الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اشقى مراد اذا عدت قبائلها
…
وأخسر الناس عند الله ميزانا
كعاقر الناقة الاولى التي جلبت
…
على ثمود بارض الحجر خسرانا
قد كان يخبرهم ان سوف يخضبها
…
قبل المنية أزمانا فأزمانا
فلا عفا الله عنه ما تحمله
…
ولا سقى قبر عمران بن حطانا
لقوله في شقي ظل مجترما
…
ونال ما ناله ظلما وعدوانا
"يا ضربة من تقي ما أراد بها
…
الا ليبلغ من ذي العرش رضوانا"
بل ضربة من ذوي أورثته لظا
…
مخلدا قد اتى الرحمن غضبانا
كانه لم يرد قصدا بضربته
…
الا ليصلى عذاب الخلد نيرانا
ومما روى له التنسي في الدار والعقيان قوله:
تبارك من ساس الامور بعلمه
…
وذل له أهل السموات والارض
ومن قسم الارزاق بين عباده
…
وفضل بعض الناس فيها على بعض
فمن ظن ان الحرص فيها يزيده
…
فقولوا له يزداد في الطول والعرض
وشعره كثير تناقله الرواة شرقا وغربا. ومنه قطع مبعثرة في بطون الكتب يحتاج في جمعها الى عناية أدبية وغيرة قومية. وحسبنا اداء لحق هذا الشاعر المجيد والمحدث الثقة أن افردناه بالكلام ونبهنا على فضله.
12 - الحروب والفتن
قامت الدولة الرستمية على جهود البربر الثائرين على حكومة القيروان، فلم ترق دماء في سبيل تأسيسها. ولم تجاهد كغيرها
لاعلاء كلمة الاسلام لعدم مجاورة الكفار لها. على ان الخوارج انما يعنون بالثورة على الحكومات الاسلامية، ويرون ملوكها جائرين على الاطلاق.
جاورها الادارسة ولم نعلم من حال هذا الجوار غير ما ذكره ابن خلدون في قوله: "حارب بني رستم جيرانهم من مغراوة وبني يفرن على الدخول في طاعة الادارسة لما ملكوا تلمسان، واخذت بها زناتة من لدن ثلاث وسبعين ومائة فامتنعوا عليهم سائر أيامهم".
وجاورها أمراء القيروان. فلم نعلم عن هذا الجوار غير زحف عبد الرحمن لحصار طبنة فانه نزل تهودا. فلها انجلى الحصار عن عمر بن حفص انفذ جيشا لعبد الرحمن هزمه الى تيهرت. ثم كانت المهادنة ايام روح. وجاءت الدولة الاغلبية. فلم نعلم حدوث شيء بينهما في الجزائر غير تأسيس مدينة العباسية واخراجها. هذا كل ما نعلم عن الحالة الخارجية للدولة الرستمية.
اما الحالة الداخلية فالحرب فيها أغلب من السلم. ذلك ان الحكومة لم تتمكن من بسط نفوذها في المملكة على ضيق رقعتها. فالقبائل مستقلة تحت امراء منهم. وليس ثم من وحدة سياسية ولا دينية. والحكومة اجنبية لا ثقة لها بالامة. وتتساهل لذلك في اتهامهم بالافتراء عليها. فنشأت الفتن من ضعف الحكومة وسوء ظنها بالامة.
أول ما حدث فتنة يزيد بن فندين اليفرني، وسببها ان عبد الرحمن بن رستم لما احتضر ترك الامر شورى بين سبعة منهم ابنه عبد الوهاب وابن فندين. فاسندت الامامة لعبد الوهاب. وابى ابن فندين من البيعة الا بشرط تأسيس مجلس من الاعيان يخضع له الامام. فرفض اقتراحه. وسخطته الحكومة. فلم يصبر لهذه الاهانة وهو ذو عصبية. فأعلن الثورة.
وبعد وقائع كاد ابن فندين ينتصر. فطلب عبد الوهاب هدنة للنظر في شرطه وعرضه على اباضية المشرق ليفتوا فيه. فاجابه لذلك. وربح عبد الوهاب الوقت لجمع قوته ونشر دعايته بالمشرق واحسن الخروج من المأزق.
