعين أظعان عزوتي
…
ورمحي على كتفي وسيري أمامها
بجرعا عتاق النوق من فوق شامس
…
أحب بلاد الله عندي حشامها
إلى منزل بالجعفرية للّوى
…
مقيم بها ما لذ عندي مقامها
ونلقى سراة من هلال بن عامر
…
يزيل الصدا والغل عني سلامها
بهم تضرب الأمثال شرقا ومغربا
…
إذا قاتلوا قوما سريع انهزامها
عليهم ومن هو في حمامهم تحية
…
مدى الدهر ما غنى يفينا حمامها
فدع ذا ولا تأسف على سالف مضى
…
فذي الدنيا ما دامت لأحد دوامها
ومن أشعار المتأخّرين منهم قول خالد بن حمزة بن عمر، شيخ الكعوب، من أولاد أبي اللّيل، يعاتب أقتالهم أولاد مهلهل ويجيب شاعرهم شبل بن مسكيانة بن مهلهل، عن أبيات فخر عليهم فيها بقومه:
يقول وذا قول المصاب الّذي نشا
…
قوارع قيعان يعاني صعابها
يريح بها حادي المصاب إذا سعى فنونا من إنشاد القوافي عذابها محيرة مختارة من نشادها تحدّى بها تام الوشا ملتهابها مغربلة عن ناقد في غضونها محكمة القيعان دأبي ودأبها وهيض بتذكاري لها يا ذوي الندى قوارع من شبل وهذي جوابها اشبل جنينا من حباك طرائفا فراح يريح الموجعين الغنا بها فخرت ولم تقصر ولا أنت عادم سوى قلت في جمهورها ما أعابها لقولك في أمّ المتين بن حمزة وحامي حماها عاديا في حرابها أما تعلم أنه قامها بعد ما لقي رصاص بني يحيى وغلاق دأبها شهابا من أهل الأمر يا شبل خارق وهل ريت من جا للوغى واصطلى بها سواها طفاها أضرمت بعد طفيه وأثنى طفاها جاسرا لا يهابها وأضرمت بعد الطفيتين ألن صحت لفاس إلى بيت المنى يقتدى بها وبان لوالي الأمر في ذا انشحابها فصار وهي عن كبر الاسنة تهابها كما كان هو يطلب على ذا تجنبت رجال بني كعب الّذي يتقى بها
ومنها في العتاب:
وليدا تعاتبتوا أنا أغنى لأنني
…
غنيت بمعلاق الثنا واغتصابها
عليّ ونا ندفع بها كل مبضع
…
بأسياف ننتاش العدا من رقابها
فإن كانت الأملاك بغت عرائس
…
علينا بأطراف القنا اختضابها
ولا بعدها الارهاف وذبل
…
وزرق كالسنة الحناش انسلابها
بني عمنا ما نرتضي الذل غلمه
…
تسير السبايا والمطايا ركابها
وهي عالما بأنّ المنايا تنيلها
…
بلا شك والدنيا سريع انقلابها
ومنها في وصف الظعائن:
قطعنا قطوع البيد لا نختشي العدا
…
فتوق بحوبات مخوف جنابها
ترى العين فيها قل لشبل عرائف
…
وكلّ مهاة محتظيها ربابها
ترى أهلها غبّ الصباح ان يفلها
…
بكل حلوب الجوف ما سدّ بابها
لها كل يوم في الأرامي قتائل
…
ورا الفاجر الممزوج عفو رضابها
ومن قولهم في الأمثال الحكميّة
وطلبك في الممنوع منك سفاهة
…
وصدّك عمن صدّ عنك صواب
إذا رأيت أناسا يغلقوا عنك بابهم
…
ظهور المطايا يفتح الله باب
ومن قول شبل يذكر انتساب الكعوب إلى برجم:
لشيب وشبان من أولاد برجم
…
جميع البرايا تشتكي من ضهادها
ومن قول خالد يعاتب إخوانه في موالاة شيخ الموحّدين أبي محمّد بن تافراكين المستبدّ بحجابة السلطان بتونس على سلطانها مكفولة أبي إسحاق ابن السلطان أبي يحيى وذلك فيما قرب من عصرنا:
يقول بلا جهل فتى الجود خالد
…
مقالة قوّال وقال صواب
مقالة حبر ذات ذهن ولم يكن
…
هريجا ولا فيما يقول ذهاب
تهجست معنا نابها لا لحاجة
…
ولا هرج ينقاد منه معاب
وكنت بها كبدي وهي نعم صابة
…
