الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاجداد الامجاد، وعظماء في التاريخ لانهم جاسوا خلال الشمال الافريقي من تونس الى سوس الاقصى في ظرف ثلاثة أعوام- على ما في الزياني- من غير معرفة بهذا الوطن ولا مساعدة من أهله.
وان عقبة بن نافع لجدير بأن يخص بالتأليف فانه من أعظم أبطال التاريخ، غزا الروم بحرا من مصر. وافتتح غذامس وذهب منها الى ودان ففزان. وانتهى الى السودان وفتح كورامنه. كل هذا قبل أن يشرع في حرب افريقية. وان من نظر الى ابعاده في الغزو وانتصاره على العدو مع تماثل السلاح وفقد وسائل النقل والاطلاع اذ لم تكن لهم آلات هذا العصر وخرائط الجغرافية- من نظر الى ذلك مع تلك الحال أكبر عقبة ايما اكبار، وأكبر تغافلنا عن تاريخ عظمائنا، الامر الذي جرأ كثيرا من خونة التاريخ أو الجاهلين به المتطفلين عليه على تشويه ماضينا ودوس حاضرنا.
6 - الجزائر تحت ملوك البربر
البربر بعد قضاء الرومان على دولهم الكبرى بقوا يتطلبون الاستقلال حتى نالوا منه حظا وافرا على عهدي الوندال والروم. لكن لم يكونوا دولا عظمى كسابق عهدهم. وانما كانوا طوائف تحت ملوك متعددين، قد مر ذكرهم.
ولما جاء العرب وجدوا أمامهم دويلة جرجير. فقضوا عليها بسهولة، وانضم الروم الى البربر. وصاروا يدا واحدة على العرب. وهؤلاء ملوك البربر الذين عرفوا في بداية الفتح العربي:
1 -
صولات بن وزمار. كان أميرا على قبيلة مغراوة. وأسلم في عهد عثمان بن عفان (ض) قيل وفد عليه مهاجرا، وقيل أسيرا،
أسره عبد الله بن ابي سرح. وعقد له عثمان على قومه. وبقي لعقبة ملك في العصر العربي.
2 -
ستردير بن رومي. كان أميرا على قبيلة أوربة. قال ابن خلدون: "ولي عليهم مدة ثلاث وسبعين سنة. وأدرك الفتح الاسلامي. ومات سنة احدى وسبعين"(1).
3 -
كسيلة بن لزم. كان على قبيلة أوربة. قال ابن خلدون: "وولي عليهم من بعده (يعني ستردير) كسيلة بن لزم الاوربي. فكان أميرا على البرانس كلهم. ولما نزل أبو المهاجر تلمسان سنة خمس وخمسين كان كسيلة ابن لزم مرتادا بالمغرب الاقصى في جموعه من أوربة وغيرهم. فظفر به أبو المهاجر وعرض عليه الاسلام. فأسلم. واستنقذه وأحسن اليه وصحبه "(2).
وقال غروت: "اتفقت كلمة البربر على قبول رئاسة كسيلة. وكان الوطن تحته مستقلا تماما. وهذه أول مرة اتحدف فيها البربر تحت ملك واحد".
ولم يزل كسيلة على الاسلام في صحبة أبي المهاجر حتى قدم عقبة ونقم منه تلك الصحبة وامتهنه. فضغن عليه وأسرها في نفسه حتى أمكنته الفرصة. فحشد له جموع البربر والروم. فاحتشدوا. واستشهد عقبة وأبو المهاجر وغيرهما. قال ابن خلدون: "وأسر من الصحابة يومئذ محمد بن أوس الانصاري ويزيد بن خلف العبسي ونفر معهم. ففداهم بن مصاد صاحب قفصة"(3).
(1) و (2) ج6 ص146 وفي كلامه نظر اذ جعل وفاة ستردير سنة 71 وولاية كسيلة بعدها. ثم يقول ان كسيلة لاقى بعد ولايته أبا المهاجر سنة 55، على أن كسيلة نفسه لم يعش الى سنه 71 فكيف ولي بعدها. ولا تستقيم روايته الا بان يكون ستردير توفي قبل سنة 55 أو يكون كسيلة ولي حياته.
(3)
ج6 ص147.
