الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأجري الخلاف بين المتمسّكين بها والآخذين بأحكامها مجرى الخلاف في النّصوص الشّرعيّة والأصول الفقهيّة. وجرت بينهم المناظرات في تصحيح كلّ منهم مذهب إمامه تجري على أصول صحيحة وطرائق قويمة يحتجّ بها كلّ على صحّة مذهبه الّذي قلّده وتمسّك به وأجريت في مسائل الشّريعة كلّها وفي كلّ باب من أبواب الفقه فتارة يكون الخلاف بين الشّافعيّ ومالك وأبو حنيفة يوافق أحدهما وتارة بين مالك وأبي حنيفة والشّافعيّ يوافق أحدهما وتارة بين الشّافعيّ وأبي حنيفة ومالك يوافق أحدهما وكان في هذه المناظرات بيان مآخذ هؤلاء الأئمّة ومثارات اختلافهم ومواقع اجتهادهم. كان هذا الصّنف من العلم يسمّى بالخلافيّات. ولا بدّ لصاحبه من معرفة القواعد الّتي يتوصّل بها إلى استنباط الأحكام كما يحتاج إليها المجتهد إلّا أنّ المجتهد يحتاج إليها للاستنباط وصاحب الخلافيّات يحتاج إليها لحفظ تلك المسائل المستنبطة من أن يهدمها المخالف بأدلّته. وهو لعمري علم جليل الفائدة في معرفة مآخذ الأئمّة وأدلّتهم ومران [1] المطالعين له على الاستدلال فيما يرومون الاستدلال عليه.
وتآليف الحنفيّة والشّافعيّة فيه أكثر من تآليف المالكيّة لأنّ القياس عند الحنفيّة أصل للكثير من فروع مذهبهم كما عرفت فهم لذلك أهل النّظر والبحث. وأمّا المالكيّة فالأثر أكثر معتمدهم وليسوا بأهل نظر وأيضا فأكثرهم أهل الغرب وهم بادية غفل من الصّنائع إلّا في الأقلّ. وللغزاليّ رحمه الله تعالى فيه كتاب المآخذ ولأبي بكر العربيّ من المالكيّة كتاب التّلخيص جلبه من المشرق. ولأبي زيد الدّبّوسيّ كتاب التّعليقة ولابن القصّار من شيوخ المالكيّة عيون الأدلّة وقد جمع ابن السّاعاتيّ في مختصره في أصول الفقه جميع ما يبنى عليها من الفقه الخلافيّ مدرجا في كلّ مسألة ما يبنى عليها من الخلافيّات.
وأما الجدال
وهو معرفة آداب المناظرة الّتي تجري بين أهل المذاهب
[1] وفي النسخة الباريسية: وميزات.
الفقهيّة وغيرهم فإنّه لمّا كان باب المناظرة في الرّدّ والقبول متّسعا وكلّ واحد من المتناظرين في الاستدلال والجواب يرسل عنانه في الاحتجاج. ومنه ما يكون صوابا ومنه ما يكون خطأ فاحتاج الأئمّة إلى أن يضعوا آدابا وأحكاما يقف المتناظران عند حدودها في الرّدّ والقبول وكيف يكون حال المستدلّ والمجيب وحيث يسوغ له أن يكون مستدلا وكيف يكون مخصوصا [1] منقطعا ومحلّ اعتراضه أو معارضته وأين يجب عليه السّكوت ولخصمه الكلام والاستدلال.
ولذلك قيل فيه إنّه معرفة بالقواعد من الحدود والآداب في الاستدلال الّتي يتوصّل بها إلى حفظ رأي وهدمه سواء كان ذلك الرّأي من الفقه أو غيره. وهي طريقتان طريقة البزدويّ وهي خاصّة بالأدلّة الشّرعيّة من النّصّ والإجماع والاستدلال وطريقة العميديّ وهي عامّة في كلّ دليل يستدلّ به من أيّ علم كان وأكثره استدلال. وهو من المناحي الحسنة والمغالطات فيه في نفس الأمر كثيرة. وإذا اعتبرنا النّظر المنطقيّ كان في الغالب أشبه بالقياس المغالطيّ والسّوفسطائيّ.
إلّا أنّ صور الأدلّة والأقيسة فيه محفوظة مراعاة يتحرّى فيها طرق الاستدلال كما ينبغي. وهذا العميديّ هو أوّل من كتب فيها ونسبت الطّريقة إليه. وضع الكتاب المسمّى بالإرشاد مختصرا وتبعه من بعده من المتأخّرين كالنّسفيّ وغيره جاءوا على أثره وسلكوا مسلكه وكثرت في الطّريقة التّآليف. وهي لهذا العهد مهجورة لنقص العلم والتّعليم في الأمصار الإسلاميّة. وهي مع ذلك كماليّة وليست ضروريّة والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التّوفيق.
[1] وفي نسخة أخرى: مخصوصا.