الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[إضمار «أن» وجوبا بعد «أو»]
قال ابن مالك: (وتضمر أيضا «أن» لزوما بعد «أو» الواقعة موقع «إلى أن» أو «إلّا أن»).
ــ
وعندي أنه يجوز أن يكون «على الفطرة» حالا من الضمير، و «يولد» في موضع الخبر بسبب هذه الإفادة و «حتى» بمعنى:«إلا أن» المنقطعة كأنه قيل: إلا أن يكون أبواه يهوّدانه أو ينصّرانه، والمعنى: لكن أبواه يهودانه أو ينصرانه، وقد ذكر النحويون هذا المعنى في أقسام «حتى» ومنه قول امرئ القيس:
3828 -
والله لا يذهب شيخي باطلا
…
حتّى أبيد مالكا وكاهلا (1)
المعنى: إلا أن أبيد، وهو منقطع بمعنى: لكن أبيد، وقال سيبويه (2): وأما قولهم: والله لا أفعل إلا أن تفعل، فإن «تفعل» في موضع نصب وليس بمبتدأ والمعنى: حتى تفعل وكأنه قال: أو تفعل، وقد بيّن أن «أو تفعل» إذا نصب الفعل بعدها بمعنى:«إلا أن» فهذا بيان من كلامهم. انتهى.
ويكفي هذا الذي نقله الشيخ عن ابن هشام وما ذكره ابن هشام من كلام سيبويه في صحة ما ذكره المصنف فكيف يقول الشيخ: وإما أن تكون بمعنى: «إلا أن» فتكون للاستثناء فذكره هذا المصنف ثم يقول: وقد أغنانا ابنه عن الرد على أبيه في ذلك؟
ومنها: أن في البيت الذي تقدّم إنشاده وهو:
3829 -
حتّى يكون عزيزا من نفوسهم
…
أو أن يبين جميعا وهو مختار (3)
دليلا على صحة مذهب البصريين في أن «أن» مضمرة بعد «حتى» لكونها ظهرت في المعطوف، هكذا ذكروا (4) وفيه نظر.
قال ناظر الجيش: تقدم لنا أن «أن» تضمر لزوما بعد ستة أحرف منها ثلاثة -
(1) هذا رجز لامرئ القيس في ديوانه والمراد بقوله: شيخي: أبوه، ومالك وكاهل: قبيلتان قتلتا أباه، وقوله: أبيد بالدال ويروى: «أبير» بالراء، وهي رواية الديوان. والمعنى: حتى أهلك.
والشاهد في قوله: «حتى أبيد» فإن «حتى» فيه بمعنى: «إلا أن» . والرجز في المغني (ص 125)، وشرح شواهده (ص 372)، والهمع (2/ 9، 96) والدرر (2/ 7، 129) والأشموني (3/ 298).
(2)
انظر: الكتاب (2/ 342)(هارون).
(3)
تقدم.
(4)
انظر: الهمع (2/ 9).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أحرف جر وهي: «كي» و «لام» الجحود و «حتى» وثلاثة أحرف عطف، وقلنا: إن الكلام تقدم على «كي» في الفصل المتقدم، ولما أنهى الكلام في هذا الفصل على بقية الثلاثة وهما:«لام» الجحود و «حتى» شرع في ذكر أحرف العطف وهي: «أو» و «الفاء» و «الواو» ، وبدأ بالكلام على «أو» وأنا أذكر كلامه في شرح الكافية ثم كلام ولده ثم أتبع ذلك بما تيسر.
قال (1) رحمه الله تعالى: والفعل ينصب بـ «أن» واجبة الستر بعد «أو» التي يحسن في موضعها «إلى» أو «إلا» كقولك: لأنتظرنه أو يقدم، ولأقتلن الكافر أو يسلم؛ أي:
لأنتظرنه إلى أن يقدم، ولأقتلن الكافر إلّا أن يسلم، ومن الآتية بمعنى «إلى» قول الشاعر:
3830 -
لأستسهلنّ الصّعب أو أدرك المنى
…
فما انقادت الآمال إلّا لصابر (2)
ومن الآتية بمعنى: «إلّا» قول الشاعر:
3831 -
وكنت إذا غمزت قناة قوم
…
كسرت كعوبها أو تستقيما (3)
ويحتمل الوجهين قول امرئ القيس:
3832 -
فقلت له لا تبك عينك إنّما
…
نحاول ملكا أو نموت فنعذرا (4)
-
(1) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1539، 1540).
