المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل العاشر في علم الكلام - تاريخ ابن خلدون - جـ ١

[ابن خلدون]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الأول]

- ‌المؤلف والكتاب

- ‌كلمة الناشر

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌المقدمة في فضل علم التّاريخ وتحقيق مذاهبه والالماع لما يعرض للمؤرخين من المغالط وذكر شيء من أسبابها

- ‌فصل

- ‌الكتاب الأول في طبيعة العمران في الخليقة وما يعرض فيها من البدو والحضر والتغلب والكسب والمعاش والصنائع والعلوم ونحوها وما لذلك من العلل والأسباب

- ‌الباب الأوّل من الكتاب الأول في العمران البشري على الجملة وفيه مقدمات

- ‌الأولى في أنّ الاجتماع الإنسانيّ ضروريّ

- ‌المقدمة الثانية في قسط العمران من الأرض والإشارة إلى بعض ما فيه من الأشجار [1] والأنهار والأقاليم

- ‌تكملة لهذه المقدمة الثانية في أن الربع الشمالي من الأرض أكثر عمرانا من الربع الجنوبي وذكر السبب في ذلك

- ‌تفصيل الكلام على هذه الجغرافيا

- ‌الإقليم الأوّل

- ‌الإقليم الثّاني:

- ‌الإقليم الثّالث:

- ‌الإقليم الرّابع:

- ‌ الإقليم الخامس

- ‌الإقليم السّادس

- ‌ الإقليم السّابع

- ‌المقدمة الثالثة في المعتدل من الأقاليم والمنحرف وتأثير الهواء في ألوان البشر والكثير في أحوالهم

- ‌المقدمة الرابعة في أثر الهواء في أخلاق البشر

- ‌المقدمة الخامسة في اختلاف أحوال العمران في الخصب والجوع وما ينشأ عن ذلك من الآثار في أبدان البشر وأخلاقهم

- ‌المقدمة السادسة في أصناف المدركين من البشر بالفطرة أو الرياضة ويتقدمه الكلام في الوحي والرؤيا

- ‌ولنذكر الآن تفسير حقيقة النبوة على ما شرحه كثير من المحققين ثم نذكر حقيقة الكهانة ثم الرؤيا ثم شان العرافين وغير ذلك من مدارك الغيب

- ‌أصناف النفوس البشرية

- ‌الوحي

- ‌الكهانة

- ‌الرؤيا

- ‌فصل:

- ‌فصل:

- ‌فصل

- ‌الباب الثاني في العمران البدويّ والأمم الوحشية والقبائل وما يعرض في ذلك من الأحوال وفيه فصول وتمهيدات

- ‌الفصل الأول في أن أجيال البدو والحضر طبيعية

- ‌الفصل الثاني في أن جيل العرب في الخلقة طبيعيّ

- ‌الفصل الثالث في أن البدو أقدم من الحضر وسابق عليه وان البادية أصل العمران والأمصار مدد لها

- ‌الفصل الرابع في أن أهل البدو أقرب إلى الخير من أهل الحضر

- ‌الفصل الخامس في أن أهل البدو أقرب إلى الشجاعة من أهل الحضر

- ‌الفصل السادس في أن معاناة أهل الحضر للأحكام مفسدة للبأس فيهم ذاهبة بالمنعة منهم

- ‌الفصل السابع في أن سكنى البدو لا تكون إلا للقبائل أهل العصبية

- ‌الفصل الثامن في أن العصبية إنما تكون من الالتحام بالنسب أو ما في معناه

- ‌الفصل التاسع في أن الصريح من النسب إنما يوجد للمتوحشين في القفر من العرب ومن في معناهم

- ‌الفصل العاشر في اختلاط الأنساب كيف يقع

- ‌الفصل الحادي عشر [1] في أن الرئاسة لا تزال في نصابها المخصوص من أهل العصبية

- ‌الفصل الثاني عشر في ان الرئاسة على أهل العصبية لا تكون في غير نسبهم

- ‌الفصل الثالث عشر في أن البيت والشرف بالاصالة والحقيقة لأهل العصبية ويكون لغيرهم بالمجاز والشبه

- ‌الفصل الرابع عشر في أن البيت والشرف للموالي وأهل الاصطناع إنما هو بمواليهم لا بأنسابهم

- ‌الفصل الخامس عشر في أن نهاية الحسب في العقب الواحد أربعة اباء

- ‌الفصل السادس عشر في أن الأمم الوحشية أقدر على التغلب ممن سواها

- ‌الفصل السابع عشر في ان الغاية التي تجري إليها العصبية هي الملك

- ‌الفصل الثامن عشر في أن من عوائق الملك حصول الترف وانغماس القبيل في النعيم

- ‌الفصل التاسع عشر في أن من عوائق الملك المذلة للقبيل والانقياد إلى سواهم

- ‌الفصل العشرون في أن من علامات الملك التنافس في الخلال الحميدة وبالعكس

- ‌الفصل الحادي والعشرون في أنه إذا كانت الأمة وحشية كان ملكها أوسع

- ‌الفصل الثاني والعشرون في أن الملك إذا ذهب عن بعض الشعوب من أمة فلا بد من عوده إلى شعب آخر منها ما دامت لهم العصبية

- ‌الفصل الثالث والعشرون في أن المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده

- ‌الفصل الرابع والعشرون في أن الأمة إذا غلبت وصارت في ملك غيرها أسرع إليها الفناء

- ‌الفصل الخامس والعشرون في أن العرب لا يتغلبون إلا على البسائط

- ‌الفصل السادس والعشرون في أن العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب

- ‌الفصل السابع والعشرون في أن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية من نبوة أو ولاية أو أثر عظيم من الدين على الجملة

- ‌الفصل الثامن والعشرون في أن العرب أبعد الأمم عن سياسة الملك

- ‌الفصل التاسع والعشرون في أن البوادي من القبائل والعصائب مغلوبون لأهل الأمصار

- ‌الباب الثالث من الكتاب الأول في الدول العامة والملك والخلافة والمراتب السلطانية وما يعرض في ذلك كله من الأحوال وفيه قواعد ومتممات

- ‌الفصل الأول في أن الملك والدولة العامة إنما يحصلان بالقبيل والعصبية

- ‌الفصل الثاني في أنه إذا استقرت الدولة وتمهدت فقد تستغني عن العصبية

- ‌الفصل الثالث في أنه قد يحدث لبعض أهل النصاب الملكي دولة تستغني عن العصبية

- ‌الفصل الرابع في أن الدول العامة الاستيلاء العظيمة الملك أصلها الدين اما من نبوة أو دعوة حق

- ‌الفصل الخامس في أن الدعوة الدينية تزيد الدولة في أصلها قوة على قوة العصبية التي كانت لها من عددها

- ‌الفصل السادس في أن الدعوة الدينية من غير عصبية لا تتم

- ‌الفصل السابع في أن كل دولة لها حصة من الممالك والأوطان لا تزيد عليها

- ‌الفصل الثامن في أن عظم الدولة واتساع نطاقها وطول أمدها على نسبة القائمين بها في القلة والكثرة

- ‌الفصل التاسع في ان الأوطان الكثيرة القبائل والعصائب قل ان تستحكم فيها دولة

- ‌الفصل العاشر في ان من طبيعة الملك الانفراد بالمجد

- ‌الفصل الحادي عشر في ان من طبيعة الملك الترف

- ‌الفصل الثاني عشر في ان من طبيعة الملك الدعة والسكون

- ‌الفصل الثالث عشر في أنه إذا تحكمت طبيعة الملك من الانفراد بالمجد وحصول الترف والدعة أقبلت الدولة على الهرم

