الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نادرا، ومع ذلك لما ذكر وفاته عرفه بقوله:"شارح رسالة الشيخ ابن ابي زيد وشارح جمل الخونجي وغيرهما " اهـ. هكذا اغفل ذكر الفارسية وهي بين يديه!
وكان حظ زواوة من هذه الحركة وافرا جدا، فكان من مليكش كاتب الحكومة الحفصية محمد بن عمر بن علي بن ابراهيم المتوفي بتونس سنة 740 أثنى عليه لسان الدين بن الخطيب في الاكليل.
وأثبت له شعرا جيدا، وكان من مشدالة ناصر الدين منصور بن احمد المتوفي سنة 734 له رحلة الى المشرق، وكان يحمل العلوم العقلية والنقلية، وانشد فيه بعض من لقيه متمثلا:
ليس على الله بمستنكر
…
ان يجمع العالم في واحد
وذكر ابن خلدون في المقدمة انه مجدد صناعة التدريس ببجاية، وقال فيها أثناء حديثه عن الموشحات والازجال: " واشتهر ابن خلف الجزائري صاحب الموشحة المشهورة:
يد الاصباح قدحت زناد الانوار من مجامر الزهر
وابن خزر البجائي وله من موشحه:
ثغر الزمان موافق
…
حياك منه بابتسام " اهـ.
12 - الحياة الدينية بالجزائر البريرية
نصر عبد المؤمن وبنوه عقيدة الاشعري. فثبت أهل المغرب بعدهم عليها. وحملوا الناس على الكتاب والسنة في أخذ الاحكام والوعظ والتذكير. فعادوا بعدهم الى مذهب مالك (رض) والى طرق الصوفية متناسين النظر في الكتاب والسنة على وجه الاستقلال في الاستدلال والاهتداء بهما في مكارم الاخلاق وفضائل الاعمال.
ولم تزل بقية في القرن السابع لا تهتدي بغير الكتاب والسنة مباشرة. منهم في الفروع ابو زكريا يحي بن علي بن سلطان اليفرني تلميذ ابن عصفور واحد شيوخ ابني الامام. ذكر له المقري في نفح الطيب مسائل خالف في بعضها مالكا وفي بعضها الاجماع. ووفاته بتونس سنة 700 ومنهم في التصوف عبيد الله بن احمد الازدي الرندي نزيل بجاية المتوفي بها سنة 691.
قال الغبريني: " وكان عبيد الله متنزها عن مقالة المتلبسين وشعوذة المشعوذين غير مسامح في شيء مما يخالف ظاهر الشريعة ولا عامل على شطحات المتصوفة. ولقد مضى بمسجده ابو الحسن الفقير المعروف بالطيار مع صحب له من الفقراء. ودخلوا عليه في وقت يحيا فيه المسجد. فجلسوا من غير تحية، فأمرهم بالتحية، فقال له الطيار ولذكر الله أكبر، وامتنع من الركوع، ووقع بينه وبينهم في هذا كلام، فأصروا على مقالهم وحالهم، فنفوا الى المغرب، والنفي في أمثال هؤلاء قليل، وانما الواجب أن يعاملوا باسوا التمثيل، وهؤلاء جملة أغبياء لا علم ولا عمل ولا تصوف ولا فهم.
وهم مع ذلك يجهلون الناس ويعتقدون ان مبناهم على اساس " اهـ.
ونقل صاحب نفح الطيب عن القاضي أبي عبد الله المقري ان العلماء كلما ابتعدوا عن عصر السلف اقتربوا من الامراء حتى صار جمهورهم يتطارحون عليهم. وهم يبتذلونهم في خدمة أغراضهم.
ثم قال يصف الحياة الدينية: " وقد قص علينا القرآن والاخبار من أمر اليهود والنصارى ما شاهدنا أكثره أو أكثر منه فينا. سمعت العلامة الابلي يقول لولا انقطاع الوحي لنزل فينا أكثر مما نزل فيهم لانا أتينا أكثر مما أتوا. يشير الى افتراق هذه الامة على أكثر مما افترقت عليه بنو اسرائيل. واشتهار بأسهم بينهم الى يوم القيامة حتى
ضعفوا بذلك عن عدوهم، وتعدد ملوكهم لاتساع اقطارهم واختلاف انسابهم وعوائدهم حتى غلبوا بذلك على الخلافة. فنزعت من أيديهم وساروا في الملك بسير من قبلهم مع غلبة الهوى واندراس معالم التقوى " اهـ.
وهذه أخبار ترشد الى أن من العلماء من دينه ارضاء شهوات السلاطين، وان من السلاطين من دينه احترام ما تحترمه العامة من عادة أو قبر أو شيح مشهور بالولاية، وغرضنا التنبيه لا الاستقصاء:
كان من مشاهير صلحاء تونس ابو محمد المرجاني المتوفي سنة 699 فكان ابو حفص عمر يخدمه. ورام ان يلي عهده ابنه عبد الله وهو صغير. فنكر عليه الموحدون ذلك. فاستشار المرجاني فاشار عليه بتولية أبي عصيدة محمد بن الواثق. فقبل اشارته وكانت أم أبي عصيدة قد فرت حاملا به يوم مقتل الواثق الى زاوية المرجاني. فولد في بيته. وعق عنه، واطعم عصيدة الحنطة يوم سابعه. ولولا مكانة المرجاني ما نزل ابو حفص على حكم اشارته.
