الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كي الناصبة للمضارع وأحكامها]
قال ابن مالك: (وينصب أيضا بـ «كي» نفسها إن كانت الموصولة، وب «أن» بعدها مضمرة غالبا إن كانت الجارّة وتتعين الأولى بعد «اللّام» غالبا، والثّانية قبلها، وتترجّح مع إظهار «أن» مرادفة «اللّام» على مرادفة «أن» ولا يتقدّم معمول معمولها، ولا يبطل عملها الفصل خلافا للكسائيّ في المسألتين).
ــ
وقال السيرافي (1): «المختار أنها غير مركبة؛ لأن التركيب على خلاف الأصل، فلا تقبل دعواه إلا بدليل ولا دليل، ولأن «لن» مع الفعل والفاعل كلام تام ولو كان أصلها «لا أن» لكان الكلام تامّا بالمفرد وهو محال». انتهى.
وينبني على هذا الخلاف - أعني في «لن» - أنك إن سمّيت بها فعلى مذهب سيبويه تعرب، وعلى مذهب الخليل تحكي، كما تحكي إذا سميت بـ «هلا» لأنك سميت بحرفين ومتى سميت بحرفين حكيت على القاعدة المعروفة.
واعلم أن الشيخ استثنى من معمول معمول «لن» التمييز، قال (2): فإنه لا يجوز تقديمه على لن على مذهب سيبويه والجمهور (3)، فلا يقال: ذرعا لن أضيق بكذا، [5/ 100] وجعل ذلك مستدركا على المصنف.
والذي يظهر: أن هذا ليس باستدراك؛ فإن امتناع التقديم ليس من أجل «لن» فيستدرك، وإنما الامتناع من أجل أن التمييز لا يتقدم على عامله حتى لو قلت: ذرعا ضاق زيد بكذا؛ لم يجز عند الجمهور، نعم إن كان من يجيز التقديم في: ذرعا ضاق زيد بكذا يمنع التقديم في: ذرعا لن أضيق بكذا. تمّ الاستدراك على المصنف.
قال ناظر الجيش: شرع في ذكر الناصب الثالث وهو: «كي» وكي في كلام العرب قسمان: جارة وناصبة للفعل وهي المصدرية، فمثال الجارة قولهم في السؤال -
(1) انظر: شرح السيرافي للكتاب (1/ 59)(رسالة) ونص عبارته: «والقول هو الأول - أي سيبويه بأنها مفردة - لأن «لن» إذا أفردت لها حكم غير متعلق بحكم أن كحرف واحد موضوع لمعناه».
(2)
انظر: التذييل (6/ 537) وقد نقله عنه بتصرف.
(3)
قال سيبويه في الكتاب (1/ 205)(هارون): «ولا يقدم المفعول فيه فتقول: ماء امتلأت، كما لا يقدم المفعول فيه في الصفة المشبهة، ولا في هذه الأسماء لأنها ليست كالفاعل» ، وأجاز المبرد تقديم التمييز إذا كان العامل فعلا وزعم أنه رأي المازني. انظر: المقتضب (3/ 36، 37) والمفصل (ص 66).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عن العلة: كيمه؟ كما يقولون: لمه؟ فـ «كي» هذه بمنزل «اللام» معنى وعملا.
ومثال الناصبة قولك: جئت لكي تكرمني، وقال الله تعالى: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ (1)، ويتعين في هذه أن تكون الناصبة لدخول «اللام» عليها؛ لأن حرف الجر لا يباشر حرف جر، فـ «كي» وما بعدها في تأويل المصدر، فمعنى قولك: جئت لكي تكرمني: جئت للإكرام، أما إذا قلت: جئت كي تكرمني احتمل أن تكون الناصبة، وأن تكون الجارة فيكون النصب بعدها بـ «أن» مضمرة.
وحاصل الأمر: أن لـ «كي» أحوالا ثلاثة: حالة يتحتم فيها كونها الجارة، وحالة يتحتم فيها كونها الموصولة أي: المصدرية، وحالة تحتمل فيها الأمرين.
وبعد فأنا أورد كلام المصنف في شرح الكافية أولا ثم أرجع إلى لفظ الكتاب:
قال (2) رحمه الله تعالى: كي على ضربين:
أحدهما: كونها حرفا مصدريّا بمعنى «أن» ، ومساوية لها في الاستقلال بالعمل.