- ‌الفصل الرابع عشر في أن الدولة لها أعمار طبيعية كما للأشخاص

- ‌الفصل الخامس عشر في انتقال الدولة من البداوة إلى الحضارة

- ‌الفصل السادس عشر في أن الترف يزيد الدولة في أولها قوة إلى قوتها

- ‌الفصل السابع عشر في أطوار الدولة واختلاف أحوالها وخلق أهلها باختلاف الأطوار

- ‌الفصل الثامن عشر في أن آثار الدولة كلها على نسبة قوتها في أصلها

- ‌الفصل التاسع عشر في استظهار صاحب الدولة على قومه وأهل عصبيته بالموالي والمصطنعين

- ‌الفصل العشرون في أحوال الموالي والمصطنعين في الدول

- ‌الفصل الحادي والعشرون فيما يعرض في الدول من حجر السلطان والاستبداد عليه

- ‌الفصل الثاني والعشرون في ان المتغلبين على السلطان لا يشاركونه في اللقب الخاص بالملك

- ‌الفصل الثالث والعشرون في حقيقة الملك وأصنافه

- ‌الفصل الرابع والعشرون في أن إرهاف الحد مضرّ بالملك ومفسد له في الأكثر

- ‌الفصل الخامس والعشرون في معنى الخلافة والإمامة

- ‌الفصل السادس والعشرون في اختلاف الأمة في حكم هذا المنصب وشروطه

- ‌الفصل السابع والعشرون في مذاهب الشيعة في حكم الإمامة

- ‌الفصل الثامن والعشرون في انقلاب الخلافة إلى الملك

- ‌الفصل التاسع والعشرون في معنى البيعة

- ‌الفصل الثلاثون في ولاية العهد

- ‌وعرض هنا أمور تدعو الضّرورة إلى بيان الحقّ فيها

- ‌فالأول منها ما حدث في يزيد من الفسق أيّام خلافته

- ‌والأمر الثّاني هو شأن العهد مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم وما تدّعيه الشّيعة من وصيّته لعليّ رضي الله عنه

- ‌والأمر الثّالث شأن الحروب الواقعة في الإسلام بين الصّحابة والتّابعين

- ‌الفصل الحادي والثلاثون في الخطط الدينية الخلافية

- ‌فأمّا إمامة الصّلاة

- ‌وأمّا الفتيا

- ‌وأمّا القضاء

- ‌العدالة:

- ‌الحسبة والسكة

- ‌الفصل الثاني والثلاثون في اللقب بأمير المؤمنين وانه من سمات الخلافة وهو محدث منذ عهد الخلفاء

- ‌الفصل الثالث والثلاثون في شرح اسم البابا والبطرك في الملة النصرانية واسم الكوهن عند اليهود

- ‌الفصل الرابع والثلاثون في مراتب الملك والسلطان والقابها

- ‌ الوزارة

- ‌الحجابة:

- ‌ديوان الأعمال والجبايات

- ‌ديوان الرسائل والكتابة

- ‌الشرطة:

- ‌قيادة الأساطيل:

- ‌الفصل الخامس والثلاثون في التفاوت بين مراتب السيف والقلم في الدول

- ‌الفصل السادس والثلاثون في شارات الملك والسلطان الخاصة به

- ‌الآلة:

- ‌السرير:

- ‌السكة:

- ‌مقدار الدرهم والدينار الشرعيين

- ‌الخاتم

- ‌الطراز:

- ‌الفساطيط والسياج

- ‌المقصورة للصلاة والدعاء في الخطبة

- ‌الفصل السابع والثلاثون في الحروب ومذاهب الأمم وترتيبها

- ‌الفصل الثامن والثلاثون في الجباية وسبب قلتها وكثرتها

- ‌الفصل التاسع والثلاثون في ضرب المكوس أواخر الدولة

- ‌الفصل الأربعون في أن التجارة من السلطان مضرة بالرعايا ومفسدة للجباية

- ‌الفصل الحادي والأربعون في أن ثروة السلطان وحاشيته إنما تكون في وسط الدولة

- ‌فصل:

- ‌الفصل الثاني والأربعون في أن نقص العطاء من السلطان نقص في الجباية

- ‌الفصل الثالث والأربعون في أن الظلم مؤذن بخراب العمران

- ‌فصل:

- ‌الاحتكار:

- ‌الفصل الرابع والأربعون في أن الحجاب كيف يقع في الدول وفي أنه يعظم عند الهرم

- ‌الفصل الخامس والأربعون في انقسام الدولة الواحدة بدولتين

- ‌الفصل السادس والأربعون في أن الهرم إذا نزل بالدولة لا يرتفع

- ‌الفصل السابع والأربعون في كيفية طروق الخلل للدولة

- ‌الفصل الثامن والأربعين فصل في اتساع الدولة أولا إلى نهايته ثم تضايقه طورا بعد طور إلى فناء الدولة واضمحلالها [1]

- ‌الفصل التاسع والأربعون في حدوث الدولة وتجددها كيف يقع

- ‌الفصل الخمسون في ان الدولة المستجدة إنما تستولي على الدولة المستقرة بالمطاولة لا بالمناجزة

- ‌الفصل الحادي والخمسون في وفور العمران اخر الدولة وما يقع فيها من كثرة الموتان والمجاعات

- ‌الفصل الثاني والخمسون في أن العمران البشري لا بد له من سياسة ينتظم بها أمره

- ‌الفصل الثالث والخمسون في أمر الفاطمي وما يذهب إليه الناس في شأنه وكشف الغطاء عن ذلك

- ‌الفصل الرابع والخمسون في ابتداء الدول والأمم وفي الكلام على الملاحم والكشف عن مسمى الجفر

- ‌الباب الرابع من الكتاب الأول في البلدان والأمصار وسائر العمران وما يعرض في ذلك من الأحوال وفيه سوابق ولواحق

- ‌الفصل الأول في أن الدول من المدن والأمصار وأنها إنما توجد ثانية عن الملك

- ‌الفصل الثاني في أن الملك يدعو إلى نزول الأمصار

- ‌الفصل الثالث في أن المدن العظيمة والهياكل المرتفعة إنما يشيدها الملك الكثير

- ‌الفصل الرابع في أن الهياكل العظيمة جدا لا تستقل ببنائها الدولة الواحدة

- ‌الفصل الخامس فيما تجب مراعاته في أوضاع المدن وما يحدث إذا غفل عن المراعاة

- ‌الفصل السادس في المساجد والبيوت العظيمة في العالم

- ‌الفصل السابع في أن المدن والأمصار بإفريقية والمغرب قليلة

- ‌الفصل الثامن في أن المباني والمصانع في الملة الإسلامية قليلة بالنسبة إلى قدرتها وإلى من كان قبلها من الدول

- ‌الفصل التاسع في أن المباني التي كانت تختطها العرب يسرع إليها الخراب إلا في الأقل

- ‌الفصل العاشر في مبادي الخراب في الأمصار

- ‌الفصل الحادي عشر في ان تفاضل الأمصار والمدن في كثرة الرزق لأهلها ونفاق الأسواق إنما هو في تفاضل عمرانها في الكثرة والقلة

- ‌الفصل الثاني عشر في أسعار المدن

- ‌الفصل الثالث عشر في قصور أهل البادية عن سكنى المصر الكثير العمران

- ‌الفصل الرابع عشر في أن الأقطار في اختلاف أحوالها بالرفه والفقر مثل الأمصار

- ‌الفصل الخامس عشر في تأثل العقار والضياع في الأمصار وحال فوائدها ومستغلاتها

- ‌الفصل السادس عشر في حاجات المتمولين من أهل الأمصار إلى الجاه والمدافعة

- ‌الفصل السابع عشر في أن الحضارة في الأمصار من قبل الدول وأنها ترسخ باتصال الدولة ورسوخها