ولما نزل يوسف المريني على تلمسان في حصاره الطويل خرج اليه ذات يوم برسالة من صاحبها ابو الحسن علي بن يخلف اخو الامام ابراهيم بن يخلف، فأقام لديه، ومات، فشهد السلطان يوسف جنازته، ونكر وصول الخيل التي خرجت معه الى ضريح ابي مدين، وأمر بوضع خشبة تنتهي اليها الخيل، وهكذا الافراط في احترام الاموات في حين أن التلمسانيين يموتون كل يوم جوعا وقتلا بغير حق.
وذكر صحاب الفارسية ان ابا يحي ابا بكر كان في نزهة في رياضه الكبير سنة 747 فادخل عليه رسم رؤية هلال رجب على عادة قضاة الحضرة، فقال لا اله الا الله، دخل رجب، وكرر ذلك، ثم قام وتطهر واخلص التوبة، وهذا من احترام العادة دون الدين، لانها حرمت شرب الخمر في رجب وشعبان ورمضان خاصة.
وقال ابن خلدون: "ان ابا عنان لما احتل تلمسان واسر عثمان الثاني احضر الفقهاء وارباب الفتيا، فافتوا بحرابته وقتله، فامضى حكم الله فيه" اهـ. وهذا حكم الدينار لا حكم الله، ويرحم الله القائل:
بنو الدهر جاءتهم احاديث جمة
…
فما صححوا الا حديث ابن دينار
وفي سنة 757 زار ابو عنان أحمد بن عاشر نزيل سلا المتوفي بها سنة 765، فامتنع من رويته، فحزن ابو عنان لحرمانه من الاجتماع بالشيخ، وهو الذي أصر على محاربة ابيه السلطان ابي الحسن، وتغلب على ملكه، وعد عثمان الثاني من أهل الحرابة مع انه بايعه قومه واعترف هو بسلطنته.
وفي سنة 767 كانت على ابي حمو الثاني الهزيمة الشنعاء ناحية بجاية، وسبيت حظاياه منهن ابنة يحي الزابي، وكانت أعلقهن بقلبه، قال ابن خلدون:" وخرجت في مغانم الامير ابي زيان، فتحرج من مواقعتها، حتى اوجده أهل الفتيا السبيل الى ذلك لحنث زعموا وقع من ابي حمو في نسائه " اهـ.
وكان من صلحاء تلمسان الحسن بن مخلوف المزيلي الراشدي المتوفي سنة 857 قال التنسي: فكان السلطان أحمد العاقل. يكثر من زيارته، ويعتمد عليه في أموره، وحكى ابن مريم في البستان انه كان يكثر الشكاية اليه بعمارة الزردالي الثائر عليه، فقال له ذات يوم اذهب الى موضعك، فقد قضى الله الحاجة فلما عاد السلطان أتي له برأس عمارة.
ومن جزئيات الحياة الدينية ما حكاه صاحب نفح الطيب عن القاضي ابي عبد الله المقري. قال: انشدت يوما الابلي قول ابن الرومي:
أفنى وأعمى ذا الطبيب بطبه
…
وبكحله الاحياء والبصراء
فاذا مررت رأيت من عميانه
…
أمما على أمواته قراء
فاستعادني حتى عجبت منه مع ما اعرف من عدم ميله الى الشعر، فقال أظننت اني استحسنت الشعر؟ فقلت مثلك يستحسن مثل هذا، فقال انما تعرفت منه قدم قراءة العميان على المقابر، وكنت أراها حديثة العهد" اهـ.
وههنا يتذكر المرء قول ابي مدين: " بفساد العامة تظهر ولاة الجور وبفساد الخاصة تظر دجاجلة الدين الفتانون " اهـ ولا يتسع للتدجيل غير ميدان التصوف المبني على الدعاوي والنواميس الظاهرية فكثر المنتمون لطريقتي ابي مدين وابي الحسن الشاذلي. على ان الشاذلية تفرعت عن المدينية. وسند المدينية عندهم هو ابو مدين عن ابي الحسن بن حرزهم عن القاضي ابي بكر بن العريي عن الغزالي عن امام الحرمين عن ابي طالب المكي عن ابي محمد الجريري عن الجنيد عن سري السقطي عن معروف الكرخي عن داود الطائي عن حبيب العجمي عن الحسن البصري عن علي بن ابي طالب (ض) عن النبي (ص) وهذا السند مشتمل بزعمهم على المصافحة ولباس الخرقة، وسواء كان السند صحيحا أم مفترى فان العبرة بالاقتداء لا بالانتماء.
وانتشار طرق الصوفية بين العامة في عصر دليل على تقصير علمائه في احياء كتاب الله وعلى ضعف الحكومة عن بسط نفوذها في الامة مباشرة، أو نقول ان سيادة المتصوفة دليل على انحطاط الامة سياسيا وعلميا ودينيا. وفي الصحف السابقة ما يجلي لك هذه الحقيقة. قال ابو بكر الشاشي:
لحا الله دهرا سدتمو ميه أهله
…
وأفضى اليكم فيهم النهي والامر
فلم تسعدوا الا وقد أنحس الورى
…
ولم ترأسوا الا وقد خرق الدهر