الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - رياح والاثبج وسليم
كانت قبيلة عوف بن سليم تجاور رياحا على حدود عمالة قسنطينة، وتبلغ ناجعتها نواحي بونة، ولها بطنان هما مرداس وعلاق، ومن علاق حصن ويحي ومن حصن حكيم وبنو عدي، ومن يحي العكوب، ومن العكوب أولاد مهلهل وأولاد ابي الليل، ومن أولاد ابي الليل الاعشاش.
وكان ابو زكرياء الحفصي اصطنع عوفا على رياح فاخرجتهم الى عمالة قسنطينة، وجازتها الدولة على ذلك بالتضريب في بطونها، حتى لا يستبدوا عليها فكان المغلوبون من عوف ينزلون على رياح للاجلاب على الدولة، واستقرت رئاسة عوف في أولاد مهلهل وأولاد أبي الليل، وتنازعوا أمرهم بينهم وأصبح حال الدولة بينهم حال القائل: رضى هذا يحرك سخط هدي.
وحكيم كانوا يحالفون تارة أولاد مهلهل وأخرى أقتالهم، واشتهر من شيوح حكيم أبو زيد بن عمر بن يعقوب وابنه خليفة ومحمد ابن مسكين وخليفة ابن أخيه، وكان منهم أول القرن التاسع الشيخ المرابط أحمد إن أبي صعنونة بن عبد الله بن مسكين.
وكان بمقرة بيوت من دباب ومرداس، أوقع بهم المستنصر سنة 651 واعتقل منهم بالمهدية رحاب بن محمود وابنه في آخرين.
وأقطع الحفصيون كرفة بادس والزاب الشرقي وجباية أوراس الشرقي، ليوقعوا رياحا بين نارين، فلم تفعل كرفة أكثر من المحافظة على اقطاعها، ولم يجدوا في بقيه بطون الاثبج من يقدر على مقاومة رياح، وإن بقيت في بعضهم رئاسة.
قال ابن خلدون: "ورئاسة أولاد وشاح من دريد لعهدنا منقسمة
بين سحيم بن كثير بن جماعة بن وشاح، وأحمد بن خليفة بن رشاش ابن وشاح ورئاسة أولاد مبارك بن عابد منقسمة ايضا بين نجاح بن محمد بن منصور بن عبيد بن مبارك، وعبد الله بن أحمد بن عنان ابن منصور " اهـ.
وكان شيخ محيا من العمور في القرن الثامن عامر بن أبي يحي ابن محيا حج ولقي بمصر يوسف الكوراني شيخ الصوفية، فلقن طريقه وحمل عليها قومه وعني بتأمين السبل فحارب النضر جيرانه لافسا دهم. فاغتالوه.
وفي عصره كان شيخ أولاد زكرير يغمور بن موسى بن ابي زيد ابن زكرير فكان يناهضه في شرفه، ولكن عامرا اسود منه لمعه بين مشيختي القبيلة والطريقة.
وكانت عياض تتولى جباية جيرانها من البربر لصاحب بجاية وأكثر الاثبج عجزوا عن الظعن وأقاموا بالمدن وانضوى تحت لواء رياح الضحاك ولطيف والعمور الشرقيون.
غلبت رياح أولا على منطقتي الهضاب والصحراء من عمالة قسنطينة الى زاغز من عمالة الجزائر. وعنوا بالفلاحة وتربية المواشي، فأثروا وكثروا واعتزوا على الدولة، الحفصية لبعدهم عن عاصمتها، واصبحوا مأمنا لكل مسخوط من الدولة وعونا لكل ثائر يخطب الملك.
وكانت لهم امتيازات واقطاعات منحهم اياها ملوك أعانوهم على تبوأ العرش أو على حمايته من ثائر عليه حتى ان الذواودة كان لهم بقسنطينة عطاء معلوم مرتب على مراتبهم علاوة على ما بأيديهم من البلاد وما لهم من خفارات، وكانوا معفين من الضرائب وكان هذا مما يضر بمالية الدولة.
وكانت الحكومة اذا آنست من نفسها القوة انتقمت منهم على اعانتهم لثائر أو نقصتهم عطاءهم أو منعتهم اياه، فلم يعدموا في ملوك زناتة أو أمراء البيت الحفصي قائدا للثورة، وهكذا استمرت حياة رياح والحفصيين. واختلفت أيامهم سلما وحربا، ولم تزد رياحا الايام إلا قوة.
