الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مذاهبهم الفاسدة حيث تعرض له في آي القرآن من طرق البلاغة. فصار ذلك للمحقّقين من أهل السّنّة انحراف عنه وتحذير للجمهور من مكامنه مع إقرارهم برسوخ قدمه فيما يتعلّق باللّسان والبلاغة وإذا كان النّاظر فيه واقفا مع ذلك على المذاهب السّنّيّة محسنا للحجاج عنها فلا جرم إنّه مأمون من غوائله فلتغتنم مطالعته لغرابة فنونه في اللّسان. ولقد وصل إلينا في هذه العصور تأليف لبعض العراقيّين وهو شرف الدّين الطّيبيّ من أهل توريز من عراق العجم شرح فيه كتاب الزّمخشريّ هذا وتتبّع ألفاظه وتعرّض لمذاهبه في الاعتزال بأدلّة تزيّفها [1] ويبيّن أنّ البلاغة إنّما تقع في الآية على ما يراه أهل السّنّة لا على ما يراه [2] المعتزلة فأحسن في ذلك ما شاء مع إمتاعه في سائر فنون البلاغة وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ 12: 76.
الفصل السادس في علوم الحديث
وأمّا علوم الحديث فهي كثيرة ومتنوّعة لأنّ منها ما ينظر في ناسخه ومنسوخه وذلك بما ثبت في شريعتنا من جواز النّسخ ووقوعه لطفا من الله بعباده وتخفيفا عنهم باعتبار مصالحهم الّتي تكفّل الله لهم بها. قال تعالى: «ما نَنْسَخْ من آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها 2: 106» [3](ومعرفة الناسخ والمنسوخ وإن كان عاقا للقرآن والحديث إلّا أنّ الّذي في القرآن منه اندرج في تفاسيره وبقي ما كان خاصّا بالحديث راجعا إلى علومه. فإذا تعارض الخبران بالنّفي والإثبات وتعذّر الجمع بينهما ببعض التّأويل وعلم تقدّم أحدهما تعيّن أنّ المتأخّر ناسخ) .
ومعرفة النّاسخ والمنسوخ من أهمّ علوم الحديث وأصعبها. قال الزّهريّ: «أعيا
[1] وفي النسخة الباريسية: وأدلته يزيفها.
[2]
وفي النسخة الباريسية: لا على مذهب المعتزلة.
[3]
سورة البقرة الآية 106
الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من منسوخه» .
وكان للشّافعيّ رضي الله عنه فيه قدم راسخة. (ومن علوم الأحاديث [1] النّظر في الأسانيد ومعرفة ما يجب العمل به من الأحاديث بوقوعه على السّند الكامل الشّروط لأنّ العمل إنّما وجب بما يغلب على الظّنّ صدقه من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجتهد في الطّريق الّتي تحصّل ذلك الظّنّ وهو بمعرفة رواة الحديث بالعدالة والضّبط. وإنّما يثبت ذلك بالنّقل عن أعلام الدّين لتعديلهم وبراءتهم من الجرح والغفلة ويكون لنا ذلك دليلا على القبول أو التّرك. وكذلك مراتب هؤلاء النّقلة من الصّحابة والتّابعين وتفاوتهم في ذلك وتميّزهم فيه واحدا واحدا.
