الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونصف ساعة وفي آخر الخامس إلى خمس عشرة ساعة وفي آخر السّادس إلى خمس عشرة ساعة ونصف وإلى آخر السّابع إلى ستّ عشرة ساعة وهنالك ينقطع العمران فيكون تفاوت هذه الأقاليم في الأطول من ليلها ونهارها بنصف ساعة لكلّ إقليم يتزايد من أوّله في ناحية الجنوب إلى آخره في ناحية الشّمال موزّعة على أجزاء هذا البعد. وأمّا عرض البلدان في هذه الأقاليم وهو عبارة عن بعد ما بين سمت رأس البلد ودائرة معدّل النّهار الّذي هو سمت رأس خطّ الاستواء وبمثله سواء ينخفض القطب الجنوبيّ عن أفق ذلك البلد ويرتفع القطب الشّماليّ عنه وهو ثلاثة أبعاد متساوية تسمّى عرض البلد كما مرّ ذلك قبل. والمتكلّمون على هذه الجغرافيا قسموا كلّ واحد من هذه الأقاليم السّبعة في طوله من المغرب إلى المشرق بعشرة أجزاء متساوية ويذكرون ما اشتمل عليه كلّ جزء منها من البلدان والأمصار والجبال والأنهار والمسافات بينها في المسالك ونحن الآن نوجز القول في ذلك ونذكر مشاهير البلدان والأنهار والبحار في كلّ جزء منها ونحاذي بذلك ما وقع في كتاب نزهة المشتاق الّذي ألّفه العلويّ الإدريسيّ الحمّوديّ لملك صقلّيّة من الإفرنج وهو زخّار بن زخّار [1] عند ما كان نازلا عليه بصقلّية بعد خروج صقلّيّة من إمارة مالقة وكان تأليفه للكتاب في منتصف المائة السّادسة وجمع له كتبا جمّة للمسعوديّ وابن خرداذبه والحوقليّ والقدريّ وابن إسحاق المنجّم وبطليموس وغيرهم ونبدأ منها ب
الإقليم الأوّل
إلى آخرها والله سبحانه وتعالى يعصمنا بمنّه وفضله.
الإقليم الأوّل،
وفيه من جهة غربيّه الجزائر الخالدات الّتي منها بدأ بطليموس بأخذ أطوال البلاد وليست في بسيط الإقليم وإنّما هي في البحر المحيط جزر متكثّرة أكبرها وأشهرها ثلاث ويقال إنّها معمورة وقد بلغنا أنّ سفائن من الإفرنج مرّت بها في أواسط هذه المائة وقاتلوهم فغنموا منهم وسبوا وباعوا بعض
[1] روجار الثاني.
أسراهم بسواحل المغرب الأقصى وصاروا إلى خدمة السّلطان فلمّا تعلّموا اللّسان العربيّ أخبروا عن حال جزائرهم وأنّهم يحتفرون الأرض للزّراعة بالقرون وأنّ الحديد مفقود بأرضهم وعيشهم من الشّعير وماشيتهم المعز وقتالهم بالحجارة يرمونها إلى خلف وعبادتهم السّجود للشّمس إذا طلعت ولا يعرفون دينا ولم تبلغهم دعوة ولا يوقف على مكان هذه الجزائر إلّا بالعثور لا بالقصد إليها لأنّ سفر السّفن في البحر إنّما هو بالرّياح ومعرفة جهات مهابّها وإلى أين يوصل إذا مرّت على الاستقامة من البلاد الّتي في ممرّ ذلك المهبّ وإذا اختلف المهبّ وعلم حيث يوصل على الاستقامة حوذي به القلع محاذاة يحمل السّفينة بها على قوانين في ذلك محصّلة عند النّواتية [1] والملّاحين الّذين هم رؤساء السّفن في البحر والبلاد الّتي في حافات البحر الرّوميّ وفي عدوته مكتوبة كلها في صحيفة على شكل ما هي عليه في الوجود وفي وضعها في سواحل البحر على ترتيبها ومهابّ الرّياح وممرّاتها على اختلافها معها في تلك الصّحيفة ويسمّونها الكنباص وعليها يعتمدون في أسفارهم وهذا كلّه مفقود في البحر المحيط فلذلك لا تلج فيه السّفن لأنّها إن غابت عن مرأى السّواحل فقلّ أن تهتدي إلى الرّجوع إليها مع ما ينعقد في جوّ هذا البحر وعلى سطح مائه من الأبخرة الممانعة للسّفن في مسيرها وهي لبعدها لا تدركها أضواء الشّمس المنعكسة من سطح الأرض فتحلّلها فلذلك عسر الاهتداء إليها وصعب الوقوف على خبرها. وأمّا الجزء الأوّل من هذا الإقليم ففيه مصبّ النّيل الآتي من مبدئه عند جبل القمر كما ذكرناه ويسمّى نيل السّودان ويذهب إلى البحر المحيط فيصبّ فيه عند جزيرة أوليك وعلى هذا النّيل مدينة سلا وتكرور وغانة وكلّها لهذا العهد في مملكة ملك مالي من أمم السّودان وإلى بلادهم تسافر تجّار المغرب الأقصى وبالقرب منها من شماليّها بلاد لمتونة وسائر طوائف الملثّمين ومفاوز يجولون فيها وفي جنوبيّ هذا النّيل قوم من السّودان يقال لهم
[1] بالعامية: الملاحون.