- ‌الفصل الثامن عشر في أن الحضارة غاية العمران ونهاية لعمره وانها مؤذنة بفساده

- ‌الفصل التاسع عشر في أن الأمصار التي تكون كراسي للملك تخرب بخراب الدولة وانقراضها

- ‌الفصل العشرون في اختصاص بعض الأمصار ببعض الصنائع دون بعض

- ‌الفصل الحادي والعشرون في وجود العصبية في الأمصار وتغلب بعضهم على بعض

- ‌الفصل الثاني والعشرون في لغات أهل الأمصار

- ‌الباب الخامس من الكتاب الأول في المعاش ووجوبه من الكسب والصنائع وما يعرض في ذلك كله من الأحوال وفيه مسائل

- ‌الفصل الأول في حقيقة الرزق والكسب وشرحهما وان الكسب هو قيمة الأعمال البشرية

- ‌الفصل الثاني في وجوه المعاش وأصنافه ومذاهبه

- ‌الفصل الثالث في أن الخدمة ليست من الطبيعي

- ‌الفصل الرابع في ابتغاء الأموال من الدفائن والكنوز ليس بمعاش طبيعي

- ‌الفصل الخامس في أن الجاه مفيد للمال

- ‌الفصل السادس في أن السعادة والكسب إنما يحصل غالبا لأهل الخضوع والتملق وان هذا الخلق من أسباب السعادة

- ‌الفصل السابع في أن القائمين بأمور الدين من القضاء والفتيا والتدريس والإمامة والخطابة والأذان ونحو ذلك لا تعظم ثروتهم في الغالب

- ‌الفصل الثامن في أن الفلاحة من معاش المتضعين وأهل العافية من البدو

- ‌الفصل التاسع في معنى التجارة ومذاهبها وأصنافها

- ‌الفصل العاشر في أي أصناف الناس يحترف بالتجارة وأيهم ينبغي له اجتناب حرفها

- ‌الفصل الحادي عشر في أن خلق التجار نازلة عن خلق الأشراف والملوك

- ‌الفصل الثاني عشر في نقل التاجر للسلع

- ‌الفصل الثالث عشر في الاحتكار

- ‌الفصل الرابع عشر في أن رخص الأسعار مضر بالمحترفين بالرخص

- ‌الفصل الخامس عشر في أن خلق التجارة نازلة عن خلق الرؤساء وبعيدة من المروءة

- ‌الفصل السادس عشر في أن الصنائع لا بد لها من العلم [2]

- ‌الفصل السابع عشر في أن الصنائع إنما تكمل بكمال العمران الحضري وكثرته

- ‌الفصل الثامن عشر في أن رسوخ الصنائع في الأمصار إنما هو برسوخ الحضارة وطول أمده

- ‌الفصل التاسع عشر في أن الصنائع إنما تستجاد وتكثر إذا كثر طالبها

- ‌الفصل العشرون في أن الأمصار إذا قاربت الخراب انتقضت منها الصنائع

- ‌الفصل الحادي والعشرون في أن العرب أبعد الناس عن الصنائع

- ‌الفصل الثاني والعشرون فيمن حصلت له ملكة في صناعة فقل أن يجيد بعد في ملكة أخرى

- ‌الفصل الثالث والعشرون في الإشارة إلى أمهات الصنائع

- ‌الفصل الرابع والعشرون في صناعة الفلاحة

- ‌الفصل الخامس والعشرون في صناعة البناء

- ‌الفصل السادس والعشرون في صناعة النجارة

- ‌الفصل السابع والعشرون في صناعة الحياكة والخياطة

- ‌الفصل الثامن والعشرون في صناعة التوليد

- ‌الفصل التاسع والعشرون في صناعة الطب وانها محتاج إليها في الحواضر والأمصار دون البادية

- ‌الفصل الثلاثون في أن الخط والكتابة من عداد الصنائع الإنسانية

- ‌الفصل الحادي والثلاثون في صناعة الوراقة

- ‌الفصل الثاني والثلاثون في صناعة الغناء

- ‌الفصل الثالث والثلاثون في أن الصنائع تكسب صاحبها عقلا وخصوصا الكتابة والحساب

- ‌الباب السادس من الكتاب الأول في العلوم وأصنافها والتعليم وطرقه وسائر وجوهه وما يعرض في ذلك كله من الأحوال وفيه مقدمة ولواحق

- ‌فالمقدّمة في الفكر الإنسانيّ

- ‌الفصل الأول في أن العلم والتعليم طبيعي في العمران البشري

- ‌الفصل الثاني في أن التعليم للعلم من جملة الصنائع

- ‌الفصل الثالث في ان العلوم إنما تكثر حيث يكثر العمران وتعظم الحضارة

- ‌الفصل الرابع في أصناف العلوم الواقعة في العمران لهذا العهد

- ‌الفصل الخامس في علوم القرآن من التفسير والقراءات

- ‌وأمّا التفسير

- ‌الفصل السادس في علوم الحديث

- ‌الفصل السابع في علم الفقه وما يتبعه من الفرائض

- ‌الفصل الثامن في علم الفرائض

- ‌الفصل التاسع في أصول الفقه وما يتعلق به من الجدل والخلافيات

- ‌وأما الخلافات

- ‌وأما الجدال

- ‌الفصل العاشر في علم الكلام

- ‌الفصل الحادي عشر في أن عالم الحوادث الفعلية إنما يتم بالفكر

- ‌الفصل الثاني عشر في العقل التجريبي وكيفية حدوثه [1]

- ‌الفصل الثالث عشر في علوم البشر وعلوم الملائكة

- ‌الفصل الرابع عشر في علوم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

- ‌الفصل الخامس عشر في أن الإنسان جاهل بالذات عالم بالكسب

- ‌الفصل السادس عشر في كشف الغطاء عن المتشابه من الكتاب والسنة وما حدث لأجل ذلك من طوائف السنّية والمبتدعة في الاعتقادات

- ‌الفصل السابع عشر في علم التصوّف

- ‌تذييل:

- ‌الفصل الثامن عشر في علم تعبير الرؤيا

- ‌الفصل التاسع عشر في العلوم العقلية وأصنافها

- ‌الفصل العشرون في العلوم العددية

- ‌ومن فروع علم العدد صناعة الحساب

- ‌ ومن فروعه الجبر والمقابلة

- ‌ ومن فروعه أيضا المعاملات

- ‌ ومن فروعه أيضا الفرائض

- ‌الفصل الحادي والعشرون في العلوم الهندسية

- ‌ومن فروع هذا الفن الهندسة المخصوصة بالأشكال الكروية والمخروطات

- ‌ ومن فروع الهندسة المساحة

- ‌ المناظرة من فروع الهندسة

- ‌الفصل الثاني والعشرون في علم الهيئة

- ‌ومن فروعه علم الأزياج [1]

- ‌الفصل الثالث والعشرون في علم المنطق

- ‌الفصل الرابع والعشرون في الطبيعيات

- ‌الفصل الخامس والعشرون في علم الطب

- ‌الفصل السادس والعشرون في الفلاحة

- ‌الفصل السابع والعشرون في علم الإلهيات

- ‌الفصل الثامن والعشرون في علوم السحر والطلسمات

- ‌الفصل التاسع والعشرون علم أسرار الحروف

- ‌الكلام على استخراج نسبة الأوزان وكيفياتها ومقادير المقابل منها وقوة الدرجة المتميزة بالنسبة إلى موضع المعلق من امتزاج طبائع وعلم طب أو صناعة الكيميا

