الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[«أن» الزائدة ومواضع ذلك و «أن» المفسرة وأحكام لها]
قال ابن مالك: (فصل: تزاد «أن» جوازا بعد «لمّا» وبين القسم و «لو»، شذوذا بعد كاف الجرّ، وتفيد تفسيرا بعد معنيّ القول لا لفظه، وتفيده «أي» غالبا فيما سوى ذلك، وتقع بين مشتركين في الإعراب فتعدّ عاطفة على رأي، وإن ولي «أن» الصّالحة للتّفسير مضارع معه «لا» رفع على النّفي، وجزم على النّهي، ونصب على النّفي وجعل «أن» مصدرية ولا تفيد «أن» مجازاة خلافا للكوفيين ولا نفيا خلافا لبعضهم).
ــ
وأما توجيه وجوب الرفع بعد حذف «أن» فظاهر؛ لأن المقتضي للعمل قد زال، ولأن عمل «أن» ضعيف ليس بأصل، بل بالحمل على عوامل الأسماء، فلا يناسب إبقاء العمل بعد حذفها (1).
قال ناظر الجيش: «أن» أربعة أقسام: مخففة من «أنّ» ، وناصبة للفعل، وزائدة، ومفسرة. وقد تقدمت الإشارة إلى الأوليين، وهذا الفصل يتضمن الإشارة إلى الأخريين، وهما: الزائدة والمفسرة، قال الإمام بدر الدين (2) رحمه الله تعالى:
«أن» في الكلام على ثلاثة أضرب: مصدرية، وزائدة، ومفسرة. فالمصدرية نحو: أريد أن تفعل، وعلمت أن سوف يقوم زيد، وقد تقدم ذكرهما، والزائدة:
هي التي دخولها في الكلام كخروجها وتقع بعد «لمّا» الحينية كقوله تعالى: فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ (3)، وبين القسم و «لو» كقولك: أما والله أن لو قام زيد قام عمرو، ومثله قول الشاعر:
3919 -
فأقسم أن لو التقينا وأنتم
…
لكان لكم يوم من الشّرّ مظلم (4)
-
(1) وهذا هو مذهب البصريين، وانظر: الإنصاف (ص 562، 563).
(2)
انظر: شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 51).
(3)
سورة يوسف: 96.
(4)
هذا البيت من الطويل قاله المسيب بن علس كما في مراجعه، ومعناه: لو التقينا متحاربين لأظلم نهاركم، فصرتم منه في مثل الليل.
والشاهد فيه زيادة «أن» بين القسم و «لو» و «لو أنتم» عطف على الضمير المرفوع في «التقينا» ، وهذا في غير الضرورة قبيح. والتقدير: لو التقينا نحن وأنتم.
والبيت في الكتاب (3/ 107)، ابن يعيش (4/ 94)، والمغني (33).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وتشذ زيادتها بعد كاف الجر كما في قوله:
3920 -
كأن ظبية تعطو إلى وارق السّلم (1)
يروى بنصب «ظبية» على أنها اسم «كأن» ، وبرفعها على أنها الخبر والاسم محذوف، وبجرها على زيادة «أن» والكاف حرف تشبيه.
وأما المفسرة: فهي الداخلة على جملة محكي بها قول مقدر مفسر بجملة بمعنى القول لا لفظه، مذكورة أو محذوفة، فالمذكورة كما في قوله تعالى: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ (2) تقديره: ونودوا أي قيل لهم: تلكم الجنة، ومثله قوله عز وجل:
فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا (3)، وقوله تعالى: ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ (4)؛ لأن: ما أمرتني به في معنى القول لا لفظه وما بعده مفسّر له، والمعنى: ما أمرتني به أي: قول: اعبدوا الله.
وأما المحذوفة فكقوله تعالى: وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا (5) المعنى: ثم نهضوا وانطلقوا من مجالسهم يومئون أي: يقول بعضهم لبعض: امشوا، ولو كان المحذوف مقدرا بلفظ القول لم تدخل «أن» كقوله تعالى: وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ (6)، وقوله تعالى وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ [5/ 136] عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ (7) ولو لم يكن ما قبل «أن» جملة كما في قوله تعالى:
وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (8) فهي مصدرية في موضع رفع بالخبر لا مفسرة؛ لأن المفسرة لا تدخل إلا على جملة محكية هي فضلة في الكلام.
