الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والإدبار به. وكذا تركيب الأفلاك في طبقاتها وكذا الرّجوع والاستقامة وأمثال ذلك. وكان اليونانيّون يعتنون بالرّصد كثيرا ويتّخذون له الآلات الّتي توضع ليرصد بها حركة الكوكب المعيّن. وكانت تسمّى عندهم ذات الحلق وصناعة عملها والبراهين عليه في مطابقة حركتها بحركة الفلك منقول بأيدي النّاس.
وأمّا في الإسلام فلم تقع به عناية إلّا في القليل. وكان في أيّام المأمون شيء منه وصنع هذه الآلة المعروفة للرّصد المسمّاة ذات الحلق. وشرع في ذلك فلم يتمّ.
ولمّا مات ذهب رسمه وأغفل واعتمد من بعده على الأرصاد القديمة وليست بمغنيّة لاختلاف الحركات باتّصال الأحقاب. وأنّ مطابقة حركة الآلة للرّصد بحركة الأفلاك والكواكب إنّما هو بالتّقريب. وهذه الهيئة صناعة شريفة وليست على ما يفهم في المشهور أنّها تعطي صورة السّماوات وترتيب الأفلاك والكواكب بالحقيقة بل إنّما تعطي أنّ هذه الصّور والهيئات للأفلاك لزمت عن هذه الحركات. وأنت تعلم أنّه لا يبعد أن يكون الشّيء الواحد لازما لمختلفين وإن قلنا إنّ الحركات لازمة فهو استدلال باللّازم على وجود الملزوم ولا يعطي الحقيقة بوجه على أنّه علم جليل وهو أحد أركان التّعاليم. ومن أحسن التّآليف فيه كتاب المجسطي منسوب لبطليموس. وليس من ملوك اليونان الّذين أسماؤهم بطليموس على ما حقّقه شرّاح الكتاب. وقد اختصره الأئمّة من حكماء الإسلام كما فعله ابن سينا وأدرجه في تعاليم الشّفاء. ولخّصه ابن رشد أيضا من حكماء الأندلس وابن السّمح وابن أبي الصّلت في كتاب الاقتصار. ولابن الفرغانيّ هيئة ملخّصة قرّبها وحذف براهينها الهندسيّة. والله علّمّ الإنسان ما لم يعلم. سبحانه لا إله إلّا هو ربّ العالمين.
ومن فروعه علم الأزياج [1]
.
وهي صناعة حسابيّة على قوانين عدديّة فيما يخصّ كلّ كوكب من طريق حركته وما أدّى إليه برهان الهيئة في وضعه من سرعة وبطء واستقامة ورجوع وغير ذلك يعرف به مواضع
[1] وفي النسخة الباريسية: حساب الأزياج. وفي نسخة أخرى حساب الزيج.
الكواكب في أفلاكها لأيّ وقت فرض من قبل حسبان حركاتها على تلك القوانين المستخرجة من كتب الهيئة. ولهذه الصّناعة قوانين كالمقدّمات والأصول لها في معرفة الشّهور والأيّام والتّواريخ الماضية وأصول متقرّرة من معرفة الأوج والحضيض والميول وأصناف الحركات واستخراج بعضها من بعض يضعونها في جدول مرتّبة تسهيلا على المتعلّمين وتسمّى الأزياج، ويسمّى استخراج مواضع الكواكب للوقت المفروض لهذه الصّناعة تعديلا وتقويما. وللنّاس فيه تآليف كثيرة للمتقدّمين والمتأخّرين مثل البتّانيّ [1] وابن الكمّاد. وقد عوّل المتأخّرون لهذا العهد بالمغرب على زيج منسوب لابن إسحاق من منجّمي تونس في أوّل المائة السّابعة. ويزعمون أنّ ابن إسحاق عوّل فيه على الرّصد. وأنّ يهوديّا كان بصقلّيّة ماهرا في الهيئة والتّعاليم وكان قد عني بالرّصد وكان يبعث إليه بما يقع في ذلك [2] من أحوال الكواكب وحركاتها فكان أهل المغرب لذلك عنوا به لوثاقة مبناه على ما يزعمون. ولخّصه ابن البنّاء في آخر سمّاه المنهاج فولع به النّاس لما سهل من الأعمال فيه وإنّما يحتاج إلى مواضع الكواكب من الفلك لتبتني عليها الأحكام النّجوميّة وهو معرفة الآثار الّتي تحدث عنها بأوضاعها في عالم الإنسان من الملك والدّول والمواليد البشريّة والكوائن الحادثة كما نبيّنه بعد ونوضح فيه أدلّتهم إن شاء الله تعالى. والله الموفّق لما يحبّه ويرضاه لا معبود سواه.
[1] قوله البتاني بفتح الموحدة وتشديد المثناة كما ضبطه ابن خلكان في ترجمته قبيل آخر المحمدين.
[2]
وفي النسخة الباريسية: بما يصح له من ذلك..