وكذلك الأسانيد تتفاوت باتّصالها وانقطاعها بأن يكون الرّاوي لم يلق الرّاوي الّذي نقل عنه وبسلامتها من العلل الموهنة لها وتنتهي بالتفاوت إلى طرفين فحكم [2] بقبول الأعلى وردّ الأسفل. ويختلف في المتوسّط بحسب المنقول عن أئمّة الشّأن. ولهم في ذلك ألفاظ اصطلحوا على وضعها لهذه المراتب المرتّبة. مثل الصّحيح والحسن والضّعيف والمرسل والمنقطع والمعضل والشّاذّ والغريب، وغير ذلك من ألقابه المتداولة بينهم. وبوّبوا على كلّ واحد منها ونقلوا ما فيه من الخلاف لأئمّة اللّسان أو الوفاق. ثمّ النّظر في كيفيّة أخذ الرّواية [3] بعضهم عن بعض بقراءة أو كتابة أو مناولة أو إجازة وتفاوت رتبها وما للعلماء في ذلك من الخلاف بالقبول والرّدّ. ثمّ اتّبعوا ذلك بكلام في ألفاظ تقع في متون الحديث من غريب أو مشكل أو تصحيف أو مفترق منها أو مختلف وما يناسب ذلك. هذا معظم ما ينظر فيه أهل الحديث وغالبة وكانت أحوال نقلة الحديث في عصور السّلف من الصّحابة والتّابعين معروفة عند أهل بلده فمنهم بالحجاز ومنهم بالبصرة والكوفة من العراق ومنهم بالشّام ومصر والجميع معروفون مشهورون في
[1] وفي نسخة أخرى: الحديث.
[2]
وفي النسخة الباريسية: إلى طريقتين يحكم..
[3]
وفي نسخة أخرى: الرواة.
أعصارهم وكانت طريقة أهل الحجاز في أعصارهم في الأسانيد أعلى ممّن سواهم وأمتن في الصّحّة لاستبدادهم [1] في شروط النّقل من العدالة والضّبط وتجافيهم عن قبول المجهول الحال في ذلك) [2] وسند [3] الطّريقة الحجازيّة بعد السّلف الإمام مالك عالم المدينة رضي الله تعالى عنه ثمّ أصحابه مثل الإمام محمّد بن إدريس الشّافعيّ رضي الله تعالى عنه، وابن وهب وابن بكير والقضبي ومحمّد بن الحسن ومن بعدهم الإمام أحمد بن حنبل وفي آخرين من أمثالهم. وكان علم الشّريعة في مبدإ هذا الأمر نقلا صرفا شمّر لها السّلف وتحرّوا الصّحيح حتّى أكملوها. وكتب مالك رحمه الله كتاب الموطّإ أودعه أصول الأحكام من الصّحيح المتّفق عليه ورتّبه على أبواب الفقه. ثمّ عني الحافظ بمعرفة طرق الأحاديث
[1] وفي نسخة أخرى: لاشتدادهم.
[2]
إن المحصور بين () ورد في النسخة الباريسية على شكلين: ورد في الشرح كما في نسختنا هذه.
وورد في المتن على الوجه التالي: ومن علوم الحديث معرفة القوانين التي وضعها أئمة المحدثين لمعرفة الأسانيد والرواة وأسمائهم وكيفية أخذ بعضهم عن بعض وأحوالهم وطبقاتهم واختلاف اصطلاحاتهم. وتحصيل ذلك ان الإجماع واقع على وجود العمل بالخير الثابت عن رسول الله وذلك بشرط أن يغلب على الظن صدقه.
فيجب على المجتهد تحقيق الطرق التي تحصل ذلك الظن. وذلك بالنظر في أسانيد الحديث بمعرفة رواته بالعدالة والضبط والإتقان والبراءة من السهو والغفلة. بوصف عدول الأمة لهم بذلك. ثم تفاوت مراتبهم فيه. ثم كيفية رواية بعضهم عن بعض. بسماع الراويّ من الشيخ أو قراءته عليه أو سماعه يقرأ عليه. وكتابة الشيخ له أو مناولته أو أجازته في الصحة والقبول منقول عنهم. وأعلى مراتب المقبول عندهم الصحيح ثم الحسن. وأدون مراتبها الضعيف. وتشتمل على المرسل والمنقطع والفصل والعلل والشاذ والغريب والمنكر: فمنها ما اختلفوا في رده ومنها ما اجتمعوا عليه. وذلك شأنهم في الصحيح: فمنه ما اجتمعوا على قبوله وصحته. ومنه ما اختلفوا فيه. وبينهم في تفسير هذه الألقاب اختلاف كثير ثم اتبعوا ذلك بالكلام في ألفاظ تقع في متون الحديث من غريب أو مشكل أو تصحيف أو مفترق. ووضعوا لهذه الفصول كلها قانونا كفيلا ببيان تلك المراتب والألقاب وسلامة الطرق عن دخول النقص فيها. وأول من وضع في هذا القانون من فحول أئمة الحديث أبو عبد الله الحاكم وهو الّذي هذبه وأظهر محاسنه. وتواليفه فيه مشهورة. ثم كتب أئمتهم فيه من بعده. واشتهر كتاب للمتأخرين فيه كتاب أبي عمر بن الصلاح. كان في أوائل المائة السابعة وتلاه محيي الدين النووي بمثل ذلك. والفن شريف في مغزاه لأنه معرفة ما يحفظ به السنن المنقولة عن صاحب الشريعة حتى يتعين قبولها أو ردها. واعلم أن رواة السنة من الصحابة والتابعين معروفون في أوصار الإسلام. منهم بالحجاز وبالكوفة والبصرة ثم بالشام ومصر. والجميع معروفون ومشهورون في أعصارهم. وكانت طريقة أهل الحجاز في الأسانيد أعلى ممن سواهم وأمتن في الصحة. لاشتدادهم في شروط النقل من العدالة والضبط. بتجافيهم عن قبول المستورين المجهولة أحوالهم.
