الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 - ثورة ابن غانية
كان علي بن يحي المسوفي مقربا لدى يوسف بن تاشفين أمير المرابطين. فزوجه امرأة من أهل بيته تسمى غانية. فولدت له محمدا ويحي. وعقد علي بن يوسف لمحمد على الجزائر الشرقية سنة 520 فنزل ميورقة. ولما هلك خلفه ابنه اسحق. وسقطت أيامه دولة المرابطين. ووفدت عليه فلولهم. فاحسن اليهم. وغني بالغزو.
واستمر على الدعاء لبني العباس. واغفل الموحدون شأنه. واستشهد سنة 579 وترك ابناء منهم علي خليفته من بعده ويحي. وفي ربيع الاخير من هذه السنة استشهد بالاندلس أمير الموحدين يوسف بن عبد المؤمن.
هنالك أراد أبناء غانية احياء دولة المرابطين بالمغرب واعادة الدعوى العباسية اليه. واتفق معهم أهل بجاية من الحماديين وغيرهم على دلك. وظنوا كلمة الموحدين تختلف فيمن يخلف يوسف لكثرة ابناء عبد المؤمن ولعل في المصامدة من يدعو الى نفسه. وأمير الجزائر الشرقية من ابناء غانية يومئذ علي بن اسحق المعروف بالميورقي لكونه يقطن ميورقة. وما زال لفظ الميورقي معروفا لدى العوام ببعض جهاتنا الجنوبية الا انهم يقولون المورقي بحذف الياء.
خرج علي بن اسحق من ميورقة في اثنتين وثلاثين قطعة ومعه بعض اخوته منهم يحي. وحمل اسطوله نحو مائتي فارس من الملثمين وأربعة آلاف راجل. فأرسى على بجاية يوم الجمعة من شعبان سنة 580 ودخلها وقت الصلاة من غير قتال. والناس آمنون. ووالي المدينة السيد سليمان بن عبد الله خارجها بايميلول. ولم يترك بها حامية للامن من طروق العدو.
لما دخل علي بن اسحق قصد الجامع الاعظم وأدار به الخيل
والرجال. فمن بايعه خلى سبيله ومن أبى قتله. وألفى بها والي تونس السيد أبا موسى بن عبد المؤمن. فاعتقله. وكان والي القلعة قاصدا مراكش. فبلغه الخبر وهو بمتيجة. فعاد لمظاهرة السيد سليمان.
وقصدا استرجاع بجاية. فاجتمع من الموحدين ثلاثماية فارس ومن العرب وقبائل تلك الجهات نحو ألف فارس. واجتمع الى الميورقي نحو ألف فارس. وتقابل الجمعان. فانخزل من كان مع الموحدين الى الميورقي. فانهزم السيد سليمان الى تلمسان. وغنم الميورقي أمواله وأبنيته.
استألف علي بن اسحق العرب بالمالى، واستخلف اخوه يحي ببجاية وخرج لافتتاح ولايتها. ففتح الجزائر ومليانة ومازونة والقلعة. وتوجه الى قسنطينة فحاصرها وقطع الماء عن أهلها حتى أغاثهم الله بمطر غزير فكسر واديها سده.
وبلغ المنصور بن يوسف خبر بجاية وهو قافل من الاندلس فارسل عسكرا في البر لنظر السيد أبي زيد بن عمر بن عبد المؤمن، وبعث الاساطيل في البحر يقودها أحمد الصقلي وعقد عليها لابي محمد ابن ابراهيم بن جامع، فاسترجعوا ما استولى عليه الميورقي من البلدان. ونزلوا على بجاية في صفر سنة 81 بجنود لا قبل ليحي بها، ففر ومن معه من الملثمين. ولحقوا بعلي وهو محاصر لقسنطينة.
فكانت مدتهم ببجاية سبعة أشهر خطبوا فيها لبني العباس. وخطيبهم ابو محمد عبد الحق الاشبيلي الذائع الصيت.
عسكر السيد أبو زيد بتبكلات من ظاهر بجاية واطلق عمه ابا موسى من معتقله. ثم رحل اثر ابن غانية. فأجلاه عن قسنطينة واتبعه الى نقاوس ومقرة، ودخل علي بن اسحق الصحراء. وملك قفصة واستقر بها، واستقر ابو زيد ببجاية.
ثم ظهر غزي الصنهاجي في جموع هن الملثمين والعرب وتغلب على أشير. فسرح اليهم السيد أبو زيد ابنه عمر ومعه غانم بن مردنيش فأوقع بجموع غزي وقتله ونصب رأسه ببجاية. وغرب أبو زيد بني حمدون الى سلا لاتهامهم بتأييد ابن غانية. ثم استقدم المنصور أبا زيد من بجاية.
واجتمع الى ابن غانية بافريقية جموع العرب من رياح وغيرهم.
