الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 - العرب في الجزائر
في سنة (50) عزل الخليفة والي مصر معاوية بن حديج. وولى مكانه مسلمة بن مخلد الانصاري. وجمع له بين ولايتي مصر وافريقية.
وفي سنة (55)(675) م استعمل مسلمة على افريقية مولاه أبا المهاجر دينارا. فقدمها واساء عزل عقبة. وخرب مدينته القيروان. وأسس أخرى قربها. وأخد يغزو ويفتح.
وكان من ملوك البربر ملك يدعى كسيلة. قد جمع جموعه بالمغرب الاوسط، وزحف بها لقتال المسلمين. فخرخ اليه ابو المهاجر، وهزمه حول تلمسان. قال غروت:"بوادي اسر"(1) وظفر به. فاعتصم بالاسلام. فاتسبقاه. وقربه. قال الزياني: وتوجه أبو المهاجر لغزو البربر. فبلغ تلمسان. ونزل على تحتها. فسميت به الآن. وقال ابن خلدون: "وبه سميت عيون ابي المهاجر قريبا منها"(2).
قال الزياني ما ملخصه: أن أبا المهاجر بعد عوده من غزو المغرب الاوسط خرب القيروان. وأسس أخرى أنزل بها حامية المسلمين. وأقام هنالك الى أن بلغته وفاة معاوية. وفي غروت: انه نقل مركز الولاية الى ميلة. ولم أقف على هذه الرواية في غيره. ويظهر أن رواية الزياني أصح.
ولما أفضت الخلافة الى يزيد بن معاوية أعاد عقبة الى ولاية
(1) وادي اسر منبعثه من جبال جنوب تلمسان. وينعطف شرقيها ويميل مغربا. فيمر شمالها. الى أن يلتقي بنهر تافنا. وقد ذكره في المغرب 77 وفي بلاد القبائل واد آخر يدعى اسر ايضا. وليس بمراد منا.
(2)
خ7 ص76.
افريقية. فقدمها سنة (62)(681) م وانتقم من ابي المهاجر. فاعتقله. ونكب صاحبه كسيلة. وخرب مدينته. وعمر القيروان من جديد. ثم أخذ في غزو الروم والبربر.
بلغ مدينة باغاية. والتقى هنالك بجموع البربر والروم. قال البكري: "فدارت بينهم حروب عظيمة. وكانت الدبرة فيها على أهل باغاية. فهزمهم عقبة بن نافع. وقتلهم قتلا ذريعا. ولجأ فلهم الى الحصن. وغنم منهم خيلا لم يروا في مغازيهم أصلب ولا أسرع منها، من نتاج خيل أوراس. فرحل عنهم عقبة. ولم يقم عليهم كراهة ان يشتغل بهم عن غيرهم "(1).
ومنها توجه الى لمبس (تازولت). واشتد دفاع الروم والبربر عنها. وكان النصر حليف العرب. ثم سار الى الزاب. وسأل عن أعظم مدنه. فقيل له: مدينة أربة (2) فقصدها. وبلغها عشية. ومن الغد هجم عليها. وكان البربر قد هابوه والتجأوا الى حصونهم. فلما هجم عليهم دافعوه. واستعر القتال بين الفريقين. ثم انجلى عن
(1) المغرب ص145.
(2)
نقل الكعاك بهامش موجزه عن اليعقوبي: أنها آخر مدن الزاب مما يلي المغرب، وعن النويري: أنها قصبة الملك ومجمع الامراء، حولها نحو ثلاثمائة وستين قرية آهلة عامرة. وقال ابن خلدون: انها قاعدة الزاب (4: 186).
وبعمالة وهران قرية قديمة تدعى أربة، وأخرى حديثة تدعى كذلك أيضا. ويعبرون عن ثنيتهما بلفظ أربوات. وحولهما قرى كثيرة متقاربة، بعضها عامر وبعضها خرب. وهما يبعدان عن تيهرت بنحو ثلاث مراحل الى الجنوب المغربي.
والظاهر أن أربة القديمة التي بعمالة وهران اليوم هى المرادة. وليس في عبارة المؤرخين ما ينافي ذلك سوى قول ابن خلدون: إنها قاعدة الزاب. ولا يبعد أن يكون غالطا في هذا التعبير.