[3]
وفي نسخة أخرى: وسيّد.
وأسانيدها المختلفة. وربّما يقع إسناد الحديث من طرق متعدّدة عن رواة مختلفين وقد يقع الحديث أيضا في أبواب متعدّدة باختلاف المعاني الّتي اشتمل عليها. وجاء محمّد بن إسماعيل البخاريّ إمام المحدّثين في عصره فخرّج أحاديث السّنّة على أبوابها في مسندة الصّحيح بجميع الطّرق الّتي للحجازيّين والعراقيّين والشّاميّين. واعتمد منها ما أجمعوا عليه دون ما اختلفوا فيه وكرّر الأحاديث يسوقها في كلّ باب بمعنى ذلك الباب الّذي تضمّنه الحديث فتكرّرت لذلك أحاديثه حتّى يقال: إنّه اشتمل على تسعة [1] آلاف حديث ومائتين، منها ثلاثة آلاف متكرّرة وفرق الطّرق والأسانيد عليها مختلفة في كلّ باب. ثمّ جاء الإمام مسلم بن الحجّاج القشيريّ رحمه الله تعالى فألّف مسندة الصّحيح. حذا فيه حذو البخاريّ في نقل المجمع عليه وحذف المتكرّر منها وجمع الطّرق والأسانيد وبوّبه على أبواب الفقه وتراجمه. ومع ذلك فلم يستوعبا الصّحيح كلّه. وقد استدرك النّاس عليهما في ذلك. ثمّ كتب أبو داود السّجستانيّ وأبو عيسى التّرمذيّ وأبو عبد الرّحمن النّسائيّ في السّنن بأوسع من الصّحيح وقصدوا ما توفّرت فيه شروط العمل إمّا من الرّتبة العالية في الأسانيد وهو الصّحيح كما هو معرف وإمّا من الّذي دونه من الحسن وغيره ليكون ذلك إماما للسّنّة والعمل. وهذه هي المسانيد المشهورة في الملّة وهي أمّهات كتب الحديث في السّنّة فإنّها وإن تعدّدت ترجع إلى هذه في الأغلب. ومعرفة هذه الشّروط والاصطلاحات كلّها هي علم الحديث وربّما يفرد عنها النّاسخ والمنسوخ فيجعل فنّا برأسه وكذا الغريب. وللنّاس فيه تآليف مشهورة ثمّ المؤتلف والمختلف. وقد ألّف النّاس في علوم الحديث وأكثروا. ومن فحول علمائه وأئمّتهم أبو عبد الله الحاكم وتآليفه فيه مشهورة وهو الّذي هذّبه وأظهر محاسنه. وأشهر كتاب للمتأخّرين فيه كتاب أبي عمرو بن الصّلاح كان لعهد أوائل المائة السّابعة وتلاه
[1] قوله تسعة الّذي في النووي على مسلم انها سبعة بتقديم السين فحرره نصر.