وانضاف اليه قراقوش بمن هنالك من الاتراك. وبايعوا علي بن اسحق. ولقبوه أمير المسلمين فجدد رسوم الملك واتخذ الآلة. وأوفد الى بغداد ابنه وكاتبه عبد البر بن فرسان بالبيعة وطلب المدد. فأمر الخليفة عماله بمصر والشام بمدده. فعظم سلطان علي بن غانية واستولى على افريقية وانزل بأهلها وعمرانها بلاء لم ينزل بها أيام دخول الهلاليين ذكر تفصيله ابن الاثير وأهم المنصور أمره فخرج بجموعه الى افريقية سنة 83 وكانت بينه وبين ابن غانية وقائع غير فاصلة .. ثم عاد الى مراكش سنة 84 ومات في هذه السنة علي بن غانية بنفزاوة من ناحية الجريد. فخلفه أخوه يحي. ونقل الحرب الى المغرب بعد سنة 597.
خرج من بجاية واليها السيد ابو الحسن في جيش عظيم للقاء يحي. قال صاحب المعجب: "لم أر للموحدين جيشا أضخم منه ولا أكثر سلاحا ولا أحسن عدة. وفيه من أعيانهم وشيوخهم جملة وافرة " اهـ.
التقى الجمعان قرب قسنطينة من ناحية بجاية. فانهزم الموحدون الى بجاية في حال سيئة. وتوجه يحي الى بسكرة. فدخلها ومثل بأهلها. وسجن عاملها أبا الحسن بن أبي يعلى. ثم ملك تبسة.
وبايعه أهل بونة. وعاد الى المهدية.
قوي أمر يحي الميورقي. وحاصر قسنطينة. فجهز له ابو الحسن عسكرا حفظها. فارتحل يحي الى حصار بجاية. وكان المدد يأتيه من ميورقة. كأجاز الناصر أساطيله اليها من مدينة الجزائر سنة 98 فاستولوا عليها سنة 99.
وفي سنة 610 توجه الناصر نفسه الى افريقية. ولم يبق بها للموحدين غير قسنطينة وبجاية. فأجلى يحي الى جبل دمر واسترجع البلاد لطاعته. وعقد على افريقية لابي محمد بن ابي حفص سنة 603 وقفل الى مراكش، فخرج عليه يحي بوادي شلف في جيش عظيم من العرب وصنهاجة وزناتة قتقاتلا قتالا شديدا، ثم انهزم الميورقي، وشرق، فلقيه أبو محمد بن ابي حفص بنواحي تبسة، فهزمه أيضا الى الصحراء وذلك سنة 604.
وبعدما استجمع يحي قواه نهض الى المغرب يغير ويسبي ويخرب حتى بلغ سجلماسة وتقدم الى المغرب الاوسط، فخرج اليه والى تلمسان السيد ابو عمران. وكان اللقاء على تاهرت. فقتل ابو عمران وغنم عسكره، وشرق يحي بالغنائم فاستنقذها منه والي تونس، وفتك به فتكا ذهب بقوته، فأخذت ثورته في الضعف، وذلك سنة 606.
وفي سنة 18 توفي أبو محمد بن أبي حفص فولى مكانه السيد أبو العلاء ادريس بن يونس بن عبد المؤمن، وطارد يحي بن غانية، فلحق بالزاب ونزل بسكرة، فاتبعه ابو العلاء ابنه ابا زيد، فأجلاه عنها.
انتقل يحي الى المغرب الاوسط وانقسمت زناتة عليه وعلى الموحدين فكانت بينهم وقائع، قتل في بعضها أمير مغراوة منديل بن عبد الرحمن بمتيجة سنة 622 ودخل يحي بعدها الجزائر، ولكن نجمه في أفول.
وفي سنة 24 كاقن والي تونس عبد الله بن أبي محمد بن أبي حفص فبلغه أن يحي بن غانية دخل بجاية عنوة، وتخطاها الى دلس وعاث في تلك النواحي فاخذ السير حتى دخل بجاية وسكن أحوالها، وسار الى متيجة فمليانة، فبلغه أن يحي قصد سجلماسة، فاناكفأ الى تونس.
وفي سنة 25 تولى تونس أبو زكرياء أخو عبد الله المتقدم. وهو جد الملوك الحفصيين. فصرف عزمه لاستئصال حركة ابن غانية.
فشرده عن الزاب وورقلة. وانزل الحامية باطراف البلاد. فلم يزل يحي شريدا الى ان هلك سنة 631 بوادي شلف وقيل بالزاب.
دامت ثورة ابن غانية نصف قرن. ولم يجن الوطن منها غير الخراب. فقد خرب كثيرا من قصور الصحراء بوادي ريغ وغيره.
وخربت تاهرت وقصر عجيسة وزرقة والخضراء وشلف ومتيجة وحمزة ومرسى الدجاج والجعبات والقلعة.
ولقد كان بنو غانية يرومون احياء سلطانهم بالمغرب فلم ينجحوا لقوة الموحدين وجدهم. ولكن نتج عن ثورتهم تخريب كثير من المدن وشغل الموحدين عن موالاة الجهاد بالاندلس واضعاف دولة بني عبد المؤمن وظهور الحفصيين.
وكان علي ويحي ابنا غانية آيتين في علو الهمة والاقدام على العظام والغناء في مواقف الحرب. وكان كاتبهما عباد البر بن فرسان الغساني مثلهما شجاعة واقداما. وهو أديب بارع. ومن شعره يخاطب يحي بن غانية.
اجبنا ورمحي ناصري وحسامي
…
وعجزا وعزمي قائدي وامامي؟
ولي منك بطاش اليدين غضنفر
…
يحارب عن اشباله ويحاميى