«لملم» وهم كفار ويكتوون في وجوههم وأصداغهم وأهل غانة والتّكرور يغيرون عليهم ويسبونهم ويبيعونهم للتّجّار فيجلبونهم إلى المغرب وكلّهم عامّة رقيقهم وليس وراءهم في الجنوب عمران يعتبر إلّا أناسيّ أقرب إلى الحيوان العجم من النّاطق يسكنون الفيافي والكهوف ويأكلون العشب والحبوب غير مهيّأة وربّما يأكل بعضهم بعضا وليسوا في عداد البشر. وفواكه بلاد السّودان كلّها من قصور صحراء المغرب مثل توات وتكدرارين ووركلان. فكان في غانة فيما يقال ملك ودولة لقوم من العلويّين يعرفون ببني صالح وقال صاحب كتاب روجار إنّه صالح بن عبد الله بن حسن بن الحسن ولا يعرف صالح هذا في ولد عبد الله بن حسن وقد ذهبت هذه الدّولة لهذا العهد وصارت غانة لسلطان مالي وفي شرقيّ هذا البلد في الجزء الثّالث من الإقليم بلد (كوكو) على نهر ينبع من بعض الجبال هنالك ويمرّ مغرّبا فيغوص في رمال الجزء الثّاني وكان ملك كوكو قائما بنفسه ثمّ استولى عليها سلطان مالي وأصبحت في مملكته وخربت لهذا العهد من أجل فتنة وقعت هناك نذكرها عند ذكر دولة مالي في محلّها من تاريخ البربر وفي جنوبيّ بلد كوكو بلاد كاتم [1] من أمم السّودان وبعدهم ونغارة على ضفّة النّيل من شماليّه وفي شرقيّ بلاد ونغارة وكاتم بلاد زغاوة وتاجرة المتّصلة بأرض النّوبة في الجزء الرّابع من هذا الإقليم وفيه يمرّ نيل مصر ذاهبا من مبدئه عند خطّ الاستواء إلى البحر الرّوميّ في الشّمال ومخرج هذا النّيل من جبل القمر الّذي فوق خطّ الاستواء بستّ عشرة درجة واختلفوا في ضبط هذه اللّفظة فضبطها بعضهم بفتح القاف والميم نسبة إلى قمر السّماء لشدّة بياضه وكثرة ضوءه وفي كتاب المشترك لياقوت بضمّ القاف وسكون الميم نسبة إلى قوم من أهل الهند وكذا ضبطه ابن سعيد فيخرج من هذا الجبل عشر عيون تجتمع كلّ خمسة منها في بحيرة وبينهما ستّة أميال ويخرج من كلّ واحدة من البحيرتين ثلاثة أنهار تجتمع كلّها في بطيحة
[1] كانم وليس كاتم: بكسر النون من بلاد البربر بأقصى الغرب في بلاد السودان وقيل كانم صنف من السودان. (معجم البلدان)
واحدة في أسفلها جبل معترض يشقّ البحيرة من ناحية الشّمال وينقسم ماؤها بقسمين فيمرّ الغربيّ منه إلى بلاد السّودان مغرّبا حتّى يصبّ في البحر المحيط ويخرج الشّرقيّ منه ذاهبا إلى الشّمال على بلاد الحبشة والنّوبة وفيما بينهما وينقسم في أعلى أرض مصر فيصبّ ثلاثة من جداوله في البحر الرّوميّ عند الإسكندريّة ورشيد ودمياط ويصبّ واحد في بحيرة ملحة قبل أن يتّصل بالبحر في وسط هذا الإقليم الأوّل وعلى هذا النّيل بلاد النّوبة والحبشة وبعض بلاد الواحات إلى أسوان وحاضرة بلاد النّوبة مدينة دنقلة وهي في غربيّ هذا النّيل وبعدها علوة وبلاق [1] وبعدهما جبل الجنادل على ستّة مراحل من بلاق في الشّمال وهو جبل عال من جهة مصر ومنخفض من جهة النّوبة فينفذ فيه النّيل ويصبّ في مهوى بعيد صبّا هائلا فلا يمكن أن تسلكه المراكب بل يحول الوسق من مراكب السودان فيحمل على الظّهر إلى بلد أسوان قاعدة الصّعيد إلى فوق الجنادل وبين