- ‌الطب الروحانيّ

- ‌مطاريح الشعاعات في مواليد الملوك وبنيهم

- ‌الانفعال الروحانيّ والانقياد الرباني

- ‌مقامات المحبة وميل النفوس والمجاهدة والطاعة والعبادة وحب وتعشق وفناء الفناء وتوجه ومراقبة وخلة وأئمة

- ‌فصل في المقامات للنهاية

- ‌الوصية والتختم والإيمان والإسلام والتحريم والاهلية

- ‌كيفية العمل في استخراج أجوبة المسائل من زايرجة العالم بحول الله منقولا عمن لقيناه من القائمين عليها

- ‌2- فصل في الاطلاع على الأسرار الخفية من جهة الارتباطات الحرفية

- ‌فصل في الاستدلال على ما في الضمائر الخفية بالقوانين الحرفية

- ‌الفصل الثلاثون في علم الكيمياء

- ‌الفصل الحادي والثلاثون في إبطال الفلسفة وفساد منتحلها

- ‌الفصل الثاني والثلاثون في إبطال صناعة النجوم وضعف مداركها وفساد غايتها

- ‌الفصل الثالث والثلاثون في انكار ثمرة الكيميا واستحالة وجودها وما ينشأ من المفاسد عن انتحالها

- ‌الفصل الرابع والثلاثون في أن كثرة التآليف في العلوم عائقة عن التحصيل

- ‌الفصل الخامس والثلاثون في المقاصد التي ينبغي اعتمادها بالتأليف والغاء ما سواها

- ‌الفصل السادس والثلاثون في أن كثرة الاختصارات المؤلفة في العلوم مخلة بالتعليم

- ‌الفصل السابع والثلاثون في وجه الصواب في تعليم العلوم وطريق إفادته

- ‌الفصل الثامن والثلاثون في أن العلوم الإلهية لا توسع فيها الأنظار ولا تفرع المسائل

- ‌الفصل التاسع والثلاثون في تعليم الولدان واختلاف مذاهب الأمصار الإسلامية في طرقه

- ‌الفصل الأربعون في أن الشدة على المتعلمين مضرة بهم

- ‌الفصل الحادي والأربعون في أن الرحلة في طلب العلوم ولقاء المشيخة مزيد كمال في التعلم

- ‌الفصل الثاني والأربعون في أن العلماء من بين البشر أبعد عن السياسة ومذاهبها

- ‌الفصل الثالث والأربعون في أن حملة العلم في الإسلام أكثرهم العجم

- ‌الفصل الرابع والأربعون في أن العجمة إذا سبقت إلى اللسان قصرت بصاحبها في تحصيل العلوم عن أهل اللسان العربيّ

- ‌الفصل الخامس والأربعون في علوم اللسان العربيّ

- ‌ علم النّحو

- ‌علم اللغة

- ‌علم البيان

- ‌علم الأدب

- ‌الفصل السادس والأربعون في أن اللغة ملكة صناعية

- ‌الفصل السابع والأربعون في أن لغة العرب لهذا العهد مستقلة مغايرة للغة مضر وحمير

- ‌الفصل الثامن والأربعون في أن لغة أهل الحضر والأمصار لغة قائمة بنفسها للغة مضر

- ‌الفصل التاسع والأربعون في تعليم اللسان المضري

- ‌الفصل الخمسون في أن ملكة هذا اللسان غير صناعة العربية ومستغنية عنها في التعليم

- ‌الفصل الواحد والخمسون في تفسير الذوق في مصطلح أهل البيان وتحقيق معناه وبيان أنه لا يحصل للمستعربين من العجم

- ‌الفصل الثاني والخمسون في أن أهل الأمصار على الإطلاق قاصرون في تحصيل هذه الملكة اللسانية التي تستفاد بالتعليم ومن كان منهم أبعد عن اللسان العربيّ كان حصولها له أصعب وأعسر

- ‌الفصل الثالث والخمسون في انقسام الكلام إلى فني النظم والنثر

- ‌الفصل الرابع والخمسون في أنه لا تتفق الإجادة في فني المنظوم والمنثور معا إلا للأقل

- ‌الفصل الخامس والخمسون في صناعة الشعر ووجه تعلمه

- ‌الفصل السادس والخمسون في أن صناعة النظم والنثر إنما هي في الألفاظ لا في المعاني

- ‌الفصل السابع والخمسون في أن حصول هذه الملكة بكثرة الحفظ وجودتها بجودة المحفوظ

- ‌الفصل الثامن والخمسون في بيان المطبوع من الكلام والمصنوع وكيف جودة المصنوع أو قصوره

- ‌الفصل التاسع والخمسون في ترفع أهل المراتب عن انتحال الشعر

- ‌الفصل الستون في أشعار العرب وأهل الأمصار لهذا العهد

- ‌(الموشحات والأزجال للأندلس)

- ‌الموشحات والأزجال في المشرق

- ‌خاتمة

الفصل: ‌الفصل العاشر في علم الكلام

‌الفصل العاشر في علم الكلام

هو علم يتضمّن الحجاج عن العقائد الإيمانيّة بالأدلّة العقليّة والرّدّ على المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذاهب السّلف وأهل السّنّة. وسرّ هذه العقائد الإيمانيّة هو التّوحيد. فلنقدّم هنا لطيفة في برهان عقليّ يكشف لنا عن التّوحيد على أقرب الطّرق والمآخذ ثمّ نرجع إلى تحقيق علمه [1] وفيما ينظر ويشير إلى حدوثه في الملّة وما دعا إلى وضعه فنقول: اعلم أنّ الحوادث في عالم الكائنات سواء كانت من الذّوات أو من الأفعال البشريّة أو الحيوانيّة فلا بدّ لها من أسباب متقدّمة عليها بها تقع في مستقرّ العادة وعنها يتمّ كونه. وكلّ واحد من هذه الأسباب حادث أيضا فلا بدّ له من أسباب أخرى ولا تزال تلك الأسباب مرتقية حتّى تنتهي إلى مسبّب الأسباب وموجدها وخالقها سبحانه لا إله إلّا هو. وتلك الأسباب في ارتقائها تتفسّح وتتضاعف [2] طولا وعرضا ويحار العقل في إدراكها وتعديدها. فإذا لا يحصرها إلّا العلم المحيط سيّما الأفعال البشريّة والحيوانيّة فإنّ من جملة أسبابها في الشّاهد القصود والإرادات إذ لا يتمّ كون الفعل إلّا بإرادته والقصد إليه. والقصود والإرادات أمور نفسانيّة ناشئة في الغالب عن تصوّرات سابقة يتلو بعضها بعضا. وتلك التّصوّرات هي أسباب قصد الفعل وقد تكون أسباب تلك التّصوّرات تصوّرات أخرى وكلّ ما يقع في النّفس من التّصوّرات مجهول سببه، إذ لا يطّلع أحد على مبادئ الأمور النّفسانيّة ولا على ترتيبها. إنّما هي أشياء يلقيها الله في الفكر يتبع بعضها بعضا والإنسان عاجز عن معرفة مبادئها وغاياتها. وإنّما يحيط علما في الغالب بالأسباب الّتي هي طبيعة ظاهرة

[1] أي علم الكلام.

[2]

وفي نسخة أخرى: تتضاعف فتنفسخ.

ص: 580

ويقع في مداركها على نظام وترتيب لأنّ الطّبيعة محصورة للنّفس وتحت طورها.