والثاني: كونها حرف تعليل بمعنى «اللام» ، والنصب بعدها حينئذ بأن مضمرة غير جائزة الإظهار، والذي أحوج إلى القول بذلك قول العرب في السؤال عن العلة: كيمه؟ كما يقولون: لمه؟ فسووا بينها وبين «اللام» في المعنى والاستعمال، وقال أبو الحسن (3) في قول الشاعر (4):
3789 -
إذا أنت لم تنفع فضرّ فإنّما
…
يراد الفتى كيما يضرّ وينفع (5)
جعل «ما» اسما و «يضر» و «ينفع» من صلته وأوقع عليه «كي» بمنزلة «اللام» فثبت بذلك أنها حرف جر مرادف لـ «اللام» ، وثبت بدخول «اللام» -
(1) سورة الحديد: 23.
(2)
انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1531، 1532).
(3)
انظر: أوضح المسالك (2/ 121)، وشرح التصريح (2/ 3).
(4)
نسب للنابغة الذبياني وليس في ديوانه، ونسب للنابغة الجعدي، والصواب أنه لقيس بن الخطيم في ملحقات ديوانه (ص 170).
(5)
هذا البيت من الطويل، الشرح: قوله: إذا أنت لم تنفع: تقديره: إذا لم تنفع أنت؛ لأن إذا لا تدخل إلا على الجملة الفعلية، وقوله: فضر: جواب الشرط ويجوز فيه التثليث: الفتح لأنه أخف، والضم لأجل الضمة، والكسر لأنه الأصل، والفاء للتعليل؛ حيث دخلت «كي» على «ما» المصدرية وهو نادر، والمعنى: إنما يراد الفتى للنفع والضر، والخزانة (3/ 591)، وشرح التصريح (2/ 3).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عليها في نحو قوله تعالى: لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ (1) أنها مصدرية؛ لأن حرف الجر لا يدخل على حرف إلا أن يكون مصدريّا، فلزم من ذلك جعل «كي» على ضربين: فالمقترنة بـ «اللام» مصدرية، والداخلة على «ما» في قولهم: كيمه؟ جارة، وكذا التي في قوله:
3790 -
يراد الفتى كيما يضرّ وينفع
والداخلة على الفعل مجردة من «اللام» محتملة للأمرين، ولا تظهر «أن» بعدها إلا في الضرورة كقوله:
3791 -
فقالت: أكلّ النّاس أصبحت مانحا
…
لسانك كيما أن تغرّ وتخدعا (2)
والأظهر في «كي» هذه أن تكون بمعنى «اللام» .
وأما قول الآخر:
3792 -
أردت لكيما أن تطير بقربتي
…
فتتركها شنّا ببيداء بلقع (3)
فيحتمل أن تكون «كي» فيه بمعنى «أن» وشذ اجتماعهما على سبيل التوكيد، ويحتمل أن تكون جارة وشذ اجتماعها مع «اللام» كما في قول الآخر: -
(1) سورة الأحزاب: 37.
(2)
هذا البيت من الطويل.
الشرح: قوله: «أكل الناس» الهمزة للاستفهام، «وكل الناس» منصوب بـ «مانحا» من المنح وهو العطاء، و «مانحا» خبر «أصبحت» ، و «لسانك»: مفعول ثان له، و «تغر وتخدع»: من قبيل واحد، والشاهد في قوله:«كيما أن» حيث جمع فيه بين «كي» و «أن» ولا يجوز ذلك
إلا في الضرورة. والبيت في المفصل (ص 325)، وابن يعيش (9/ 14، 16)، والعيني (3/ 244)، (4/ 379)، والخزانة (3/ 584).
(3)
هذا البيت من الطويل لقائل مجهول.
الشرح: قوله: تطير: يقال طار به: إذا ذهب سريعا، وتتركها: بالنصب عطفا على «أن تطير» ، وشنّا: حال وهو القربة البالية، وانتصابه بتأويل: مشتنّا من الشنن وهو اليبس في الجلد، والبيداء:
المفازة، وبلقع: الذي لا شيء فيه.
