الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد اختلفت على تلمسان أيدي الحفصيين ومرين والاسبان فطمسوا كثيرا من معالمها واعفوا معظم آثارها، وأشار الى علة ذلك لسان الدين بن الخطيب في وصفه لها بقوله:
" تلمسان مدينة جمعت بين الصحراء والريف، ووضعت في موضع شريف. كأنها ملك على رأسه تاجه وحواليه من الدوحات حشمه واعلاجه. عبادها يدها، وكهفها كفها، وزينتها زيانها، وعينها أعيانها، هواها المقصور بها فريد، وهواؤها الممدود صحيح عتيد، وماؤها برود صريد حجبتها ايدي القدرة عن الجنوب، فلا تحول بها ولا شحوب، خزانة زرع، ومسرح ضرع، فواكهها عديدة الانواع، ومتاجرها فريدة الانتفاع، وبرانسها رقاق رفاع، الا أنها بسبب حب الملوك مطمعة للملوك ومن أجل جمعها الصيد في جوف الفرا، مغلوبة للامراء أهلها ليست عندهم الراحة الا فيما قبضت عليه الراحة، ولا فلاحة، الا لمن أقام رسم الفلاحة، ليس بها لسع العقارب الا فيما بين الاقارب، ولا شطارة الا فيمن ارتكب الخطارة " اهـ.
وللادباء في وصفها ومدحها نثرا ونظما ما لا يسعه ديوان، ومن أطولهم في ذلك باعا وابرعهم تصويرا واصدقهم وصفا شاعرها النازح عنها الى غرناطة محمد بن خميس، قال في مطلع قصيدة طويلة جدا:
تلمسان لو ان الزمان بها يسخو
…
منى النفس لا دار السلام ولا الكرخ
4 - الحكومة الزيانية ومشاهير من رجالها
الدولة الزيانية مستقلة داخليا وخارجيا غير انها لم تدع أولا الخلافة، فكانت تدعو لدولتي الموحدين الى سنة 703 واودعت الخلافة الى سنة 791 فأصبحت تدعو لمرين، ثم تمشت حسب الظروف: تعلن
الخلافة أياما، وتدعو للحفصيين أو المرينيين أخرى الى أن ظهر على مسرح السياسة الجزائرية الاسبان والاتراك. فاختلفت ايديهم على هذه الدولة كل يجذبها لحمايته.
وحكومتها ملوكية استبدادية مطلقة غير جارية على قواعد سياسة الخلافة كالحكومات المعاصرة لها شرقا وغربا، وسياستها مع جارتيها الحفصية والمرينية عدائية كسياستهما معها. وقد أوصى يغمراسن ابنه عثمان بمسالمة مرين لقوتهم واتقاء مقابلتهم بالانحصار، وانتهاز الفرص في ممالك الحفصيين واتخاذ بعض الثغور الشرقية موئلا لحفظ دخائر الحكومة. وعلى هذه الوصية سارت الحكومة الا انها عجزت عن اتخاذ معقل بالمشرق لصعوبة بجاية عليها. فاتخذ ابو حمو الثاني من الصحراء معقلا.
ومد بنو الاحمر ملوك غرناطة ايديهم الى يغمراسن لما خشوا من مزاحمة مرين لهم بالاندلس وان يعيدوا معهم مأساة ابن عباد، فاستمرت العلاقات بين الحكومتين حسنة. وكان أبو حمو الثاني يمد أهل غرناطة كل سنة، بالزرع والمال والخيل، وييسر لهم اسباب وسق الطعام. ويرى ذلك من الجهاد ويحمل عليهم حديث الطائفة التي لا تزال بالمغرب ظاهرة على الحق. وفي ذلك يقول لسان الدين الخطيب:
لقد زار الجزيرة منك بحر
…
يمد فليس نعرف منه جزرا
اعدت لنا بعهدك عهد موسى
…
سميك. فهي تتلو منه ذكرا
أقمت جدارها وافدت كنزا
…
ولو شئت اتخذت عليه أجرا
وكانت الحكومة ترفع منازل الاشراف والفقهاء وتداري الاعيان من رؤساء القبائل والتجار واشباههم، وتجري في سياسة العامة على
قول الحكماء: "العامة اذا قدرت ان تقول قدرت ان تصول " فتضؤب بين زعماء القبائل ليكونوا في حاجة اليها وتأخذ من ابنائهم رهنا على الطاعة واتخذ لهم أبو حمو الاول عصبة واذن لهم في النكاح والبناء واختط لهم المساجد جمعوا فيها للجمعة ونفقت بها الاسواق والصنائع قال ابن خلدون:
" فكانت تماثل بعض الامصار العظيمة وهي من أغرب ما حكي عن سجن " اهـ.