بعد هذه الوقعة الغريبة- وهكذا كل ما يتعلق بعقبة غريب- اجتمع الى كسيلة جميع من في المغرب من بربر وروم. فزحف بهم الى القيروان. وكان بها زهير بن قيس البلوي. تركه عقبة خليفة عنه بها. فلما بلغه خبر عقبة وزحف كسيلة اعتزم القتال. فخالفه حنش بن عبد الله الصنعاني واتبعه الناس. فلم يسع زهير الا متابعتهم. فارتحلوا من القيروان. وبقي زهير ببرقة ينتظر مدد الخليفة.
دخل كسيلة القيروان. والفى بها بقايا من العرب ثقلوا عن الارتحال. فأمنهم. وأقام بها أميرا على المغرب خمس سنوات. اشتغل أثناءها بتعمير ما خربته الحروب من الوطن. وكان حبل الخلافة في هذه المدة مضطربا بما كان من ثورة عبد الله بن الزبير التي أستمرت الى زمن عبد الملك وثورات غيرها.
ولما قضى عبد الملك بن مروان على الثورات أرسل سنة 67 المدد الى زهير بمكانه من برقة. فزحف الى القيروان في آلاف من العرب. وخرخ له كسيلة في جموعه والتقى الجمعان بنواحي القيروان. ووقعت بينهما معارك شديدة. حكمت أخيرا بفوز العرب. وقتل فيها كسيلة وكثير من أشراف البربر ورجالاتهم.
بعد هذه المعركة الفاصلة تتبع زهير البربر حتى وادي ملوية. وقد ظن أنه قلم أظفار البربر نهائيا. وذلك غلط وقع فيه قبله عقبة. فحسب ان الامن قد استتب. فزهد في الامارة. وارتحل من القيروان مشرقا. فاستشهد ببرقة مقاتلا للروم.
4 -
دهيا بنت ينفاق الشهيرة باسم الكاهنة. كانت أميرة على جراوه من زنانة بجبل أوراس. قال ابن خلدون: "وكان لها بنون ثلاثة ورثوا رئاسة قومهم عن سلفهم، وربوا في حجرها. فاستبدت عليهم وعلى قومهم بهم وبما كان لها من الكهانة والمعرفة بغيب أحوالهم وعواقب أمورهم. فاتتهت اليها رئاستهم. وملكت عليهم خمسا
وثلاثين سنة. وعاشت 127 سنة. وكان قتل عقبة بن نافع في البسيط قبلة جبل أوراس باغرائها" (1).
ولما غادر زهير القيروان واستشهد ببرقة أمر عبد الملك بن مروان عامله بمصر حسان بن النعمان الغساني بفتح افريقية. قال البكري: "فخرج اليها في المحرم سنة ثمان وستين "(2) وكان الروم بعد تخريب سبيطلة يلتجئون الى قرطاجنة. فقصدها حسان وفتحها عنوة ثم خربها. وقضى بذلك على الروم. ولم يبق أمامه الا البربر. فسأل عن مكان الشوكة منهم. فدل على الكاهنة بجبل أوراس. فتوجه اليها.
بلغ الخبر الكاهنة. فذهبت الى باغاية. وهدمت أسوارها خشية ان يفتحها حسان ويتحصن بها. وسارت من هناك الى مسكيانة. وكانت لها بها حصون. فالتقت بجيوش حسان. وتقابل الجمعان. على وادي مسكيانة. فاقتتلوا قتالا شديدا. وحكمت المعركة للكاهنة. فهزمت العرب وسارت في أثرهم حتى أدخلتهم تراب طرابلس. وأسرت منهم نحو ثمانين. فسرحتهم سوى خالد بن يزيد القيسي فانها أبقته لديها وتبنته.
أصبحت الكاهنة بعد هذا الانتصار ملكة على ما بين السرت والمحيط الاطلانتيقي. قال غروت: "وجعلت عاصمتها تيسدروس".
ومع اتساع ملكها هذا وانتصارها لم تزل رهبة العرب من قلبها ولم تشك في أنهم سيعودون لحربها. وظنت أنهم مثل الرومان: انما
(1) ج7 ص9.
(2)
المغرب ص7 واعاد ذكر حسان (ص37) وساق نسبه هكذا: حسان بن النعمان بن عدي بن بكر بن مغيث بن عمرو مزيقياء بن عامر الازدي.