حزينة فكر والحزين يصاب
تفوّهت بادي شرحها عن مآرب
…
جرت من رجال في القبيل قراب
بني كعب أدنى الأقربين لدّمنا
…
بني عمّ منهم شائب وشباب
جرى عند فتح الوطن منا لبعضهم
…
مصافاة ودّ واتّساع جناب
وبعضهم ملنا له عن خصيمه
…
كما يعلموا قولي يقينه صواب
وبعضهمو مرهوب من بعض ملكنا
…
جزاعا وفي جوّ الضمير كتاب
وبعضهمو جانا جريحا تسمحت
…
خواطر منها للنزيل وهاب
وبعضهمو نظار فينا بسوّة
…
نقهناه حتى ما عنا به ساب
رجع ينتهي مما سفهنا قبيحه
…
مرارا وفي بعض المرار يهاب
وبعضهمو شاكي من أوغاد قادر
…
غلق عنه في أحكام السقائف باب
فصمناه عنه واقتضي منه مورد
…
على كره مولى البالقي ودياب
ونحن على دافي المدى نطلب العلا
…
لهم ما حططنا للفجور نقاب
وحزنا حمى وطن بترشيش بعد ما
…
نفقنا عليها سبقا ورقاب
ومهد من الأملاك ما كان خارجا
…
على أحكام والي أمرها له ناب
بردع قروم من قروم قبيلنا
…
بني كعب لاواها الغريم. وطاب
جرينا بهم عن كل تأليف في العدا
…
وقمنا لهم عن كل قيد مناب
إلى أن عاد من لا كان فيهم بهمة
…
ربيها وخيراته عليه نصاب
وركبوا السّبايا المثمنات من أهلها
…
ولبسوا من أنواع الحرير ثياب
وساقوا المطايا يا لشرا لا نسوا له
…
جماهير ما يغلو بها بجلاب
وكسبوا من أصناف السعايا ذخائر
…
ضخام لحزات الزمان تصاب
وعادوا نظير البرمكيين قبل ذا
…
وإلا هلالا في زمان دياب
وكانوا لنا درعا لكل مهمة
…
إلى أن بان من نار العدوّ شهاب
وخلوا الدار في جنح الظلام ولا اتقوا
…
ملامه ولا دار الكرام عتاب
كسوا الحي جلباب البهيم لستره
…
وهم لو دروا لبسوا قبيح جباب
كذلك منهم حانس ما دار النبا
…
ذهل حلمي ان كان عقله غاب
يظنّ ظنونا ليس نحن بأهلها
…
تمنى يكن له في السماح شعاب
خطا هو ومن واتاه في سوء ظنه
…
بالاثبات من ظنّ القبائح عاب
فوا عزوتي ان الفتى بو محمد
…
وهوب لآلاف بغير حساب
وبرحت الأوغاد منه ويحسبوا
…
بروحه ما يحيى بروح سحاب
جروا يطلبوا تحت السحاب شرائع
…
لقوا كل ما يستاملوه سراب
وهو لو عطى ما كان للرأي عارف
…
ولا كان في قلة عطاه صواب
وان نحن ما نستاملوا عنه راحة
…
وانه باسهام التلاف مصاب
وان ما وطا ترشيش يضياق وسعها
…
عليه ويمشي بالفزوع لزاب
وانه منها عن قريب مفاصل
…
خنوج عناز هوالها وقباب
وعن فاتنات الطرف بيض غوانج
…
ربوا خلف استار وخلف حجاب
يتيه إذا تاهوا ويصبوا إذا صبوا
…
بحسن قوانين وصوت رباب
يضلوه عن عدم اليمين وربّما
…
يطارح حتى ما كأنّه شاب
بهم حازله زمّه وطوع أوامر
…
ولذة مأكول وطيب شراب
حرام على ابن تافركين ما مضى
…
من الودّ إلّا ما بدل بحراب
وان كان له عقل رجيح وفطنة
…
يلجج في اليم الغريق غراب
وأما البدا لا بدّها من فياعل
…
كبار إلى أن تبقى الرجال كباب
ويحمي بها سوق علينا سلاعه
…
ويحمار موصوف القنا وجعاب
ويمسي غلام طالب ريح ملكنا
…
ندوما ولا يمسي صحيح بناب
أيا واكلين الخبز تبغوا أدامه
…
غلطتوا أدمتوا في السموم لباب
ومن شعر عليّ بن عمر بن إبراهيم من رؤساء بني عامر لهذا العهد أحد بطون زغبة يعاتب بني عمّه المتطاولين إلى رياسته:
محبرة كالدرّ في يد صانع
…
إذا كان في سلك الحرير نظام
أباحها منها فيه أسباب ما مضى