وكانت بطانة الحفصيين يستعملون نفوذهم مع رياح وغيرها في مصالحهم الخاصة وحسب أهوائهم، فربما دعوا القبيلة اليوم الى طاعة ملك ودعوها غدا الى حربه، وهذا عبد الرحمن بن خلدون كان مع الحفصيين فدعا رياحا لطاعتهم ثم فارقهم. فدعاها لابي حمو الثاني سنة 769 ثم حملها على حربه ومحالفة عدوه عبد العزيز بن أبي الحسن سنة 772. ومع هذا التلاعب الذي لم يسلم منه فيلسوفنا نراه يؤنب العرب ان جرؤا على الدولة.
وكانت بطون رياح تبعا للذواودة الذين كان منهم مسعود بن سلطان وأخوه عساكر ومحمد بن مسعود. واستمرت الرئالسة في أولاد مسعود. ومال عنهم ابناء عساكر للدولة سنة 666 فولى المستنصر رئاستهم مهدي بن عساكر ثم ابنه ماضي ثم موسى ابن ماضي. واقطعتهم الدولة نقاوس، وحالفتهم عياض. ولكن غمرهم اولاد مسعود.
وكان محمد بن مسعود مع يحي بن غانية وتوفي بعد وفاته.
فخلفه ابنه موسى. وكان عظيم الصيت معتزا اعلى الدولة. ووفد على أبي زكرياء لما نزل بباغاية سنة 47 فبايعه. وتوفي أيام المستنصر. فخلفه ابنه شبل. واستطال على الدولة. وبايع أبا القاسم بن عبد الرحمن ابن الامير عبد الواحد سنة 661 وقد نزل عليه بنقاوس. وخرج اليه المستنصر سنة 64 فبلغ المسيلة. واعجزه. فعاد الى تونس. وأمر عامل بجاية أبا هلال باستئلافه.
وخرج المستنصر سنة 666 فعسكر بالحضنة على ثنايا الزاب ازاء جموع رياح. وترددت الرسل بين شبل وابي هلال. فأقنعه بحسن عاقبة الوفادة على السلطان. فقدم هو وأخوه يحي وسباع بن يحي ابن دريد بن مسعود وطلحة بن ميمون بن دريد وحداد بن مولاهم ابن خنفر بن مسعود ودريد بن تازير شيخ أولاد نابت من كرفة.
فضرب المستنصر أعناق هؤلاء الامراء. وصلب أشلاءهم بزرايا قرب نقاوس حيث بايعوا ابن عمه ابا القاسم. وأجفلت رياح والعساكر أثرها تنهبها حتى قطعت وادي جدي، فرجعت العساكر، ولحق أولاد يحي بن دريد بيغمراسن ابن زيان، وبنو محمد بن مسعود بيعقوب بن عبد الحق فأكرموهم ووصلوهم بالمال والخيل والابل والكراع.
وعادت رياح فغلبت على ورقلة ووادي ريغ، وتقدموا الى الزاب فهزموا عامله عثمان بن محمد بن عتو، ثم قتلوه بقطاوة، وملكوا أوراس أيضا، وقتلوا موسى بن ماضي، وأخذوا الحضنة، واضطرت الدولة الى مهادتنهم، فاقطعهم السلطان ابو اسحق أخو المستنصر ما غلبوا عليه.
ونشأ سباع بن شبل في كفالة عمه مولاهم بن موسى، ورأس على قومه واقطعته الدولة المسيلة، وتربى علي بن سباع في حجر عمه طلحة بن يحي وصارت اليه المسيلة وبقيت في عقبة، وكانت مقره في اقطاع أحمد بن محمد بن مسعود وخلف سباع بن شبل ابنه عثمان العاكر، وخلف علي بن سباع ابنه سليمان فتنازعا رئاسة قومهما، وافترق أولاد مسعود الى فرقتين أولاد محمد وأولاد سباع بن يحي وافترقت عليهم رياح فكان سعيد مع أولاد محمد، ومسلم والاخضر مع أولاد سباع، واقتسموا المواطن بورقلة وريغ والزاب والحضنة والتلول، فكان لاولاد سباع المسيلة وجبال عياض ومتنان ووانوغة
ونواحي بجاية، ولاولاد محمد مقرة والزاب الاوسط ونواحي قسنطينة، وكانت طولقة والزاب الغربي بينهم. فتقاتلوا عليه حتى اختص به أولاد سباع. ولكن مواطن أولاد محمد أخصب وأوسع وسيادتهم أعظم وعددهم أكثر.