يحاربون لتين المغرب وخيراته. فقطعت أملهم- على ظنها- بأن أمرت بتخريب المدن والحصون ونسف العمران. وقالت لقومها: نحن انما نريد المزارع والمراعي. ولا شأن لنا بما عدا ذلك. فعلت هذا من جهة. واتخذت يدا عند العرب من جهة أخرى بتسريح أسراهم والاحسان الى خالد. فاحتاطت لنفسها وقومها من حهتين. ولكنها لم تفهم غرض العرب من غزو افريقية. فكان أمرها ذلك خاليا من الحاكمة. فقد أفسدت عليها البربر بذلك. وصاروا مضمرين نصرة حسان عليها ان هو عاد لحربها.
حسان بعد هزم الكاهنة له أقام ببرقة بأمر من عبد الملك منتضظرا انجاده. وكان عبد الملك في شغل عن ذلك بفتن داخلية. وفي سنة (74) جاء المدد الى حسان فخرج من برقة لغزو الكاهنة. وكان على علم بتضعضع مركزها بما كان بينه وبين خالد من الصلة السرية.
تلقاه البربر وبقايا الروم هذه المرة بوجه غير الاول. فبذلوا له طاعتهم. وأمدوه بالاموال. وأدركت الكاهنة خذلان الامة لها. فتحصنت بعاصمتها. وقضت بها ستة أشهر تحت الحصار. ثم غادرتها من نفق. وناوشت العرب القتال من غير ثبات لعدم ثقتها بالبربر.
قال غروت: "بعد أن أيست الكاهنة من النصر ورأت خذلان البربر واليونان لها أرادت الانتقام منهم. فأرسلت الى حسان تعرض عليه اسلامها واسلام من بقي تحت أمرها، والوقوف في صفه. ووجهت ذلك مع ولديها. فلم يقبل حسان. وأسر الولدين. واذ ذاك تأخرت الى أوراس. وكانت لها بنت تدعى مشوشة، قد أعدت لها ملجأ هنالك بمكان يدعى جفة. وتمكنت بذلك من دفاع العرب مرارا. ولكنهم دخلوا أخيرا ملجأها. ففرت. وقتلت في طريق فرارها
عند بئر تدعى بئر العطر ثم اطلق عليها بئر الكاهنة. وذلك سنة 705 م".
وفي كلامه هذا نقطتان غير مسلمتين: أولاهما ان مورخي العرب لم يذكروا أسر حسان للولدين. بل ذكروا انه عقد لهما على قومهما بعد والدتهما. وهذا هو الصحيح الموافق لما عرف عن العرب جاهلية واسلاما من عدم الاساءة الى الرسول، والموافق ايضا لما عرف به حسان من الحنكة السياسية، اذ لو فعل ذلك لنفر منه البربر. ثانيتهما ان غيره ذكر ان قومها دعوها الى الاسلام لما أيقنوا بهلاكها فامتنعت منه وامتنعت من الفرار أيضا. ومن كلامها في هذا الشأن ما في تاريخ دول الاسلام:"انما الملكة من تعرف كيف تموت"(1) وفي موجز الكعاك من خطابها لقومها: "الفرار عار وسبة في وجه أمتي. والتي قادت البربر والروم ضد العرب يجب ان تموت موت الملكات". ولا شك ان طلبها الاسلام طمعا في النجاة لا عن ايمان انما هو نوع من الفرار. ويؤيد عدم طلبها للاسلام انها لو فعلت ما قاتلها حسان. وكل من له المام ضعيف بتاريخ الاسلام يعلم ان العرب لا يقاتلون الا بعد ان يعرضوا على محاربيهم الاسلام أو الجزية. فكيف يعقل رفض حسان لاسلام الكاهنة وهو انما يحارب لتلك الغاية؟
والخلاصة أن رواية غروت فيها طعن في أعظم رجل من فاتحي المغرب، وهو طعن باطل. وفيها تنقيص لملكة عظيمة من البربر. وهو باطل أيضا. وكل من ينظر التاريخ بعين الحقيقة يراها درة في جيد تاريخ المرأة لما كانت عليه من حسن التدبير وشدة البأس وصدق الدفاع عن الوطن والثبات على المبدأ.
(1) ج1 ص240.