ويستفاد التفسير بـ «أي» بعد ما فيه معنى القول قليلا، وبعد غيره مما يحتاج إلى التفسير لإجمال اللفظ، أو غرابة فيه، أو حذف منه كثيرا، فيؤتى بها مع المفسر بيانا لما قبلها أو بدلا منه، وقد تقع بين مشتركين في الإعراب فعدّها صاحب -
(1) سبق شرحه.
(2)
سورة الأعراف: 43.
(3)
سورة المؤمنون: 27، وقوله تعالى: بِأَعْيُنِنا ليست في (ب).
(4)
سورة المائدة: 117.
(5)
سورة ص: 6.
(6)
سورة الأنعام: 93.
(7)
سورة الرعد: 23، 24.
(8)
سورة يونس: 10.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«المفتاح» (1) عاطفة (2)، وليس بمرض؛ لأنه يجوز الاستغناء عنها وحرف العطف لا يستغنى عنه فإن قلت: إذا جاز الاستغناء عن وقوع «أي» بين المشتركين في الإعراب، فما الفائدة في ذكرها؟ قلت: الفائدة هي التنبيه على حاجة ما قبلها إلى التفسير، ورفع توهم كون التابع بدل غلط أو نسيان أو إضراب.
ويجوز الحكم على «أن» الصالحة للتفسير بكونها مصدرية فتقول: أشرت إليه أن أفعل، على معنى: أشرت إليه بالفعل، بدليل ظهور «الباء» في قولهم: أو عزت إليه بأن افعل، وإذا ولي «أن» هذه مضارع فإن كان مثبتا كقولك: أو حيت إليه أن يفعل، جاز رفعه على معنى: أي: ونصبه على جعل «أن» مصدرية، وإن كان بعد «لا» (3) جاز جزمه على النهى وكون «أن» تفسيرية، ورفعه ونصبه على النفي ومعنى «أي» ، أو كون «أن» مصدرية.
وزعم الكوفيون (4) في «أن» أنها حرف مجازاة في مثل قوله:
3921 -
أتجزع أن أذنا قتيبة حزّتا
…
جهارا ولم تجزع لقتل ابن مالك (5)
لصحة وقوع «إن» موقعها كقولك: أتجزع إن أذنا قتيبة حزتا؟ والصحيح أنها مصدرية مقدر معها «اللام» كأنه قال: أتجزع لأن حزّت أذنا قتيبة؟
ولا تدل «أن» على نفي خلافا لبعضهم. انتهى كلامه رحمه الله تعالى. -
(1) هو كتاب «مفتاح العلم» وصاحبه هو: يوسف بن أبي بكر بن محمد بن علي أبو يعقوب السكاكي، إمام في النحو والتصريف والمعاني
والبيان وغيرها، وكتابه المذكور فيه اثنا عشر علما من علوم العربية. توفى بخوارزم سنة (626 هـ). انظر: بغية الوعاة (2/ 364).
(2)
هذا مذهب الكوفيين. انظر: التذييل (6/ 700)، والمغني (ص 76).
(3)
مثاله: أشرت إليه أن لا تفعل، انظر: التذييل (6/ 701).
(4)
انظر: التذييل (6/ 702).
(5)
هذا البيت من الطويل قاله الفرزدق (2/ 311).
الشرح: قوله: أتجزع: يروى في مكانه أتغضب وقتيبة: هو ابن مسلم الباهلي، والحز: القطع،، والبيت من قصيدة طويلة للفرزدق يمدح فيها سليمان بن عبد الملك ويهجو جريرا.
والشاهد في قوله: «أن أذنا» حيث استدل الكوفيون على مجيء «أن» شرطية بمعنى «إن» وقد تأول الخليل ذلك على أنها الناصبة للفعل، وعلل ذلك بقوله: لأنه قبيح أن تفصل بين «أن» والفعل. انظر:
الكتاب (3/ 161)، والبيت في المغني (ص 26)، والهمع (2/ 19).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وتعبيره عن «لمّا» بالحينية إنما هو على مذهب من يرى ظرفيتها، ولم يعبر والده عنها بذلك، بل عبّر عنها بالمقابلة لـ «لو» يعني أنها حرف وجوب لوجوب، كما أن «لو» حرف امتناع لامتناع.
