الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في جميع المغرب وحفظه العامة والخاصة. وجعل لمن حفظه جعلا من كسي وأموال.
قال صاحب المعجب: وكان قصده في الجملة محو مذهب مالك وازالته من المغرب مرة واحدة وحمل الناس على الظاهر من القرآن والحديث. وكان هذا مقصد أبيه وجده إلا أنهما لم يظهراه وأظهره هو" اهـ.
قال ابن الاثير: "واستقضى يعقوب المنصور آخر أيامه الشافعية على بعض البلاد. ومال اليهم " اهـ.
13 - التصوف والصوفية
كان عليه الصلاة والسلام مجتهدا في العبادة حتى ورمت قدماه.
ولكنه نهى من أراد من أصحابه الانقطاع للعبادة. وصح عنه "ان الله لا يمل حتى تملوا" وظهر بعده بالبصرة وغيرها نساك بالغوا في التعبد ونقلت عنهم حكايات غريبة في التواجد لسماع القرآن فأنكر عليهم الصحابة وعلماء التابعين.
فال ابن تيمية في رسالته الصوفية والفقراء: "والمنكرون لهم مأخذان. منهم من ظن ذلك تكلفا وتصنعا. يذكر عن محمد بن سيرين انه قال ما بيننا وبين هؤلاء الذين يصعقون عند سماع القرآن إلا أن يقرأ على أحدهم وهو على حائط. فان خر فهو صادق ومنهم من أنكر ذلك لانه رآه بدعة مخالفة لما عرف من هدي الصحابة كما نقل عن اسماء وابنها عبد الله " اهـ.
ثم ظهر على مرسح السياسة غلاة الشيعة الامامية والاسماعيلية والقرامطة. فلما غمرتهم القوة العباسية تدثروا بالزهد والنسك.
ونشروا دعاتهم في البلاد لاصطياد غفل العوام باشراك سداها التدجيل بالغلو في العبادة والمبالغة في تعظيم آل البيت ونسبة الكرامات اليهم.
وبهذا تأسست دولة بني عبيد الذين كان منهم من ادعى الالوهية أو أدعيت له.
هذه صورة مصغرة لحياة المسلمين الدينية والسياسية في القرن الثاني. قال السهروردي: "ولم يعرف اسم التصوف الى المائتين من الهجرة" اهـ. ولا يعرف بالضبط تاريخ ظهور التصوف ولا واضعه ولا أول صوفي. وقد قيل ان الصوفي منسوب الى صوفة الذين كانوا يجيزون بالحجاج في الجاهلية. وأول من سمي منهم صوفة هو الغوث ابن مر بن ادبن طابخة بن الياس بن مضر، ويزيفه انه لم يعرف اسم الصوفية لطائفة من العباد ذات شعار خاص لا في الجاهلية ولا زمن الصحابة والتابعين، وهناك أقوال في توجيه لفظ الصوفي، نقضها القشيري في رسالته، وقال:"لا يشهد لهذا الاسم من حيث العربية قياس ولا اشتقاق والا ظهر انه كاللقب " اهـ.
ولم يوجه القشيري تلقيبهم بهذا اللقب. فكأنه اعترف بأنه لا أصل له في العربية. وهو الحق، فان التصوف معرب تيو صوفية (THEOSOPHIE) وهو لفظ يوناني مركب من تيوص بمعنى الإله وصوفية بمعنى الحكمة. وهي طريقة رياضية لمعرفة الله، يزعم أهلها مناجاته ووحيه اليهم ونيلهم منه عرفانا ومننا خاصة وانه يتجلى لهم في الكون أو الطبيعة حتى يمتز جوابه ومذهبهم وحدة الوجود، ولمريديهم درجات في السلوك الى هذه الغاية.
هذا هو التصوف الذي عرفه اليونان والهنود قديما، ثم استقت منه المسيحية حتى اذا انتشرت باروبا غطته فتنوسي بها الى أن أحياه بالتآليف العديدة سبينوزا بروخ اليهودي المتوفي بمدينة لاهاي سنة 1088 (1677 م) فصار التصوف معروفا اليوم بأروبا.
ودخلت لفظة التصوف اليونانية الى العربية لما ترجمت كتب اليونان والهند في الدور العباسي لا سيما أيام المأمون، وكان ذلك العصر عصر اختلاف ديني واضطراب سياسي، فأخذ من التصوف كل فريق حسب استعداده وصوره بما يلائم غايته، واختلفت قواعد التصوف ونظمه باختلاف جنسية المتصوف وعصره ومصره وميله إذ العمدة فيه الرياضة وما يرد على صاحبها أثناءها من خواطر والهامات، فليس له ضابط يضبطه ولا قانون يسيطر عليه.