والشاهد في «لكيما أن تطير» حيث يجوز فيه الوجهان: أحدهما: أن تكون تعليلية مؤكدة لـ «اللام» ، والآخر: أن تكون مصدرية مؤكد بـ «أن» زائدة غير عاملة؛ لأن «كيما» تنصب الفعل بنفسها ولا يجوز إدخال ناصب على ناصب. وانظر البيت في الإنصاف (ص 580)، وابن يعيش (7/ 17)، (9/ 16)، والعيني (4/ 404) والخزانة (3/ 585).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
3793 -
ولا للما بهم أبدا دواء (1)
انتهى.
أما ثلاثة الأحوال التي لـ «كي» فقد اشتمل عليها لفظ الكتاب؛ لأن قوله:
وينصب بـ «كي» نفسها، إلى قوله: إن كانت الجارّة - إشارة إلى الحالة المحتملة للأمرين، وقوله: وتتعين الأولى بعد اللّام - إشارة إلى الحالة التي هي فيها مصدرية، واحترز بقوله: غالبا من قوله:
3794 -
أردت لكيما أن تطير بقربتي
فإنه قد جوز فيه أن تكون جارة في أحد الوجهين مع أنها بعد «اللام» ، لكن ورود ذلك نادر. وقوله: والثّانية قبلها - إشارة إلى الحالة التي هي جارة، ومثال ذلك قول حاتم:
3795 -
فأوقدتّ ناري كي ليبصر ضوؤها
…
وأخرجت كلبي وهو في البيت داخله (2)
وقول الطرماح (3): -
(1) هذا عجز بيت من الوافر لمسلم بن معبد الوالبي، وصدره قوله:
فلا والله لا يلفى لما بي
الشرح: يلفى فعل مضارع مبني للمجهول ماضيه المبني للمعلوم ألفى ومعناه: وجد، وقوله: ما بي، أي الذي استقر بي، وأراد به ما في نفسه من الهم والحزن والكدر مما يفعل به قومه، وأراد بقوله: ما بهم، ما في أنفسهم من الغل والحقد والحسد.
والشاهد في قوله: «للما بهم» حيث كررت فيه «اللام» وهي حرف واحد وهو غاية في الشذوذ والقلة، وذكر البغدادي في الخزانة (1/ 366) أن صاحب منتهى أشعار العرب روى البيت هكذا:
فلا والله لا يلفى لما بي
…
وما بهم من البلوى دواء
والبيت في معاني القرآن (1/ 68)، والمحتسب (2/ 356)، والإنصاف (ص 571)، وابن يعيش (7/ 18)، (8/ 43)، (9/ 15)، والمقرب (1/ 238)، وحاشية الصبان (3/ 181).
(2)
هذا البيت من الطويل منسوب في مراجعه لحاتم الطائي وليس في ديوانه.
والشاهد فيه قوله: «كي ليبصر ضوؤها» فإن «كي» فيه تتعين حرفا جارّا للتعليل بمعنى «اللام» لظهور «اللام» بعدها، وإنما جمع بينهما للتأكيد وهذا تركيب نادر، و «الواو» في «وهو» للحال. وانظر البيت في المغني (ص 183)، والعيني (4/ 406)، والحماسة (4/ 227).
(3)
الطرماح بن حكيم: شاعر إسلامي فحل، ولد ونشأ في الشام، وكان هجّاء معاصرا للكميت صديقا له لا يكادان يفترقان. انظر ترجمته في الشعر والشعراء (ص 589 - 594).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
3796 -
كادوا بنصر تميم كي ليلحقهم
…
فيهم فقد بلغوا الأمر الّذي كادوا (1)
فلا محيص في كل من البيتين عن أحد أمرين:
إما الحكم بأن «كي» مصدرية وأن «لام» الجر أتي بها مؤخرة عنها.
وإما الحكم بأنها جارة و «اللام» بعدها مؤكدة، قالوا: والحكم بالأمر الثاني متعين؛ لأن توكيد حرف بمثله ثابت، وتأخير حرف الجر الذي هو هنا عن الحرف المصدري غير ثابت فتعين كون «كي» إذا وجدت قبل «اللام» جارة (2).
واعلم أن الاستدلال على تعيّن «كي» جارة بوجودها قبل «اللام» كما ذكره في التسهيل أحسن مما ذكره في شرح الكافية؛ لأن كلامه هناك وإن أفاد ثبوت كونها جارة إنما يفيد أنها كذلك إذا باشرت الاسم الصريح؛ لأنه إنما مثل بها داخلة على «ما» الاستفهامية، ولا شك أن المقصود بيان ثلاثة الأحوال لـ «كي» حال مباشرتها الفعل لفظا فكان
قوله هنا: والثّانية قبلها هو الواجب أي: وتتعين جارة قبل اللام المباشرة للفظ الفعل.
