الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يغر البربر فانهم لا يرضون عن تحاملك على العرب ولا سيما الفاتحين.
البربر يعلمون أن ما نتج عن هجوم الهلاليين ليس ناشئا عن عداوة جنسية أو قسوة حربية ولذلك اختلطوا بهم وأخذوا عنهم عوائد اجتاعية واخلاقا فاضلة اضافوها الى عوائدهم وأخلاقهم.
واستعرب كثير منهم لما وجدوا في العربية ثروة لفظية وادبا راقيا واعانة على فهم الدين. واستبدلوا بحياتهم حياة عربية.
فكان نفوذ الهلاليين في البربر اجتماعيا لغويا جنسيا. كما كان نفوذ الفاتحين دينيا سياسيا ويمتاز نفوذ العرب في غيرهم من الامم بأنه غير ناشىء عن دعاية سياسية وانه خالد خلود الراسيات لا يذهب بذهاب سلطانهم ولا توهن من قوته الدسائس الاجنبية. بل لا يكترث بها الا اكتراث القائل:
يا ناطح الجبل العالي ليوهنه
…
اشفق على الرأس لا تشفق على الجبل
5 - الحياة الهلالية
الهلاليون بداة ظواعن. يسكنون بيوتا يستخفونها يوم ظعنهم. ويكسبون الخيل لركوبهم والانعام لحمل أثقالهم والتغذي بألبانها واتخاذ الملابس والاثاث من أوبارها واصوافها واشعارها.
ينتجعون بها الصحراء شتاء والتل صيفا. ويبتغون الرزق في غالب أحوالهم من القنص وتخطف الناس من السبل. ويجمعون أيام كونهم بالتل الحبوب لقوت سنتهم. قال ابن خلدون: "وربما يلحق أهل العمران أثناء ذلك معرات من اضرارهم بافساد السابلة ورعي الزرع مخضرا وانتهابه قائما وحصيدا. الا ما أحاطته الدولة وذادت عنه الحامية في الممالك التي للسلطان عليهم فيها سبيل" اهـ.
وتغلب الهلاليون على طرق القوافل، فلا يجتازها غيرهم الا بخفارة احدهم. فوقفت حركة البربر التجارية من هذه الناحية ولكن الهلاليين قاموا بها أحسن قيام ووسعوا نطاق التجارة بين التل والصحراء.
ولم يحافظ عللى حياة الظعن من الهلاليين الا القبائل القوية واحلافها. اما من ضعف منهم فكانوا ينزلون المدن والقرى البربرية.
أو يحدثون لانفسهم قرى بالزاب والصحراء. ويشتغلون بالفلاحة ويستبدلون بالشاة البقر.
وكانت زناتة وبعض البربر على مثل هذه الحياة البدوية من قبل مجيئء الهلاليين. لانها حياة ناشئة عن طبيعة الوطن لا دخل للنسب فيها. ولتشابه الحياتين تأثر الهلاليون بزناتة في بعض عوائدهم.
قال ابن خلدون متحدثا عن العرب:
" شعارهم لبس الخيط في الغالب. ولبس العمائم تيجانا على رؤسهم. يرسلون من أطررافها عذبات يتلثم قوم منهم بفضلها. وهم عرب المشرق. وقوم يلفون منها الليت والاخدع قبل لبسها. ثم يتلثمون بما تحت اذقانهم من فضلها. وهم عرب المغرب. حاكوا بها عمائم زناتة من أمم البربر قبلهم. وكذلك لقنوا منهم في حمل السلاح اعتقال الرماح الخطية. وهجروا تنكب القسي. وكان المعروف لاولهم ومن بالمشرق لهذا العهد منهم استعمال الأمرين .. "، " فهذه كلها شعائرهم وسماتهم. وأغلبها عليهم اتخاذ الابل والقيام على نتاجها وطلب الانتجاع بها لارتياد مراعيها ومفاحص توليدها، بما كان معاشهم منها. فالعرب أهل هذا الشعار من أجيال الآدميين، كما أن الشاوية أهل القيام على الشاة والبقر، لما كان معاشهم فيها. فلهذا لا يختصون بنسب واحد بعينه الا بالعرض.
ولذلك كان النسب في بعضهم مجهولا عند الاكثر، وفي بعضهم خفيا على الجمهور. وربما تكون هذه السمات والشعائر في أهل نسب آخر فيدعون باسم العرب " اهـ.
ولسان الهلاليين مضري. حافظوا عليه ببداوتهم في المفردات والتراكيب ووجوه البلاغة وأساليب الخطاب. قال ابن خلدون:
" وفيهم الخطيب المصقع في محافلهم ومجامعهم، والشاعر المفلق على أساليب لغتهم. والذوق الصحيح والطبع السليم شاهدان بذلك، ولم يفقدوا من أحوال اللسان المدون الا حركات الاعراب في أواخر الكلم فقط" اهـ.
وقد ذكر العبدري في رحلته- وهو من أهل القرن السابع- عن عرب برقة لم يزالوا يعربون أكثر أقوالهم. ويتحدثون بما يعد عند العلماء غرورا. وذكر ما سمعه من أقوالهم المعربة وألفاظهم الغريبة، وعلل ذلك بعدم أختلاطهم بالناس وقال هم افصح من عرب الحجاز وغيرهم.
