الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المدينة. واحرق منبرها لكونه خطب عليه الامويين، وولي عليها ميسورا الفتى وهو غير ميسور الخصي المتقدم.
وثار التيهرتيون بميسور، وكاتبوا محمد بن خزر، فوجه لهم جيشا به ابناه الخير وحمزة واخوه عبد الله ويعلى بن محمد بن صالح اليفرني. وخرج اليهم ميسور في رجال لماية، فدارت الحرب بين الجمعين. وقتل حمزة بن محمد بن خزر، ثم اسر ميسور، وفتحت زناتة المدينة، ولم يجد العبيديون سبيلا لغلبة زناتة غير تفريق كلمتهم، فاستمالوا يعلى بن محمد اليفرني، وعقدوا له على تاهرت والمغرب الاوسط اغاظة لمغراوة وكبيرها ابن خزر، لكن يعلى لم يلبث ان راجع طاعة الامويين.
وفي سنة 47 جهز المعز قائده جوهرا الصقلي لاخضاع المغربين، وامر ولاة الجهات بامداده فخرج معه جعفر صاحب المسيلة وزيري صاحب اشير، وانضم اليهم محمد ابن خزر بداعي المنافسة ليعلى، فالتقى الجمعان، على مقربة من تاهرت. قال ابن ابي زرع:
"فالتحم الحرب بين الفريقين، وبذل جوهر الاموال لقواد كتامة على قتل يعلى، فصممت منهم عصابة، وصمدت الى يعلى. فقتلته واتت برأسه الى جوهر، فبعث به الى المعز. وطيف به في القيروان"، اهـ.
واضيف عمل تيهرت الى صاحب اشير زيري بن مناد الصنهاجي، فرمى العبيديون زناتة بصنهاجة، وغلبوهم بذلك على تاهرت.
6 - العبيديون وجبل اوراس
كان جبل اوراس معدن الثورات لحصانة موقعه واختلاف سكانه اصلا ومشربا. وكانت عاصمته باغاية. تنتخب الدولة لولايتها الأكفاء المخلصين من أوليائها.
وليها عروبة بن يوسف الكتامي سنة 298 بعد قتله للشيعي.
واتصل بعمل تاهرت. وكان اخوه حباسة من أعظم القواد. وولي عمل برقة. ثم قتله المهدي سنة 302 فغضب عروبة لقتله. وثار في أوليائه من كتامة وغيرهم. فجهز له المهدي مولاه غالبا. فقتله وقضى على ثورته من سنتها.
وفي سنة 231 انعقد بجبل اوراس مؤتمر للثورة. فبايعوا ابا يزيد مخلد بن كيداد. وتلقب شيخ المؤمنين. وحارب العبيديين.
وحصرهم بالمهدية. واستولى على سائر افربقية والمغرب الاوسط.
ثم أساء السيرة. فضجت منه الامة. وخذلته. فتغلب عليه العبيديون. وقوام هذه الثورة عداوة الامة لمذهب الحكومة. ونفار القبائل من تحكم كتامة، وظهور دعوة الامويين بالمغرب الاوسط.
وهذا ابو يزيد أصله من الجريد. ونسبه في بني واركو من يفرن. كان ابوه يختلف بالتجارة الى السودان. فاشترى بتادمكت امة. تدعى سبيكة. فحملت منه بابي يزيد. وكان أعرج وعمره. يوم ثار ستون سنة. وبه علل كثيرة. ونشأ فقيرا مشتغلا بالعلم والادب. واخذ برأي النكار من الاباضية. وعني بتعليم الصبيان.
ورزقه من صدقات الناس. ثم أخذ في الطعن على الحكومة. فضيقت عليه وخشي الناس مجالسته. فهجروه. فخرج من توزر الى أوراس.
ونزل على بني كملان من هوارة. فايدوه على الثورة. وصحبه ابو عمار الاعمى بن عبد الله الحميدي من مقدمي الاباضية.
قام ابو يزيد بدعوة عبد الرحمن الناصر الاموي. وسمى الملازميين له من اتباعه العزابة، ومن بايعه وانصرف عنه عدة المسلمين، وتظاهر أول أمره بالزهد. فكان يلبس من خشين الصوف جبة قصيرة ضيقة الكمين وقلنوسة. ويركب حمارا اشهب أهدي له بمرماجنة. فدعي لذلك صاحب الحمار. وبهذه الظاهر السياسية
والدينية جذب عامة الناس اليه. فانضاف اليه محمد بن خزر واخوه معبد، واجتمعت اليه هوارة وزناتة ونفوسة وغيرها.
ولما اعجب بكثرة جموعه وثمل بانتصاراته انتقل الى ركوب جياد الخيل ولبس الحرير والديباج واستباحة الفروج والدماء وكانت عساكره تأتي انواع المناكر من سلب ونهب واغتصاب حريم حتى انهم ليبقرون الحوامل ويشقون بطون الرجل عسى أن يكون بها مال ابتلعوه. ولا تسأل عما تحدث هذه الافاعيل من ذعر وخراب. ولما عوتب عن تنعمه بعد تقشفه تلا قوله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل} الآية. ولما شكي الناس اليه ما اصابهم من عساكره انشد:
اذا أبقت الدنيا على المرء دينه
…
فما فاته منها فليس بضائر
فكان ذلك مما زوى قلوب الناس عنه واضاع عليه ثمرة انتصاراته.