(2)
هذا البيت من الطويل لقائل مجهول. الشرح: لأستسهلن من قولهم: فلان استسهل أمره أي:
اتخذه سهلا والمنى: جمع منية، والآمال: جمع أمل وهو الرجاء.
والشاهد قوله: «أو أدرك المنى» حيث جاء فيه «أو» بمعنى «إلى» وانتصب الفعل بعدها بأن مضمرة. والبيت في التذييل (6/ 590) والمغني (ص 67)، وشرح التصريح (2/ 236)، والهمع (2/ 210) والدرر (2/ 7).
(3)
هذا البيت من الوافر قاله زياد الأعجم.
الشرح: القناة: الرمح، وكعوب الرمح: النواشز في أطراف الأنابيب.
والشاهد: في «أو تستقيما» حيث جاء فيه «أو» بمعنى «إلا» في الاستثناء، فانتصب الفعل بعدها بـ «أن» مضمرة. والمعنى: إلا أن تستقيما. والبيت في الكتاب (3/ 48) والمقتضب (2/ 29)، وابن يعيش (5/ 15)، والمقرب (1/ 263)، وشرح التصريح (2/ 236) واللسان (غمز) وقال ابن السيرافي (2/ 162، 163): «كذا أنشده سيبويه بالنصب والشعر لزياد الأعجم في أبيات غير منصوبة» .
(4)
هذا البيت من الطويل قاله امرؤ القيس (ص 66).
ومعناه: أن رفيقه بكى لما وقع في بلاد غير بلاده فنهاه عن ذلك وقال له: إنما خرجنا نطلب ملكا فإما أن نناله أو نعذر باليأس في عدم الحصول عليه بعدم التقصير في طلبه.
والشاهد في قوله: «أو نموت» فإنه نصب بـ «أن» مضمرة بعد أو التي تحتمل أن تكون بمعنى «إلى أن» أو «إلا أن» والبيت في الكتاب (3/ 47)، والمقتضب (2/ 28)، والخصائص (1/ 236) وابن يعيش (7/ 22، 23).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وتقدير «إلى» و «إلّا» في موضع «أو» تقدير لحظ فيه المعنى دون الإعراب، والتقدير الإعرابي المرتب على اللفظ أن يقدر قبل «أو» مصدر وبعدها «أن» ناصبة للفعل وهما في تأويل مصدر معطوف بـ «أو» على المقدر قبلها فتقدير لأنتظرنه أو يقدم: ليكونن انتظار أو قدوم، وتقدير «لأقتلن الكافر أو يسلم»: ليكونن قتله أو إسلامه، وكذلك العمل في غيرهما.
وقال بدر الدين ولده (1): أما «أو» فهي حرف عطف معناها: الشكّ والإبهام، ويليها المضارع على وجهين:
أحدهما: أن يكون [5/ 110] مساويا للفعل الذي قبلها في الشك فيتبعه في الإعراب كقولك: هو يقيم أو يذهب، وتريد أن تقوم أو تذهب، وليقم زيد أو يذهب.
والثاني: أن يكون مخالفا فيكون هو على الشك والفعل الذي قبل «أو» على اليقين فلا يتبعه في الإعراب؛ لأنه لا يشاركه في حكمه بل ينصب بـ «أن» لازمة الإضمار، إلا أن يقدر بناء الفعل على مبتدأ محذوف فيرفع، وعلامة مخالفة ما بعد «أو» لما قبلها وقوعها موقع «إلى أن» كقولك: لأسيرنّ أو تغرب الشمس، ونحوه قول الشاعر:
3833 -
لأستسهلنّ الصّعب أو أدرك المنى
…
فما انقادت الآمال إلّا لصابر (2)
أو موقع «إلّا أن» كقولك: لأقتلن الكافر أو يسلم، ونحوه قول زياد الأعجم (3):
3834 -
وكنت إذا غمزت قناة قوم
…
كسرت كعوبها أو تستقيما (4)
وكل ما يصح فيه تقدير «أو» بـ «إلى أن» يصح فيه التقدير بـ «إلا أن» من غير عكس، ولذلك لم يذكر سيبويه (5) إلا تقديرها بـ «إلا أن» وهو الصواب، والأصل فيما مثلنا به: لأسيرن إلا أن تغرب الشمس، ولأقتلن الكافر إلا أن يسلم؛ لأن المراد التعريف بثبوت السير والقتل على كل تقدير إلا عند غروب الشمس -
(1) انظر: شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 25) وانظر شرحه على الألفية (ص 673).