وذكر المصنف (1) أن أبا الحسن يرى زيادة «أن» في قوله تعالى: وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (2) قال (3): واعتذر عن النصب بها مع زيادتها بأن الزائد قد عمل مثل: ما جاءني من أحد، قال المصنف (4): وما ذهب إليه أبو الحسن رحمه الله تعالى ضعيف؛ لأن «من» الزائدة مثل غير الزائدة لفظا واختصاصا، فجاز أن تعمل، بخلاف «أن» الزائدة فإنها تشبه غير الزائدة لفظا لا اختصاصا؛ لأنها قد يليها الاسم كقول الشاعر:
3922 -
كأن ظبية تعطو إلى وارق السّلم (5)
على رواية من جر ظبية بـ «الكاف» ، فـ «أن» حينئذ زائدة، وقد وليها اسم فثبت عدم اختصاصها بالأفعال، فلا يصح إعمالها.
وأما «أن» في قوله تعالى: أَلَّا نُقاتِلَ فمصدرية دخلت وَما لَنا لتضمنه معنى: ما منعنا. انتهى.
والذي ذكره المعربون في الآية الشريفة، أن التقدير: وما لنا في أن لا نقاتل، فتكون «لا» على هذا التخرج غير زائدة، وعلى تخريج المصنف زائدة، وللناظر ترجيح أحد التخريجين على الآخر.
وأما قول بدر الدين في «أن» المفسرة: إنها هي الداخلة على جملة محكي بها قول مقدر مفسر بجملة قبله - فظاهره يعطي أن ثمّ قولا مقدرا بعد الجملة الأولى وقبل الجملة الثانية، ولم أتحقق ذلك، وقد قال والده (6): وعلامة المفسرة أن يكون قبلها جملة فيها معنى القول دون حروفه. فلم يقل: إن ثمّ قولا مقدرا، وهذا هو -
(1) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1528) وشرح العمدة (ص 225).
(2)
سورة البقرة: 246.
(3)
أي: المصنف، انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1528)، وشرح العمدة (ص 225).
(4)
انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1528، 1529).
(5)
تقدم.
(6)
انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1522).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المعروف في المفسرة، فقوله تعالى: أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ (1) هو المفسر لقوله تعالى:
فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ (2)، وأما قوله في قوله تعالى: وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا (3):
إن التقدير: ثم نهضوا وانطلقوا من مجالسهم يومئون أي: يقول بعضهم لبعض:
امشو - فلم أفهمه، والذي قاله العلماء في هذه الآية الشريفة: إن الانطلاق ليس المراد به المشي، بل انطلاق ألسنتهم بهذا الكلام، كما أن المشي ليس المراد به المشي المتعارف، بل المراد به الاستمرار على الشيء (4)، فقد وقعت «أن» المفسرة بعد جملة فيها معنى القول دون حروفه.
وأما قوله تعالى: ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ (5) فقال الزمخشري (6): يجوز أن تكون «أن» مفسرة للقول على تأويله بالأمر أي:
ما أمرتهم إلا بما أمرتني به أن اعبدوا الله، واستحسنه بعض العلماء قال (7): ولا يجوز أن تكون أَنِ في الآية الشريفة مفسرة لـ أَمَرْتَنِي لأنه لا يصلح أن يكون: اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ (8)، مقولا لله تعالى؛ فلا يصح أن يكون تفسيرا لأمره لأن المفسّر عين مفسّره. انتهى.
ولا يظهر لي منع ذلك، لأنا بعد تسليم ما قاله نقول: لا يمتنع أن يكون رَبِّي وَرَبَّكُمْ من مقول عيسى صلى الله عليه وسلم فالله تعالى أمره أن يقول لهم: اعبدوا الله، فلما قال لهم ذلك مريدا لحصول عبادة الله تعالى منهم قوى ذلك
عندهم بالاعتراف بربوبية الله تعالى حملا لهم على العبادة؛ لأن المربوب يتعين عليه عبادة ربه، فكان اعْبُدُوا اللَّهَ هو الذي أمره الله تعالى أن يقوله، ورَبِّي وَرَبَّكُمْ قاله من عند نفسه حرصا منه صلى الله عليه وسلم على أن يمتثلوا ما أمرهم به من العبادة، لا يقال: القصر يقتضي أنه ما قال إلا ما أمره الله تعالى أن يقوله، ولم يكن رَبِّي وَرَبَّكُمْ فيما أمر به، لأنا نقول: لو كان القصر في الآية الشريفة قصر إفراد لوجب ذلك، ولكن القصر فيها إنما هو قصر قلب؛ لأن قوله تعالى: وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ (9) فيه أن المبعوث إليهم عيسى صلى الله عليه وسلم
(1) و (2) سورة المؤمنون: 27.
