الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 -
تساهل البربر في المعتقد. وقد علمت أنه لا ينتج ثباتهم على الاسلام.
2 -
امتياز الاسلام على غيره باشياء عددها. وقد قارب في هذا.
3 -
اشتماله على حقوق فيها منافع للبربر. وهذا انما يصلح ايضا بالنظر لاسلامهم أولا.
والسبب الوحيد عندي لاقبال البربر على الاسلام بسهولة قربهم من الفطرة وتعشقهم للحرية وحاجتهم الى الرقي الاجتماعي. والاسلام دين الفطرة دين الحرية الصادقة دين الرقي الشريف.
9 - الفتح العربي والحضارات القديمة
حضارة أي أمة بما فيها من عقائد وعوائد وأخلاق ومعارف انما تسري لامة أخرى وتثبت فيها على نسبة سريان لغتها بين أفراد تلك الامة الاخرى وثبوتها في أجيالها، لا على نسبة سلطانها وقوتها الحربية ونفوذها السياسي. وفيما تقدم من حياة الحضارة القرطاجنية بلغتها الى الفتح العربي، وذهاب حضارة الرومان بأثر ذهاب سلطانهم لعدم انتشار لغتهم- دليل كاف على صحة نظرنا هذا.
ولما جاء العرب الى المغرب كان انتشار لغتهم به مسايرا لجنودهم. فما فتحت قطعة منه حربيا الا انتشرت بها لغتهم. وكان لديوع حضارتهم بين البربر نفس السرعة التي كانت لفتوحهم. قال اغسال. " وقد انتشرت العربية بين البربر بسرعة" ولذلك قضوا أيضا بسرعة على حضارات الامم السابقة. وحلت حضارتهم من البربر مكانا لم يكن حل من قبل ولا يحل من بعد.
قال اغسال: "هذا القطر الذي تقاتل عليه الشرق والغرب،
والذي ترك به كل طابعه، والذي اختلط فيه الرومان والروم ليغرسوا به المسيحية اللطينية- أصبح من هذا الحين (يعني الفتح العربي) كله شرقيا. وانقضى بذالك عصر الاتحاد اللطيني الذي كان حول البحر الابيض" (1).
هذه الشهادة من اغسال الاختصاصي في التاريخ القديم ندفع بها في وجوه المتفيهقين المتطفلين على التاريخ الزاعمين أن الجزائر وبقية افريقية الشمالية وطن غربي لا صلة له بالشرق أصلا. وهاك شهادة أخرى من هذا المؤرخ عن علم وبحث. قال أثر ما تقدم: "البربر كانوا يثورون على العرب اما انفة من أداء الخراج واما طمعا في الاستقلال. وغرضهم اخرج العرب من وطنهم. وقد استطاعوا أن يؤسسوا دويلات أو دولا من طرابلس الى الاندلس. ومع ذلك لم يفكروا ولا يوما واحدا في رفض لغة العرب وديانتهم والرجوح الى اللغة اللطينية والدين المسيحي. فبقي مؤلفوهم في التوحيد والفقه والتاريخ يكتبون تآليفهم باللغة العربية. وملوكهم شادوا قصورهم على الفن العربي. وصارت بعض القبائل البربرية تلفق انسابا تتصل بها من العرب. ولم يبق من حضارة الرومان والبيزنطيين غير خرابات عظيمة وتذاكير للقوة الرومية".
هكذا كان تأثير العرب على البربر بعيد الاثر حتى انتهى الى الانساب. ولذلك قال بيروني في وجوه تمييز العرب من البربر - وصدق فيما قال: "من انتسب الى البربر أو تكلم بلغتهم فلا شك أنه بربري. ومن انتسب الى العرب أو تكلم بلغتهم فلا يجزم بانه عربي " وهذا التأثير السريع العميق الخالد لا تجد له نظيرا في تاريخ البربر.
(1) الجزائر في القديم ص143.
قال بيروني: "احتار كل المؤرخين من سرعة تأثير العرب على البربر في ديانتهم وعاداتهم واخلاقهم. ويوجه ذلك بعضهم بأن العرب والفينيقيين متقاربون في اللغة، ومتحدون في الاصل الذي ينشأ عنه تقارب في الطبائع " ومراده أن الفينيقيين أثروا في البربر. وبقي تأثيرهم ذلك الى أن جاء أخوانهم العرب فلحقوه. وهذا غير صحيح على اطلاقه. فانا مع اعترافنا بمحافظة البربر على ما أخذوه من قرطاجنة لا نعتقد أن البربر صاروا فنيقيين: ليست بينهم وبين العرب فوارق شديدة في مناحي حياتهم. فهم- وان أخذوا حظا وافرا من حياة البونيقيين- قد صبغوه بالصبغة البربرية، وابتعدوا به عن أصله". وهذا ما لا ينكره بيروني ولا غيره. واذن فان الفينيقيين ليست لهم يد فيما لان للعرب من تأثير على البربر. اللهم الا ما كان من قبل اللغة فلا ننكره بل نقول كما قال اغسال: ان بقاء الفينيقية بألسنة البربر سهل عليهم تعلم العربية. ولا نكبر هذه المساعدة أيضا: فانه لا يعقل أن تبقى البونيقية بألسنة البربر تلك القرون من غير ابتعاد عن أصلها.
والوجه عندي أن العرب هم الذين كونوا أسباب الانقلاب السريع الغريب من غير مساعدة خارجية. ذلك أنهم لم يأتوا الى هذا الوطن لغرض سياسي أو تجاري أو استعماري. وانما أتوا لنشر مبدأ فيه سعادة البشر في الحياتين. وأيدوا صدقهم في قصدهم بقسطهم. فأقبل البربر على ذلك المبدا وهو الاسلام. ولم ينفروا أولا من العرب لعدلهم. ثم لما رأوا آثار الجور أخذت تبدو منهم قلبوا لهم ظهر المجن. وبقوا متمسكين بحضاراتهم وديانتهم. وهذا الوجه تجده أيضا في كل الاوطان التي كان للعرب بها سلطان.
وقبل أن نختم هذا الفصل ننبه القارىء الى أن العرب لم يهدموا في فتحهم المغرب غير صروح الخرافات ومعاقل الفوضى. أما