وأمّا التّصوّرات فنطاقها أوسع من النّفس لأنّها للعقل الّذي هو فوق طور النّفس فلا تدرك الكثير منها فضلا عن الإحاطة. وتأمّل من ذلك حكمة الشّارع في نهيه عن النّظر إلى الأسباب والوقوف معها فإنّه واد يهيم فيه الفكر ولا يحلو [1] منه بطائل ولا يظفر بحقيقة. قال الله: «ثُمَّ ذَرْهُمْ في خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ 6: 91» . وربّما انقطع في وقوفه عن الارتقاء إلى ما فوقه فزلّت قدمه وأصبح من الضّالين الهالكين نعوذ باللَّه من الحرمان والخسران المبين. ولا تحسبنّ أنّ هذا الوقوف أو الرّجوع عنه في قدرتك واختيارك بل هو لون يحصل للنّفس وصبغة تستحكم من الخوض في الأسباب على نسبة لا نعلمها. إذ لو علمناها لتحرّزنا منها. فلنتحرّز من ذلك بقطع النّظر عنها جملة. وأيضا فوجه تأثير هذه الأسباب في الكثير من مسبّباتها مجهول لأنّها إنّما يوقف عليها بالعادة لاقتران الشّاهد بالاستناد إلى الظّاهر.

وحقيقة التّأثير وكيفيّته مجهولة، «وَما أُوتِيتُمْ من الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا 17: 85» . فلذلك أمرنا بقطع النّظر عنها وإلغائها جملة والتّوجّه إلى مسبّب الأسباب كلّها وفاعلها وموجدها لترسخ صفة التّوحيد في النّفس على ما علّمنا الشّارع الّذي هو أعرف بمصالح ديننا وطرق سعادتنا لاطّلاعه على ما وراء الحسّ. قال صلى الله عليه وسلم: «من مات يشهد أن لا إله إلّا الله دخل الجنّة» . فإن وقف عند تلك الأسباب فقد انقطع وحقّت عليه كلمة الكفر وأن سبح في بحر النّظر والبحث عنها وعن أسبابها وتأثيراتها واحدا بعد واحد فأنا الضّامن له أن لا يعود إلّا بالخيبة. فلذلك نهانا الشّارع عن النّظر في الأسباب وأمرنا بالتّوحيد المطلق «قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ الله الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ 112: 1- 4» [2] ولا تثقنّ بما يزعم لك الفكر من أنّه مقتدر على الإحاطة بالكائنات وأسبابها والوقوف على تفصيل الوجود كلّه

[1] لم يحل بطائل: أي لم يظفر ولم يستفد منه (لسان العرب)

[2]

سورة الإخلاص.

ص: 581

وسفه رأيه في ذلك. واعلم أنّ الوجود عند كلّ مدرك في بادئ رأيه منحصر في مداركه لا يعدوها والأمر في نفسه بخلاف ذلك والحقّ من ورائه. ألا ترى الأصمّ كيف ينحصر الوجود عنده في المحسوسات الأربع والمعقولات ويسقط من الوجود عنده صنف المسموعات. وكذلك الأعمى أيضا يسقط عنده صنف المرئيّات ولولا ما يردّهم إلى ذلك تقليد الآباء والمشيخة من أهل عصرهم والكافّة لما أقرّوا به لكنّهم يتّبعون الكافّة في إثبات هذه الأصناف لا بمقتضى فطرتهم وطبيعة إدراكهم ولو سئل الحيوان الأعجم ونطق لوجدناه منكرا للمعقولات وساقطة لديه بالكلّيّة فإذا علمت هذا فلعلّ هناك ضربا من الإدراك غير مدركاتنا لأنّ إدراكاتنا مخلوقة محدثة وخلق الله أكبر من خلق النّاس. والحصر مجهول والوجود أوسع نطاقا من ذلك والله من ورائهم محيط. فاتّهم إدراكك ومدركاتك في الحصر واتبع ما أمرك الشّارع به من اعتقادك وعملك فهو أحرص على سعادتك وأعلم بما ينفعك لأنّه من طور فوق إدراكك ومن نطاق أوسع من نطاق عقلك وليس ذلك بقادح في العقل ومداركه بل العقل ميزان صحيح فأحكامه يقينيّة لا كذب فيها.

غير أنّك لا تطمع أن تزن به أمور التّوحيد والآخرة وحقيقة النّبوة وحقائق الصّفات الإلهيّة وكلّ ما وراء طوره فإنّ ذلك طمع في محال. ومثال ذلك مثال رجل رأى الميزان الّذي يوزن به الذّهب فطمع أن يزن به الجبال وهذا لا يدرك. على أنّ الميزان في أحكامه غير صادق لكنّ العقل قد يقف عنده ولا يتعدّى طوره حتّى يكون له أن يحيط باللَّه وبصفاته فإنّه ذرّة من ذرّات الوجود الحاصل منه. وتفطّن في هذا الغلط ومن يقدّم العقل على السّمع في أمثال هذه القضايا وقصور فهمه واضمحلال رأيه فقد تبيّن لك الحقّ من ذلك وإذ تبيّن ذلك فلعلّ الأسباب إذا تجاوزت في الارتقاء نطاق إدراكنا ووجودنا خرجت عن أن تكون مدركة فيضلّ العقل في بيداء الأوهام ويحار وينقطع. فإذا التّوحيد هو العجز عن إدراك الأسباب وكيفيّات تأثيرها وتفويض ذلك إلى خالقها المحيط بها

ص: 582

إذ لا فاعل غيره وكلّها ترتقي إليه وترجع إلى قدرته وعلمنا به إنّما هو من حيث صدورنا عنه لا غير وهذا هو معنى ما نقل عن بعض الصّدّيقين: «العجز عن الإدراك إدراك» . ثمّ إنّ المعتبر في هذا التّوحيد ليس هو الإيمان فقط الّذي هو تصديق حكميّ فإنّ ذلك من حديث النّفس وإنّما الكمال فيه حصول صفة منه تتكيّف بها النّفس كما أنّ المطلوب من الأعمال والعبادات أيضا حصول ملكة الطّاعة والانقياد وتفريغ القلب عن شواغل ما سوى المعبود حتّى ينقلب المريد السّالك ربّانيّا. والفرق بين الحال والعلم في العقائد فرق ما بين القول والاتّصاف. وشرحه أنّ كثيرا من النّاس يعلم أنّ رحمة اليتيم والمسكين قربة إلى الله تعالى مندوب إليها ويقول بذلك ويعترف به ويذكر مأخذه من الشّريعة وهو لو رأى يتيما أو مسكينا من أبناء المستضعفين لفرّ عنه واستنكف أن يباشره فضلا عن التّمسّح عليه للرّحمة وما بعد ذلك من مقامات العطف والحنوّ والصّدقة. فهذا إنّما حصل له من رحمة اليتيم مقام العلم ولم يحصل له مقام الحال والاتّصاف.

