الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وارسل له البابا ايضا رسالة خاصة تعد أكبر رسالة وأعظمها ارسلت من بابوات رومة الى ملوك المغرب وذلك سنة 469 (1076 م (.
"ولم يحفظ التاريخ جواب الناصر عن هذه الرسالة ولا ما نشأ عنها. والرسالة تنص على ان البريك وكنشبوش من خدام قصر البابا الذين نشأوا به يرغبان رغبة شديدة في شرف خدمة الناصر برومة.
وانهما ارسلا له بعض رجالهما لتأكيد ودادهما، وتنص الرسالة أيضا على أن البابا مستعد لمعاملة كل من تعلق بالناصر معاملة ودية صادقة" اهـ. وقد أثبت ذوماس الرسالة بنصها اللطيني وترجمتها الفرنسية. ومنعنا من تعريبها طولها وما قصدنا اليه من الايجاز.
9 - العمران والحضارة
كانت المملكة الحمادية تشتمل على ارض طيبة وجبال جالبة للامطار واودية حافظة لها، وعني الحماديون بحفظ الامن واستخراج خيرات المملكة، فلم ينوا في اطفاء الثورات الداخلية وصد الهجومات الخارجية وتنظيم البريد وتأمين السبل.
نشطت الفلاحة فأحيي موات الارضين وازينت البوادي وضواحي المدن والقرى بالمزارع على اختلاف انواعها ونصبت الارحاء على ارجاء الاودية والجداول وغرست البساتين الجامعة لانواع الاشجار والازهار.
ونفقت الاسواق بمختلف البضائع. فكانت الطرق البرية غاصة بالقوافل، والبحار والاودية الكبار تشقها اسراب السفن التجارية غادية رائحة.
وتعددت الصنائع وترقت الحرف من خشابة ونجارة وخراطة
وحدادة وحياكة صوف وقطن وكتان وحرير، واستخرجت المعادن من مختلف الجهات.
وزاد الحركة العمرانية نموا فرار الناس من افريقية الى الحماديين امام الهجوم الهلالي ومن صقلية امام استيلاء النرمان ومن الاندلس امام استيلاء المرابطين. ووطد اركان هذه الحركة بسط المرابطين لنفوذهم الفعلي على عواصم القوة الزناتية غربا التي كانت أكبر شاغل للحماديين.
وساعد هذا العمران على انشاء حضارة من ارقى الحضارات من نقش وتزويق وغناء وبناء، وقد عثر على أوان من الخزف المطلي فيها كتابات عربية بارزة، وقارورات وبعض أدوات من الزجاج.
وكلها تدل على صناعة خزفية وزجاجية راقية.
وذكر ياقوت القلعة. فقال: "يتخذ بها اللبابيد الجيدة والاكسية القلعية الصفيقة النسج المطرزة بالذهب. ولصوفها من النعومة والبصيص بحيث ينزل مع الذهب بمنزلة الابريسم " اهـ.
قال جورج مارصي: "وحوالي سنة 457 (1065 م) صارت القلعمة مدينة تجارية عظيمة وارفة الخيرات، وقصدها ارباب الصنائع من المشرق وافريقية، ويظهر ان صناعة الفخار يومئذ بلغت بها مبلغا عظيما ويظهر عليها تأثير الفرس ومصر فنا وعملا، وجد بها من ذلك آثار كثيرة، ثم ترقت الصناعة وتطورت حسب تطور الدولة في العظمة" اهـ.
وكانت موسيقى الجزائر الحمادية متأثرة بالموسيقى الافريقية والاندلسية. ينشطها الملوك والامراء. فيتخذون بمجالستهم المغنين والمغنيات. وعاش الى جنبها أغاني العرب في باديتهم والبربر في جبالهم. فكان للحاضرين اغانيهم الفنية القابلة للتهذيب والرقي، وللبادين أغانيهم الموروثة عن اسلافهم المتعاصية عن التطور.
وقد أنشأ الحماديون القصور في مختلف المدن والمساجد والجوامع والمنائر والمنابر والاسواق والاسبوار والقناطر، واصلحوا ما تداعى من انشاء من قبلهم وأسسوا المدينتين العظيمتين القلعة وبجاية، وبنوا حولهما القصور الشاهقة والمباني الجميلة.