(2)
تقدم.
(3)
زياد الأعجم بن سليم العبدي، يكنى أبا أمامة، مولى عبد القيس، ولقب الأعجم لعجمة كانت في لسانه. انظر ترجمته في الشعر والشعراء (437)، وشرح شواهد المغني (206)، والخزانة (4/ 193).
(4)
تقدم.
(5)
قال في الكتاب (3/ 47): (واعلم أن معنى ما انتصب بعد «أو» على «إلا أن»).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإسلام الكافر، فما بعد «أو» مخرج من الأوصاف الثابت معها السير والقتل، فحقه أن يكون مخرجا بـ «إلا» ولكن أقاموا «أو» مقامها لقربها منها، وإذا كان ما بعد «أو» مخالفا في الشك لما قبلها كان ما بعد «إلا» مخالفا لما قبلها، فإذا جاء الفعل بعد «أو» هذه فهو منصوب ما لم يبن على مبتدأ محذوف فيرفع، ونصبه عند البصريين ليس بـ «أو» ؛ لأنها حرف عطف وحروف العطف لا تعمل شيئا، بل بـ «أن» مضمرة، قال سيبويه (1) بعد إنشاده قول امرئ القيس:
3835 -
فقلت له لا تبك عينك إنّما
…
نحاول ملكا أو نموت فنعذرا (2)
المعنى: إلا أن نموت فنعذر، ولو رفعه لكان غريبا جائزا على وجهين: على أن تشرك بين الأول والآخر وعلى أن
يكون مبتدأ مقطوعا من الأول تقديره: أو نحن ممن يموت، ثم مثّل بقوله: اضربه أو يستقيم، وبقول زياد:
3836 -
كسرت كعوبها أو تستقيما
ثم قال (3): المعنى: إلا أن تستقيم، وإن شئت رفعت في الأمر على الابتداء إلا أنه لا سبيل إلى الإشراك، فحمل الرفع في المخالف على إضمار مبتدأ والنصب على إضمار «أن» بناء على أنها مع صلتها في تأويل اسم معطوف على ما قبل «أو» لتأوله بمصدر معمول لفعل محذوف تقديره في ما مثلنا: ليكونن سير مني أو غروب للشمس، وليكونن قتل مني للكافر أو إسلام منه، إلا أنهم لا يظهرون «أن» استكراها لعطف لفظ الاسم على لفظ المضارع.
وقال في شرح الألفية (4): فإن قلت: لم نصبوا الفعل بعد «أو» حتى احتاجوا إلى هذا التأويل - يعنى تأويل الفعل قبل «أو» بمصدر معمول لكون مقدر وذلك ليصح عطف ما بعد «أو» على ما قبلها -؟ قلت: ليفرقوا بين «أو» التي تقتضي مساواة ما قبلها لما بعدها في الشك وبين «أو» التي تقتضي مخالفة ما قبلها لما بعدها في ذلك؛ فإنهم كثيرا ما يعطفون الفعل المضارع على مثله بـ «أو» في مقام الشك في الفعلين تارة وفي مقام الشك في الثاني فيهما أخرى فقط، فإذا أرادوا بيان المعنى -
(1) انظر: الكتاب (3/ 47).
(2)
تقدم.
(3)
انظر الكتاب (3/ 48، 49).
