الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 - سقوط الدولة الادريسية
تأسست الدوللة الإدريسية سنة 172 (788م) وانتهت بالقبض على الحسن الحجام سنة 311 (923 م) فكانت مدتها 139 سنة قمرية ومملكة الادارسة واسعة النطاق تشتمل على المغرب الاقصى أجمع وبعض المغرب الأوسط. وبها حصون طبيعية ومعاقل ممتعنة. ولكن سهل سقوطها في يد العبيديين اشتمالها على ضعفين سياسي وإداري.
ذلك أن الأدارسة بقوا تلك المدة في الملك من غير مزاحم ولم يعتنوا بتهذيب البربر تهذيبا يحبب إليهم النظام ويكره اليهم الفوضى.
بل إن البربر لم يزالوا على حالتهم يتششوقون لمن يقودهم الى الثورة عسى انت يقضوا بعض الزمان في الفوضى فما كادت تظهر دعوة العبيديين حتى هرعوا اليها. ولقبيلة مكناسة وأميرها موسى بن ابي العافية اليد الطولى في اعانة العبيديين على الادريسيين.
وكان النظام الاداري على ما علمت قد فكك وحدة الدولة الحربية وذهب بقوتها المالية. فلم تجد ما تدافع به ذلك الخطب الداهم.
ولانفصال أعمال المملكة بعضها عن بعض اداريا لم تسقط كل الاعمال بسقوط فاس. فان الجزائر العلوية بقيت بعدها مدة.
لما ظهرت دعوة العبيديين بالمغرب وقضت على الدعوة الادريسية زاحمتها الدعوة الاموية فافتتح عبد الرحمن الناصر مليلة سنة 314 وبث دعاته بالمغرب. فلباه ادريس بن ابراهيم صاحب أرشقول.
وكاتبه واهدى اليه. واقتفي أثره في ذلك الحسن بن ابي العيش صاحب جراوة وموسى بن ابي العافية ومحمد بن خزر المغراوي فنازلتهم جيوش العبديين. فخضع لهم صاحبا جراوة وأرشقول خضوع من عجز عن المقاومة. وكلف الناصر بحربهما موسى بن ابي العافية. فوقعا بين قوتين اوجبتا تلونهما في السياسة.
في سنة 315 بعث عبيد الله المهدي ابنه أبا القاسم لاخضاع المغرب. فافتتح بلد نكور. ونازل الحسن صاحب جراوة وضيق عليه وفي سنة 319 زحف موسى بن ابي العافية بدعوة العبيديين الى تلمسان وغلب عليها الحسن. قال ابن خلدون: "ففر عنها الى مليلة. وبني حصنا لامتناعه بناحية نكور. فحاصره (موسى) مدة. ثم عقد له سلما على حصنه" قال السلوي: "وكان عقد السلم في شعبان سنة عشرين وثلاثمائة". وفي هذه السنة أخذ موسى بدعوة الناصر الاموي.
وفي سنة 33 جهز أبو القاسم بن المهدي عسكرين أحدهما إلى فاس بقيادة ميسور الخصي. والآخر ارسله مددا لميسور بقيادة صندل الفتى الاسود. قال البكري: "فخرج صندل من المهدية في جمادى الاخيرة سنه 323 فوصل جراوة الحسن بن أبي العيش فاستراح بها أياما". وقال ابن خلدون: ان صندلا حاصر جراوة. فعلى روايته يكون الحسن غير خاضع للعبيديين يومئد. وعلى رواية البكري يكون خاضعا لهم. وهي أصوب.
ولما أفتتح ميسور فاسا حارب ابن ابي العافية وهزمه. وقفل الى القيروان. فعرج على ارشقول. وخرج اليه صاحبها ادريس ابن ابراهيم ملاطفا له بالتحف فاستراب به. وتقبض عليه واصطلم نعته. كذا في ابن خلدون. وفي البكري أن المتقبض عليه أخوه يحيى. قال ابن خلدون. وولي مكانه ابا العيش بن عيسى منهم.
والظاهر أن في العبارة حذفا وتحريفا. وصوبها: ولي مكانه الحسن ابن ابي العيش عيسى. وهذا الحسن هو صاحب جراوة. وقد كان يومئذ آخذا بدعوة العبيديين. فلعلهم أضافوا له أرشقول أيضا.