همم الملوك اذا أرادوا ذكرها
…
من بعدهم فبألسن البنيان
بنى الناصر حول القلعة قصورا شامخة مسماة بعدة اسماء، قال ابن خلدون:"وبني ببجاية قصر اللؤلؤة، وكان من أعجب قصور الدنيا" اهـ. قال ابو راس: "وكان بناؤه حوالي سنة 470" اهـ.
والمنصور قال ابن خلدون: "هو الذي حضر ملك بني حماد وصير بجاية فدار المملكة، وجدد قصورها وشيد جامعها وتانق في اختطاط المباني وتشييد المصانع واتخاذ القصور واجراء المياه في الرياض والبساتين، فبنى في القلعة قصر المنار والملك والكوكب وقصر السلام ط وفي بجاية قصر اللؤلوة وقصر اميميون" اهـ.
قال صاحب الاستبصار: "وفي بجاية موضع يسمى اللؤلؤة، وهو أنف جبل داخل في البحر متصل بالمدينة، فيه قصور من بناء ملوك صنهاجة لم ير الراءون أحسن منها بناء ولا أنزه موضعا. فيها طاقات مشرفة على البحر عليها شبابيك الحديد، ومجالسها مبنية حيطانها بالرخام الابيض من أعلاها الى أسفلها، قد نقشت أحسن نقش، وانزلت بالذهب، وصورت فيها الصور الحسنة، فجاءت من أحسن القصور " اهـ.
قال مارصي: "ان الحضارة الحمادية تظهر تحت تأثير المشرق.
وآثارها لا نظير لها ببقية وطن البربر، وهي شاهد قوي على رقي الحضارة الاسلامية المغروسة بالجزائر.
وكان النرمان مغرمين بالحضارة الحمادية، فوضعوا قصور بلرم على شكل قصور بجاية، وكان قصرا زيزة وكوبة ببلرم شديدي الشبه بقصور اللؤلوة والكوكب وأميميون".
وكان محمد بن حماد ببجاية ولوعا بندب آثار اسلافه الحماديين بالقلعة وما حولها من الامكنة، فمن ذلك قوله:
أين العروسان لا رسم ولا طلل
…
فانظر ترى ليس الا السهل والجبل
وقصر بلارة أودى الزمان به
…
فاين ما شاد منه السادة الاول
قصر الخلافة ابن القصر من خرب
…
غير اللجين وفي ارحابها زحل
وليس يبهجني شيء أسر به
…
من بعد أن نهجت بالمنهج السبل
وما ورا الكوكب العلوي معتصم
…
وقد عرا لكوكب التغيير والندل
وقد عفا قصر حماد فليس له
…
رسم ولا أثر باق ولا طلل
ومجلس القوم قد هب الزمان به
…
بحادث قل فيه الحادث الجلل
وان في القصر قصر الملك معتبرا
…
لمن تغربه الايام والدول
وما رسوم المنار الآن ماثلة
…
لكنها نبذ يجري بها المثل
حتى المصلى محت آياتها وعفت
…
الا جدارا وما طلت به الطلل
كرجعك الطرف كانت كل آبرة
…
فما تراه كذاك العمر والاجل
وله من أخرى
الا ليت شعري هل ابيتن ليلة
…
بوادي الجوى ما بين تلك الجداول
وهل اسمعن تلك الطيور عشية
…
تجاوب في تلك الغصون البلابل
وهل أردن عين السلام على الصدى
…
فابرد من حر الضلوع النواهل
وانظر طيقان المنار مطلة
…
على الواجنات الزاهرات الخمائل
كأن اقباب المشرقات بأفقه
…
نجوم تبدت في سعود المنازل
فان ثنت الايام عنها اعنتي
…
وانزلنني في غير تلك المنازل
فصبر جميل غير ان صبابتي
…
ستبقى بقاء الطالعات الاوافل
وله من أخرى
على عين السلام سلام صب
…
غذاة ماؤها العذب النمير
تأود أيكها وجرت صباها