(4)
انظر: شرح الألفية لابن الناظم (ص 674، 675).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأول رفعوا ما بعد «أو» فقالوا: أفعل كذا أو أترك ليؤذن الرفع بأن ما قبل «أو» مثل ما بعدها في الشك، وإذا أرادوا بيان المعنى الثاني نصبوا ما بعد «أو» فقالوا:
لأنتظرنه أو يجيء ولأقتلنّ الكافر أو يسلم ليؤذن النصب بأن ما قبل «أو» ليس مثل ما بعدها في الشك لكونه محقق الوقوع أو راجحه، فلما احتيج إلى النصب ليعلم هذا المعنى احتيج له إلى عامل ولم يجز أن يكون «أو» ؛ لعدم اختصاصها فتعين أن يكون «أن» مضمرة، واحتيج لتصحيح الإضمار إلى التأويل المذكور. انتهى.
وللباحث أن يبحث معه فيقول: قوله: إن ما بعد «أو» في مثل: لأنتظرنه أو يجيء ولأقتلن الكافر أو يسلم في مقام
الشك، وأن ما قبلها فيه محقق الوقوع أو راجحه - غير ظاهر؛ فإن «أو» وضعها أن تكون لأحد الشيئين فإذا استعملت للشك وجب أن يكون الشك في ما قبلها وفي ما بعدها على السواء دون تعيين، فنسبة الشك إلى أحدهما كنسبة الشك إلى الآخر، وأيضا فإن الشك في ما بعد «أو» في قولنا: لأقتلن الكافر أو يسلم، ولأنتظرن زيدا أو يجيء قد لا يسلّم وإن سلّم فكيف يتحقق في نحو قولنا: لأسيرنّ أو تغرب الشمس؟
والذي يظهر أن يقال: إن «أو» إذا وقعت بين فعلين مضارعين فقد يقصد تشريك ما بعدها لما قبلها في المعنى الذي سيقت له من معانيها وحينئذ يعطف بها الثاني على الأول ويكون المقصود إذ ذاك العطف خاصة دون معنى آخر، وقد لا يقصد العطف بل يقصد بـ «أو» ما يقصد بـ «إلى» من الغاية أو بـ «إلا» من استثناء بعض الأحوال فلا يراد حينئذ تشريك بين الثاني والأول في حكمه، وإذا كان كذلك امتنع عطف الفعل الذي بعدها على الفعل الذي قبلها وصار المقصود بذكر «أو» إنما هو الغاية أو الاستثناء، لكن «أو» حرف عطف في أصل وضعها ولا يمكن إهمال المعنى الذي وضعت له فوجب حينئذ الالتجاء إلى عمل يستفاد معه حصول المعنى الذي يقصد من الغاية أو الاستثناء مع بقاء «أو» مع ذلك على بابها من كونها عاطفة فقدرت «أن» بعدها ونصب بها الفعل فرجع الأمر إلى أن المعطوف بها اسم على فعل وعطف الاسم على الفعل لا يجوز إلا في موضع خاص (1)؛ فوجب لذلك تقدير مصدر [5/ 111]
(1) وهو إذا كان الاسم يشبه الفعل لتقارب المعنى كقوله تعالى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ [الروم: 19]. وانظر: شرح ابن الناظم (ص 685).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
من ذلك الفعل الذي قبل «أو» معمول لكون مقدر ليصح عطف ما بعدها عليه، هذا الذي ظهر لي وعلى الناظر أن يتأمل ويحكم بما يؤدى إليه اجتهاده ونظره.
ثم الذي يظهر أن الاستثناء المستفاد بـ «أو» هو استثناء مفرغ، إما من الأحوال أو من الأزمان، فإذا قال القائل: لألزمنّك أو تقضيني ديني فالتقدير: لألزمنّك في جميع الأحوال أو في جميع الأزمان إلا في حال أو في زمان قضاء ديني، وكذا التقدير في: لأقتلنّ الكافر أو يسلم.
وفي شرح الشيخ (1): قد نقض قولهم: إن «أو» تقدر بـ «إلى» أو بـ «إلّا» بقولك: لأطيعنّ الله أو يغفر لي، قال: فلا يصح تقدير هذا بـ «إلى» ولا بـ «إلا» بل يتعين أن يكون المعنى على «كي» أي: لأطيعن الله كي يغفر لي.