وفي شرح الشيخ (3): وقال ابن قيس الرقيات:
3797 -
ليتني ألقى رقيّة في
…
خلوة من غير ما أنس
كي لتقضيني رقيّة ما
…
وعدتني غير مختلس (4)
إن «كي» هنا بمعنى «أن» ولا تكون الجارة؛ لأن حرف الجر لا يعلق. انتهى. -
(1) هذا البيت من البسيط.
والشاهد فيه قوله: «كي ليلحقهم» فإن «كي» فيه تتعين حرفا جارّا للتعليل بمعنى «اللام» لظهور «اللام» بعدها، وقد جمع بينهما للتأكيد، وهذا أيضا تركيب نادر.
والبيت في الهمع (2/ 5)، والدرر اللوامع (2/ 5).
(2)
انظر: الهمع (2/ 5).
(3)
انظر: التذييل (6/ 552).
(4)
هذان بيتان من المديد.
والشاهد في قوله: «كي لتقضيني» فإن «كي» فيه تعليلية لتأخر اللام عنها، و «غير مختلس» بالنصب صفة لمصدر محذوف أي: لتقضيني ما وعدتني قضاء غير مختلس، وهو بفتح اللام مصدر ميمي بمعنى الاختلاس، والبيتان في العيني (4/ 379) برواية «من غير ما يبس» ، والخزانة (3/ 587)، والشطر الأول من البيت الثاني في شرح الكافية للرضي (2/ 239)، والبيت الثاني في شرح التصريح (2/ 231)، والهمع (1/ 53)، والدرر (1/ 30) والأشموني (3/ 281)، وأوضح المسالك (3/ 162).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهذا غير مرضيّ من أبي علي؛ لأن حرف الجر هنا لم يعلق، بل هو باق على عمله، وكرر لفظه توكيدا كما في قول الآخر:
3798 -
ولا للما بهم أبدا دواء (1)
وأما قول المصنف: غالبا مع قوله: وب «أن» بعدها مضمرة غالبا إن كانت الجارة فإنه يتعلق بقوله: مضمرة أي: أن
«كي» إذا كانت جارة وباشرت الفعل تنصب حينئذ بـ «أن» مضمرة ولا يجوز إظهارها [5/ 101] إلا في الضرورة كقوله:
3799 -
فقالت: أكلّ النّاس أصبحت مانحا
…
لسانك كيما أن تغرّ وتخدعا (2)
وقد قال في شرح الكافية بعد إنشاد هذا البيت: والأظهر في «كي» هذه أن تكون بمعنى اللام. وقال هنا - أعني في التسهيل -: ويترجّح مع إظهار «أن» مرادفة الّلام على مرادفة «أن» ، وهذا الكلام منه رحمه الله تعالى محتمل لأمرين:
إما كون «كي» في مثل هذا التركيب مرادفة لـ «أن» وأتي بـ «أن» بعدها توكيدا ضرورة هو قول للنحاة فيكون هذا القول مقابلا لقول من يقول: إنها مرادفة اللام.
وإما كون «كي» مرادفة لـ «أن» أمر احتمالي يمكن أن يقال به، وكلام الإمام بدر الدين يجنح إلى أنه أمر احتمالي فإنه قال (3): وإذا ظهرت «أن» بعد «كي» نظرت فإن لم يكن قبلها «اللام» كما في قوله:
....
…
كيما أن تغرّ وتخدعا
احتمل أن تكون الجارة، وقد شذ إظهار «أن» بعدها للضرورة، وأن تكون الناصبة للفعل وقد شذ توكيدها بـ «أن» للضرورة، ثم قال: والراجح كونها جارة لأن توكيد الحرف بالحرف شاذ في الاستعمال دون القياس فكان القول به أولى، ثم قال: وإن كان قبلها «اللام» كما في قوله:
3800 -
…
لكيما أن تطير بقربتي
-
(1) تقدم.
(2)
تقدم.
