الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مدينة تيهرت سنة 144 وبذلك تأسست الدولة الرستمية وحافظت على استقلالها زمنا طويلا، ولم يكن اباضيتها كغالب الخوارج همهم الثورة بل كانوا كخوارج العرب همهم تنظيم دولة على مباديهم.
ومن ههنا يظهر ان تأسيس الدولة الرستمية بعد جواز عبد الرحمن ابن معاوية الى الاندلس، وقال المقري في نفح الطيب عن ابن عبد الحكم ان عبد الرحمن الداخل لما فر من بني العباس ودخل المغرب الاوسط استجار بني رستم ملوك تيهرت وتقلب في قبائل البربر حتى استقر بساحل البحر عند قوم من زناتة، وهي رواية مشكلة لان عبد الرحمن دخل الاندلس سنة 38 قبل تأسبس تيهرت بست سنوات، الا أن يكون لعبد الرحمن بن رستم نفوذ ديني في بعض قبائل المغرب الاوسط، فقد ذكر ابن خلدون وغيره ان حلفه مع لماية قديم، فاستجار به عبد الرحمن الداخل لذلك، وعلى ان يكون ابن عبد الحكيم تجوز في قوله ملوك تاهرت يريد الذين صاروا ملوكها من بعد. ويرشح صحة رواية ابن عبد الحكم على ذلك التجوز انه كان بين رستمي تيهرت وامويي الاندلس علاقات حسنة.
هكذا تأسست دولة الرستميين اسلامية في قضائها عربية في معارفها بربرية في عصبيتها فارسية في ادارتها. وما جمع بين هذه الاجناس غير الرابطة الدينية. فلتحي الرابطة الاسلامية!
6 - المملكة الرستمية
المملكة الرستمية واقعة بين مملكة الاغالبة شرقا والادارسة غربا، وتمتد شمالها ممالك صغيرة للعلويين من اخوان الادارسة، وينفسح لها المجال جنوبا الى ورقلة، ويمتد منها شريط على وادي ريغ الى الجريد وجبال دمر الى طرابلس وجبال نفوسة.
وقد عنيت بالبحث عن تعيين حدود هذه المملكة بالجزائر فلم أظفر برواية شافية، وقد ذكر ابن الصغير في كتابه اخبار الايمة الرستميين ان عبد الوهاب ثاني ايمتهم " دان له ما لم يدن لغيره حتى انه حاصر مدينة طرابلس وملك المغرب بأسره الى مدينة يقال لها تلمسان، وأجمعت عليه كلمة الناس الى أن حدثت الفرقة بتداخل العامة في شؤون الملك وطلبها عزل قاضي تيهرت وصاحب بيت المال وصاحب الشرطة، فلم يجبها عبد الوهاب، وحدثت الفتنة".
وهذه الرواية على اجمالها تفيد ان امتداد المملكة الى ناحية تلمسان انما كان أيام عظمة عبد الوهاب قبل حدوث الفتنة، ونقل الباروني عن أبي عبد الله الينا الذي ألف كتابه سنة 375 نسبة مدن كثيرة الى تيهرت، وبنى على هذه الرواية قوله:"كل المدن والقرى الواقعة بين الزاب وفاس وسحلماسة داخلة في مملكة تيهرت".
وهذا بناء على غير اساس، أما أولا فان البنا لم يذكر أن تلك المدن تبعت تيهرت ايام الرستميين، وقد ذكر منها وهران التي أسست سنة 290 وأفكان التي أسست سنة 338 واما ثانيا فان اضافة تلك المدن الى تيهرت انما هي لكونها اشهر مدن الاقليم يومئذ فهي اضافة جغراقية لا سياسيه، وقد ذكر من الامصار برقة واضاف اليها مدنا لشهرتها بذلك الاقليم ليس الا، واما ثالثا فان أكثر تلك المدن كان تابعا للعلويين أو الاغالبة كما يأتي في البابين الثالث والرابع، وتقدم ذكر ما كان منها تابعا للامارات الاباضية غير الرستمية، ولكن يظهر أن من تلك الامارات ما انفصل عن تيهرت بعد الثورة على عبد الوهاب.
ويمكننا ان نحد الجزائر الرستمية بعد انفصال تلك الامارات عنها بتلول منداس شمالا الى قرب غليزان. ويذهب الخط جنوبا من هناك
الى فرندة وينعطف شرقي جبل العمور لان أهله يومئذ بنو راشد وهم غير اباضية وأولو قوة. ومن هنالك يذهب الى وطن ميزاب الى ورقلة. هذا في الجهة الغربية. ومن الجهة الشرقية يذهب الخط الى تيسمسيل والسرسو ويتصاعد الى ثنية الاحد. ويذهب مثسرقا الى قصر البخاري وأعالي وادي شلف. ويذهب جنوبا شرقي الاغواط الى تقرت ووادي ريغ. ويظهر ان هوارة أوراس خارج هذا الخط كانت خاضعة لتيهرت للعصبية المذهبية.
هذا ما هدانا اليه البحث وطول التروي واجالة النظر في طبائع السكان ومذاهبهم وقوتهم يومئذ. ولا يعرف ما في ذلك من عناء الامن خاض أمثال هذه المواضيع. وخانته الرواية. وحمله دينه على الامانة. وكلفته عنايته بالقارىء الايضاح.
وبعد فاننا نجهل مبلغ النفوذ السياسي للرستميين في هذه المملكة. ويظهر من حديث ابن الصغير عن أسباب حدوث الخلاف على عبد الوهاب ووقوع تلك الفتنة ان نفوذهم ذلك لا يعدو تيهرت. وهاك ملخص كلامه. قال:
"كانت قبائل مزاتة وصدراته وغيرهم ينتجعون في فصل الربيع احواز تيهرت. فيدخل رؤساؤهم المدينة وينزلون على اخوانهم بها. فيبرون ويكرمون. ثم يخرجون الى نعمهم فيقيمون معها الى ظعنهم.
وفي سنة الفرقة اجتمع من المنتجعين عدد كثير لم يجتمع قبل. فلما دخلوا المدينة وخلا وجوه كل قبيلة من سكانها باخوانهم النازلين عليهم شكوا اليهم جور القاضي وخيانة صاحب بيت المال وفسق صاحب الشرطة. وطلبوا منهم ابلاغ ذلك الى الامام عبد الوهاب. ففعلوا. وسألوه عزلهم وتولية من هو خير منهم. فأبى ذلك حاشية الامام. وكانت الفتنة".