ومن النّاس من يحصل له مع مقام العلم والاعتراف بأنّ رحمة المسكين قربة إلى الله تعالى مقام آخر أعلى من الأوّل وهو الاتّصاف بالرّحمة وحصول ملكتها. فمتى رأى يتيما أو مسكينا بادر إليه ومسح عليه والتمس الثّواب في الشّفقة عليه لا يكاد يصبر عن ذلك ولو دفع عنه. ثمّ يتصدّق عليه بما حضره من ذات يده وكذا علمك بالتّوحيد مع اتّصافك به والعلم حاصل عن الاتّصاف ضرورة وهو أوثق مبنى من العلم الحاصل قبل الاتّصاف. وليس الاتّصاف بحاصل عن مجرّد العلم حتّى يقع العمل ويتكرّر مرارا غير منحصرة فترسخ الملكة ويحصل الاتّصاف والتّحقيق ويجيء العلم الثّاني النّافع في الآخرة. فإنّ العلم الأوّل المجرّد عن الاتّصاف قليل الجدوى والنّفع وهذا علم أكثر النّظّار والمطلوب إنّما هو العلم الحاليّ النّاشئ عن العادة. واعلم أنّ الكمال عند الشّارع في كلّ ما كلف به إنّما هو في هذا فما طلب اعتقاده فالكمال فيه في العلم الثّاني الحاصل عن الاتّصاف وما طلب عمله من

ص: 583

العبادات فالكمال فيها في حصول الاتّصاف والتّحقّق بها. ثمّ إنّ الإقبال على العبادات والمواظبة عليها هو المحصّل لهذه الثّمرة الشّريفة. قال صلى الله عليه وسلم: «في رأس العبادات جعلت قرّة عيني في الصّلاة» فإنّ الصّلاة صارت له صفة وحالا يجد فيها منتهى لذّاته وقرّة عينه وأين هذا من صلاة النّاس ومن لهم بها؟ «فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ 107: 4- 5» [1] اللَّهمّ وفّقنا «واهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ 1: 6- 7» [2] فقد تبيّن لك من جميع ما قرّرناه أنّ المطلوب في التّكاليف كلّها حصول ملكة راسخة في النّفس يحصل [3] عنها علم اضطراريّ للنّفس هو التّوحيد وهو العقيدة الإيمانيّة وهو الّذي تحصّل به السّعادة وأنّ ذلك سواء في التّكاليف القلبيّة والبدنيّة. ويتفهّم منه أنّ الإيمان الّذي هو أصل التّكاليف وينبوعها هو بهذه المثابة ذو مراتب. أوّلها التّصديق القلبيّ الموافق للسان وأعلاها حصول كيفيّة من ذلك الاعتقاد القلبيّ وما يتبعه من العمل مستولية على القلب فيستتبع الجوارح. وتندرج في طاعتها جميع التّصرّفات حتّى تنخرط الأفعال كلّها في طاعة ذلك التّصديق الإيمانيّ. وهذا أرفع مراتب الإيمان وهو الإيمان الكامل الّذي لا يقارف المؤمن معه صغيرة ولا كبيرة إذ حصول الملكة ورسوخها مانع من الانحراف عن مناهجه طرفة عين قال صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزّاني حين يزني وهو مؤمن» وفي حديث هرقل لمّا سأل أبا سفيان بن حرب عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأحواله فقال في أصحابه: «هل يرتدّ أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قال: لا! قال: وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب. ومعناه أنّ ملكة الإيمان إذا استقرّت عسر على النّفس مخالفتها شأن الملكات إذا استقرّت فإنّها تحصل بمثابة الجبلّة والفطرة وهذه هي المرتبة العالية من الإيمان وهي في المرتبة الثّانية من العصمة.

[1] سورة الماعون: الآية 4 و 5.

[2]

سورة الفاتحة: الآية 5 و 6.

[3]

وفي نسخة أخرى: ينشأ.

ص: 584

لأنّ العصمة واجبة للأنبياء وجوبا سابقا وهذه حاصلة للمؤمنيّة حصولا تابعا لأعمالهم وتصديقهم. وبهذه الملكة ورسوخها يقع التّفاوت في الإيمان كالّذي يتلى عليك من أقاويل السّلف. وفي تراجم البخاريّ رضي الله عنه في باب الإيمان كثير منه. مثل أنّ الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص وأنّ الصّلاة والصّيام من الإيمان وأنّ تطوّع رمضان من الإيمان والحياء من الإيمان. والمراد بهذا كلّه الإيمان الكامل الّذي أشرنا إليه وإلى ملكته وهو فعليّ. وأمّا التّصديق الّذي هو أوّل مراتبه فلا تفاوت فيه. فمن اعتبر أوائل الأسماء وحمله على التّصديق منع من التّفاوت كما قال أئمّة المتكلّمين ومن اعتبر أواخر الأسماء وحمله على هذه الملكة الّتي هي الإيمان الكامل ظهر له التّفاوت. وليس ذلك بقادح في اتّحاد حقيقته الأولى الّتي هي التّصديق إذ التّصديق موجود في جميع رتبه لأنّه أقلّ ما يطلق عليه اسم الإيمان وهو المخلّص من عهدة الكفر والفيصل [1] بين الكافر والمسلم فلا يجزي أقلّ منه. وهو في نفسه حقيقة واحدة لا تتفاوت وإنّما التّفاوت في الحال الحاصلة عن الأعمال كما قلناه فافهم. واعلم أنّ الشّارع وصف لنا هذا الإيمان الّذي في المرتبة الأولى الّذي هو تصديق وعيّن أمورا مخصوصة كلّفنا التّصديق بها بقلوبنا واعتقادها في أنفسنا مع الإقرار بها بألسنتنا وهي العقائد الّتي تقرّرت في الدّين. قال صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الإيمان فقال: «أن تؤمن باللَّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشرّه» وهذه هي العقائد الإيمانيّة المقرّرة في علم الكلام. ولنشر إليها مجملة لتتبيّن لك حقيقة هذا الفنّ وكيفيّة حدوثه فنقول. اعلم أنّ الشّارع لمّا أمرنا بالإيمان بهذا الخالق الّذي ردّ الأفعال كلّها إليه وأفرده به كما قدّمناه وعرفنا أنّ في هذا الإيمان نجاتنا عند الموت إذا حضرنا لم يعرّفنا بكنه حقيقة هذا الخالق المعبود وهو إذ ذاك متعذّر على إدراكنا ومن فوق طورنا. فكلّفنا أوّلا: اعتقاد تنزيهه في ذاته عن مشابهة

[1] وفي النسخة الباريسية: الفاصل.

ص: 585

المخلوقين وإلّا لما صحّ أنّه خالق لهم لعدم الفارق على هذا التّقدير ثمّ تنزيهه عن صفات النّقص وإلّا لشابه المخلوقين ثمّ توحيده بالاتّحاد وإلّا لم يتمّ الخلق للتّمانع ثمّ اعتقاد أنّه عالم قادر فبذلك تتمّ الأفعال شاهد قضيّته لكمال الاتّحاد [1] والخلق ومريد وإلّا لم يخصص شيء من المخلوقات ومقدّر لكلّ كائن وإلّا فالإرادة حادثة. وأنّه يعيدنا بعد الموت تكميلا لعنايته بالإيجاد ولو كان لأمر فإن [2] كان عبثا فهو للبقاء السّرمديّ بعد الموت. ثمّ اعتقاد بعثة الرّسل للنّجاة من شقاء هذا المعاد لاختلاف أحواله بالشّقاء والسّعادة وعدم معرفتنا بذلك وتمام لطفه بنا في الإيتاء [3] بذلك وبيان الطّريقين. وأنّ الجنّة للنّعيم وجهنّم للعذاب. هذه أمّهات العقائد الإيمانيّة معلّلة بأدلّتها العقليّة وأدلّتها من الكتاب والسّنّة كثيرة.