أدرك ابن فندين مكيدة خصمه. فأعاد الحرب قبل ورود فتوى المشارقة. فدارت عليه الدائرة. وقتله أفلح بن عبد الوهاب. وتفرق جمعه. وبعد مدة ثأروا لصاحبهم من ميمون بن عبد الوهاب. فقتلوه. وعادت الحرب ثالثة. وانجلت بانتصار عبد الوهاب.
فتح ابن فندين باب الحديث في الامامة وشروطها. فاتخذها أرباب المذاهب الاخر سلما للخروج عن طاعة الامام الاباضي. فأعلنت الواصلية ثورتها. وقصدت فيمن انضم اليها تيهرت. وكانت وقائع أشد من الاولى. والتجأ عبد الوهاب لطلب الهدنة. وبعد ان انعقدت استنجد نفوسة طرابلس. فبلغته نجدتهم وعادت الحرب وانجلت بانتصار عبد الوهاب كأول مرة.
وتقدم في الفصل السادس ما كان من انكار بعض الناس لعمال عبد الوهاب وثورتهم. وانتهت بانهزامهم.
وكان أمير هوارة خطب بنت شيخ لواتة. فأشير على عبد الوهاب بمصاهرة لواتة حتى تتحد مع هوارة. فخطب تلك البنت. وتزوجها. فوقعت بين الرستميين وهوارة حرب على نهر اسلان. وتعددت المعارك. ثم انهزمت هوارة.
وكان ابو بكر بن أفلح قد صاهر من أعيان المدينة رجلا يدعى محمد بن عرفة. وفوض اليه أمر الحكومة. فنفس عليه وجاهته بطانة الامام. وزينوا له اغتياله. فأرسل اليه ليخرج معه الى منتزه له يعرف بجنان الامير. ولما قاما الى صلاة المغرب طعن خادم ابي
بكر ابن عرفة. والقى شلوه في شق هنالك فافتقد الناس ابن عرفة. ثم وقفوا على جلية أمره. واستخرجوا شلوه. فثاروا بأبي بكر. وكان يوم من أشد الايام. فقد فيه ابو بكر امامته. وبقيت الحرب بين أنصار الحكومة واعدائها قائمة على ساق. وحكمت أخيرا بفشل نفوسة والعجم.
قال ابن الصغير: "لما نزل بالعجم ونفوسة ما نزل تفرقوا في أقاصي البلاد. فنزلت العجم بموضع يقال له تابغيلت وهي على مرحلتين من مدينة تاهرت (1) ونزلت الرستمية ومن لف لفها باسكيدال وبه ابو اليقظان. وهو مجمع الاباضية قبلة تاهرت على يوم أو أزيد قليلا. ونزلت نفوسة بقلعة مانعة يقال لها اليوم قلعة نفوسة".
عقب هذه الفتنة استولى محمد بن مسالة على تاهرت. وحارب بقومه واهل المدينة لواتة. واجلاها الى حصنها على مقربة من تاسلونت منبع عيون نهو مينة. ودعت ابا اليقظان الى جوارها.
هنالك اجتمع الى ابي اليقظان شيعته. فذهب بهم الى تيهرت. فامتنعت عليه سبع سنين. ثم استنجد نفوسة طرابلس. فأنجدوه. وتقوى بهم في حين أن أهل تيهرت أجهدهم الحصار. فتقدمت رسله الى المدينة مبشرين ومنذرين. فرضي أهلها باسلامها الى ابي اليقظان على أن لا يؤاخذوا بما ذهب ايام الفتنة من أنفس واموال فرضي شرطهم ودخل المدينة. وأعلن العفو العام.
ونفى ابو حاتم بعض أعيان المدينة بتهمة التآمر على قتله، إلى موضع يدعى الثلة. وبعد مدة دخلوا تيهرت في حماية أنصارهم.
(1) تقدم في الفصل الرابع عن البكري تامغيلت بالميم. وأنه على مرحلتين من تيهرت. فالظاهر أنه موضع واحد يقال بالحرفين أو محرف في أحد الكتابين.