ومالية الحكومة تجمع من المغارم المفروضة على الرعية ومن الغنائم الحربية فان هذه الحكومات المتعاصرة لا تبالي- على اسلامها- بأخذ ما غلبت عليه من أموال محاربتها. وتوزع في مصالح الحكومة وجوائز الأعيان وعطاء الموظفين ورزق الجند، وكانت تطبع السكة. وكتبت فيها بعد انتهاء الحصار:"ما أقرب فرج الله! " ولها نفائس تذخرها مما يخف حمله وتعظم قيمته غنم يغمراسن أهمها من الخليفة السعيد الذي قتله بتامززدكت. منها الثغبان عقد منتظم من خرزات الياقوت الفاخرة والدرر. يشتمل على مئتين كثيرة من حصبائه. وأعظمها مصحف عثمان بن عفان (ض) يقال ان عبد الرحمن الداخل حمله من خزائن قومه الى الاندلس ثم صار الى المرابطين ثم الموحدين. وحديث المصحف طويل يطلب في نفح الطيب. وقد أخذه والثعبان في نفائس ابو الحسن المريني لما استولى على تلمسان.
وللحكومة جند مؤلف من أربعة أقسام، تستعين بمجموعهم في حروبها وتدرأ أقسامهم بعضها ببعض الاول الخاصة، وهم من وجوه القبائل، ومنهم قواد بقية الاقسام، والثاني القبيل، وهم بنو عبد الواد قرابة الملك، ورئيس فرقتهم يدعى شيخا، والثالث الانصار، وهم نخبة من الجند يكونون محدقين بالملك في الحرب، والرابع
المماليك، وهم اخلاط من السودان والاعلاج وغيرهم، ولكل قسم رايات يمتاز بها، ولهم أعطية حسب اقدارهم الا المماليك فحسب حاجتهم لقوتهم ونفقة عيالهم وعلف مركوبهم، وللملك ايام في السنة يستعرض فيها الجند، ويتفقد العدد الحربية، ويرقي من يستحق الارتقاء.
وكان يغمراسن قد استخدم جند النصارى الذين كانوا مع السعيد في وقعة تامززدكت وهم زهاء ألفي فارس، ورفع من قدرهم حتى استعجل أمرهم واجمعوا قتله لما استعرض الجند بباب القرمدين سنة 652 فشعر بهم، وقتلوا أخاه وأحاطت بهم الدهماء من الجند والرعية، فاستلجموهم، ولم يستخدم بعدها جند النصارى بهذه الحكومة.
ويقسمون الجيش عند التبعية الى مقدمة امام الملك او نائبه وميمنة عن يمينه وميسرة عن يساره وساقة يكون الملك فيهم ويسمون أيضا قلبا وأهل الدخلة، ومنهم من يجعل الاقسام خمسة ويباين بين القلب والساقة، وبذلك سمي الجيش خميسا.
ولم يكن ملوك آل زيان يتلقبون بألقاب الخلفاء كالمنصور والمستعين الا بعض ذرية ابي حمو الثاني، وكانوا يلون الامر بالبيعة الشرعية الا ابا تاشفين الاول وسميه الثاني وأكثر ذرية ابي حمو، فانهم تغلبوا على الامر بقوة عصبية أو مدد خارجي .. والملك مصدر كل السلط. وولي عهده رديفه ومظهر سلطانه ونائبه في قيادة الجيوش. وله حاشية وبطانة ربما نافست بطانة الملك. فافضت الحال الى منافسة ولي العهد للملك نفسه، وللملوك وزراء وحجاب وكتاب وأصحاب اشغال وقضاة بالحضرة ومفاتي يبينون لهم ما أشكل عليهم من الاحكام ويتعهدونهم بالموعظة وقواد وعمال وأصحاب شرطة.
فالوزير واسطة بين الملك والعامة ومعينه بالرأي ونائبه في قيادة الجيش ان لم يركب هو ولا ولي عهده. والحاجب هو صاحب الباب يأذن بالدخول للملك عن أمره. ويلقب بلسان زناتة المزوار.
والكاتب يعرض على الملك كل يوم ما ورد من الرسائل ويتلقى أوامره بالجواب عنها وبعقد الولايات وغيرها من شؤون الحكومة.
وصاحب الاشغال له النظر المطلق في الدخل والخرج. والعمال نوابه في الجهات يؤدون اليه جبايات أعمالهم ولكن توليتهم من الملك.
والقواد رؤساء فرق الجند. وصاحب الشرطة يتولى النظر في التهم على الجرائم ومباشرة تنفيذ الحكم على أهلها.
فالحكومة الزيانية تتألف من عناصر السيف والقلم والمال والعلم. فمن مشاهير رجال السيف غير بني زيان هلال القطلوني وموسى بن علي الكردي ويحي بن موسى السنوسي وعبد الله بن مسلم الزردالي وبنو مقن.
فاما هلال فعلج اهداه ابن الاحمر الى عثمان الاول. وصار الى ابي حمو. فاعطاه وولده ابا تاشفين، فكان من خواصه ومن كبار المغرين له بابيه. فلما قتله ولاه حجابته، وكان مهببا فظا غليظا استولى على أمر السلطان وزحزح منافسيه عن مناصبهم، ثم أخذ السلطان يخفض من صوت صولته حتى عزله سنة 29 واعتقله الى ان هلك سجينا قبيل فتح ابي الحسن تلمسان.
