الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قبل عبد المؤمن وبنيه ولا بعدهم دولة أحسن ادارة ولا أرقى معارف وحضارة من دولتهم.
3 - الحكومة الموحدية المؤمنية
الدولة الموحدية المؤمنية مستقلة استقلالا تاما. وهي أول دولة بربرية غير خارجية ادعت الخلافة. وكانت أهلا لها اذ لم يكن بنو العباس ولا بنو عبيد يومئذ شيئا مذكورا. وتوسلوا لها من حيث النسب بدعوى ابن تومرت النسب في آل البيت وانتساب عبد المؤمن الى قيس بن مضر وتعلقه بآل البيت من جهة بعض جداته.
وحكومتها مقيدة بالكتاب والسنة من غير انتماء الى مذهب خاص. ورئيسها خليفة يدعى أمير المؤمنين ومنهم من تلقب بالالقاب كالمنصور والناصر. وكان الخليفة يعين بالعهد اليه من سلفه. ثم سار أيام انحطاط الدولة يدعي الخلافة دعوى ويتغلب عليها بالقوة.
ولكنها انحصرت في بني عبد المؤمن على كل حال.
ويساعد الخليفة ولاة بالاعمال الواسعة ووزراء مختلفو النفوذ وكتاب متفاوتو الدرجات حسب مهماتهم وللخليفة وولاته مجالس شورية يلقب أهلها الشيوخ من أهل العلم والدين ولا يكونون من غير الموحدين. وقد أخذت الحكومة أنظمتها الادارية من دولتي صنهاجة وزادتها اتقانا ودقة.
والقضاء يختار له العلماء المجتهدون وأماثل المقلدين للامامين مالك والشافعي وهو مستقل عن الادارة. والناس أمامه سواء لا فرق بين أمير وسوقة.
والمالية تجمع من الزكوات وخراج الاراضي الدولية واخماس الغنائم ليس فيها مكس ولا جور قال ابن ابي زرع:
" أمر عبد المؤمن بعد فتح المهدية بتكسير الارض فكسرت من برقة الى نول من بلاد السوس الاقصى بالفراسخ والاميال طولا وعرضا فاسقط من التكسبر الثلث في الجبال والشعراء والانهار والسباخ والطرقات والخروق. وقسط الخراج على ما بقي وألزم كل قبيلة قسطها من الزرع والورق. وهو أول من أحدث ذلك في المغرب" اهـ.
وكانت المالية وافية بمارف الدولة من انشاء البنايات العامة كدور الحكومة والمساجد والقناطر والمستشفيات، ومن عطاء الجنود والموظفين وجوائز الشعراء والعلماء.
وللحكومة جيش من الموحدين ومرتزقة العرب والبربر عدا ما هو مفروض على القبائل من الجنود، ويبلغ ايام الحرب اربعمائة ألف فارس عدا المشاة، وبلغ جيش الناصر الذي خرج به الى الاندلس مليون من الفرسان والمشاة من سائر الاقسام العسكرية غير المرتزقة.
ولها أسطول ورثته من صنهاجة وزادت فيه وعنيت بصنع الاسلحة والمجانيق والرعادات وانشأ عبد المؤمن سنة 557 اربعمائة قطعة فرقها على سواحل المغرب والاندلس. وكان يضرب له كل يوم عشرة قناطير من السهام.
وللجيش طبول ورايات. فاذا أريد النفير ضرب كبر مستدير الشكل دوره خمس عشرة ذراعا من خشب أخضر اللون مذهب.
يضرب فيه ثلاث ضربات فيرتحل الناس. يسمع على مسيرة نصف يوم من مكان مرتفع. يتقدم الامير نحو مائة فارس ويأتي وراءه مدبرو دولته ثم بقية الناس حسب مراتبهم. ويصحب الجيش الصناع وأصحاب الحرف وكل ما يحتاج اليه في السفر حتى كانهم مقيمون.
ومرتبة الموحدين في الجيش ومناصب الحكومة أعلى الرتب.
وهم أنفسهم درجات لا يتعدى صنف مرتبته سفرا وحضرا. وذكر صاحب المعجب القبائل التي تلقب بالموحدين ورتبهم حسب درجاتهم هكذا: هرغة ثم كومية ثم أهل تينمل ثم هنتاتة ثم قنقيسة ثم قدميوة ثم من استجاب للموحدين من قبائل صنهاجة ثم بعض بطون هسكورة، قال:
" فهذه جملة قبائل الموحدين المستحقين لهذا الاسم عندهم والذين يأخذون العطاء وتجمعهم الجيوش وينفرون في البعوث. وغير هؤلاء القبائل من المصامدة رعية" اهـ.
وانما خصت هذه القبائل باسم الموحدين لكونها لبت الدعوة قبل فتح مراكش، ورتبوا في الدرجات حسب ترتبهم في اجابة الدعوة.
وكانت الحكومة حافظة لممالكها حامية لثغورها تعاهد من سالمها وتحارب من حاربها لا تنقض عهدا ولا تخلف وعدا، ارتبطت مع جمهورية جنوة بمعاهدة تجارية، واختلف حالها مع ملوك المسيحية بالاندلس سلما وحربا، يعاهدونها اذا ضعفوا وان وجدوا فرصة نقضوا العهد، وكانت مسالمة لاصحاب صقلية، قال صاحب المعجب:
"كان صاحب صقلية يؤدي اتاوة لابي يعقوب، واتصلت اليه منه ذخائر لم يكن عند ملك مثلها " اهـ.
وكانت الحالة الداخلية على غاية من الاطمئنان، فكثرت الاموال وتأمنت الطرق وصلح أمر الناس في البادية والحاضرة وعم الامن والرخاء وكانت الظعينة تخرج من بلاد نول الى برقة وحدها لا ترى في سفرها ما يؤذيها، كل هذا بعدل بني عبد المؤمن وحسن سياستهم.
وبعد الناصر ولي ابنه المنتصر صبيا، فتحكم في الدولة الحاشية،