ولم يظهر لي: هل هذا النقض للشيخ نفسه أو لغيره؟ لأن كلامه غير مفصح، ثم إن التقدير هنا بـ «إلى» لا يظهر امتناعه؛ لأن الغفران مطلوب للعبد دائما فهو يطيع الله إلى أن يغفر له، ولا يتوهم من هذا أنه إذا غفر له انقطعت طاعته؛ لأنه إذا انقطعت طاعته لا يغفر له، فالطاعة تستمر دائما؛ لأن الغفران مطلوب دائما.
ثم قال الشيخ (2): وهذه التقادير التي قدروها لا حاجة إليها وهى تفسير معنى لا تفسير إعراب، قال: وتفسير الإعراب ينجر معه تفسير معنى «أو» فلا حاجة إلى تلك التقديرات، ومعنى «أو» في هذه المسائل هو معناها المستقر لها في العطف من كونها لأحد الشيئين و «أن» مضمرة بعدها فهي عاطفة مصدرا مقدرا على مصدر متوهم فهذا من العطف على التوهم ولذلك اشترط أن يكون قبلها فعل أو اسم في معنى الفعل، أو ظرف أو مجرور حتى يدل على المصدر المتوهم، فإذا قلت:
لألزمنّك أو تقضيني حقّي (3) فالتقدير: ليكونن مني لزوم لك أو قضاء لحقي؛ فقد جاء «أو» لأحد الشيئين وهو المعنى الذي استقر لها في العطف.
ومما يدل على صحة قولنا: إنه لا يحتاج إلى تلك التقديرات قول الشاعر:
3837 -
فسر في بلاد الله والتمس الغنى
…
تعش ذا يسار أو تموت فتعذرا (4)
-
(1) انظر: التذييل (6/ 591).
(2)
انظر: التذييل (6/ 591 - 593).
(3)
في النسختين: ديني، والتقدير بعده يدل على أنه «حقي» كما في التذييل.
(4)
هذا البيت من الطويل وهو للمغيرة بن حبناء، واستشهد به: على أن «أو» في قوله: «أو تموت» =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ألا ترى أنك لو قدرت: تعش ذا يسار كي تموت، أو: إلى أن تموت، أو: إلا أن تموت لم يكن المعنى صحيحا؛ إذ لا يلزم من التماس الغنى عيشة في يسار إلا أن يقع الموت أو إلى أن يقع الموت، وأما التعليل فظاهر البطلان، وإنما المعنى: والتمس الغنى يكن لك عيش في يسار أو موت قبل إدراك اليسار فتعذر إذ لم يكن منك عجز وتقصير فهي هنا لأحد الشيئين، فهذا عطف على مصدر متوهم سبك من قوله:
تعش ذا يسار، ولو عطف على تعش ذا يسار فجزم وقال: أو تمت لكان المعنى صحيحا وكان يكون من عطف الفعل على الفعل لا من عطف الاسم على الاسم.
ثم قال: وزعم بعض أصحابنا أن النصب في هذا البيت ضرورة وبنى ذلك على أن النصب بعد «أو» لا يكون إلا إن تقدرت بـ «إلّا أن» وهنا لا تتقدر فلا يجوز ذلك. قال: وقد بينا نقض ذلك فيما تقدم. انتهى ما ذكره الشيخ.
ولقائل أن يقول: أما قوله: إن هذه التقادير تفسير معنى لا تفسير إعراب؛ فالأمر كما قال وقد تقدم لنا نقل ذلك عن المصنف.
