الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما كان للفاتحين قبلهم من أعمال العمران فلم يخربوا منه شيئا. أما أعمال الرومان فقد قال عنها بيروني: "ولم يتحد البربر والوندال الا في تخريب افريقية والقضاء على عمرانها الذي لم يبق منه الا آثار تشهد بعظمته " وأما أعمال الوندال والروم فقد قال في شأنها أيضا: "وقد ذهبت أعمال الوندال والبيزنطيين من نفسها لعدم اتقانها. ولم يكن للعرب يد في هدمها".
ولم نعلم من تخريب للعرب الا ما كان من تخريب حسان لقرطاجنة. ولكن لم يخربها على ساكنيها من صبية ونساء وشيوخ. وانما خربها بعدما خرج أهلها منها لئلا يعودوا للتحصن بها. ولكن أين هذا من تخريب الرومان لها؟ وأين هذا مما يفعله الاروبيون اليوم بالامم الضعيفة؟ لم أدر كيف يغتر بعض الجزائريين بدعاية الملوثين لسمعة العرب بمثل هذه الاختلافات وهم يقرأون حقائق عن تخريب أولئك المعمرين ووحشية أولئك المحتكرين للمدنية؟
10 - العرب والبربر بعد الفتح
أصبح العرب بعد الاسلام أعظم دول العالم فتوحا. ولكنهم يمتازون عن الفاتحين سواهم ممن تقدم أو تأخر بأنهم لم يفتحوا وطنا لامتصاص خيراته ولا لسلب حرية أهله. بل كان غرضهم الوحيد نشر الاسلام الذي رأوا فيه سعادتهم. فاحبوا أن يعمموا نشره ما استطاعوا كي تعم السعادة. ولميزتهم هاته عن بقية الامم الفاتحة كان فتحهم ممتازا عن سائر الفتوحات.
لما فتح العرب المغرب اختلطوا بالبربر وامتزجوا بعضهم ببعض من غير اندماج. فتصاهروا وتساكنوا في المدن والضواحي. ولم يكن للعرب تفوق على البربر في جميع الحقوق، الا ما كان من الولاية
العامة فانها كانت بأيدي العرب لخبرتهم بالشؤون الدولية. ولم تسند للبربر لعراقتهم في الفوضى وحدوث عهدهم بالنظام. ومع ذلك فان العرب قد أقروا بعض رؤساء البربر على رئاستهم.
ولقد ساس العرب البربر سياسة الاخاء والحرية والمساواة حقا. فتركوا لهم أراضيهم ولم يثقلوا كاهلهم بالضرائب. حتى ان مالية ولاية المغرب كانت غير كافية، وتمدها ولاية مصر بمائة الف دينار كل عام. ولما بويع المنصور العباسي أرسل الى عبد الرحمن بن حبيب الفهري، وكان متغلبا على المغرب، يدعوه الى الطاعة. فلباه عبد الرحمن. وبعث اليه بهدية فيها بزاة وكلاب وذهب قليل. واعتذر له عن ضعف هديتة بأن المغرب اليوم بلاد اسلامية لا سبي فيها. ولعلك لم تنس ان ايطاليا كانت تأخذ من المغرب مؤونة ثمانية أشهر. فقابل بين السلطتين: الرومانية والعربية.
وقد أدرك البربر فضل السلطة العربية. فأخذوا يخدمون دولتهم باخلاص. ودخلوا الجندية لاول الفتح على عهد حسان. وكانت لهم اليد الطولى في فتح الاندلس على عهد موسى بن نصير. وظلوا مغتبطين بالسياسة العربية الى أن أخذ الجور يبدو من بعض الولاة. فذكروا هواهم الدفين. وشرعوا يعملون لاستقلالهم بوطنهم وطرد النفوذ العربي منه مع المحافظة على ما أخذوه عن العرب من دين ولغة وحضارة.
في سنة (102) كان الوالي على المغرب يزيد بن أبي مسلم. فأراد أن يأخذ من البربر الجزية وهم مسلمون. فبادروا بقتله لشهر من ولايته. ونصبوا مكانه أحد الولاة السابقين. قيل محمد بن يزيد، وقيل اسماعيل بن عبيد الله. وكتبوا الى الخليفة يزيد بن عبد الملك بالطاعة والعذر. فقبل عذرهم وأقر الامير الذي نصبوه.
