الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الخامس والخمسون باب أبنية الأفعال ومعانيها
(1)
[أبنية الثلاثي ومعانيها]
قال ابن مالك: (لماضيها المجرّد مبنيّا للفاعل «فعل» و «فعل» و «فعل» و «فعلل»، فـ «فعل» لمعنى مطبوع عليه ما هو قائم به أو كمطبوع عليه أو شبيه بأحدهما، ولم يرد يائيّ العين إلّا «هيؤ» ولا متصرّفا يائيّ اللّام إلّا «نهو»، ولا مضاعفا إلّا قليلا مشروكا، ولا متعدّيا إلّا بتضمين أو تحويل، ولا غير مضموم عين مضارعه إلّا بتداخل).
قال ناظر الجيش: قال المصنف (2): «احترز بـ «ماضيها» من المضارع والأمر، و «بالمجرّد» من المزيد فيه، و «بالمبنيّ للفاعل» من المبنيّ للمفعول، وأشير بـ «مطبوع عليه ما هو قائم به» إلى نحو: كرم، ولؤم، ونبه، وسفه، وبزل (3)، وجبن، وذكو (4) وبلد، وحسن، ووضؤ، وصبح (5)، وفصح، ورطب، وصلب، ووتر، ووقر، وكثر، وحقر، ونزر، وكثف (6)، ولطف، وسهل، وصعب، وعظم، وضخم، و (ضؤل)(7)، وكبر، وصغر، ونظف، وقذر،
ورجس، ونجس، فالأصل في هذه الأفعال: أن يقصد بها معان غير متجددة ولا زائدة كجودة المطبوع على الجودة، ورداءة المطبوع على الرّداءة، أو معان متجددة ثابتة كفصاحة المتعلّم الفصاحة، وحلم المتعوّد الحلم، ومن الأول: بعد الشّيء و (قرب) إذا كان -
(1) اعترض أبو حيان في التذييل والتكميل (رسالة)(6/ 2) على ابن مالك لأنه ذكر هذا الباب ضمن أبواب النحو وكان حقه أن يذكره في أبواب التصريف، وقد ذكر ابن عقيل في المساعد (2/ 585) تحقيق د/ محمد كامل بركات أن السبب في وضع هذا الباب هكذا هو «بيان حال العامل الذي انقضى الكلام في معمولاته» .
(2)
انظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 435) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد ود/ محمد بدوي المختون.
(3)
في أساس البلاغة (1/ 123)(جزل) قال: «ومن المجاز: رجل جزل: ذو عقل ورأي، وقد جزل» .
(4)
في اللسان (ذكا): «ويقال: ذكا يذكو ذكاء، وذكو فهو ذكيّ، ويقال: ذكو قلبه يذكو إذا حيّ بعد بلادة فهو ذكيّ على فعيل» .
(5)
في اللسان (صبح): «والصّباحة: الجمال وقد صبح بالضم يصبح صباحة» .
(6)
في اللسان (كثف): «الكثافة: الكثرة والالتفاف، والفعل كثف يكثف كثافة» .
(7)
في (جـ)، (أ): ضيل، والذي يبدو أنها ضؤل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القرب والبعد غير متجددين ولا زائلين، كبعد ما بين المتضادين، وقرب ما بين المتماثلين، فإذا أسند «بعد» إلى ذي بعد حادث، و «قرب» إلى ذي قرب حادث فلشبههما بلازمي البعد والقرب كقولك: بعدت بعد ما قربت، وقربت بعد ما بعدت.
ومن المستعمل لمعنى ثابت بعد التجدّد: فقه (1) الرّجل، إذا صار الفقه له طبعا، وشعر (2) إذا صار قول الشعر له طبعا، وخطب (3) إذا صار إنشاء الخطب له طبعا.