الجنادل وأسوان اثنتا عشرة مرحلة والواحات في غربيّها عدوة النّيل وهي الآن خراب وبها آثار العمارة القديمة. وفي وسط هذا الإقليم في الجزء الخامس منه بلاد الحبشة على واد يأتي من وراء خطّ الاستواء ذاهبا إلى أرض النّوبة فيصبّ هناك في النّيل الهابط إلى مصر وقد وهم فيه كثير من النّاس وزعموا أنّه من نيل القمر وبطليموس ذكره في كتاب الجغرافيا وذكر أنّه ليس من هذا النّيل. وإلى وسط هذا الإقليم في الجزء الخامس ينتهي بحر الهند الّذي يدخل من ناحية الصّين ويغمر عامّة هذا الإقليم إلى هذا الجزء الخامس فلا يبقى فيه عمران إلّا ما كان في الجزائر الّتي في داخله وهي متعدّدة يقال تنتهي إلى ألف جزيرة أو فيما على سواحله من جهة الشّمال وليس منها في هذا الإقليم الأوّل إلّا طرف من بلاد الصّين في جهة الشّرق وفي بلاد اليمن. وفي الجزء السّادس من هذا الإقليم فيما بين البحرين الهابطين من هذا البحر الهنديّ إلى جهة الشّمال وهما بحر قلزم
[1] بلاق: هي- بولاق.
وبحر فارس وفيما بينهما جزيرة العرب وتشتمل على بلاد اليمن وبلاد الشّحر [1] في شرقيّها على ساحل هذا البحر الهنديّ وعلى بلاد الحجاز واليمامة وما إليهما كما نذكره في الإقليم الثّاني وما بعده فأمّا الّذي على ساحل هذا البحر من غربيّه فبلد زالع من أطراف بلاد الحبشة ومجالات البجّة [2] في شماليّ الحبشة ما بين جبل العلّاقيّ في أعالي الصّعيد وبين بحر القلزم الهابط من البحر الهنديّ وتحت بلاد زالع من جهة الشّمال في هذا الجزء خليج باب المندب يضيق البحر الهابط هنالك بمزاحمة جبل المندب المائل في وسط البحر الهنديّ ممتدّا مع ساحل اليمن من الجنوب إلى الشّمال في طول اثني عشر ميلا فيضيق البحر بسبب ذلك إلى أن يصير في عرض ثلاثة أميال أو نحوها ويسمّى باب المندب وعليه تمرّ مراكب اليمن إلى ساحل السّويس قريبا من مصر وتحت باب المندب جزيرة سواكن ودهلك وقبالته من غربيه مجالات البجّة من أمم السّودان كما ذكرناه ومن شرقيّه في هذا الجزء تهائم اليمن ومنها على ساحله بلد عليّ بن يعقوب وفي جهة الجنوب من بلد زالع وعلى ساحل هذا البحر من غربيّه قرى بربر يتلو بعضها بعضا وينعطف من جنوبيّه إلى آخر الجزء السّادس ويليها هنالك من جهة شرقيّها بلاد الزّنج ثمّ بلاد سفالة من ساحله الجنوبيّ بلاد الوقواق متّصلة إلى آخر الجزء العاشر من هذا الإقليم عند مدخل هذا البحر من البحر المحيط. وأمّا جزائر هذا البحر فكثيرة.
من أعظمها جزيرة سرنديب مدوّرة الشّكل. وبها الجبل المشهور يقال ليس في الأرض أعلى منه وهي قبالة سفالة. ثمّ جزيرة القمر وهي جزيرة مستطيلة تبدأ من قبالة أرض سفالة وتذهب إلى الشّرق منحرفة بكثير إلى أن تقرب من سواحل أعالي الصّين ويحتفّ بها في هذا البحر من جنوبيّها جزائر الوقواق ومن شرقيّها جزائر السّيلان إلى جزائر أخر في هذا البحر كثيرة العدد وفيها أنواع الطّيب
[1] الشحر: ساحل اليمن وقيل الساحل ما بين عدن وعمان.
[2]
ويقال أيضا البجاة واما زالع فهي زيلع: مجموعة قبائل تسكن ما بين النيل والبحر الأحمر.