(3)
انظر: شرح التسهيل للإمام بدر الدين (4/ 17).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
احتمل أيضا أن تكون جارة وقد شذ اجتماعها مع «اللام» كما اجتمع اللامان في قول الآخر:
3801 -
ولا للما بهم أبدا دواء
وكما اجتمع «ما» و «لا» في قول الآخر:
3802 -
وما أن لا تخاط لهم ثياب (1)
واحتمل أن تكون الناصبة للفعل المضارع وقد شذ اجتماعها مع «أن» ، والراجح كونها جارة؛ لأن توكيد الجار بمثله ثابت بيقين، وتوكيد الناصب للفعل بمثله مشكوك فيه، والحمل على المتيقن أولى، ولأن حرف الجر أقرب إلى ما هو الأصل فيما يؤكد وهو الأسماء من الحرف المصدري؛ لأن حرف الجر يدل على زائد على المفهوم من مصحوبه، بخلاف الحرف المصدري؛ لأنه لا فائدة له إلا بصحيح استعمال الفعل في موضع المصدر، والإقدام على توكيد ما هو أقرب إلى الأصل فيما يؤكد أسهل من الإقدام على توكيد ما هو أبعد منه فلا يقاس عليه. انتهى.
وهذا الذي ذكر من أن «كي» مصدرية وجارة هو مذهب سيبويه (2) وجمهور البصريين، وبعض البصريين يرى أن النصب بعدها إنما هو بـ «أن» مضمرة ذكر ذلك الشيخ في شرحه (3)، والمشهور نسبة هذا القول إلى الكوفيين وكأنهم يرون أنها جارة فقط وأنها لا تكون مصدرية (4).
وقد أطال الشيخ (5) الكلام في ذلك ولم يتحصل لي من كلامه ما يقرب من الضبط.
ثم إن المصنف أشار بقوله أولا: ولا يتقدّم معمول معمولها - إلى أن معمول -
(1) هذا عجز بيت من الوافر نسب لأمية بن أبي الصلت وليس في ديوانه واستشهد به: على اجتماع «ما» و «لا» النافيتين وهو ضرورة وانظر الشاهد في الخصائص (2/ 282)، (3/ 108)، والهمع (3/ 158).
(2)
انظر: الكتاب (3/ 6).
(3)
انظر: التذييل (6/ 549)، وانظر: الأشموني (3/ 280)، وشرح التصريح (2/ 230).
(4)
فيما ذهب إليه المؤلف نظر؛ لأن المنقول أن الأخفش هو الذي يرى أنها جارة دائما، وأن الكوفيين يرون أنها ناصبة للفعل دائما، وقد ردّ على المذهبين، انظر: المغني (ص 183)، وشرح التصريح (2/ 230)، والأشموني (3/ 280، 281).
(5)
انظر: التذييل (6/ 549 - 552).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
معمول «كي» لا يتقدم على «كي» ، وإنما ترك التقييد؛ لأن الكلام إنما هو في «كي» نفسها، فكل حكم يذكر في ذلك الكلام من تقديم أو تأخير أو فصل أو غير ذلك يتعين كونه راجعا إليها، ومثال ذلك أن تقول: توضأت كي أصلّي الظّهر، فلا يجوز أن يقال: توضأت الظّهر كي أصلّي، وأجاز ذلك الكسائي والجمهور على المنع (1)، والعلة ظاهرة فيه، لأن «كي» إن كانت المصدرية فهي حرف موصول وما هو من تمام الصلة لا يتقدم على الموصول، وإن كانت الجارة فالنصب بعدها بـ «أن» مضمرة، و «أن» حرف موصول وما هو من تمام الصلة لا يتقدم على الموصول.
وأشار بقوله ثانيا: ولا يبطل عملها الفصل إلى أنه قد يفصل بينها وبين معمولها ومع ذلك يكون النصب باقيا، قال الإمام بدر الدين (2): وقد يفصل به - أي بمعمول المعمول - أو بجملة شرطية فيبقى النصب، وقال: قال الشيخ - رحمه الله تعالى - يعني والده -: من كلامهم: جئت كي فيك أرغب، وجئت كي أن تحسن أزورك بنصب «أرغب» و «أزورك» ، والكسائي يجيز الكلام برفع الفعلين دون نصبهما. انتهى.