محيي الدّين النّوويّ بمثل ذلك. والفنّ شريف في مغزاه لأنّه معرفة ما يحفظ به السّنن المنقولة عن صاحب الشّريعة. وقد انقطع لهذا العهد تخريج شيء من الأحاديث واستدراكها على المتقدّمين إذ العادة تشهد بأنّ هؤلاء الأئمّة على تعدّدهم وتلاحق عصورهم وكفايتهم واجتهادهم لم يكونوا ليغفلوا شيئا من السّنّة أو يتركوه حتّى يعثر عليه المتأخّر، هذا بعيد عنهم وإنّما تنصرف العناية لهذا العهد إلى تصحيح الأمّهات المكتوبة وضبطها بالرّواية عن مصنّفيها والنّظر في أسانيدها إلى مؤلّفها وعرض ذلك على ما تقرّر في علم الحديث من الشّروط والأحكام لتتّصل الأسانيد محكمة إلى منتهاها. ولم يزيدوا في ذلك على العناية بأكثر من هذه الأمّهات الخمس إلّا في القليل. فأمّا البخاريّ وهو أعلاها رتبة فاستصعب النّاس شرحه واستغلقوا منحاه من أجل ما يحتاج إليه من معرفة الطّرق المتعدّدة ورجالها من أهل الحجاز والشّام والعراق ومعرفة أحوالهم واختلاف النّاس فيهم.
ولذلك يحتاج إلى إمعان النّظر في التّفقه في تراجمه لأنّه يترجم التّرجمة ويورد فيها الحديث بسند أو طريق ثمّ يترجم أخرى ويورد فيها ذلك الحديث بعينه لما تضمّنه من المعنى الّذي ترجم به الباب. وكذلك في ترجمة وترجمة إلى أن يتكرّر الحديث في أبواب كثيرة بحسب معانيه واختلافها ومن شرحه ولم يستوف هذا فيه فلم يوفّ حقّ الشّرح كابن بطّال وابن المهلّب وابن التّين ونحوهم. ولقد سمعت كثيرا من شيوخنا رحمهم الله يقولون: شرح كتاب البخاريّ دين على الأمّة يعنون أنّ أحدا من علماء الأمّة لم يوفّ ما يجب له من الشّرح بهذا الاعتبار. وأمّا صحيح مسلّم فكثرت عناية علماء المغرب به وأكبّوا عليه وأجمعوا على تفصيله على كتاب البخاريّ من غير الصّحيح ممّا لم يكن على شرطه وأكثر ما وقع له في التّراجم. وأملى الإمام المارزيّ من فقهاء المالكيّة عليه شرحا وسمّاه (المعلّم بفوائد مسلم) اشتمل على عيون من علم الحديث وفنون من الفقه ثمّ أكمله القاضي عيّاض من بعده وتمّمه وسمّاه إكمال المعلّم وتلاهما محيي
الدّين النّوويّ بشرح استوفى ما في الكتابين وزاد عليهما فجاء شرحا وافيا. وأمّا كتب السّنن الأخرى وفيها معظم مآخذ الفقهاء فأكثر شرحها في كتب الفقه إلّا ما يختصّ بعلم الحديث فكتب النّاس عليها واستوفوا من ذلك ما يحتاج إليه من علم الحديث وموضوعاتها والأسانيد الّتي اشتملت على الأحاديث المعمول بها من السّنّة. واعلم أنّ الأحاديث قد تميّزت مراتبها لهذا العهد بين صحيح وحسن وضعيف ومعلول وغيرها تنزّلها أئمّة الحديث وجهابذته وعرّفوها. ولم يبق طريق في تصحيح ما يصحّ من قبل. ولقد كان الأئمّة في الحديث يعرّفون الأحاديث بطرقها وأسانيدها بحيث لو روي حديث بغير سنده وطريقه يفطنون إلى أنّه قلب عن وضعه ولقد وقع مثل ذلك للإمام محمّد بن إسماعيل البخاريّ حين ورد على بغداد وقصد المحدّثون امتحانه فسألوه عن أحاديث