وكان من الصوفية من يعتمد على الرياضة وحدها ومنهم من يقيدها بالدين، فتعددت مذاهبهم الى سنيين ومبتدعين ومارقين من الدين يقولون بالوحدة المطلقة أو الاتحاد المطلق أو الحلول المطلق أو الحلول الخاص، ولهم في تصوير مذاهبهم عبارات غامضة واشارات بعيدة، فربما يجمع قارئي كلامهم بين الايمان والكفر وهو لا يشعر، فيصير كمن قال:
عقد الخلائق في الإله عقائدا
…
وانا اعتقدت جميع ما اعتقدوه
وكان سيد الصوفية السنيين ابو القاسم الجنيد المتوفي سنة 297 يقول: "الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول عليه الصلاة والسلام " وقال: "من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحايث لا يقتدى به في هذا الامر لان علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة".
وقد استعمل غلاة الشيعة بعض الصوفية في مقاصدهم السياسية، فألف منهم جماعه في القرن الرابع رسائل سموها " رسائل اخوان الصفا " وبثوا فيها من الكفر والضلالات والاستخفاف بالشريعة ما يعلم بمطالعتها، وقالوا انهم جمعوها من كلام الخلصاء الصوفية.
وذكر ابن خلدون في المقدمة امتزاج التصوف والشيعة الامامية،
فقال: "ثم أن هؤلاء المتأخرين من المتصوفة المتكلمين في الكشف وفيما وراء الحس توغلوا في ذلك فذهب الكثير منهم الى الحلول والوحدة. وملؤا الصحف منه مثل الهروي في كتاب المقامات له وغيره، وتبعهم ابن العربي وابن سبعين وتلميذهما ابن العفيف وابن الفارض والنجم الاسرائيلي في قصائدهم.
"وكان سلفهم مخالطين للاسماعيلية المتأخرين من الرافضة الدائنين أيضا بالحلول وألهية الأيمة مذهبا لم يعرف لأولهم، فاشرب كل من الفريقين مذهب الآخر واختلط كلامهم، وتشابهت عقائدهم".
"وظهر في كلام المتصوفة القول بالقطب ومعناه رأس العارفين يزعمون انه لا يمكن أن يساويه أحد في مقامه في المعرفة حتى يقبضه الله، ثم يورث مقامه لآخر من أهل العرفان، وقد أشار الى ذلك ابن سينا في كتاب الاشارات في فصول التصوف منها .. وهو بعينه ما تقوله الرافضة، ثم قالوا بترتيب وجود الابدال بعد هذا القطب كما قاله الشيعة في النقباء، ثم انهم أسندوا لباس خرقة التصوف الى علي (رض) وهو من هذا المعنى ايضا، وإلا فعلي (رض) لم يختص من بين الصحابة بتخلية ولا طريقة في لباس ولا حال " اهـ.
وتصوف ابن سينا انما هو تصوف يوناني مأخوذ عن ارسطاطليس، قال القفطي متكلما عن مترجمي كتب ارسطاطليس:
" وأقرب الجماعة حالا في تفهيم مقاصده في كلامه الفارابي ابو نصر وابن سينا، فانهما دققا وحققا فحملا علمه على الوجه المقصود واعذبا منه لو ارده مذهبه المورود، ووافقاه على شيء من أصوله فكفرا بكفره " اهـ. ثم قال في الكلام على الالهيات: "وقد قرب من ارسطاليس في قوله فيها الفارابي وابن سينا " اهـ.
وقد استمال الصوفية العامة بظواهرهم فمالت اليهم لتقريبهم لها
طريق السعادة بالرياضة التي هي على العامة أيسر من العلم، وباعتقاد أن شيوخهم يحملون عنهم تقصيرهم في الدين، فكان للصوفية فيهم تعوذ اضطر الامراء الجائرين الى خدمتهم وعلماء السوء إلى تأييدهم من غير فرق بين سني وغيره، فأصبح التصوف مطلقا هو لب الدين في عقد العامة ومغفلي العلماء، ويرحم الله القائل:
وهل أفسد الدين الا الملوك
…
واحبار سوء ورهبانها
وقد ضج العلماء الناصحون والصوفية السنيون من أعمال عامة الصوفية واضلالهم للعامة، قال القشيري من أهل القرن الخامس في صوفية عصره: "ثم اعلموا رحمكم الله ان المحققين من هذه الطائفة انقرض أكثرهم ولم يبق في زمننا هذا منهم الا أثرهم:
اما الخيام فانها كخيامهم
…
وارى نساء الحي غير نسائها
زاد الورع وطوي بساطه، واشتد الطمع وقوي رباطه، وارتحل عن القلوب حرمة الشريعة فعدوا قلة المبالات بالدين أوثق ذريعة ورفضوا التمييز بين الحلال والحرام ودانوا بترك الاحترام وطرح الاحتشام، واستخفوا باداء العبادات واستهانوا بالصوم والصلاة وركضوا في ميدان الغفلات وركنوا الى اتباع الشهوات وقلة المبالات بتعاطي المحظورات والارتفاق بما يأخذونه من السوقة والنسوان وأصحاب السلطان".