قال الشيخ بعد إيراده هذا الكلام (3): وهذا الذي اختاره المصنف وشرحه ابنه موافقا هو مذهب ثالث لم يتقدم إليه على ما نبينه فنقول: أجمعوا على أنه يجوز الفصل بينها وبين معمولها بـ «لا» النافية كقوله تعالى: كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً (4) وب «ما» الزائدة كقول قيس بن سعد بن عبادة (5):
3803 -
أرادت لكيما يعلم النّاس أنّها
…
سراويل قيس والوفود شهود (6)
-
(1) انظر: التذييل (6/ 553)، والأشموني (3/ 281).
(2)
انظر: شرح التسهيل للإمام بدر الدين (4/ 18).
(3)
انظر: التذييل (6/ 554، 555).
(4)
سورة الحشر: 7.
(5)
قيس بن سعد بن عبادة بن وليم الأنصاري الخزرجي المدني، وال صحابي: من دهاة العرب ذوي الرأي والمكيدة في الحرب والنجدة، وأحد الأجواد المشهورين، له (16) حديثا، انظر ترجمته في صفة الصفوة (1/ 715) والنجوم الزاهرة (1/ 81) والأعلام (5/ 206).
(6)
هذا البيت من الطويل، واستشهد به: على جواز الفصل بين «كي» ومعمولها بـ «ما» الزائدة وهذا بإجماع النحاة، وقد ذكر الشنقيطي في الدرر اللوامع (2/ 5) أن الإمام التبريزي استشهد بهذا البيت في شرح الكافية على اتفاق النحويين على جواز الفصل بين «كي» ومعمولها ب
«لا» الزائدة وانظر: الخزانة (3/ 597).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقول الآخر:
3804 -
تريدين كيما تجمعيني وصاحبي
…
[وهل يجمع السّيفان ويحك في عمد](1)
وقد يفصل بهما معا، أنشد ثعلب:
3805 -
أرادت لكيما لا ترى لي عثرة
…
ومن ذا الّذي يعطى الكمال فيكمل (2)
وقد يجعل العرب «ما» اللاحقة لها كافة كهي في نحو رُبَما يَوَدُّ (3) وذلك نحو قول الشاعر:
3806 -
يرجّى الفتى كيما يضرّ وينفع (4)
وأما الفصل بغير ذلك فمذهب البصريين وبعض الكوفيين أنه لا يجوز، وذهب الكسائي إلى جواز الفصل بينهما بمعمول الفعل الذي دخلت عليه، وبالقسم (5)، فيبطل عملها فتقول: أزورك كي والله تزورني، وأكرمك كي غلامي تكرم، ويبطل عملها أيضا عند الكسائي إذا لاصقها الشرط نحو قولهم: أزورك كي إن تكافئني أكرمك، فلا عمل لـ «كي» في الشرط وجوابه، والصحيح أن الفصل بينهما في حال الاختيار لا يجوز كما لا يجوز ذلك في «أن» (6)، والعلة المانعة من الفصل بينهما هي العلة المانعة من الفصل بين «أن» ومعمولها، فإن فصل بينها وبين معمولها في حال الاضطرار لم يبطل عملها؛ لأن عملها هو الاختصاص وهو باق لم يبطل، وما ذهب إليه الكسائي من ملاصقة الشرط وإبطال عملها غير محفوظ [5/ 102] من كلام العرب. انتهى.
وهذا الذي ذكره من أن الفصل لا يبطل العمل عند غير الكسائي هو الذي قاله المصنف، أما كون الفصل لا يجوز في الاختيار وإنما يجوز في الاضطرار فلم يتعرض المصنف إلى ذكره، وإذا كان كذلك فكيف يقول الشيخ: إن الذي اختاره وشرحه ابنه موافقا عليه هو مذهب ثالث؟ -
(1) هذا البيت من الطويل وهو لأبي ذؤيب الهذلي كما في الدرر (2/ 5) واستشهد به: على جواز الفصل بين «كي» ومعمولها بـ «ما» الزائدة،
وانظر: الخزانة (3/ 597)، والهمع (2/ 5).
(2)
هذا البيت من الطويل وقد أنشده ثعلب ولم ينسبه لقائل وأنا لم أهتد إليه، واستشهد به: على جواز الفصل بين «كي» ومعمولها بـ «ما» الزائدة و «لا» النافية. وانظر: البيت في الخزانة (3/ 586)، وانظر الهمع (2/ 5).