…
وشم لها كما فتق العبير
وابرد ما يكون الجو فيها
…
واندى حين يحتدم الهجير
وما ادري ايجري فوق در
…
أم ابتسمت بمنبعها الثغور
وقد قام المنار على ذراها
…
كما قام العروس او الامير
بناء يزدرى ايران كسرى
…
لديه والخورنق والسدير
وقد ذكر المقري في نفح الطيب قصيدة لعبد الجبار بن حمديس الشاعر الصقلي يصف بها دارا بناها الملك المنصور ببجاية، ولدقة وصفها
وحسن تصويرها للحضارة الحمادية نوردها على طولها، قال:
أعمر بقصر الملك ناديك الذي
…
اضحى بجدك بيته معمورا
قصر لو أنك قدكحلت بنوره
…
أعمى لعاد الى المقام بصيرا
واشتق من معنى الجنان نسيمه
…
فيكاد يحدث بالعظام نشورا
نسي الصبيح مع الفصيح بذكره
…
وسما ففاق خورنقا وسديرا
لو ان بالايوان قوبل حسنه
…
ما كان شيئا عنده مذكورا
اعيت مصانعه على الفرس الالى
…
رفعوا البناء واحكوا التدبيرا
ومضت على الروم الدهور وما بنوا
…
لملوكهم بها له ونظيرا
أذكرتنا الفردوس حين اريتنا
…
غرفا رفعت بناءها وقصورا
فالمحسنون تزيدوا اعمالهم
…
ورجوا بذلك جنة وحريرا
والمذنبون هدوا الصراط وكفرت
…
حسناتهم لذنوبهم تكفيرا
فلك من الافلاك الا انه
…
حقر البدور فاطلع المنصورا
ابصرته فرأيت ابدع منظر
…
ثم انثنيت بناظري محسورا
فظننت اني حالم في جنة
…
لما رأيت الملك فيهاكبيرا
واذا الولائد فتحت ابوابه
…
جعلت ترحب بالعفاة صريرا
غضت على حلقاتهن ضراغم
…
فغرت بها أفواهها تكبيرا
فكانها لبدت لتهصر عندها
…
من لم يكن بدخولها مأمورا
تجري الخواطر مطلقات اعنة
…
فيه فتكبو عن مداه قصورا
بمرخم الساحات تحسب انه
…
فرش المها وترشح الكافورا
ومحصب بالدر تحسب تربه
…
مسكا تضوع نشره وعبيرا
تستخلف الابصار منه اذا اتى
…
صبحا على غسق الظلام منيرا
قال المقري: ثم ذكر بركة فيه عليها اشجار من ذهب وفضة ترمي
فروعها المياه وتفنن فذكر اسودا على حافاتها قاذفة بالمياه ايضا. فقال:
وضراغم سكنت عرين رئاسة
…
تركت خرير الماء فيه زئيرا
فكأنما غشي النضار جسومها
…
واذاب في أفواهها البلورا
أسد كان سكونها متحرك
…
في النفس لو وجدت هناك مثيرا
وتذكرت فتكاتها فكانما
…
أقعت على ادبارها لتثورا
وتخالها- والشمس تجلو لونها-
…
نارا والسنها اللواحس نورا
فكأنما سلت سيوف جداول
…
ذابت بلا نار فعدن غديرا
وكأنما نسج النسيم لمائه
…
درعا فقدر سردها تقديرا
وبديعة الثمرات تعبر نحوها
…
عيناي بحر عجائب مسجورا
شجرية ذهبية نزعت الى
…
سحر يؤثر في النهى تأثيرا
قد صوفحت اغصانها فكأنما
…
قبضت بهن من الفضاء طيورا
وكأنما تأبى لوقع طيرها
…
ان تستقل بنهضها وتطيرا
من كل واقعة ترى منقارها
…
ماء كسلسال اللجبن نميرا
خرس تعد من الفصاح فان شدت
…
جعلت تغرد بالمياه صفيرا
وكأنما في كل غصن فضة
…
لانت. فأرسل خيطها مجرورا
وتريك في الصهريج، موقع قطرها
…
فوق الزبرجد لؤلؤا منثورا
ضحكت محاسنه اليك كأنما
…
جعلت لها زهر النجوم ثغورا