" ثم لم يرضوا بما تعاطوه من سوء هذه الأفعال حتى أشاروا الى أعلى الحقائق والاحوال وادعوا أنهم تحرروا عن رق الاغلال وتحققوا بحقائق الوصال وانهم قائمون بالحق تجري عليهم أحكامه وهم محو وليس لله عليهم فيما يؤثرونه أو يذرونه عتب ولا لوم، وانهم كوشفوا باسرار الاحدية واختطفوا عنهم بالكلية وزالت عنهم أحكام البشرية
وبقوا بعد فنائهم عنهم بأنوار الصمدية، والقائل عنهم غيرهم اذا نطقوا والنائب عنهم سواهم فيما تصرفوا بل صرفوا " اهـ.
ولابي حيان النحوي المتوفي سنة 745 في صوفية عصره:
حلبت الدهر أشطره زمانا
…
وأغناني العيان عن السؤال
فما ابصرت من خل وفي
…
ولا ألفيت مشكور الخلال
ذئاب في ثياب قد تبدت
…
لرائيها باشكال الرجال
ومن يك يدعي منهم صلاحا
…
فزنديق تغلغل في الضلال
ترى الجهال تتبعه وترضى
…
مشاركة بأهل أو بمال
فينهب مالهم ويصيب منهم
…
نساءهمو بمقبوج الفعال
ويأخذ حاله زورا فيرمي
…
عمامته ويهرب في الرمال
ويجرود التيوس وراء رجس
…
تقرمط في العقيدة روالمقال
ولشيخ الاسلام أحمد بن تيمية المتوفي سنة 728 رسالة زيارة القبور والاستنجاد بالمقبور أجاب بها عن استفتاء رفع اليه ونصه:
" ما تقول السادة العلماء أيمة الدين وعلماء المسلمين رضوان الله عليهم أجمعين بمن يزور القبور ويستنجد بالمقبور في مرض به أو بفرسه أو بعيره يطلب ازالة ذلك المرض ويقول يا سيدي أنا في جيرتك أنا في حسبك: فلان ظلمني فلان قصد أذيتي. ويقول ان المقبور يكون واسطة بينه وبين الله تعالى، وفيمن ينذر للمساجد والزوايا والمشائخ حيهم وميتهم، الدراهم والابل والغنم والشمع والزيت وغير ذلك: يقول ان سلم ولدي فللشيخ علي كذا وكذا وامثال ذلك وفيمن يستغيث بشيخه يطلب تثبيت قلبه من ذلك الواقع وفيمن يجيء الى شيخه ويستلم القبر ويمرغ وجهه عليه ويمسح القبر بيديه ويمسح بهما وجهه وأمثال ذلك، وفيمن يقصده بحاجته ويقول يا فلان ببركتك أو يقول قضيت حاجتي ببركة الله وبركة
الشيخ، وفيمن يعمل السماع ويجيء الى القبر فيكشف ويحيط وجهه بين يدي شيخه ساجدا، وفيمن قال ان ثم قطبا غوثا جامعا في الوجود.
افتونا مأجورين وأبسطوا القول في ذلك " اهـ.
ومما يستغرب اتفاق عالمين جزائريين وحجازي في القرن الحادي عشر على وصف صوفية زمانهما بوصف واحد، قال الاخضري الجزائري " اهـ.
وظهرت في هذه البلاد طائفة البلع والازدراد وقال شهاب الدين المرشدي المكي الحجازي:
صوفية العصر والاوان صوفية العصر والاواني قال محشي شيخ الاسلام زكرياء على الرسالة القشيرية الشيخ مصطفى محمد العروسي من أهل القرن الثالث عشر في عقيدة له:
" اني بذلا للنصيحة أحذرك من متابعة مشائخ هذا الوقت ممن لا يثمر الاجتماع بهم خلاف المقت اذ هم قطاع طريق الله على عباده وأعداء الاولياء الداعين الى سبيل ارشاده حيث لا همة لهم الا جمع العرض الفاني ولا سعي لهم الا في تجريد القاضي والداني أزاحهم الله من جميع البلاد وأراح منهم الدواب والعباد .. فعليك يا أخي في مثل هذا الوقت بخاصة نفسك وتباعد عمن بهم تزيد قاذورات رجسك، وتابع هدى سيد المرسلين وامام كل النبيئين والمرسلين فكافيك التمسك بالقرآن والتنسك على طريق سيد ولد عدنان ولا تغرنك - لو فرض- خوارق العادات فانها كما تكون للكرامة توجد لقصد الاهانة، فهذه وصيتي اليك قد ذكرتها شفقة عليك دعاني الى ذكرها رعاية المقام فتقبلها ومني عليك السلام " اهـ.