(3)
سورة الحجر: 2.
(4)
تقدم.
(5)
انظر: الهمع (2/ 5).
(6)
في (جـ)، (أ): لن، والتصويب من التذييل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثم إن الذي يفهم من قولهم: إن الفصل قد يكون بجملة شرطية، أن جملة الشرط يفصل بها بين «كي» ومعمولها كما قيل في نحو: جئت كي إن تحسن أزورك: إنه ينصب «أزورك» .
وكلام الشيخ يقتضي أن جملة الشرط يذكر معها جوابها ولا يذكر لـ «كي» معمول؛ لأنه بعد أن مثل بقوله: أزورك كي إن تكافئني أكرمك - بجزم أكرمك - قال: فلا عمل لـ «كي» في الشرط، وهذا عجب فإن الشرط إذا ذكر له جواب ولم يؤت لـ «كي» بمعمول فكيف يقال: إن ثمّ فصلا؟ ثم مقتضى ذلك أن تكون «كي» في هذا التركيب ملغاة لا معنى لها.
وحاصل الأمر: أني لم أتحقق كون «أكرمك» في المثال الذي ذكره جواب الشرط، والظاهر بل المتعين (1) أن يكون منصوبا بـ «كي» إذ المعنى: أزورك كي أكرمك إن تكافئني، وجواب الشرط محذوف دل عليه الكلام الذي قبل الشرط، كما أن المعنى في المثال الذي ذكره ابن المصنف عن والده: جئت كي أزورك إن تحسن.
واعلم أنه لا يخفى جواز تأخر معمول «كي» عنها فيقال: كي تكرمني جئتك، سواء أكانت «كي» الناصبة بنفسها أم الجارة والنصب بعدها بـ «أن» مضمرة، وذلك أنها في المعنى مفعول من أجله فكما يجوز التقديم في نحو: ابتغاء إحسانك زرتك، كذلك يجوز ذلك مع «كي» وهذا واضح (2).
ثم إن المصنف قال في شرح الكافية (3): وإن ولي «كي» اسم، أو فعل ماض أو مضارع مرفوع علم أن أصلها:«كيف» حذفت فاؤها ومنه قول الشاعر:
3807 -
كي تجنحون إلى سلم وما ثئرت
…
قتلاكم ولظى الهيجاء تضطرم (4)
-
(1) هذا الكلام يدل على أن المؤلف يوافق المصنف وولده على جواز الفصل بين «كي» ومعمولها بجملة الشرط أو بغيرها اختيارا.
(2)
انظر: الهمع (2/ 5).
(3)
انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1534).
(4)
هذا البيت من البسيط، وهو لقائل مجهول.
والشرح: قوله: تجنحون أي: تميلون، وقوله: سلم: بالكسر والفتح أي: صلح، وقوله: وما ثئرت قتلاكم جملة حالية وثئرت مبني للمجهول من ثأرت القتيل بالقتيل ثأرا وثؤرة أي: قتلت قاتله، وقوله:
ولظى الهيجاء تضطرم أي: ونار الحرب تشتعل، وهذه الجملة حالية أيضا. -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال: وزعم أبو علي (1) أن أصل «كما» في قول الشاعر (2):
3808 -
وطرفك إمّا جئتنا فاصرفنه
…
كما يحسبوا أنّ الهوى حيث تنظر (3)
«كيما» محذوفة الياء ونصب بها تنصب لو لم ينلها حذف. انتهى.
وكأن المصنف لم يرفض قول أبي علي في هذه المسألة. وأشار إلى المسألة في باب «حروف الجر» لما ذكر أن «ما» تزاد بعد الكاف، وأنها قد تحدث في الكاف معنى التعليل فقال: وربما نصبت حينئذ مضارعا لا لأن الأصل: «كيما» وقال في شرحه لذلك: (4) وإذا حدث فيها - يعني في الكاف - معنى التعليل ووليها مضارع نصبته تشبيها بـ «كي» كقول الشاعر:
وطرفك إمّا جئتنا فاصرفنه
…
كما يحسبوا أنّ الهوى حيث تنظر
وزعم الفارسي أن الأصل: «كيما» فحذف الياء، وهذا تكلف لا دليل عليه ولا حاجة إليه. انتهى. -
- والشاهد في قوله: «كي تجنحون» فإن «كي» فيه بمعنى: «كيف» كما يقال: «سو» في «سوف» ، أي: كيف تجنحون؟ والبيت في المغني (ص 182)، والعيني (4/ 378)، والهمع (1/ 214)، والدرر (1/ 184).