ومن استعمال «فعل» لمعنى متجدّد زائل لشبه معناه بالمعنى الذي ليس متجدّدا ولا زائلا: قولهم: جنب (4) الرجل إذا أصابته جنابة، فإن معناه شبيه بمعنى نجس، فوافقه في الوزن، وإلى هذا وشبهه أشرت بقولي:«أو كمطبوع عليه أو شبيه بأحدهما» وأهمل فعل فيما عينه ياء استغناء عنه بـ «فعل» كلان يلين، وطاب يطيب، وبان يبين (5)، إلّا ما شذّ من قولهم: هيؤ الشّيء فهو هيّئ إذا حسنت هيئته (6)، وكذلك أهمل فيما لامه من الأفعال المتصرفة إلا ما
شذّ من قولهم: نهو الرجل إذا كان ملازما للنّهية أي: العقل.
وقيّد الشّاذّ مما لامه ياء بالتّصرّف تنبيها على نحو: قضو الرّجل (7)، ورمو، بمعنى ما أقضاه وما أرماه، فإنه مطرد وقد بيّن ذلك في باب «التعجب» .
وكذلك أهمل «فعل» في المضاعف استغناء عنه بـ «فعل» كعزّ يعزّ، وذلّ -
(1) في اللسان (فقه): «وأما فقه بضم القاف فإنما يستعمل في النعوت يقال: رجل فقيه وقد فقه يفقه فقاهة إذا صار فقيها وساد الفقهاء.
(2)
في اللسان (شعر): «وشعر الرجل يشعر شعرا وشعرا وشعر، وقيل: شعر قال الشّعر، وشعر:
أجاد الشّعر».
(3)
في اللسان (خطب): «وخطب بالضم خطابة بالفتح صار خطيبا» .
(4)
في اللسان (جنب): والجنابة: المنيّ وفي التنزيل العزيز: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وقد أجنب الرجل وجنب أيضا بالضم».
(5)
في التذييل والتكميل (رسالة)(6/ 3، 4): «ما عينه ياء استغني فيه بفعل عن فعل لاستثقال الضمة في الياء تقديرا كما استثقلوها ظاهرة فقالوا: طاب يطيب ولان يلين» .
(6)
في اللسان (هيأ): «ورجل هيّئ حسن الهيئة» .
(7)
انظر شرح الشافية للرضى (1/ 76) وفي اللسان (هيأ): قضو الرجل إذا جاد قضاؤه، ورمو إذا جاد رميه».
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يذلّ، وجلّ يجلّ، وخفّ يخفّ، إلّا ما شذّ من: لببت (1) بمعنى: لببت أي:
صرت لبيبا وشررت بمعنى: شررت أي: صرت كثير الشّرّ، وقللت بمعنى: قللت أي: صرت قليلا (2).
ودممت بمعنى دممت أي: صرت دميما (3)، وعززت يا ناقة بمعنى عززت أي:
صرت عزوزا وهي الضّيّقة الإحليل (4).
فـ «فعل» في هذه الأفعال شاذّ وهو مع شذوذه مشروك بـ «فعل» في فعل اللّبيب، وب «فعل» في البواقي.
وشذ استعمال «فعل» متعدّيا دون تحويل في قول من قال: «رحبكم الدّخول في طاعة الكرمانيّ» (5) فعدّى «رحب» لأنه ضمّنه معنى «وسع» ، واطّرد استعماله متعديا بتحويل من «فعل» الذي عينه واو كـ «رمته» و «طلته» فالأصل في هذا النوع: فعلته (6) - بفتح العين - فحوّل إلى «فعل» ونقلت الضّمة إلى الفاء ليدلّ (7) بها على أن العين المحذوفة مجانسة للحركة المنقولة إذ لو تركت الفاء مفتوحة مع حذف العين لم يعلم كونها واوا.
(1) في الكتاب (4/ 37)«وقالوا: لبّ يلبّ وقالوا: اللّبّ واللّبابة واللّبيب» وفي اللسان (لبب):
«وفي التهذيب حكي لببت بالضم وهو نادر لا نظير له في المضاعف» .
(2)
في شرح الشافية للرضي (1/ 77، 78) ولم يقولوا في القليل: قللت كما قالوا: كثرت بل قالوا: قل يقل كراهة للنقل» وفي الكتاب (4/ 37) وقالوا: قلّ يقلّ قلّة ولم يقولوا فيه كما قالوا في كثر وظرف».
(3)
في شرح الشافية للرضي (1/ 78): «ودمّ أي: صار دميما» ، وفي اللسان (دمم):«دميم من دممت على فعلت مثل لببت فأنت لبيب» .
