الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طول المدة وتوالي الفتن وضعف أهله مما يمنع الاعتماد على حضارته لمعرفة الحضارة الرستمية.
10 - العلوم والآداب
نشأت الدولة الرستمية في بداية تاريخ المسلمين العلمي بما كان من اقبال المنصور العباسي فمن بعده على تجهيز المسلمين بالعلوم والمعارف بعد ما قضوا لبانتهم من الآداب العربية وبلغوا فيها الدرجة السامية أيام بني أمية.
وقد عني الرستميون بنقل الكتب التي تظهر بالمشرق منبع الحركة الفكرية الاسلامية. ولكن عنايتهم بالعلوم الدينية أشد. فكانوا ايمة في العلم كما كانوا ايمة في السياسة يتدارسون التفسير والحديث والفقه والكلام والاخبار والاشعار والعلوم الرياضية. واشتهروا بالتنجيم والرمل. فعبد الرحمن كان مفسرا وله في التفسير تأليف. وابنه عبد الوهاب برز في العلوم الدينية. ونبغ أفلح في الادب وله في فضل العلم ومزاياه والتحريض عليه قصيدة مطلعها:
العلم أبقى لأهل العلم آثارا
…
يريك اشخاصهم روحا وابكارا
وهي طويلة جيدة أثبتها الباروني بتمامها مشطرة. وكان من ايمة بني رستم من انتصب للتدريس بالمساجد العامة. وارسل عبد الوهاب الى اباضية البصرة ألف دينار ليشتروا له بها كتبا. فلما بلغتهم اشتروها ورقا استنسخوه كتبا. قالوا فكانت تلك الكتب وقر اربعين جملا. وجهوها له واتصل بها. وكانت بتيهرت مكتبة تدعى المعصومة قد حوت آلافا من المجلدات. ولما دخلت الشيعة تيهرت أحرقوا مكتبتها ما عدا كتب الرياضة والصنائع والفنون الدنيوية.
وكانت العربية هي لسان الدولة الرسمي. يدل لذلك رسائل
الرستميين الى الامة البربرية في الحث على الطاعة والتمسك بالدين، وعقود ولايتهم لعمالهم بطرابلس. وقد أثبت الباروني نصوص رسائل وعقود. وكانت العربية لسان علومهم وآدابهم أيضا. اذ جل عنايتهم بالعلوم الدينية التي لا لغة لها غير العربية.
ولم تفكر الحكومة الفارسية في نشر اللغة الفارسية او اتخاذها لغة رسمية اذ لا داعي لذلك لا من حيث الدين ولا من حيث السياسة. فالدين لغته عربية. وكون بني رستم في غير وطنهم بين قوم اشداء في عصبيتهم مما يدعوهم الى اعفاء العصبية الجنسية واحياء الرابطة الدينية التي لا يجمعهم بالبربر غيرها.
واقتدت الامة البربرية بحكومتها- والناس على دين ملوكهم- في العناية بالعربية وعلومها وآدابها. ولم يصدهم عنها ثورتهم على الحكومة العربية لان الثورة اسبابا يغبط جدا من يجعل من بينها عداء البربر للعرب جنسيا أو دينيا أوعلميا اذ ليست فكرة عداء العرب والعربية موجودة لدى الامم الاسلامية يومئذ. وانما هي وليدة عصرنا الحاضر. تستر بها الملحدون توصلا لهدم التعاليم الاسلامية ويأبى الله الا أن يتم نوره ولو كره الملحدون.
وعاشت البربرية مع العربية عيشة العامية اليوم مع الفصحى. وكان من البربر شعراء بالبربرية مجيدون نظير ما نسمع اليوم من قصائد عامية بليغة. والفت بها التآليف الدينية حرصا من رجال الدين على ايصال عقائده وعباداته الى العامة اذ لم يكن البربر يحسنون - طبعا- جميعهم العربية.
وكان بالمملكة التيهرتية مذاهب غير الاباضية. منها الصفرية. كان لهم حصن تالغمت (يدعى اليوم تيلغمت. وهو وسط بين الاغواط وغرداية). والواصلية. مجمعهم قريب من تيهرت. يسكنون بيوت
الشعر. ويعتدون في نحو ثلاثين الفا. والعراقيون الشهيرون بالرأي والقياس والحجازيون الشهيرون بالسنة والاثر.
ولهذه الطوائف مساجدها وعلماؤها وحلق دروسها. وكانوا بتيهرت يجتمعون للمناظرة والمباحثة في دائرة الادب وقانون العلم بغاية الحرية. قال ابن الصغير: "ومن أتى الى حلق الاباضية من غيرهم قربوه وناظروه ألطف مناظرة. وكذلك من اتى من الاباضية الى حلق غيرهم كان سبيله ذلك". وقال متحدثا عن الاباضيين:
" ولا يمنعون أحدا من الصلاة في مساجدهم ولا يكشفونه عن حاله. ولو رأوه رافعا يديه، ما خلا المسجد الجامع فانهم اذا رأوا فيه من رفع يديه منعوه وزجروه فان عاد ضربوه". قال الباروني: والمسجد الجامع هو مسجد الامام. ولعلهم يفعلون ذلك بغير اذنه وعلمه. يريد ان ذلك من متعصبة العامة التي كثيرا ما تنصر دينها بما تأباه مبادي ذلك الدين نفسه.
أصبحت تيهرت معدن العلم والادب ومحط رحال الطلبة حتى قال فيها أبو عبد الله البنا: "يفضلونها على دمشق وأخطأوا وعلى قرطبة وما أظنهم اصابوا". ولست أشك في انها دونهما ولكن حضورها في الذهن بحضورهما يكفي دليلا على تقدمها ورقيها.
وقد نسب اليها علماء كثيرون في مختلف الفنون. ذكر البارني طائفة منهم. والفتن التي استمرت بتيهرت أواخر الحكومة الرستمية وبعدها ترشد الى أن أن الذين آثارهم أكثر من الذين عرفوا. فمنهم أبو الفضل أحمد بن القاسم التميمي البزاز. روى عنه أبو عمر بن عبد البر وغيره. ومنهم الشيخ أبو سهل. كان أفصح أهل زمانه في اللسان البربري. ألف به تآليف احترقت في بعض الفتن. وتولى خطة الترجمة للامامين أفلح ويوسف. ومنهم أبو عبيدة