الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9 - الاقتصاد والعمران والحضارة
المملكة الزيانية فلاحية بطبيعة ارضها تجارية بطبيعة موقعها صناعية بطبيعة سكانها والقاح الجاليات الاندلسية والاسرى الاروبيين.
وقد هضمت حضارات الدول الجزائرية الاولى. واخرجت بعناية ملوكها ونشاطهم حضارة زيانية ذات صبغة ممتازة. وبها ختمت الحضارات الجزائرية المحلية.
ولقد كان حبل الامن بالبوادي مضطربا لا يستقر غالبا على حال من الفتن غير أن المدن سائرة قي سلم رقيها تغتذي بفترات السلم القصيرة. وقد شكا العبدري سنة 689 فقد الامن من فاس الى الاسكندرية. واعتبر ابن قنفذ نجاته من تلمسان إلى قسنطينة سنة 776 من خوارق العادات. ولكن يحب ان نقصر حكمها على ما ماثل سنتيهما في الجوائح السياسية والحربية.
وكانت الفلاحة بهذه المملكة أهم منابع الثروة. وفلاحة القمح في الدرجة الاولى ويليها غراسة الزيتون. قال يحي ابن خلدون:
" ربما بلغت اصابة الزوج الواحدة كما في سنة 758 اربعمائة مد كبير من القمح سوى الشعير والباقلاء. والمد ستون برشالة زنة البرشالة ثلاثة عشر رطلا" اهـ.
وكان من أنواع الفلاحة القطن والكتان وقصب السكر وسائر الحبوب والثمار والفواكه والبقول والرياحين، مع عناية بترقية اساليب الفلاحة واستخراج المياه واستجلابها.
ولهذه المملكة مواصلات تجارية أهمها أروبا والسودان. فقد كانت لها مراس كثيرة عني البكري بتعدادها ووصفها وذكر ما يقابلها من مراسي الاندلس. وكانت مدينة تيزيل جنوب تلمسان أول الصحراء ومنها تخرج القوافل الى سجلماسة وورقلة، وهما بابا السودان.
وأول شركة صحراوية عرفناها هي شركة المقريين الذين استوطن تلمسان جدهم عبد الرحمن بن ابي بكر صاحب ابي مدين، نقل لسان الدين في الاحاطة عن شيخه ابي عبد الله المقري انه كان لجده ابي بكر بن يحي بن عبد الرحمن اربعة اخوة اشتركوا في التجارة.
ومهدوا طريق الصحراء بحفر الآبار وتأمين التجار، واتخذوا طبلا للرحيل وراية تقدم عند المسير، وكان ابو بكر ومحمد بتلمسان وعبد الرحمن بسجلماسة وعبد الواحد وعلي بايوا لاتن الواقعة في الشمال الغربي لتنبكتو على بعد اربعمائة ميل، فكان التلمساني يبعث الى الصحراوي بما يرسم له من السلع، وذاك يرسل له بالجلد والعاج والجوز والتبر، والسجلماسي بينهما كلسان الميزان يعرفهما بقدر الرجحان والخسران ويكاتبهما باحوال التجار والبلدان فاتسعت أموالهم وعظم شأنهم اهـ.
وقد دخل ليون الافريقي تلمسان اواخر القرن التاسع، فوصف تجارها وارباب الحرف بالنشاط والعفة ورغد العيش. وفضل لباسهم على لباس الفاسيين ولباعة الاقمشة ذراع سلطاني يوجد اليوم بدار الآثار منقوشا على رخامة.
ورقي الفلاحة والتجارة يستدعي رقي الحرف والصناعات وتعدد أنواعها فاختصت كل حرفة بسوقها، واشتهرت تلمسان بالمنسوجات.
فعرف قماش بالتلمساني وهو صوف خالص او حرير خالص مختم وغير مختم. وكان كساء الصوف او البرنوس من ثماني أواق لرقته.
وذكر يحي بن خلدون من انواع الملبوسات الثوب المرعز والقهزي والحرير والملف والذرايع والعمائم والاحاريم. اهـ.
ولسعة الثروة اتسع نطاق المدن. واتخذ الناس حولها القصور تحفها الحدائق تجري من تحتها الجداول. ذكر ليون الافريقي ان
تلمسان بلغت على عهد ابي تاشفين ستة عشر الف منزل. وذكر غيره ان وهران كان بها اوائل القرن العاشر خمسمائة والف حانوت وعشرة آلاف دار.
واتساع ثروة الامة يفيد الحكومة. فقد كان آل زيان على ما منوا به من الحروب جادين في انشاء القصور الضخمة والمدارس الفخمة واقامة المصانع والمنتزهات وادرار الرزق على رجال السيف والقلم. وقد عرف ليون الافريقي الحكومة ايام ضعفها. فذكر ان عطاء ادنى جندي ثلاثمائة دينار شهريا. وحكي أن أحد متاخري بني زيان أهدى لملك اسبانيا فرديناند دجاجة وستة وثلاثين نقفا كلها من الابريز الخالص.
قال عبد الرحمن بن خلدون: " وكانت قصور الملك بتلمسان لا يعبر عن حسنها. اختطها ابو حمو الاول وابنه ابو تاشفين.