وعن تلك الأدلّة أخذها السّلف وأرشد إليها العلماء وحقّقها الأئمّة إلّا أنّه عرض بعد ذلك خلاف في تفاصيل هذه العقائد أكثر مثارها من الآي المتشابهة فدعا ذلك إلى الخصام والتّناظر والاستدلال بالعقل وزيادة إلى النّقل. فحدث بذلك علم الكلام. ولنبيّن لك تفصيل هذا المجمل. وذلك أنّ القرآن ورد فيه وصف المعبود بالتّنزيه المطلق الظّاهر الدّلالة من غير تأويل في آي كثيرة وهي سلوب [4] كلّها وصريحة في بابها فوجب الإيمان بها. ووقع في كلام الشّارع صلوات الله عليه وكلام الصّحابة والتّابعين تفسيرها على ظاهرها. ثمّ وردت في القرآن آي أخرى قليلة توهم التّشبيه مرّة في الذات وأخرى في الصّفات. فأمّا السلف فغلبوا أدلّة التنزيه لكثرتها ووضوح دلالتها، وعلموا استحالة التشبيه. وقضوا بأنّ الآيات من كلام الله فآمنوا بها ولم يتعرّضوا لمعناها ببحث ولا تأويل. وهذا معنى قول

[1] وفي نسخة أخرى: الإيجاد.

[2]

وفي نسخة أخرى: ولو كان للغناء الصرف.

[3]

وفي نسخة أخرى: الإنباء.

[4]

السلوب من النوق: التي القت ولدها لغير تمام. وظبيه سلوب وسلب أي سلبت ولدها (لسان العرب) وهنا بمعنى ينقصها التأويل.

ص: 586

الكثير منهم: اقرءوها كما جاءت أي آمنوا بأنّها من عند الله. ولا تتعرّضوا لتأويلها ولا تفسيرها لجواز أن تكون ابتلاء، فيجب الوقف والإذعان له. وشذّ لعصرهم مبتدعة اتّبعوا ما تشابه من الآيات وتوغّلوا في التّشبيه. ففريق أشبهوا [1] في الذّات باعتقاد اليد والقدم والوجه عملا بظواهر وردت بذلك فوقعوا في التّجسيم الصّريح ومخالفة آي التّنزيه المطلق الّتي هي أكثر موارد وأوضح دلالة لأنّ معقوليّة الجسم تقتضي النّقص والافتقار. وتغليب آيات السّلوب في التّنزيه المطلق الّتي هي أكثر موارد وأوضح دلالة أولى من التّعلّق بظواهر هذه الّتي لنا عنها غنية وجمع بين الدّليلين بتأويلها ثمّ يفرّون من شناعة ذلك بقولهم جسم لا كالأجسام. وليس ذلك بدافع عنهم لأنّه قول متناقض وجمع بين نفي وإثبات إن كانا بالمعقوليّة واحدة من الجسم، وإن خالفوا بينهما ونفوا المعقوليّة المتعارفة فقد وافقونا في التّنزيه ولم يبق إلّا جعلهم لفظ الجسم اسما من أسمائه.

ويتوقّف مثله على الأذن. وفريق منهم ذهبوا إلى التّشبيه في الصّفات كإثبات الجهة والاستواء والنّزول والصّوت والحرف وأمثال ذلك. وآل قولهم إلى التّجسيم فنزعوا مثل الأوّلين إلى قولهم صوت لا كالأصوات جهة لا كالجهات نزول لا كالنّزول يعنون من الأجسام. واندفع ذلك بما اندفع به الأوّل، ولم يبق في هذه الظّواهر إلّا اعتقادات السّلف ومذاهبهم والإيمان بها كما هي لئلّا يكرّ [2] النّفي على معانيها بنفيها مع أنّها صحيحة ثابتة من القرآن. ولهذا تنظر ما تراه في عقيدة الرّسالة لابن أبي زيد وكتاب المختصر له وفي كتاب الحافظ ابن عبد البرّ وغيرهم فإنّهم يحومون على هذا المعنى. ولا تغمض عينك عن القرائن الدّالّة على ذلك في غضون كلامهم. ثمّ لمّا كثرت العلوم والصّنائع وولع النّاس بالتّدوين والبحث في سائر الأنحاء وألّف المتكلّمون في التّنزيه حدثت بدعة المعتزلة في

[1] وفي نسخة أخرى: شبّهوا.

[2]

يعود.

ص: 587

تعميم هذا التّنزيه في آي السّلوب فقضوا بنفي صفات المعاني من العلم والقدرة والإرادة والحياة زائدة على أحكامها لما يلزم على ذلك من تعدّد القديم بزعمهم وهو مردود بأنّ الصّفات ليست عين الذّات ولا غيرها وقضوا بنفي صفة الإرادة فلزمهم نفي القدر لأنّ معناه سبق الإرادة للكائنات وقضوا بنفي السّمع والبصر لكونهما من عوارض الأجسام. وهو مردود لعدم اشتراط البنية في مدلول هذا اللّفظ وإنّما هو إدراك المسموع أو المبصر. وقضوا بنفي الكلام لشبه ما في السّمع والبصر ولم يعقلوا صفة الكلام الّتي تقوم بالنّفس فقضوا بأنّ القرآن مخلوق وذلك بدعة صرّح السّلف بخلافها. وعظم ضرر هذه البدعة ولقّنها بعض الخلفاء عن أئمّتهم فحمل النّاس عليها وخالفهم أئمّة السّلف فاستحلّ لخلافهم إيسار [1] كثير منهم ودماؤهم، وكان ذلك سببا لانتهاض أهل السّنّة بالأدلّة العقليّة على هذه العقائد دفعا في صدور هذه البدع وقام بذلك الشّيخ أبو الحسن الأشعريّ إمام المتكلّمين فتوسّط بين الطّرق ونفى التّشبيه وأثبت الصّفات المعنويّة وقصر التّنزيه على ما قصره عليه السّلف. وشهدت له الأدلّة المخصّصة لعمومه فأثبت الصّفات الأربع المعنويّة والسّمع والبصر والكلام القائم بالنّفس بطريق النّقل والعقل. وردّ على المبتدعة في ذلك كلّه وتكلّم معهم فيما مهّدوه لهذه البدع من القول بالصّلاح والأصلح والتّحسين والتّقبيح وكمّل العقائد في البعثة وأحوال المعاد والجنة والنّار والثّواب والعقاب. وألحق بذلك الكلام في الإمامة لما ظهر حينئذ من بدعة الإماميّة من قولهم إنّها من عقائد الإيمان [2] وإنّه يجب على النّبيّ تعيينها والخروج

[1] بمعنى أموال وفي نسخة أخرى ابشار.

[2]

وفي كتاب الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء النجفي (أصل الشيعة وأصولها) ما يلي:

الإمامة: قد أنبأناك ان هذا هو الأصل الّذي امتازت به الإمامية وافترقت عن سائر فرق المسلمين. وهو فرق جوهري أصلي. وما عداه من الفروق فرعية عرضية. كالفروق التي تقع بين أئمة الاجتهاد عندهم كالحنفي والشافعيّ وغيرهما. وعرفت أن مرادهم بالإمامة كونها منصبا إلهيا يختاره الله بسابق علمه بعباده كما يختار النبي. ويأمر النبي بأن يدل الأمة عليه ويأمرهم باتباعه. ويعتقدون أن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه بأن ينص على علي وينصبه علما للناس من بعده. وكان النبي يعلم أن الناس ذلك اليوم وإلى اليوم ليسوا في مستوى واحد