وقد أطلنا خلاف عادتنا في هذا الموضوع، ولكنا في الحقيقة قد
بالغنا في الايجاز فانه موضوع طويل عريض، وله بحياة المسلمين الدينية والسياسية ارتباط قوي، فلا يجدر بالمؤرخ اهماله وان لم يسعه استقصاؤه.
وقد عرفت الجزائر التصوف زمن بني عبيد، لكن العلماء انكروا عليهم وكفروهم حتى قال محمد بن عمار الكلاعي الميروقي يوصي ابنه من قصيدة:
وطاعة من اليه الامر فالزم
…
وان جاروا وكانوا مسلمينا
فان كفروا ككفر بني عبيد
…
فلا تسكن ديار الكافرينا
فلم يكن يومئذ بالمغرب شأن للصوفية الى أن جاءت الدولة المؤمنية ونشرت المعارف ونصرت الفلسفة، فظهر من الصوفية رجال ذوو علم طار صيتهم في الآفاق ولكن لقوة نفوذ الدولة لم يتغلبوا على العامة حتى سقطت وخلفتها دول تنازع امراؤها أمرهم بينهم فضعف سلطانهم، وعلت كلمة الصوفية فمثلوا أدوارهم مع العامة وكان ذلك مبتدأ انحطاط الجزائر والمغرب دينيا وسياسيا.
ومن مشاهير الصوفية الذين عرفتهم الجزائر أبو مدين شعيب الاندلسي دفين تلمسان المتوفي سنة 591 (أو) 594 قرأ بفاس على ابن حرزهم وغيره وأخذ التصوف عن أبي يعزى وتعرف في عرفة بالشيخ عبد القادر الجيلاني وأخذ عنه واستوطن بجاية فكان يقرئ بها رسالة القشيري وغيرها، وكثر أتباعه فاستقدمه يعقوب المنصور الى مراكش فلما بلغ تلمسان توفي بها ودفن برابطة العباد، وضريحه مشهور يتبرك به.
ومن كلامه " بفساد العامة تظهر ولاة الجور وبفساد الخاصة تظهر دجاجلة الدين الفتانون " وقال: "احذر محبة المبتدعين فهو أبقى على دينك، واحذر محبة النساء فهو أبقى على قلبك".
ومنهم محي الدين بن عربي الاندلسي دفين دمشق المتوفي سنة 638 وكان ظاهري المذهب في العبادات باطني النظر في الاعتقادات يميل في فلسفته الى الغموض، ومن آرائه:"التثليث أساس الوجود، ومع ان الله في اعتقادنا فرد فاول عدد فردي ثلاثة لا واحد".
ومنهم ابو الحسن الشاذلي نسبة الى شاذلة قرية بتونس قيل انها مرناق، وتوفي بارض الحجاز سنة 655 والناس فيه بين مادح وقادح، وله أوراد واذكار انتشرت في الناس غربا وشرقا، وتفرع من طريقته طرق كثيرة، ويلقب اتباعه با لدراويش وبالفقراء، والدرويش كلمة فارسية معناها القانع أو الفقير.
ومن كلامه: "اذا عارض كشفك الكتاب والسنة فتمسك بهما ودع كشفك، فان الله قد ضمن فيهما العصمة ولم يضمنها في الكشف".
ومنهم عبد الحق بن سبعين المتوفي سنة 669 سكن بجاية مدة وأقرأ بها ثم لحق بالمشرق وجاور بمكة، وعن قطب الدين القسطلاني انه ظهر في المائة السابعة من المفاسد العظام ثلاث: مذهب ابن سبعين وتملك التتر للعراق واستعمال الحشيشة حكاه في نفح الطيب وذكر أيضا: "ان الامير ابا عبد الله بن هود من أمراء الاندلس أرسل سفيرا عنه الى البابا برومة ابا طالب بن سبعين أخا عبد الحق فقال له البابا ان أخاك ليس للمسلمين اليوم أعلم بالله منه " وارى أن هذه الشهادة ان لم تدل على مواصلة سرية بين البابا وعبد الحق تدل على قرب مذهبه من المسيحية. ومن كلامه في أبي مدين: "شعيب عبد عمل ونحن عبيد حضرة".
هذا وقد اتخذ دجاجلة الصوفية الانتساب الى سني صوفي عظيم سببا للارتزاق وخلبوا عقول العوام بالظواهر والدواعي. وغمروها