(4)
في اللسان (عزز): «وقيل عززت النّاقة إذا ضاق إحليلها ولها لبن كثير. وانظر شرح الشافية للرضي (1/ 78).
(5)
في اللسان (رحب): «وكلمة شاذة تحكى عن نصر بن سيّار: أرحبكم الدّخول في طاعة ابن الكرمانيّ؟ أي: أوسعكم؟.
(6)
في المنصف (1/ 239) قال المازني: «وأما طلت فهي أصل فاعتلت من فعلت غير محولة» وقال ابن جني في شرح هذا: «يريد أنها لم تكن في الأصل طولت ثم نقلت إلى طولت كما تقول إن أصل قمت: قومت ثم حوّلت إلى قومت بل أصل طلت: طولت، قال لأنهم يقولون: طويل فجرى ذلك مجرى كرم فهو كريم» .
(7)
في شرح الشافية (1/ 80): «وقالوا في فعل نحو طال فهو طويل طلت والضمة لبيان البنية لا لبيان الواو» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ونحو هذا «فعل» في ما عينه ياء من «فعل» فحوّلوه إلى «فعل» ونقلوا الكسرة إلى الفاء في «بعته» ونحوه ليدلّ بها على أن العين المحذوفة مجانسة للحركة المنقولة.
والحاصل: أن «فعل» الذي عينه «واو» حين عرض حذف عينه لسكون لامه حوّل إلى «فعل» واستصحب ما كان له من التّعدية لأن الضّمة عارضة يعتدّ بها.
والتزم في مضارع «فعل» ضم عين مضارعة نحو: شرف يشرف، وظرف يظرف، وروي عن بعض العرب (1): كدت تكاد، فجاء بماضيه على «فعل» وبمضارعه على «يفعل» ، وهو عندي من تداخل اللغتين (2)، فاستغني بمضارع أحد المثالين عن مضارع الآخر، فكان حق كدت بالضم أن يقال في مضارعه:
يكود، ولكن استغنى عنه بمضارع المكسور الكاف فإنه على «فعل» فاستحق أن يكون مضارعه على «يفعل» فأغناهم يكاد عن يكود كما أغناهم ترك عن ماضي «يذر» و «يدع» في غير ندور مع عدم اتحاد المادة، بل اغناء يكاد عن يكود مع كون المادة واحدة أولى بالجواز» انتهى كلامه رحمه الله تعالى (3).
وعرف منه: أن الذي هو لمعنى مطبوع عليه ما هو قائم به نحو: كرم، ولؤم، وجبن، وحسن، وفصح، وأن الذي هو لمعنى كمطبوع عليه: فقه وشعر وخطب، إذا صار ذلك طبعا له، وأن الذي هو شبيه بأحدهما: جنب الرجل جنابة. ثم لك أن تقول: لم يكن «رمت» و «طلت» على وزن «فعل» فيحتاج إلى أن يقال فيه: إنه إنما تعدّى لكونه محولا بل هما على وزن «فعل» غاية ما في الباب أن الكلمة حصل فيها تغيير لفظي لموجب (4)، ويدل على ما قلته قول المصنف:
«واستصحب ما كان له من التّعدية» .
ثم إن «فعل» الذي هو غير متعد إنما هو «فعل» بالوضع لا «فعل» بالتحويل، -
(1) في الكتاب (4/ 40): «وقد قال بعض العرب: كدت تكاد فقال: فعلت تفعل كما قال: فعلت أفعل، وكما ترك الكسرة كذلك ترك الضمة وهذا قول الخليل وهو شاذ من بابه» .
(2)
انظر المفصل (ص 277، 278) وابن يعيش (7/ 154)، والمراد بتداخل اللغات: أن قوما يقولون: فضل بالفتح يفضل بالضم وقوما يقولون: فضل بالكسر يفضل بالفتح ثم كثر ذلك حتى استعمل مضارع هذه اللغة مع ماضي اللغة الأخرى لا أن ذلك أصل في اللغة. وكلام ابن مالك يشير إلى ذلك المعنى.
(3)
انظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 437).
(4)
وهو اتصالها بضمير الرفع المتحرك.