…
وشاء تبارك والضعون تسام
غدامنه لام الحيّ حيين وانشطت
…
عصاها ولا صبنا عليه حكام
ولكن ضميري يوم بان بهم إلينا
…
تبرّم على شوك القتاد برام
وإلا كأبراص التهامي قوادح
…
وبين عواج الكانفات ضرام
والا لكان القلب في يد قابض
…
أتاهم بمنشار القطيع غشام
لما قلت سما من شقا البين زارني
…
إذا كان ينادي بالفراق وخام
ألا يا ربوع كان بالأمس عامر
…
بيحيى وحله والقطين لمام
وغيد تداني للخطأ في ملاعب
…
دجى الليل فيهم ساهر ونيام
ونعم يشوف الناظرين التحامها
…
لنا ما بدا من مهرق وكظام
وعرود باسمها ليدعو لسربها
…
واطلاق من شرب المها ونعام
واليوم ما فيها سوى البوم حولها
…
ينوح على اطلال لها وخيام
وقفنا بها طورا طويلا نسألها
…
بعين سخينا والدموع سجام
ولا صحّ لي منها سوى وحش خاطري
…
وسقمي من أسباب إن عرفت أوهام
ومن بعد ذاتدّى لمنصور بو علي
…
سلام ومن بعد السلام سلام
وقولوا له يا بو ألوفا كلح رأيكم
…
دخلتم بحور غامقات دهام
زواخر ما تنقاس بالعود إنما
…
لها سيلات على الفضا وإكام
ولا قستمو فيها قياسا يدلكم
…
وليس البحور الطاميات تعام
وعانوا على هلكاتكم في ورودها
…
من الناس عدمان العقول لئام
أيا غزوة ركبوا الضلالة ولا لهم
…
قرار ولا دنيا لهن دوام
الا غناهمو لو ترى كيف زايهم
…
مثل سراب فلاة ما لهن تمام
خلو القنا يبغون في مرقب العلا
…
مواضع ما هيا لهم بمقام
وحق النبي والبيت وأركانه العلى
…
ومن زارها في كل دهر وعام
لبرّ الليالي فيه ان طالت الحيا
…
يذوقون من خمط الكساع مدام
ولا برها تبقى البوادي عواكف
…
بكل رديني مطرب وحسام
وكل مسافة كالسد إياه عابر
…
عليها من أولاد الكرام غلام
وكل كميت يكتعص عض نابه
…
يظل يصارع في العنان لجام
وتحمل بنا الأرض العقيمة مدة
…
وتولدنا من كل ضيق كظام
بالأبطال والقود الهجان وبالقنا
…
لها وقت وجنات البدور زحام
أتجحدني وأنا عقيد نقودها
…
وفي سن رمحي للحروب علام
ونحن كأضراس الموافي بنجعكم
…
حتى يقاضوا من ديون غرام
متى كان يوم القحط يا مير أبو علي
…
يلقى سعايا صائرين قدّام
كذلك بو حمو إلى اليسر ابعته
…
وخلى الجياد العاليات تسام
وخلّ رجالا لا يرى الضيم جارهم
…
ولا يجمعوا بدهى العدو زفام
ألا يقيموها وعقد بؤسهم
…
وهم عذر عنه دائما ودوام
وكم ثار طعنها على البدو سابق
…
ما بين صحاصيح وما بين حسام
فتى ثار قطار الصوى يومنا على
…
لنا أرض ترك الظاعنين زمام
وكم ذا يجيبوا أثرها من غنيمة
…
حليف الثنا قشاع كل غيام
وإن جاء خافوه الملوك ووسعوا
…
غدا طبعه يجدي عليه قيام
عليكم سلام الله من لسن فاهم
…
ما غنت الورقا وناح حمام
ومن شعر عرب نمر بنواحي حوران لامرأة قتل زوجها فبعثت إلى أحلافه من قيس تغريهم بطلب ثأره تقول:
تقول فتاة الحيّ أمّ سلامه
…
بعين أراع الله من لا رثى لها
تبيت بطول الليل ما تألف الكرى
…
موجعة كان الشقا في مجالها
على ما جرى في دارها وبو عيالها
…
بلحظة عين البين غير حالها
فقدنا شهاب الدين يا قيس كلكم
…
ونمتوا عن أخذ الثار ماذا مقالها
أنا قلت إذا ورد الكتاب يسرّني
…
ويبرد من نيران قلبي ذبالها
أيا حين تسريح الذوائب واللحى
…
وبيض العذارى ما حميتو جمالها