هزيمة البربر. وتركوا قتلى كثيرين. ومن أربه سار الى تيهرت. وانتصر بها على جموع البربر والروم. ومنها توجه الى المغرب الاقصى. فجاس خلاله بسرعته المدهشة حتى بلغ المحيط الاطلانتيقي. ثم قفل راجعا الى القيروان. واذن لجيوشه في اللحاق بها.
وكان أبو المهاجر في اعتقاله مصاحبا لعقبة في غزواته هاته ومعه أيضا كسيلة. وكان يستهينه. قال ابن خلدون: "يقال انه كان يحاصره في كل يوم، ويأمره بسلخ الغنم اذا ذبحت لمطبخه"(1).
أبو المهاجر- وان كان بينه وبين عقبة حزازات شخصية- لم يكن ليخون دينه ودولته. فأخذ يشير على عقبة باصطناع كسيلة، ويوقظه الى سوء سياسته، ويذكره بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جبابرة العرب واستئلافه لهم. كل ذلك لم يلين من سورة عقبة، فلم يقلع عن سياسته.
ولما انتهى الى مدينة طبنة صرف الجنود الى القيروان. ولم يبق الا في طائفة قليلة ثقة بانتصاراته على البربر، واستخفافا بشأن كسيلة. وسار في تلك البقية قاصدا تهودا لينزل بها الحامية.
علم كسيلة بقلة من بقي مع عقبة فأرسل الى الروم والبربر يعلمهم بذلك. وأرسل أيضا الى الكاهنة صاحبة جبل أوراس. فأقبلوا في جموع عظيمة. وأحاطوا بشرذمة عقبة. فلما رأى كثرتهم وقلته علم أنه مستشهد لا محالة. فسرح أبا المهاجر وقال له: الحق بالقيروان، فقم بأمر المسلمين. وأنا أغتنم الشهادة. وكان أبو المهاجر تتيسر له النجاة لما بينه وبين كسيلة من المودة. ولكنه أبى أن يرجع سالما ويهلك عقبة. فأجابه بقوله: وأنا أغتنمها ايضا. هكذا كان
(1) ج4 ص186.
أسلافنا، اذا كان بينهم أشياء شخصية لا يذكرونها وقت الشدة، ويتناسونها أمام الصالح العام.
لما أحاط البربر والروم بأصحاب عقبة نزلوا عن خيولهم وكسروا أجفان سيوفهم استطابة للموت على الاسر، وحبا في الموت الشريف، وكراهية للحياة اذا كان فيها ذل وهوان. فقاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم. وكانوا زهاء ثلاثمائة من الصحابة وكبار التابعين.
قال ابن خلدون: "واجداث الصحابة رضي الله عنهم أولئك الشهداء عقبة وأصحابه بمكانهم ذلك من أرض الزاب لهذا العهد. وقد جعل على قبر عقبة اسنمة، ثم جصص واتخذ عليه مسجد عرف باسمه. وهو في عداد المزارات ومظان البركة. بل هو أشرف مزور من الاجدات في بقاع الارض لما توفر فيه من عدد الشهداء من الصحابة والتابعين الذين لا يبلغ أحد مد احدهم ولا نصيفه "(1) ومسجد عقبة هو المسجد الجامع للقرية التي تعرف لعهدنا هذا باسم سيدي عقبة. وضريحه داخل المسجد.
وظاهر كلام ابن خلدون ان عقبة صحابي. وهو ليس كذلك. وانما ولد في عصر النبي صلى الله عليه وسلم فقط ولذلك يقولون فيه: صحابي بالمولد. فاطلاق الصحابي عليه توسع. وصريح كلامه ان تلك القطعة من وطن الجزائر أشرف بقعة تزار يريد شكير البقاع التي عرفت للانبياء. وكلامه هذا صحيح. فللجزائر مفخرة لا ينازعها فيها وطن آخر بضمها لاجساد أولئك العظماء في الدين والتاريخ، عظماء في الدين لانهم من أهل القرنين المفضلين على ما بعدهما من القرون، وقد ماتوا شهداء، واليهم يرجع الفضل في اسلامنا الذي نعده أنفس شيء أخذه الاسلاف عن أمثالهم، وأعز تراث تركه لنا
(1) ج6 ص146 - 147.