فلعل الهلاليين انما فسد لسانهم بالجزائر لاختلاطهم بالبربر، ويشهد لذلك أننا نرى اليوم عرب الصحراء القليلي الاختلاط بغيرهم أصح عربية واقوم مخارج حروف، وعرب السواحل المغمورين بالبربر أفسد نطقا بالحروف وأردى لغة. ومع هذا فالهلاليون أثروا من حيث اللغة في البربر أكثر مما تأثروا بهم.
وذكر ابن خلدون ان بداة العراب شرقا وغربا يمتازون عن أهل الحضر بان مخرج القاف لديهم بين مخرجي الكاف والقاف الحضرية، ولم تزل هذه القاف البدوية لعهدنا، وهي مثل القاف الأعجمية التي نحدها في الاعلام البربرية والافرنجية وغيرها، مثل بلقين وتاقرا وقسال وقوتية، وكان الاقدمون كالبكري يرسمونها جيما، يقولون
بلجين وتاجرا، ومن بعدهم كابن خلدون يرسمونها كافا، فيقولون بلكين، وكتاب عصرنا يرسمونها غينا. فيقولون غسال وغوتية.
وانا اختار رسمها قافا اذ هي مثل القاف البدوية مخرجا.
وكانت أخلاق الهلاليين هي أخلاق الجاهلية بما فيها من حسنات وسيئات كالجود والشجاعة وعزة النفس واباية الضيم وحفط العهد وحسن الجوار والاعتراف بالجميل والتمدح بالغارة وبغض الصنائع والحرف.
ومعارفهم هي معارف الجاهلية من عناية بالانساب وكل ما يتصل بحياتهم البدوية، وليس لهم من الاسلام بعد الشهادتين كبير علم أو عمل. وقد تأثروا من هذه الناحية بالبربر، فنبذ القاطنون بالنواحي الخصبة حياة الغارة والفتن. وحيي فيهم الشعور الديني. وظهر منهم من دعا الى السنة. ورابطوا في الثغور لحمايتها من النرمان، ولم يعرف عنهم اعانة الكافر أو الاستعانة به حتى كان بنو زيان أواخر أيامهم يستعينون بعضهم على بعض لنيل الملك بالاسبان النازلين بوهران. فجروا معهم أحلافهم من عامر وزغبة القاطنين بنواحي وهران، فاصبحوا من بعد جندا لنصارى الاسبان.
وللقبائل الهلالية مناطق تتقلب فيها ظعنا واقامة. ولكل رئيس منها يلقب أميرا أو شيخا أو سيدا. والغالب أن يكون معه من قبيلته رئيس تابع له يلقب رديفا. وقلما تخرج رئاسة القبيلة من بيت الى آخر. وللرئيس صفات يمتاز بها من كبر سن ورجاحة عقل وفصاحة لسان وفضل جود. وليس للحكومة عزله الا ان تكون قبيلته ضعيفه.
وكثيرا ما تكون الحروب بين الهلاليين اما بين قبيلتين متجاورتين لاسباب أهمها التنازع على وسائل الحياة ولا سيما بالصحراء: واما
بين أفراد القبيلة للواحدة لاسباب أهمها التنازع على الرئاسة. ولا يفض الخصاء كالحسام. وينتج عن هذه الحروب ضعف قبيلة واستعلاء أخرى. فتضطر الضعيفة اما للجلاء الى ناحية اخرى واما للاحتماء بقبيلة أقوى. فتضع القبيلة الحامية على المحمية عربية أو بربرية ضريبة معلومة يسمونها خفارة. وهي آية الشرف الحربي.
واليوم لم يزل لبعض القبائل على غيرها خفارة يقبضونها باسم الشرف الديني. ويحرفوق لفظها الى غفارة كما حرفوا اصل وضعها.
وقد احتاجت الحكومات البربرية الى القبائل العربية. فقربت رؤساءهم بالمصاهرة والمجا لسة. واقطعتهم الاراضي. واعتمدت عليهم في جباية الخراج وتجنيد الجنود. وعرف العرب ان نعمتهم تلك لا تدوم الا بضعف الحكومة. فكانوا يحدثون لها المشاكل ويديرون عليها الثورات. ويتحدون ضدها متى خشوا قوتها نابذين ما بينهم من تراث. وينقسمون على الحكومات متى تعددت. وقد أصبحت الحكومات الحفصية والزيانية والمرينية كل منها تعتمد على قبائل عربية سلما وحربا.
ولم تكن مشاغبة الهلاليين للحكومات البربرية لطمع في الملك أو طلب للفوضى. وانما كانت لحفظ حياتهم البدوية. وكانت القبائل البربرية تتواثب على الملك ارضاء لشهوات زعمائهم لا لاختلاف مباد او تباين غايات. ونتج عن سياسة هذين الجنسين المشتركين في الدين والوطن نتائج سيئة عادت عليهم جميعهم بالوبال. وتفصيل الحياة العربية السياسية في الكتاب الثالث ان شاء الله.
قال ابن خلدون: "وكان في هؤلاء العرب لعهد دخولهم افريقية رجالات مذكورون. وكان من أشهرهم حسن بن سرحان وأخوه بدر