ولما عاد ميسور الى افريقية رجع موسى بن ابي العافية للإغارة
على اعمال العبيديين. قال ابن خلدون. "وزحف الى تلمسان.
ففر عنها ابو العيش. واعتصم بارشقول. فنازله وغلبه عليها سنة 25 ولحق ابو العيش بنكور. واعتصم بالقلعة التي بناها هنالك لنفسه ..
ثم سرح (موسى) ابنه مدين في العساكر. فحاصر ابا العباس بالقلعة حتى عقد له السلم عليها". ولفظ ابي العباس وابي العيش محرفان.
وصوابهما الحسن بن ابي العيش. وتلك القلعة هي الحصن الذي تقدم ان الحسن بناه بناحية نكور. وهو الحصن الذي ذكره البكري بجبل ممالوا. قال البكري: "وفي الحصن المذكور اسر البوري بن موسى بن ابي العافية الحسن بن ابي العيش سنة 338 وكان قد انتقل اليه من جراوة باهله وماله وولده". ويؤيد اتحاد الحصن وصاحبه قول ابن خلدون في اخبار الادارسة: "لما أخذ ابن ابي العافية بدعوة الاموية نابذ اولياء الشيعة فحاصر صاحب جراوة الحسن بن ابي العيش وغلبه على جراوة. فلحق بابن عمه ادريس بن ابراهيم صاحب ارشقول ثم حاصرها البوري بن موسى بن ابي العافية. وغلب عليهما. وبعت بهما الى الناصر. فأسكنهما قرطبة".
ولما ذكر البكري جزيرة أرشقول قال: "واليها لجأ الحسن بن عيسى أبي العيش صاحب جراوة وتخلى مما كان بيده لما غلبه على ذلك موسى بن ابي العافية .. فكتب موسى الى صاحب الأندلس عبد الرحمن الناصر يسأله نصرته عليه ويقرب له المأخذ .. فأمر عبد الرحمن أهل بجانة وغيرهم من أهل السواحل بإقامة خمسة عشر مركبا حربية. ثم جهزها بالرجال والسلاح والازودة والاموال. فاحاطت بهذه الجزيرة. وقتلوا كثيرا ممن كان فيها وحاصروهم حتى كادوا يهلكون عطشا لما نفدت مياه جبابهم حتى تداركهم الله بغيث وابل فلم يطمع فيهم أهل الأسطول حين سقوا وانصرفوا قافلين فوصلوا الى المرية في شهر رمضان سنة عشرين وثلاثمائة. ثم ظفر البوري بن
موسى بن ابي العافية بالحسن بن عيسى الذي لجأ الى أرشقول وبعث به الى عبد الرحمن الناصر سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة".
وفي تاريخه وصول الاسطول الى المرية نظر فقد تقدم ان موسى حارب الحسن باسم العبيديين وعقد له السلم سنة عشرين ثم حاربه سنة خمس وعشرين باسم الامويين.
وبعد فقد بذلنا الوسع لجمع الروايات وتمحيصها فيما يتعلق بأخبار صاحبي أرشقول وجراوة مع العبيديين والامويين. (1) فلم نستطع أن نفيد القارئ باكثر مما وضعناه بين يديه.
اما صاحب تنس علي بن يحي فقد تأخر سقوط امارته الى سنة 342 ففيها تغلب زيري بن مناد على تنس ولحق علي بن يحي بالخير بن محمد بن خزر المغراوي صاحب وهران يومئذ. واجاز ابنا علي يحي وحمزة الى الناصر. فلقاهما رحبا وتكرمة. ثم عاد يحي منهما الى طلب تنس فلم يظفر بها. وجواز ابني علي الى الاندلس يدل على ان اباهما كان آخذا بالدعوة الاموية مثل ابن عمه صاحب ارشقول.
هكذا انتهى أمر بني سليمان من الجزائر وسقطت معهم الجزائر العلوية بعد نحو نصف قرن من سقوط فاس.
(1) التقطنا تلك الاخبار من المغرب للبكري صفحات 78، 98، 142 - 143 ومن ابن خلدون (4: 17 - 18، 39، 141) 6: 135 - 6، 213 (7: 76)