وأما قوله: إنه لا حاجة إليها؛ لأن تفسير الإعراب ينجر معه تفسير معنى «أو» فيقال في جوابه: إن تفسير المعنى هو الذي حقق لنا أمر الإعراب، ولولا أن يقال:
المعنى في: لألزمنك أو تقضيني ديني: لألزمنك إلى أن تقضيني ديني، وفي: لأقتلن الكافر أو يسلم: لأقتلن الكافر إلا أن يسلم؛ لما عرفنا توجيه النصب في الفعل الواقع بعد «أو» ، فلما قيل لنا: إن «أو» بمعنى «إلى» في تركيب وبمعنى «إلا» في تركيب آخر علمنا أن «أن» مضمرة قطعا؛ لأن «لام» الجر لا تباشر الفعل، والمستثنى إنما يكون اسما، ثم بعد تقرير ذلك يرجع إلى تفسير الإعراب فقيل: إن «أن» مع الفعل بتقدير المصدر والمصدر لا يعطف على فعل فوجب تأويل ما قبل «أو» بمصدر أيضا ليصح العطف، فـ «أو» في مثل هذا التركيب - وهو الذي لم يقصد فيه تشريك الفعل الذي بعد «أو» في حكم الفعل الذي قبلها - الكلام فيها من جهتين: -
= لأحد الشيئين وقد عطفت مصدرا مؤولا على مصدر متوهم والتقدير: والتمس الغنى يكن لك عيش في يسار أو موت قبل إدراك اليسار فتعذر، وعلى هذا فلا يحتاج إلى تقدير «أو» بمعنى «كي» أو «إلى أن» أو «إلا أن» لأن ذلك يؤدي إلى فساد المعنى والبيت في المقرب (1/ 263) وشرح الجمل لابن بابشاذ (رسالة)(ص 306) وشرح الجمل لابن عصفور (2/ 156).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إحداهما: كونها يقصد بها الغاية أو الاستثناء وهذه الجهة ترجع إلى تفسير المعنى.
والجهة الثانية: كونها عاطفة وهذه الجهة ترجع إلى تفسير الإعراب، وإذا كان كذلك تعيّن التعرّض إلى ذكر كل من الجهتين ولا يستغنى عن إحداهما بالأخرى.
وأما البيت الذي أنشده فإن ابن عصفور أنشده في كتبه (1) وجعل النصب فيه بعد «أو» ضرورة، وعلل منع التقادير الثلاثة بما ذكره الشيخ من أنه لا يلزم من التماس الغنى عيشة في يسار إلا أن يقع الموت أو إلى أن يقع
الموت.
والذي فهمته من كلام الشيخ المقتدى فيه بابن عصفور أنه لا يلزم من التماس الغنى حصوله، وإذا لم يحصل فكيف يعيش في يسار؟
فإن كان هذا هو مراده فكيف قال بعد ذلك: وإنما المعنى: والتمس الغنى يكن لك عيش في يسار أو موت قبل إدراك اليسار فتعذر؟
وإن كان مراده غير ذلك فالله تعالى أعلم.
والذي يظهر لي في هذا البيت أن «أو» عاطفة فعلا على فعل لا مصدرا مؤولا على مصدر متوهّم، وذلك أن الجمل المقتضية طلبا يجوز أن تضمن معنى الشرط فيكون لها جواب مجزوم على ما هو المقرر عند أهل الصناعة، والفعل الواقع بعد جواب مجزوم يجوز فيه أوجه [5/ 112] ثلاثة (2):
أحدها: النصب بإضمار «أن» ولا شك أن قوله: «فسر في بلاد الله» جملة طلبية ضمنت معنى الشرط، وكذا جزم «تعش» الذي هو جواب، فكما يجوز النصب بـ «أن» مضمرة للفعل المعطوف على جواب الشرط الصريح كذا يجوز نصب الفعل -
(1) ذكره في المقرب (1/ 263) وفي شرح الجمل (2/ 156)، وقال في شرح الجمل: (ولا تنصب في غير ما ذكرنا إلا ضرورة كقوله:
فسر في بلاد الله والتمس الغنى
…
تعش ذا يسار أو تموت فتعذرا
ثم قال: ألا ترى أنه لا يتصور أن تكون بمعنى «كي» لأنه لا يلتمس الغنى كي يموت، ولا يلزم إذا التمس الغنى أن يعيش ذا يسار إلى أن يموت، فلذلك جعلنا النصب بعدها ضرورة).
(2)
ذكر المؤلف وجها، والوجهان الآخران: الرفع على الاستئناف، والجزم عطفا على الجواب المجزوم، وقد قرئ بالأوجه الثلاثة قوله تعالى: فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ [البقرة: 284]، وانظر البيان (1/ 186) والتبيان (ص 233).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المعطوف على جواب الشرط المقدر، لكنهم إنما ذكروا ذلك في العطف بـ «الفاء» وب «الواو» ، فإن لم يكن ذلك شرطا تمّ ما ذكرته، وإن كان شرط هذا العطف أن يكون بـ «الفاء» أو بـ «الواو» لم يتم إلا أن يقال: حملت «أو» في ذلك عليهما شذوذا.