(1)
انظر: المغني (ص 177)، والأشموني (3/ 281).
(2)
هو عمر بن أبي ربيعة، انظر ديوانه (ص 66)، وقد ذكر العلامة الأمير في حاشيته على المغني (1/ 151) أن السيوطي وجد البيت في قصيدة لجميل بن معمر العذري، وانظر ديوان جميل (ص 62) وقد نسبه العيني (4/ 407) للبيد العامري.
(3)
هذا البيت من الطويل.
الشرح: الطرف - بفتح فسكون - العين وإمّا مركبة من «إن» الشرطية و «ما» المؤكدة، قوله:
فاصرفنه أراد: حوله إلى جهة أخرى غير جهتنا.
والشاهد في قوله: «كما يحسبوا» حيث ذهب الفارسي إلى أن «كما» أصلها: «كيما» فحذفت الياء ونصبت الفعل المضارع بعدها كما تنصب إذا لم ينلها حذف، وقد زعم أبو محمد الأسود أن أبا علي الفارسي حرّف هذا البيت وأن الصواب روايته على هذا الوجه:
إذا جئت فامنح طرف عينيك غيرنا
…
لكي يحسبوا أن الهوى حيث تنظر
والرواية في ديوان عمر بن أبي ربيعة كما ذكر أبو محمد الأسود ومع هذا فلا نقبل الطعن في أبي علي الفارسي بأنه صحف البيت ليستشهد به، والبيت في الإنصاف (ص 586)، والمغني (ص 177)، والعيني (4/ 407)، والهمع (2/ 6)، والدرر (2/ 5).
(4)
انظر: التسهيل (ص 147) وشرحه لابن مالك (3/ 173) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وفي شرح الشيخ (1): أن البصريين لا يجيزون نصب الفعل بعد «كما» وأن الكوفيين يجيزون ذلك مع أنهم يجيزون الرفع أيضا.
وبعد فكلام الإمام بدر الدين يخالف كلام والده فإنه قال (2): وقد تحذف ياء «كي» ويبقى عملها كقول عدي بن زيد (3):
3809 -
اسمع حديثا كما يوما تحدّثه
…
عن ظهر غيب إذا ما سائل سألا (4)
أراد: كيما تحدثه، وأنشد أبو علي:
3810 -
وطرفك إمّا جئتنا فاصرفنه
…
كما يحسبوا أنّ الهوى حيث تنظر (5)
انتهى.
ولا شك أن دعوى «كما» المنصوب بعدها الفعل أصلها: كيما وحذفت الياء أسهل من دعوى أن «كما» نصبت تشبيها بـ «كي» ويقال للمصنف: كما ادّعيت أن «كي» في قول الشاعر:
3811 -
كي تجنحون إلى سلم
…
... (6)
أصلها «كيف» وحذفت «الفاء» هكذا يدّعى في «كما» أن أصلها: كيما وحذفت الياء واعلم أن الشيخ أنشد في شرحه (7) هذا البيت وهو:
اسمع حديثا كما يوما تحدّثه
…
...
وقال: فإن قلت: هذا يدل على أن الفصل بين «كي» والفعل يبطل عملها ألا ترى أن المعنى: كيما يوما تحدثه؛ فالجواب من وجهين: -
(1) انظر: التذييل (6/ 547، 548) وانظر: الإنصاف (ص 585) مسألة رقم (81).
(2)
انظر: شرح التسهيل للإمام بدر الدين (4/ 18).
(3)
هو عدي بن زيد بن حمّاد بن زيد العبادي التميمي، شاعر من دهاة الجاهليين، كان يسكن الحيرة.
انظر الشعر والشعراء (ص 231 - 239).
(4)
هذا البيت من البسيط وهو لعدي بن زيد ديوانه (ص 158). واستشهد به: على أن «كي» قد تحذف ياؤها ويبقى عملها، فأصل «كما» في البيت «كيما» ولذلك نصب الفعل بعدها. والبيت في الإنصاف (ص 588)، واللسان «كيا» .
(5)
تقدم.
(6)
تقدم.
(7)
انظر: التذييل (6/ 548).