ص: 588

عن العهدة في ذلك لمن هي له، وكذلك على الأمّة. وقصارى أمر الإمامة أنّها قضيّة مصلحيّة إجماعيّة ولا تلحق بالعقائد فلذلك ألحقوها بمسائل هذا الفنّ وسمّوا مجموعه علم الكلام: إمّا لما فيه من المناظرة على البدع وهي كلام صرف وليست براجعة إلى عمل، وإمّا لأنّ سبب وضعه والخوض فيه هو تنازعهم في إثبات الكلام النّفسيّ. وكثر أتباع الشّيخ أبي الحسن الأشعريّ واقتفى طريقته من بعده تلميذه كابن مجاهد وغيره. وأخذ عنهم القاضي أبو بكر الباقلانيّ فتصدّر للإمامة في طريقتهم وهذّبها ووضع المقدّمات العقليّة الّتي تتوقّف عليها الأدلّة والأنظار وذلك مثل إثبات الجوهر الفرد والخلاء. وأنّ العرض لا يقوم بالعرض وأنّه لا يبقى زمانين. وأمثال ذلك ممّا تتوقّف عليه أدلّتهم. وجعل هذه القواعد تبعا للعقائد الإيمانيّة في وجوب اعتقادها لتوقّف تلك الأدلّة عليها وأنّ بطلان الدّليل يؤذن ببطلان المدلول. وجملت [1] هذه الطّريقة وجاءت من أحسن الفنون النّظريّة والعلوم الدّينيّة. إلّا أنّ صور الأدلّة فيها بعض الأحيان، على غير الوجه الصّناعيّ لسذاجة القوم ولأنّ صناعة المنطق الّتي تسير بها الأدلّة وتعتبر بها الأقيسة ولم تكن حينئذ ظاهرة في الملّة، ولو ظهر منها بعض الشّيء فلم يأخذ به المتكلّمون لملابستها للعلوم الفلسفيّة المباينة للعقائد الشّرعيّة بالجملة فكانت مهجورة عندهم لذلك. ثمّ جاء بعد القاضي أبي بكر الباقلّانيّ من أئمّة الأشعريّة إمام الحرمين أبو المعالي فأملى في الطّريقة كتاب الشّامل وأوسع القول فيه. ثمّ لخّصه في كتاب الإرشاد واتّخذه النّاس إماما لعقائدهم. ثمّ انتشرت من بعد ذلك

[ () ] من الإيمان واليقين بنزاهة النبي وعصمته عن الهوى والعرض. ولكن الله سبحانه لم يعذره في ذلك فأوحى إليه، «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ من رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ 5: 67» . فلم بدا من الامتثال بعد هذا الإنذار الشديد فخطب الناس عند منصرفه من حجة الوداع في غديرهم فنادى وجلهم يسمعون: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ فقالوا اللَّهمّ نعم» فقال: «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه» إلى آخر ما قال. ثم أكّد ذلك في مواطن أخرى تلويحا وتصريحا، واشارة ونصحا حتى أدى الوظيفة وبلغ عند الله المعذرة (ص 107- 108)(طبعة دار البحار- بيروت) .

[1]

وفي نسخة أخرى: كملت.

ص: 589

علوم [1] المنطق في الملّة وقرأه النّاس وفرّقوا بينه وبين العلوم الفلسفيّة بأنّه قانون ومعيار للأدلّة فقط يسبر به الأدلّة منها كما يسبر من سواها. ثمّ نظروا في تلك القواعد والمقدّمات في فنّ الكلام للأقدمين فخالفوا الكثير منها بالبراهين الّتي أدلّت إلى ذلك وربّما أنّ كثيرا منها مقتبس من كلام الفلاسفة في الطّبيعيّات والإلهيّات. فلمّا سبروها بمعيار المنطق ردّهم إلى ذلك فيها ولم يعتقدوا بطلان المدلول من بطلان دليله كما صار إليه القاضي فصارت هذه الطّريقة في مصطلحهم مباينة للطريقة الأولى وتسمّى طريقة المتأخّرين وربّما أدخلوا فيها الرّدّ على الفلاسفة فيما خالفوا فيه من العقائد الإيمانيّة وجعلوهم من خصوم العقائد لتناسب الكثير من مذاهب المبتدعة ومذاهبهم. وأوّل من كتب في طريقة الكلام على هذا المنحى الغزاليّ رحمه الله وتبعه الإمام ابن الخطيب وجماعة قفوا أثرهم واعتمدوا تقليدهم ثمّ توغّل المتأخّرون من بعدهم في مخالطة كتب الفلسفة والتبس عليهم شأن الموضوع في العلمين فحسبوه فيهما واحدا من اشتباه المسائل فيهما. واعلم أنّ المتكلّمين لمّا كانوا يستدلّون في أكثر أحوالهم بالكائنات وأحوالها على وجود البارئ وصفاته وهو نوع استدلالهم غالبا. والجسم الطّبيعيّ الّذي ينظر فيه الفيلسوف في الطّبيعيّات وهو بعض من هذه الكائنات. إلّا أنّ نظره فيها مخالف لنظر المتكلّم وهو ينظر في الجسم من حيث يتحرّك ويسكن والمتكلّم ينظر فيه من حيث يدلّ على الفاعل. وكذا نظر الفيلسوف في الإلهيّات إنّما هو نظر في الوجود المطلق وما يقتضيه لذاته ونظر المتكلّم في الوجود من حيث إنّه يدلّ على الموجد. وبالجملة فموضوع علم الكلام عند أهله إنّما هو العقائد الإيمانيّة بعد فرضها صحيحة من الشّرع من حيث يمكن أن يستدلّ عليها بالأدلّة العقليّة فترفع البدع وتزول الشّكوك والشّبيه [2] عن تلك العقائد وإذا تأمّلت

[1] وفي نسخة أخرى: علم.

[2]

وفي نسخة أخرى: الشبه.

ص: 590

حال الفنّ في حدوثه وكيف تدرّج كلام النّاس فيه صدرا بعد صدر وكلّهم يفرض العقائد صحيحة ويستنهض الحجج والأدلّة علمت حينئذ ما قرّرناه لك في موضوع الفنّ وأنّه لا يعدوه. ولقد اختلطت الطّريقتان عند هؤلاء المتأخّرين والتبست مسائل الكلام بمسائل الفلسفة بحيث لا يتميّز أحد الفنّين من الآخر. ولا يحصل عليه طالبه من كتبهم كما فعله البيضاويّ في الطّوالع ومن جاء بعده من علماء العجم في جميع تآليفهم. إلّا أنّ هذه الطّريقة قد يعنى بها بعض طلبة العلم للاطّلاع على المذاهب والإغراق في معرفة الحجاج لوفور ذلك فيها. وأمّا محاذاة طريقة السّلف بعقائد علم الكلام فإنّما هو في الطّريقة القديمة للمتكلّمين وأصلها كتاب الإرشاد وما حذا حذوه. ومن أراد إدخال الرّدّ على الفلاسفة في عقائده فعليه بكتب الغزاليّ والإمام ابن الخطيب فإنّها وإن وقع فيها مخالفة للاصطلاح القديم فليس فيها من الاختلاط في المسائل والالتباس في الموضوع ما في طريقة هؤلاء المتأخّرين من بعدهم وعلى الجملة فينبغي أن يعلم أنّ هذا العلم الّذي هو علم الكلام غير ضروريّ لهذا العهد على طالب العلم إذ الملحدة والمبتدعة قد انقرضوا والأئمّة، من أهل السّنّة كفونا شأنهم فيما كتبوا ودوّنوا والأدلّة العقليّة إنّما احتاجوا إليها حين دافعوا ونصروا. وأمّا الآن فلم يبق منها إلّا كلام تنزّه البارئ عن كثير إيهاماته وإطلاقه ولقد سئل الجنيد رحمه الله عن قوم مرّ بهم بعض المتكلّمين يفيضون فيه فقال: ما هؤلاء؟ فقيل: قوم ينزّهون الله بالأدلّة عن صفات الحدوث وسمات النّقص. فقال: «نفي العيب حيث يستحيل العيب عيب» لكنّ فائدته في آحاد النّاس وطلبة العلم فائدة معتبرة إذ لا يحسن بحامل السّنّة الجهل بالحجج النّظريّة على عقائدها. والله وليّ المؤمنين

.

ص: 591