فإن قيل: ليس المعنى على عطف «تموت» على «تعش» !! قلت: قد قال الشيخ: ولو عطف على: «تعش ذا يسار» فجزم وقال: أو تمت لكان المعنى صحيحا وكان يكون من عطف الفعل على الفعل لا من عطف الاسم على الاسم.
وإذا قد تقرر هذا فلنذكر أمورا:
منها: أن تقييد المصنف «أو» بقوله: الواقعة موقع «إلى أن» أو «إلّا أن» مفيد أمرين وهما: تفسير معناها إذا نصب الفعل بعدها، وتمييزها من «أو» التي يؤتى [بها] للعطف المحض فإن الفعل الذي بعدها يشارك في الإعراب الذي قبلها، وقد ينصب بـ «أن» مضمرة إذا كان قبل «أو» اسم لا يصح عطف الفعل عليه لكن لا يكون إضمار «أن» لازما بل جائزا كما سيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى.
ومنها: أن «أو» هذه ترد بعد الخبر والطلب أما الخبر فنحو قوله:
3838 -
كسرت كعوبها أو تستقيما
ونحو: ما يأتينا أو يستشفع لنا.
وأما الطلب فنحو قولك في الأمر: الزمه أو يقضيك حقك، واضربه أو يستقيم، وفي النهي: لا تتركه أو يقضيك حقك، ولا تعجل أو يفتح الله، ولا فرق في ذلك بين الخبر والطلب إلا أن في الخبر يجوز لك العدول عن نصب الفعل وأن تعطفه على ما قبله، وأما في الأمر والنهي فالعطف ممتنع معهما ولا يخفى وجه امتناعه (1)، فأما قول القائل:
3839 -
على مثل أصحاب البعوضة فاخمشي
…
لك الويل حرّ الوجه أو يبك من بكى (2)
-
(1) وهو أنه لا يجوز عطف الخبر على الانشاء وبالعكس. انظر: المغني (482) وما بعدها.
(2)
هذا البيت من الطويل وهو لمتمم بن نويرة كما في الكتاب (3/ 9) واللسان «بعض» .
الشرح: البعوضة: ماءة معروف بالبادية، بها كان مقتل مالك بن نويرة فيمن قتلوا بأمر خالد بن الوليد، والبيت حض للنساء على أن يبكين هؤلاء القتلى ويخدشن أحرار وجوههن، وحر الوجه: ما أقبل عليك منه، أو هو الخد أو الوجنة. -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فقيل (1): إن ذلك على إضمار «اللام» أي: وليبك من بكى، وقيل: إنه على الحمل على المعنى؛ لأن معنى اخمشى: لتخمشي.
وقد ذكروا أنها ترد مع الشرط ومع الجواب أيضا فيقال: إن تأت أو تجلس اضرب زيدا، وإن تأت اضرب زيدا أو يستقيم، واختلفوا في قول الشاعر:
3840 -
إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا
…
أو تنزلون فإنّا معشر نزل (2)
فقيل: رفع على القطع، التقدير: أو أنتم تنزلون، وهو قول يونس (3)، وجعله الخليل (4) من العطف على المعنى كأنه قال (5): أتركبون قال: لأن الشرط كالاستفهام في كونه غير واجب.
وخرجه السيرافي (6) على تقدير «إن» الشرطية بـ «إذا» فأجراها مجراها تقديرا فرفع.
ورجّح (7) قوله على قول الخليل بأن فيه إجراء أداة شرط مجرى أداة شرط والاستفهام مخالف للشرط، قالوا: والحمل على الموافق أولى من الحمل على المخالف. -
- والشاهد فيه: في قوله: «أو يبك» حيث أضمر فيه اللام مع إعمالها، ويجوز أن يكون الجزم عطفا على ما في «اخمشي» من معنى الجزم اذ معناه لتخمشي. والبيت في الكتاب (3/ 9)، والمقتضب (2/ 132)، وأصول النحو لابن السراج (2/ 131)، والإنصاف (532) وابن يعيش (7/ 60، 62)، والمغني (225).
(1)
انظر: التذييل (6/ 595).
(2)
هذا البيت من البسيط وهو للأعشى، ديوانه (ص 48).