واستدعيا الصناع والفعلة من الاندلس. فبعث اليهما ابو الوليد بن الاحمر بمهرة البنائين استجادوا لهم القصور والمنازل والبساتين بما أعيا عن الناس بعدهم أن يأتوا بمثله ".
" وكان أبو حمو الثاني قد خرب قصر ملك مرين بتازا وقصر مرادة لونزهار بن عريف. فلما دخل احمد المريني تلمسان سنة 786 أغراه ونزمار بتخريب قصور الملك" اهـ.
وكان مقر الحكومة يدعى المشوار. وجددت قصوره من بعد.
وادار عليه أحمد العاقل سورا سنة 850 وهي اليوم مقر السلطة العسكرية الفرنسية.
وكان ابو تاشفين الاول بصيرا بالتشكيل والاختراع. وله آلاف من أسرى الاروبيين. فيهم النجارون والزلاجون والزواقون وغيرهم. فاستظهر بهم على تحضير الدولة. وابتنى قصورا منهما
دار الملك ودار السرور وابو فهر. ولعله ضاهى بابي فهره ابا فهر المستنصر الحفصي بتونس. ومن آثاره الصهريج الاعظم لم يزل الى اليوم قائما. ومنها بناء مدرسة جليلة عديمة النظير ازاء الجامع الاعظم. ولم يترك شيئا مما اختص به قصره الا وضع مثله بها.
قال احمد المقري في نفح الطيب: " رأيت مكتوبا على دائرة مجرى الماء بمدرسة تلمسان التي بناها أمير المسلمين ابن تاشفين الزياني (صوابه ابو تاشفين) وهي من بدائعه الدنيا- هذه الابيات:
انظر بعينك بهجتي وسناءي
…
وبديع اتقاني وحسن بناءي
وبديع شكلي واعتبر فيما ترى
…
من نشاتي بل من تدفق ماءي
جسم لطيف ذائب سيلانه
…
صاف كذوب الفضة البيضاء
قد حف بي أزهار وشي نمقت
…
فغدت كمثل الروض غب سماء
ومن آثاره احاطة الجزائر بسور عظيم وانشاء قصبة سيدي
رمضان جوار الجامع المعروف اليوم بجامع سيدي رمضان وتوسيع الجامع الاعظم وبناء منارته، وبالجامع اليوم رخامة فيها ان بناء المنارة شرع فيه يوم الاحد 17 ذي القعدة سنة 722 وتم غرة رجب سنة 723 اما الجامع الاعمظ فأسس ايام الحماديين، ومن الغلط ما يشاع من ان مؤسسه يوسف بن تاشفين او ابنه علي، فان المرابطين لم يملكوا مدينة الجزائر، قال التنسي:" وكانت له شجرة من فضة على أغصانها اصناف الطيور واعلاها صقر. ينفخ في أصلها. فتصوت الطيور بصوت اشباهها. ثم يبلغ الريح الصقر. فيصوت. فتنقطع أصوات الطيور كلها " اهـ.
وابتنى ابو حمو الثاني بناءات جميلة غير ان ايامه كانت حربية أكثر منها سلمية. قال يحي بن خلدون: " فكانت دار الصنعة السعيدة
تموج بالفعلة على اختلاف أصنافهم وتباين لغاتهم واديانهم فمن دراق ورماح ودراع ولجام ووشاء وسراج وخباء ونجار وحداد وصائغ ودباج وغير ذلك " اهـ.
ومن دلائل رقي الصناعة أيامه الساعة المشهورة بالمنقانة. وهي خزانة ذات تماثيل من اللجين بأعلاها ايكة تحمل طائرا فرخاه تحت جناحيه. يخاتله فيهما أرقم خارج من كوة باكصل الايكة. وبصدرها ابواب مرتجة ازاء كل باب ساعة من ساعات الليل. وبصاقب طرفيها بابان أطول من الاولى واعرض. ودوين رأس الخزانة قمر أكمل يسير على خط استواء سير نظيره في الفلك.
وينقض من البابين الكبيرين عقابان بفي كل منهما صنجة صفر يلقيها الى طست من الصفر مجوف بوسطه ثقب يفضي بها الى داخل الخزانة فيرن. وينهش الارقم احد الفرخين. فيصفر له ابوه. ويفتح باب الساعة الراهنة فتبرز جارية محتزمة كاظرف ما انت راء. بيمناها رقعة. فيها اسم ساعتها منظوما. ويسراها على فيها كالمبايعة.
وكان يقيم بمشوره ليلة المولد النبوي احتفالا شيقا تحضره الخاصة والعامة، فما شئت من زرابي مبثوثة وبسط موشاة ونمارق بالذهب مغشاة، وشموع كالاسطوانات قائمة على مراكز الصفر المموهة ومباخر كالقباب كانها تبر مذاب.
يجلس الخليفة صدر المجلس. وامامه خزانة المنقانة وحفا فيه الملأ من قومه ووجوه دولته مرتبين على مراتبهم. وترى ولدانا باقبية الخز الملون يطوفون بمباخر العنبر ومرشات الورد. والمسمع على بعد مقدر من الخليفة يردد نغمات الالحان منتقلا من فن الى فن منشدا مدائح في النبي الكريم مفتتحا بقصيدة من انشاء الخليفة ثم قصائد شعرائه.