قبلوا أسانيدها فقال: «لا أعرف هذه ولكن حدّثني فلان» . ثمّ أتى بجميع تلك الأحاديث على الوضع الصّحيح وردّ كلّ متن إلى سنده وأقرّوا له بالإمامة. واعلم أيضا أنّ الأئمّة المجتهدين تفاوتوا في الإكثار من هذه الصّناعة والإقلال فأبو حنيفة رضي الله تعالى عنه يقال بلغت روايته إلى سبعة عشر حديثا أو نحوها ومالك رحمه الله إنّما صحّ عنده ما في كتاب الموطّإ [1] وغايتها ثلاثمائة حديث أو نحوها. وأحمد بن حنبل رحمه الله تعالى في مسندة خمسون ألف حديث ولكلّ ما أدّاه إليه اجتهاده في ذلك. وقد تقوّل بعض المبغضين المتعسّفين إلى أنّ منهم من كان قليل البضاعة في الحديث فلهذا قلّت روايته. ولا سبيل إلى هذا المعتقد في كبار الأئمّة لأنّ الشّريعة إنّما تؤخذ من الكتاب والسّنّة. ومن كان قليل البضاعة من الحديث فيتعيّن عليه طلبه وروايته والجدّ والتّشمير في ذلك ليأخذ الدّين عن أصول صحيحة ويتلقّى الأحكام عن صاحبها المبلغ لها. وإنّما قلّل منهم من قلّل
[1] الّذي في شرح الزرقاني على الموطأ حكاية أقوال خمسة في عدة أحاديثه أولها 500 ثانيها 700 ثالثها ألف ونيف رابعها 1720 خامسها 666 وليس فيه قول بما في هذه النسخة قاله نصر الهوريني.
الرّواية لأجل المطاعن الّتي تعترضه فيها والعلل الّتي تعرض في طرقها سيّما والجرح مقدّم عند الأكثر فيؤدّيه الاجتهاد إلى ترك الأخذ بما يعرض مثل ذلك فيه من الأحاديث وطرق الأسانيد ويكثر ذلك فتقلّ روايته لضعف في الطّرق.
هذا مع أنّ أهل الحجاز أكثر رواية للحديث من أهل العراق لأنّ المدينة دار الهجرة ومأوى الصّحابة ومن انتقل منهم إلى العراق كان شغلهم بالجهاد أكثر.
والإمام أبو حنيفة إنّما قلّت روايته لما شدّد في شروط الرّواية والتّحمّل وضعف رواية الحديث اليقينيّ إذا عارضها الفعل النّفسيّ. وقلّت من أجلها رواية فقلّ حديثه. لأنّه ترك رواية الحديث متعمّدا فحاشاه من ذلك. ويدلّ على أنّه من كبار المجتهدين في علم الحديث اعتماد مذهبه بينهم والتّعويل عليه واعتباره ردّا وقبولا. وأمّا غيره من المحدّثين وهم الجمهور فتوسّعوا في الشّروط وكثر حديثهم والكلّ عن اجتهاد وقد توسّع أصحابه من بعده في الشّروط وكثرت روايتهم.
وروى الطّحطاوي [1] فأكثر وكتب مسندة وهو جليل القدر إلّا أنّه لا يعدل الصّحيحين لأنّ الشّروط الّتي اعتمدها البخاريّ ومسلم في كتابيهما مجمع عليها بين الأمّة كما قالوه. وشروط الطّحطاويّ غير متّفق عليها كالرّواية عن المستور الحال وغيره فلهذا قدّم الصّحيحان بل وكتب السّنن المعروفة عليه لتأخّر شروطه عن شروطهم. ومن أجل هذا قيل في الصّحيحين بالإجماع على قبولهما من جهة الإجماع على صحّة ما فيهما من الشّروط المتّفق عليها. فلا تأخذك ريبة في ذلك فالقوم أحقّ النّاس بالظّنّ الجميل بهم والتماس المخارج الصّحيحة لهم. والله سبحانه وتعالى أعلم بما في حقائق الأمور.
[1] وفي نسخة أخرى: الطحاوي.