وفي سنة (114) ولي على المغرب عبيد الله بن الحبحاب. وتوسع في الفتوحات برا وبحرا. ونصب عماله في الجهات. فكان بعضهم يجور على البربر. فثار أهل المغرب الاقصى على عاملهم بطنجة. وقتلوه من غير أن يشتكوا به الى أميره. فرأى عبيد الله بن الحبحاب ان هذا ثورة على الدولة نفسها. فأرسل اليهم الجنود. وتقاتلوا بأحواز طنجة. ثم تحاجزوا. واجتمع البربر من بعد على رئيسهم خالد بن حميد الزناتي. فأرسل اليه ابن الحبحاب الجنود بقيادة خالد ابن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري. والتقى الجمعان على وادي شلف. فقتل خالد وجماعة من وجوه العرب. وانهزم الجيش العربي. وسميت الوقعة وقعة الاشراف.
بلغ الخبر الخليفة هشام بن عبد الملك. فاستضعف بن الحبحاب وعزله. وأرسل الى المغرب كلثوم بن عياض القشيري. فدخله في سبعين الف مقاتلا. وكان بتلمسان حبيب بن أبي عبيدة أبو خالد المقتول مواقفا للبربر. فلحق به كلثوم. وزحف الجميع لقتال البربر. فكانت الغلبة لهم أيضا. وقتل كلثوم وحبيب. وتفرق جيثسهما أيادي سبا.
ولما بلغ خبر هذه الخيبة الى هشام وجه الى المغرب حنظلة بن صفوان الكلبي. فقاتل الثوار وانتصر عليهم. وسكن المغرب أيامه، لكن سكونا موقتا.
وبينما البربر يعملون لاسترداد استقلالهم اذ بالعرب يختلفون ويتقاتلون فيما بينهم على مرأى ومسمع من البربر. وابتدأ دور هذه الرواية حبيب وكلثوم. فان كلثوم لما نزل القيروان أساء الى أهلها. فشكوه الى حبيب وهو بتلمسان. فكتب اليه حبيب ينهاه ويتوعده. فأصرها في نفسه. وذهب لقتال البربر مارا بتلمسان. فابتدأ بقتال
حبيب. فتقاتلا. ثم اصطلحا واتفقا جميعا على حرب الثوار من البربر. وبعد استشهاد حبيب فر ولده عبد الرحمن الى الاندلس.
وفي سنة (126) عاد عبد الرحمن بن حبيب الى المغرب. ونزل بتونس. ودعا أهالها الى طاعته. فلبوه. وبلغ ذلك حنظلة. فتعفف عن اراقة الدماء. وتحرج من تفريق الكلمة. فأرسل طائفة من وجوه الجند الى عبد الرحمن يدعونه الى الطاعة. فأوثقهم في الحديد. وذهب بهم ليفتح القيروان. وأرسل الى أوليائهم يحذرهم قتاله، ويهددهم بقتل من تحت يده ان هم حاربوه. فأشفقوا على أشرافهم وأمسكوا عن القتال. ولما رأى حنظلة عناد عبد الرحمن وعدم مبالاته بالوحدة العربية ترك له القيروان. وعاد الى المشرق سنة (127).
ضبط عبد الرحمن المغرب. وقاتل ثوار البربر وانتصر عليهم. وزحف سنة (135) الى جموع من البربر بنواحي تلمسان. فظفر بهم. وغزا صقلية وسردانيا. وكتب الجزية على أهلهما. ولكن انقسام العرب ما زال يفتك بهم. فقد ثار عليه أخوه الياس بن حبيب. وقتله سنة (137) واستولى على المغرب مكانه. ونجا الى تونس ولد لعبد الرحمن اسمه حبيب. فثار على عمه. وقتله سنة (138). وكان عبد الوارث بن حبيب مظاهرا لاخيه الياس. فلما قتله- جيب طلب عمه عبد الوارث هذا. ففر منه الى ورفجومة من افخاذ نفزاوة احدى بطون لواتة. واستجار بهم. فأجاروه. وذهب حبيب لقتالهم. فهزموه. واحتلوا القيرواق. ثم قتلوه سنة (140).
واستولى على القيروان عبد الملك بن أبي الحعد الورفجومي. وسار في العرب سيرة العسف والظلم. فافترقوا في النواحي. وشاع خبرهم في الآفاق. وكان بنواحي طرابلس ابو الخطاب عبد الاعلى ابن السمح من وجوه العرب. فقام على وفجومة منكرا لعسفها.