الشرح: نزل: جمع نازل، وكانوا ينزلون عن الخيل عند ضيق المعركة فيقاتلون على أقدامهم، وفي ذلك الوقت يتداعون: نزال.
والشاهد فيه: رفع «تنزلون» عطفا على معنى «أن تركبوا» وهو المسمى عطف التوهم؛ لأن معناه: أتركبون فذاك عادتنا أو تنزلون في معظم الحرب فنحن معروفون بذلك، وهذا مذهب الخليل وحمله يونس على القطع، والتقدير عنده: أو أنتم تنزلون، قال الشنتمري:«وهذا أسهل في اللفظ والأول أصح في المعنى والنظم» . والبيت في الكتاب (3/ 51)، والمغني (693)، والخزانة (3/ 612)، والهمع (2/ 60).
(3)
انظر: الكتاب (3/ 51) وقال سيبويه: «وقول يونس أسهل» وانظر التذييل (6/ 595).
(4)
انظر: الكتاب (3/ 51)، والتذييل (6/ 595).
(5)
أي الشيخ أبو حيان، انظر: التذييل (6/ 595).
(6)
انظر: شرح كتاب سيبويه للسيرافي (خ)(2/ 220) وعبارته: «قال المفسرون: وفيه قول ثالث وهو عندي أسهل من هذين القولين وهو
أنه تقدر في موضع: إن تركبوا: إذا تركبون؛ لأن إن وإذا يجازى بهما وهما مقاربان في معنى ما يريد المتكلم».
(7)
المرجع الشيخ أبو حيان، انظر التذييل (6/ 595).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومنها: أن الشيخ جعل العطف في نحو: لألزمنك أو تقضيني ديني، ولأقتلن الكافر أو يسلم عطفا على التوهم، فإنه لما قرر المسألة قال (1): ونظير العطف على التوهم - يعني في المسألة المذكورة - قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ (2) ثم قال تعالى بعد ذلك: أَوْ كَالَّذِي (3)؛ لأن معنى ذلك: أرأيت كالذي حاجّ إبراهيم؟
قال: ومنه قول الشاعر:
3841 -
أجدّك لن ترى بثعيلبات
…
ولا بيدان ناجية ذمولا
ولا متدارك واللّيل طفل
…
ببعض نواشغ الوادي حمولا (4)
قال: فقوله: «ولا متدارك» عطف على معنى: لن ترى بثعيلبات، كأنه قال:
أجدك لست براء ولا متدارك. انتهى.
فاقتضى كلامه صريحا أن لا فرق بين العطفين، فالعطف على التوهم هو العطف على المعنى عنده، وكذا عنده العطف على المعنى هو العطف على التوهم، وأن العطف في نحو: لأقتلن الكافر أو يسلم؛ من العطف على التوهم الذي هو عنده عطف على المعنى، وكلام الأمرين فيه نظر وبحث:
أما العطف على التوهم والعطف على المعنى فالظاهر أنهما غيران؛ وذلك أن العطف على التوهم ليس فيه إلا أن يتوهم أن المعطوف عليه على حالة يصح اتصافه بها دون تأويل في الكلام كما في قول القائل:
3842 -
مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة
…
ولا ناعب إلّا ببين غرابها (5)
-
(1) انظر: التذييل (6/ 599).
(2)
سورة البقرة: 258.
(3)
سورة البقرة: 259.
(4)
هذان البيتان من الوافر وهما للمرار بن سعيد الأسدي. الشرح: ثعيلبات وبيدان موضعان، والناجية:
الناقة السريعة، وذمولا: الذمول: ضرب من سير الإبل وهو السير السريع اللين، ونواشغ الوادي:
أعاليه، والحمول: الهوادج.
والشاهد فيه: عطف «ولا متدارك» على معنى «لن ترى بثعيلبات» والبيتان في معاني القرآن (1/ 171)، والخصائص (1/ 388) والخزانة (1/ 262).
(5)
هذا البيت من الطويل وهو للأحوص الرياحي، وقيل: الفرزدق وبحثت في ديوانه فلم أجده وقد أنشده سيبويه في الكتاب ثلاث مرات، نسبه في واحدة (3/ 29) للفرزدق، ونسبه في المرتين الأخريين -