الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا يشعر بأن أولئك المنتجعين ليس عليهم من قبل الامام قاض ولا وال. والا كانوا يسألون عزل ولاتهم قبل أن يسألوا ذلك لاخوانهم أهل تيهرت. على أن نفوذ الرستميين بتاهرت كانوا مزاحمين فيه. فقد يخرجون منها ويتغلب غليها مزاحموهم.
7 - الحكومة الرستمية
الدولة الرستمية مستقلة استقلالا تاما. وحكومتها كسائر الحكومات الاسلامية مقيدة بالكتاب والسنة وأثر السلف. فهي دستورية انما دستورها الهي تقبله العقول وتذعن له القلوب. فهي في غنى عن مجلس تشريعي. انما حاجتها لرجال الدين. والسلطة التنفيذية للرئيس وأعوانه. والقضائية مستقلة تماما.
والرئيس الاعلى يعين بالانتخاب لمدة حياته أو بالعهد اليه من سلفه. ويلقب الامام والخليفة وأمير المؤمنين. ولا يدعى هذه الالقاب من رؤساء الدول الصغرى غير الخوارج. وللامام مستشارون كالوزراء في الدول الكبرى وحفظة لبيت المال ومحتسبون ورجال شرطة.
وظيفة المحتسبين الرفق بالحيوان وقمع الغش والمحافظة على النظافة. فيؤدبون الغاش ويخففون حمل الدواب ويأمرون بازالة القاذورات. والشرطيون يطوفون بدروب المدينة وانهجها لحفط الامن وتغيير المنكر. ولما اضعفت الفتن الدولة كثر الفجار وشربة الخمور. فلما كانت امامة ابي حاتم ولى الشرطة رجلين اشتدا في تغيير المنكر. فكسرت خوابي الخمر وشردت الغلمان واخدانهم في الجبال.
وكان للقاضي دار وسجل وخاتم. وولي القضاء على عهد أفلح محكم الهواري من أهل أوراس. فتنازع ابو العباس أخو أفلح
وصهر له على أرض. وترافعا الى أفلح فردهما الى القاضي. فسبق أبو العباس. وجلس حذاء القاضي واستسقى جاريته. وبصر الخصم بمنزلة أبي العباس. فجلس خارج الباب. فلما رآه القاضي سأله عن موقفه. فأخبره الخبر. فغضب من هذا التحيل. ووبخ أبا العباس. واستدنى الخصم وسقاه ماء اظهارا للمساواة. وهذا أصل القضاء الاسلامي اذ يوجب التسوية بين الخصوم.
ولنفوسه المنزلة السامية. فهم الذين يعينون الائمة فمن دونهم. ويشاركهم زعماء القبائل في النظر في الامور العامة. يجمعهم الامام بالمسجد اثر الصلاة.
وللحكومة جند من العرب والعجم. وجل الاعتماد على القبائل الموالية لها. وكان للماية وحدهم ثلاثون الف فارس. والمالية تجمع من الزكوات والجزية وخراج الارضين. قال ابن الصغير متحدثا عن الجباة ومصارف مال الجباية:
"يخرج أهل الصدقات أوان الطعام. ويأتون أهل النعم. فيقبضون الواجب لا يظلمون ولا يظلمون. فالطعام يدفع للفقراء. والشاة والبعير تباع. ويدفع منها عطاء العمال. وما بقي يوزع على الفقراء. فيحصون من في البلد منهم ومن حولها. ويحصى ما في الاهراء من الطعام. ويشترى من باقي مال الصدقة اكسية صوف وجباب وفراء وزيت. ويدفع لاهل كل بيت بقدر ذلك. ويؤثر بأكثر ذلك الاباضيون. وما اجتمع من الجزية والخراج وما أشبه ذلك يقطع منه الامام لنفسه وحشمه وقضاته وأهل شرطته والقائمين بأموره ما يكفيهم في سنتهم. وما فضل صرف في مصالح المسلمين".
وهكذا ترى أن مالية الدولة على ضيق مواردها يرد أكثرها على فقراء الامة لبساطة النظام وانحصار المملكة في تيهرت وما حولها.
وكان بنو رستم يرومون التوسع شرقا ليرتبطوا ببني جنسهم وأهل مذهبهم. ولكن امامهم دولة بني العباس القوية التي تود سحقهم لولا ان وجودهم لازم لحفظ الموازنة بين دول المغرب. فبنو امية والادارسة يرونهم حاجزا بينهم وبين الاغالبة. والاغالبة عرفوا صعوبة مراس البربر. فضنوا بسلطانهم عن ان يضيعوه في حربهم ارضاء لبني العباس. وبنو العباس ليس لهم بد من ابقائهم سدا في وجوه تلك الدول.
وعلاقة الرستميين مع دولة ماكناسة بسجلماسة حسنة لرابطة الخارجية وتقارب الاباضية والصفرية. وعلاقتهم كذلك مع بني أمية امراء الاندلس. قال البلاذري في كتابه فتوح البلدان:
" وكان محمد بن الاغلب بن ابراهيم بن الاغلب احدث سنة 239 مدينة بقرب تاهرت سماها العباسية. فأخربها أفلح بن عبد الوهاب الاباضي. وكتب الى الاموي صاحب الاندلس يعلمه ذلك تقربا اليه به. فبعث اليه الاموي مائة ألف درهم".
وعلاقتهم مع أمراء القيروان تختلف سلما وحربا. ولم نعلم لهم حربا مع الاغالبة بالجزائر. وقبلهم عقدوا سلما مع روح بن حاتم. قال ابن الخطيب في كتاب الاعلام: "وملىء البربر من روح رعبا. ورغب الاباضيون منهم في موادعته". وفي ابن خلدون ان موادعة روح كانت لعبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم سنة 171 ذكر ذلك في موضعين وحرفهما النساخ بما يجعل بينهما اختلافا.
واشتبك الرستميون بالبربر بعدة مصاهرات. فكانت أم عبد الوهاب يفرنية وزوجه لواتية. وهذه سياسة رشيدة. خالفها أفلح ابن عبد الوهالة. فانه خشي من قوة القبائل المجاورة لتيهرت. فعمد الى سياسة التفريق. وبث الجواسيس والمفسذين بين الرئيس