وكان ابتداء هجوم ابي يزيد في سنة 32 فنزل من اوراس الى باغاية، فحاصرها، ولم يقدر على فتحها، فرأى ان يوسع نطاق الثورة ليفرق عنه قوة الحكومة، فأثار بني واسبن فحاصروا توزر سنة 333 ودخل حميد بن يصل تاهرت، وفتح هو صلحا تبسة ومجانة ومرماجنة. ثم استولى على الاربس وسبيبة وباجة وتونس ورقادة والقيروان وسوسة، كل ذلك أثناء عام 333 وتقدم فحاصر المهدية.
وأفرج عنها في صفر سنة 34 وكان ابنه أيوب بباجة لحشد الناس. وخرج عامل المسيلة علي بن حمدون لانجاد المهدية في جموع زواوة وكتامة فمر بقسنطينة والاربس. والتقى بايوب على باجة، فهزمه ايوب.
وتردى به فرسه، فهلك، ثم هلك محمد القائم بعده باشهر. وخرج اسمعيل المنصور لحرب ابي يزيد، فاخرجه عن افريقية. ورام باغاية. فاغلقت في وجهه، ولفظته البلاد، وتوجه المنصور مغربا
أثره في ربيع الاول سنة 35 فمر بسبيبة فرماجنة فملاق فباغاية فبلزمة فنفاوس فطبنة، وأقام بها اياما فرق فيها الاموال وتفقد احوال الجند. ثم سار الى بسكرة، وبها ابو يزيد، ففر منه، ثم انقلب الى مقره، وأفاض بها من احسانه على الناس استمالة لهم. وكاتب زيري بن مناد وماكن بن سعد، واهدى اليهما من التحف والطرف والاموال الجمة والكسي الفاخرة ما جد بهما به اليه فحشدا له من صنهاجة وعجيسة كل ما قدرا عليه. ووصلا بتلك الحشود اليه.
وانتقل المنصور من مقره الى المسيلة. فوفد عليه رسول محمد بن خزر بطاعته. فاكرمه وأركبه فرسا من افراسه بسرجه ولجامه.
ووصله بعشرة آلاف دينار. ثم خرج في طلب ابن يزيد الى جبل سالات (بشد لام ألف) وانقلب الى مواطن كصنهاجة. فنزل سوق حمزة. وجاءه زيري بن مناد في رجال صنهاجة. فأجزل صلتهم.
وخرج الى وادي لعلع. فمرض به نحو شهرين. وخالفه ابو يزيد الى المسيلة فأخذ المنصور اليه السير. فاجفل امامه الى جبل كيانة.
واقام المنصور بالمسيلة. ووجه مواليه الى سطيف وميلة لاستنفار الناس. وجاءه رسول الخير بن محمد بن خزر في نحو مائة فارس بانه أقام دعوته بمدينة الاغواط وسائر عمله. وطلب منه ان يبعث بالخطبة والسكة ليضربها على اسمه. فاكرم الرسل وردهم بمطلوبهم. وحملهم رسالة ليأمر الخير بن محمد زناته بالاختلاف الى المسيلة والقيروان بالاطعمة وغيرها وانه لا يمنعهم شراء السلاح ولا يكلفهم قبالة ولا مغرما.
انحصر ابو يزيد بجبل كيانة وهو قلعة بني حماد، وكان الطعام يأتي اليه من بنطيوس وغيرها. فكتب المنصور الى زناتة بالاغارة عليهم فانقطعت عنه الميرة، وتقابل الجمعان في شعبان بفحص باتنة، وهي قرية كانت تدعى أدنة بينها وبين المسيلة اثنا عشر ميلا، وليست
هي باتنة المعروفة اليوم بجبل أوراس، وانهزم ابو يزيد في هذه المعركة هزيمه نكراء.
وفي غرة رمضان رحل المنصور لحصار أبي يزيد بكيانة، فاحاط بالجبل، وكانت حروب شديدة دامت الى المحرم سنة 36 ففيه قتل ابو عمار الاعمى. وقبض أبو يزيد مثخنا بالجراح. فأمر المنصور بمداواته والاحسان اليه لكن الدم نزفه فمات في آخر المحرم، فأمر المنصور بسلخه وحشو جلده، قطنا وطيف به في البلاد ثم صلب.
وقد كلفت هذه الثورة الحكومة انفاق أموال طائلة وشغلتها مدة مديدة، فكان السرور بانتهائها عظيما، وانشدت الشعراء في ذلك القصائد والمقطمات. فمن ذلك قول أحدهم وقد اوقن بقبض أبي يزيد:
يا مخلد بن سبيكة
…
يا شر بيت في العشائر
ذق ما جنته يداك قبـ
…
ـل من الصغائر والكبائر
ذق هول شقك للبطو
…
ن وما ارتكبت من الجرائر
يا شر من بكيانة
…
وكيانة شر البرابر
وقبل القبض على ابي يزيد ظهر باوراس ثائر آخر. شاب أمرد من أهل القيروان، كان يشتغل بكتب الصوفية، واجتمع عليه في ثورته قبائل كثيرة من زواوة وصنهاجة وعجيسة، فقبض عليه وعلى بعض اتباعه جعفر بن علي صاحب المسيلة.
وكتب الى المنصور وهو بطبنة يخبره خبرة، ثم جاءه به مقيدا على جمل وعلى رأسه طرطور مشهر، فأمر بسلخه حيا وحشو جلده قطنا ووضعه في تابوت، وكان يصلبه اينما حل ارهابا للناس.
وبعد القبض على ابي يزيد بقي أبناؤه وبعض اتباعه على ثورتهم، فلما كان المنصور عائدا الى المهدية هجم على ساقة جيشه