واما موسى فمن بيت نبيه في الاكراد، فروا أمام التتر، ونزلوا على المرتضى بمراكش، فأكرم مثواهم، وبعد دخول مرين مراكش تفرقوا في تلمسان وتونس، وبقي جمع منهم مع مرين، ونشأ موسى هذا بين حرم السلطان يوسف حتى اذا نزل محاصرا لتلمسان أغضبه ذات يوم، فلحق بعثمان الاول. فعرف فضله، وبالغ في اكرامه،
وتولى قيادة جيوش ابي حمو، وثبت ابا تاشفين لما دهش لمقتل أبيه.
واخذ له البيعة، وشقي بهلال الذي أغرى به السلطان فنفاه الى غرناطة، ثم استقدمه وولاه حرب بجاية، واتهمه بالتقصير فعزله سنة 17 ولحق بسليمان ويحي ابني علي بن سباع بن يحي، ثم استقدمه وسجنه بالجزائر، فلما سخط هلالا ولاه مكانه واخرجه من ذل السجن الى عز الحجابة، ولم يزل عزيزا حتى هلك مع سلطانه يوم الفتح. ونجا ابنه سعيد من الملحمة جريحا. فعفا عنه ابو الحسن.
وكان له من بعد ذكر بالحكومة الزيانية.
واما يحي بن موسى فمن بني سنوس بطن من كومية كانوا في حلف بني كمي من عبد الواد. وخدموا يغمراسن. وظهر فضل يحي هذا أيام الحصار الطويل. فولاه ابو حمو مراقبة الحرس الليلي وضبط الابواب وقسم القوت بمقدار على المقاتلة: وكان له اقدام في الحرب. فرفعت منزلته بعد الحصار. واستعمله ابو تاشفين الاول بشلف. ثم ولاه عمل القاصية وحرب بجاية بعد عزل الكردي. وكان هذا العمل من دلس الى لمدية. ولما نزل ابو الحسن على تلمسان بايعه. فرفع مجلسه وهلك بعد الفتح.
واما الزردالي فكان قومه أخوة عبد الواد من بني بادين.
واندرجوا فيهم لقلتهم. وكان عبد الله هذا مشهورا بالبسالة والاقدام. فاعجب به ابو الحسن بعد دخوله تلمسان. فبعثه الى درعة. وولاه بها أبو عنان. فاستألف عرب المعقل. وقطع الثوار. وقبض على أبي الفضل الثائر هناك. وبعث به الى أخيه ابي عنان. فقتله.
فلما ملك أخوهما ابو سالم خشية عبد الله. فلحق بابي حمو الثاني في ثروة من المال وعصبة من العشير واولياء من العرب. فقلده لحينه وزارته. وفوض اليه تدبير ملكه. ولم يزل في عظمته حتى توفي بالوباء سنة 765.
واما مقن فهم أخوة بني زيان من أولاد طاع الله. استوزر منهم يغمراسن يحي بن مقن، ثم أخاه عمروش، ومات سنة 36 فخلفه ابنه عمر. ونفي يحي وابنه الزعيم الى الاندلس. ثم عادا اليه فاستعمل الزعيم بن يحي على مستغانم سنة 81 وما كاد يستقر بها حتى ظاهر مغراوة. وثار على يغمراسن فحاصره حتى دخلها ونفاه ثانيا الى الاندلس، فلحق به أبوه يحي. وبقي أخوه علي بن يحي بتلمسان. وله ابن علمه داوود صار كبير مشيخة بني عبد الواد وصاحب شوراهم. وولد لداوود يحي. فكان وزير عثمان الثاني.
ومن مشاهير رجال القلم ابو بكر محمد بن عبد الله بن داود بن خطاب ومحمد بن عمر بن خميس ويحي بن خلدون، فاما ابن خطاب فهو مرسي اندلسي، وفد على يغمراسن مع جالية شرق الاندلس، فاستكتبه، وصدرت عنه رسائل في مخاطبات خلفاء مراكش وتونس تنوقلت وحفظت، واستقدمه المستنصر الحفصي وبعث اليه بمال، فرده عليه، وأقام بتلمسان على خطته الى أن توفي يوم عاشوراء سنة 681 قال في الاحاطة:"كان كاتبا بارعا شاعرا مجيدا له مشاركة في أصول الفقه وعلم الكلام وغيرهما " اهـ.
واما ابن خميس فتلمساني، استكتبه عثمان الاول، ثم انتقل الى غرناطة فقتل بها سنة 708 وكان شاعرا مجيدا طويل النفس، أثنى عليه العبدري في رحلته على شحه بالثناء، وروى له قصائد، وشعره كثير.
واما يحي فأخو المؤرخ الكبير استكتبه ابو حمو الثاني، والف في دولته بغية الرواد في ذكر الملوك من بني عبد الواد، وكاد كاتبا شاعرا، له قصيدة في السيف والقلم ومراسلات مع لسان الدين بن الخطيب، وقتله ابو تاشفين في رمضان سنة 780 لمماطلته بعقد ولاية وهران، وكانت المماطلة عن أمر ابي حمو.