الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 - تمهيد
بينما كان بنو العباس يعملون لهدم دولة بني أمية شرقا كان البربر يعملون لذلك أيضا غربا، ولكن العباسيون يهدمون ليبنوا، والبربر يهدمون توصلا للفوضى. وما اتم بنو العباس بناء دولتهم بالمشرق حتى اتم البربر عمل فوضاهم بالمغرب. ولما أخذ العباسيون يسترجعون المغرب لسلطانهم استقل بنو رستم ببعض المغرب الاوسط وما بقي منه كان تابعا لامراء القيروان ظاهرا ومستقلا في داخليته تحت شيوخ قبائله. ومثل ذلك المغرب الاقصى.
ولم تكن الدولة العباسية شرقا سالمة من المنافس. فان الطالبيين نهضوا طالبين لانفسهم الخلافة وثاروا مرارا. ولكن كان نصيبهم الإخفاق. وفي أيام موسى الهادي ظهر الحسين بن علي بن حسن المثلث بن حسن المثنى بن الحسن السبط. وثار على عامل المدينة. وتغلب عليه. وبعد أيام خرج الى مكة. ولما بلغها انضم اليه طائفة من عبيدها. وكان الفصل فصل موسم الحج. وقد حج جماعة من وجوه بني العباس وشيعتهم. فنشبت الحرب بين العباسيين والطالبيين ثامن ذي الحجة. فانهزم الحسين ثم قتل بفخ قريبا من مكة من طائفة من ذوي قرابته. وذلك سنة 169.
وحضر هذه الواقعة ادريس وسليمان ابنا عبد الله الكامل بن الحسن المثنى. فاما سليمان فقيل نجا وقيل قتل فيمن قتل مع الحسين. واما ادريس فنجا وايس ان يكون للطالبيين مع العباسيين
بالمشرق أمر. وقد علم ما عليه المغرب من ضعف سلطان بني الغباس به. فقصده. ومر بمصر. وكان صاحب بريدها الى المغرب يتشيع. وهو واضح المعروف بالمسكين مولى لصالح بن المنصور. فحمله الى المغرب.
وقد ساق البكري حديث نزوح ادريس الى المغرب نقلا عن ابي الحسن النوفلي. قال: "قال النوفلي ان ادريس ابن عبد الله انهزم فيمن انهزم من وقعة حسين صاحب فخ .. فاستتر مدة. وألح السلطان في طلبه. فخرج به راشد، وكان عاقلا شجاعا أبدا ذا حزم ولطف، في جملة الحاج منحاشا عن الناس، بعد أن غيه زيه والبسه مدرعة وعمامة غليظة. وصيره كالغلام يخدمه. وان امره ونهاه أسرع في ذلك. فسلما حتى دخلا مصر ليلا. فبينما هما متحيران يمشيان في بعض طرقها لا هداية لهما بالبلد، اذ مرا بدار مشيدة يدل ظاهرها على باطنها ونعمة أهلها. فجلسا في دكان على باب الدار فرآهما صاحب الدار. فعرف فيهما الحجازية. وتوسم في خلقتهما الغربة فقال أحسبكما غريبين. قالا نعم. قال وأراكما مدنيين. قالا نعم. نحن كما ظننت. فاذا الرجل من موالي بني العباس. فقام اليه راشد. وقد توسم. فيه الخير، فقال له يا هذا قد أردت أن ألقي اليك شيئا. ولست أفعل حتى تعطيني موثقا أن تفعل احدى خلتين اما اويتنا وتتقرب الى الله بالاحسان الينا وحفظت فينا نبيك محمدا (ص)، وان كرهت ما القيته اليك سترته علينا. فأعطاه على ذلك موثقا. فقال له هذا ادريس بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن ابي طالب خرج من موضعه مع حسين بن علي. فسلم من القتل. وقد جئت به أريد بلاد البربر. فانه بلد ناء لعله يأمن فيه ويعجز من يطلبه. فأدخلهما منزله. وسترهما حتى تهيأ خروج ورفقة الى افريقية فاكترى لهما جملا وزودهما وكساهما. فلما عزم القوم على الشخوص
قال لهما ان لامير مصر مسالح لا يجوز احد الا فتشوه وههنا طريق أعرفها لا يسلكها الناس. فأنا أحمل هذا الفتى معي، يعني أدريس. في هذه الطريق الغامضة البعيدة. فالقاك به، يقول راشد، في موضع كذا. وهنالك تنقطع مسالح مصر. فكب راشد في أحد شقي المحمل. ووضع متاعه في الشق الآخر. ومضى مع الناس في القافلة. وخرج الرجل على فرس له. وحمل ادريس على فرس أخرى. فمضى به في الطريق الغامضة، وهي مسيرة أيام، حتى تقدما الرفقة. وأقاما ينتظرانها حتى وردت. فركب ادريس مع راشد حتى اذا قربا من افريقية تركا دخولها. وسارا في بلاد البربر حتى انتهيا الى بلاد فاس وطنجة".
هذا حديت البكري. ومراده بافريقية القيروان. وصاحبها يومئذ من قبل العباسيين روح بن حاتم. وفي الاستقصاء: ان ادريس دخل القيروان واقام بها مدة. ثم خرج هو وراشد حتى أتيا تلمسان. فأراحا بها أياما. ثم ارتحلا نحو طنجة. فعبرا وادي ملوية. ودخلا بلاد السوس الادنى. وتقدما الى مدينة طنجة. ونحوه في القرطاس لابن أبي زرع.
ومن طنجة خرج ادريس ومولاه راشد الى مدينة وليلي. فنزلا على صاحبها اسحق بن محمد بن عبد الحميد الاوربي. فاكرم مثواهما. وعرفه ادريس بنفسه فبالغ في اكرامه وخدمته. وكان نزولهما بوليلى غرة ربيع الاول سنة 172.
قال ابن ابي زرع: "ومدينة وليلي قاعدة جبل زرهون. وكانت مدينة متوسطة خصبة كثيرة المياه والغروس والزيتون. وكان لها سور عظيم من بنيان الاوائل". قال السلوى: "يقال انها المسماة اليوم بقصر فرعون"