الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 - تمهيد
كانت الخلافة الاسلامية بالقرن الخامس لبني العباس ببغداد وبني عبيد بمصر. وكان خلفاء الاسرتين معا مستضعفين وقوادهم وامراؤهم عليهم مستبدين.
وكان مغرب آل زيري تعبث ببواديه العرب وتغير على سواحله سفائن النرمان، ومغرب الملثمين في دعة وهناء لا يخشى عليه أدنى خطر داخلي أو خارجي.
وفي أواخر هذا القرن ولد بهرغة هن جبال درن محمد بن عبد الله تومرت. ونشأ فقيرا طالبا للعلم. فأخذ بعض المبادئ بوطنه وارتحل سنة 500 الى الاندلس فدخل قرطبة. ثم ارتحل الى المهدية. وأخذ عن المازري ثم انتقل الى الاسكندرية ثم بغداد، ولازم الغزالي ثلاث سنوات، ولقي غيره من جلة العلماء وفحول النظار فاستفاد علوما جمة، ومهر في الحديث والاصول والجدل، وأخذ بعقائد الاشعري واضاف اليها من عقائد الشيعة الامامية القول بالامام المعصوم.
درس ابن تومرت في رحلته هذه حالة المسلمين السياسية فعرف ضعفها ولا سيما بالمشرق، ورأى ان الخلافة الاسلامية في خطر فحدثته نفسه- وكان بعيد الهمة- بانشاء خلافة بالمغرب تجمع شمل أهله على الاقل. وبهذه النية توجه نحو وطنه.
في غرة ربيع الاول سنة 510 قفل الى المغرب وعرج في قفوله
على العواصم العلمية والسياسية كمصر وطرابلس والمهدية وتونس وقسنطنة وبجاية وتلمسان وفاس ومراكش، وحيثما حل درس العلم وامر بالمعروف وغير المنكر بيده، فعرض نفسه مرارا للخطر، ولكنه كان يحسن الخلاص، وبهت العلماء من فصاحته ودهش الامراء من جراءته ومال اليه العامة لديانته، فما غادر مدينة إلا وترك بها سمعة واسعة وانصارا عديدين.
نزل بقسنطينة على الفقيه عبد الرحمن الميلي وغيره وببجاية في مسجد الريحانة، وأمه ابراهيم بن محمد الميلي وغيره من الفقهاء، ثم خشي سطوة العزيز بن المنصور، فخرج الى ملالة ضيعة لبني ورياغل على فرسخ من بجاية، فأقام بها مدة، وهنالك جمعه القدر بعبد المؤمن بن علي الكومي، فأعجب بذكائه، واعجب عبد المؤمن بعلمه فصحبه وخرجا فيمن معهما الى متيجة فوانشريس فتلمسان، وبلغوا هرغة سنة 514.
وصحب ابن تومرت من تونس ابو بكر بن علي الصنهاجي المدعو بالبيدق وكتب في كتابه أخبار المهدي عن طريقه من تونس الى هرغة نحو عشرين صفحة، فصل فيها أخباره وحوادثه.
وكان ابن تومرت يعرف في طريقه بالفقيه السوسي وأخذ يشيع أنه الامام المهدي المنتظر، فصار يعرف بالامام المعصوم. حتى اذا بايعه المصامدة دعي المهدي.
استهوى ابن تومرت المصادمة بمكايده وسحرهم بعذوبة لفظه فقد كان فصيحا في العربية والبربرية حتى صاروا يستغيثون به في شدائدهم ويتبركون بذكره على موائدهم، قال ابن قنفذ في الفارسية ما ملخصه:
" داره بجبل هنتاتة يتبرك الآن بالدخول اليها، ودخلتها انا لهذا الوجه سنة 763 وأماكن جلوسه بالجبل معلومة لا يمر بها راكب الا نزل " اهـ.
فصل ابن تومرت علمه وعمله بمقدار غايته السياسية فاختار عقيدة الاشعري وهي خلاف عقائد أهل المغرب يومئذ، ليجد سبيلا الى الطعن في عقائدهم، وأشهر ذكره بانتحاله تغيير المنكر في طريقه.
وانتسب في آل البيت واعتقد عصمة الامام ليمهد لدعواه انه المهدي المنتظر. وتظاهر بالزهد والصلاح كي تقبل العامة مكائده وحيله باسم الكرامات.
درس ابن تومرت بمصموده وألف ونشر الدعاة لبيعته فبويع في رمضان سنة 515 تحت شجرة خرنوب بعدما خطب في الناس وذكر المهدي وانه يظهر من المغرب الاقصى وان نسبه كنسبه واسمه كاسمه وفعله كفعله وعرف الناس بما يكون عليهم في القيام بدعوته من الارزاء والمحن. فالتزموا ذلك. وسماهم الموحدين وكفر المرابطين ولقبهم المجسمين وحاربهم بسيفه وقلمه م، حتى توفي على ما حققه ابن أبي زرع وغيره فيما رمضان سنة 24 وكانت ولادته سنة 474 وقيل 84 وقيل 86 وقيل 91 ولم يترك خلفا لانه لم يتزوج وله تآليف لطيفة جمع بعضها وطبع بالجزائر سنة 1321 هـ وجمع البيدق بعض رسائله طبعت مع كتابه أخبار المهدي. واستيعاب أخبار ابن تومرت ودرسها بصفة فنية يستدعي تآليف مستقلة. فانه قد احدث انقلابا عاما بالمغرب في السياسة والعلم والدين ولم يكن كسائر الانقلابات البربرية الناشئة من أسباب قومية ومنافسات بين القبائل القوية. ولا نتيجة لها غير سقوط دولة وقيام أخرى.
ودولة الموحدين تشبه دولة المرابطين من حيث ابتناؤهما على دعوة