ثم افترقت رئاسة اولاد سباع بين علي وعثمان ابني سباع بن يحي وعثمان هذا هو الذي وفد سنة 701 على السلطان يوسف وهو محاصر لتلمسان وحرضه على ملك بجاية.
وخلف علي بن سباع ابنه سليمان ثم ابنا سليمان عطية ويوسف ثم عثمان بن يوسف الذي أخذ بطاعة ابي عنان المريني، ويرادف أولاد سليمان أخوتهم أولاد يحي أخي سليمان.
وانتقلت رئاسة أولاد محمد الى أولاد أحمد بن عمر صاحب مقرة، فتولاها أبو يحيى بن أحمد الى أن هلك أوائل المائة الثامنة، فخلفه أخوه علي، وكان أعظم أمراء رياح، وخلفه ابنه يعقوب، وطالت مدته، حتى توفي سنة 790 بنقاوس ودفن ببسكرة واشتهر من ابنائه صولة ومحمد.
وكان يعقوب بن علي أعظم أمراء رياح من سبقه منهم ومن لحقه.
له ولوع بالفلاحة والعمران، اختط قرية فرفار قرب طولقة، ونزل عليه بها ابن خلدون في وفادته على سلطان تونس سنة 780 وله أملاك بطولقة ونقاوس والصحراء والتل، وله رغبة في السلم، وكثيرا ما يصلح بين أمراء الحفصيين أو بين الامراء والرعايا، ونزل عليه الامير أبو يحي زكرياء لما ثار عله أخيه سنة 759 واصهر اليه في ابنة اخيه سعيد فانكحه اياها.
وكان يعقوب قد بايع ابا الحسن المريني. وفد عليه في زحفه على تونس بأرض بني حسن قرب البرواقية، وذهب معه أخوه ابو دينار
سليمان الى المغرب حتى مات. فوفد على ابنه ابي عنان واكرمه، وطلب منه تسهيل السبيل لفتح تونس، فلما زحف اليها ابو عنان بايعه يعقوب، واخوه سليمان، وخالفهما اخوهما ميمون الى ولاء الحفصيين.
ثم رأى يعقوب محاولة ابي عنان لانتزاع امتيازاتهم فنبذ طاعته سنة 58 وخالفه إليه ميمون، ورام ابو عنان ارضاء يعقوب او القبض عليه، فلم يقدر على أكثر من تخريب قصوره بالصحراء والتل.
ثم حج يعقوب وعاد فالفى قومه في حرب مع أمير قسنطينة ابراهيم بن السلطان ابي العباس لمحاولته نزع امتيازاتهم، فسعى في الصلح وطلب من ابراهيم انصاف العرب فأعرض عنه فاعتزل يعقوب الحرب وتوفي فخلفه ابنه محمد وفرق عنه ابراهيم كلمة رياح وحاربه فانهزم، فلما أصحر محمد جد ابراهيم في حماية التلول عنه واضطره الى المصيف في الزاب سنة 92 ثم هجم على التل في السنة التالية، ومات الامير ابراهيم وتفرقت جموعه فتقدم محمد بن يعقوب الى نواحي قسنطينة ونادى بالامان فأمنت الطرق وصلحت أحوال الرعايا. وبعث الى السلطان ابي العباس بطاعته.
وفي سنة 96 ولي قسنطينة ابو بكر بن ابي العباس وعكف على لذاته وأساءت بطانته الادارة فانقضت رياح على الدولة وقتلوا في بعض حروبهم معها قائد قسنطينة جا الخبر سنة 833.
وكان كبير الذواودة سنة 38 عيسى بن محمد، وكلمته مع السلطان محمد الرابع المنتصر مسموعة، ومن معاصريه سباع بن محمد ولعله أخوه وبينهما اختلاف ومن شيوخ الذواودة منتصف هذا القرن التاسع أحمد بن علي، ومنهم نصر بن صولة ولا ادري أصولة هذا هو ابن يعقوب بن علي أم غيره؟
وآخر كلمة في تاريخ دولتي الموحدين للزركشي قوله: "وفي