(3)
سورة ص: 6.
(4)
انظر: المغني (ص 32).
(5)
سورة المائدة: 117.
(6)
انظر: الكشاف (1/ 541، 542)، والمغني (ص 32).
(7)
انظر: المغني (ص 32).
(8)
سورة المائدة: 117.
(9)
سورة المائدة: 116.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يدّعون أنه قال لهم ذلك، والمقصود في ذلك المقام العظيم تكذيب عيسى لهم، وذلك إنما يتم بإبطال ما ادّعوا، فقال: ما ادّعوه، فقال: ما ادّعوه ليس بصحيح وهو أني أمرتهم [5/ 137] بعبادة غير الله [تعالى]، إنما كان المقول لهم خلاف ذلك، فكان القصر حينئذ قصر قلب، فكأنه قال صلى الله عليه وسلم: لم أقل لهم ما يدّعونه ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله، ثم إنه صلى الله عليه وسلم قصد إقامة الدليل على وجوب العبادة عليه وعليهم، فكمل الكلام بقوله: رَبِّي وَرَبَّكُمْ (1).
وأشار المصنف بقوله: (وإن ولي «أن» الصّالحة للتّفسير مضارع معه «لا» إلى آخره إلى أن «أن» في بعض المحال صالحة لأن تكون مفسرة وأن تكون غير مفسرة، قال في شرح الكافية (2): وإذا وقع بعد «أن» المفسرة مضارع رفع نحو قولك:
أشرت إليه أن يفعل؛ بالرفع على معنى «أي» [ويجوز النصب على كون «أن» مصدرية، فلو كان مع الفعل «لا» جاز رفعه على النفي ومعنى «أي»]، وجزمه على النهي ومعنى «أي» ، ونصبه على النفي وكون «أن» مصدرية. انتهى.
وعلم من ذلك أن قوله في التسهيل: وإن ولي «أن» الصّالحة للتّفسير مضارع معه «لا» رفع على النّفي، وجزم على النّهي يستفاد منه أن «أن» تكون مفسرة مع الرفع والجزم، ولا شك أن الأمر كذلك، ولكن (أراد أن يتمّ الرّضاعة) بالرفع (3) على الإلغاء، وتقدمت الإشارة في أوائل الباب إلى أنها قد تلغى بل قد قال بعضهم (4):
يحتمل أن تكون مصدرية مع الجزم أيضا وذلك بأن تكون المخففة، ولكنه بعيد، وإنما ادعى الكوفيون أن «أن» للمجازاة في قول الشاعر:
3923 -
أتغضب أن أذنا قتيبة حزّتا
…
.... (5)
من أجل أن «أن» الناصبة لا يفصل بينها وبين الفعل، فلا يجوز: أن زيد قام خير من أن يقعد، وفي البيت المذكور قد حصل الفصل، قالوا: ولا يجوز أن تكون المخففة من الثقيلة؛ لأنه لم يتقدم عليها فعل تحقيق ولا شك فتعين أن تكون للجزاء (6). -
(1) سورة المائدة: 117.
(2)
انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1530).
(3)
هي قراءة مجاهد. انظر: مختصر شواذ القرآن (ص 14)، والبحر المحيط (2/ 213).
(4)
انظر: التذييل (6/ 701).
(5)
سبق شرحه.
(6)
انظر: التذييل (6/ 702).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والجواب: أن الفصل بين الحرف الناصب ومنصوبه قد ثبت في الضرورة، ولم يثبت أن «أن» تكون حرف شرط، والخليل هو الذي حكم بأنها الناصبة للفعل (1) وكفى بذلك.
وتناول المبرد (2) ذلك في البيت على أنها المخففة من الثقيلة والتقدير: أتغضب من أجل أنه أذنا قتيبة حزتا؟ ثم حذف الجار ومجروره وخففت «أنّ» .
وأما قوله: إنها لا تفيد نفيا خلافا لبعضهم فقال الشيخ (3): ذكر أبو محمد بن السيد عن أبي الحسن الهروي (4) أن «أن» تكون بمعنى «لا» في مذهب بعض النحويين كقوله تعالى: قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ (5) قالوا: معناه: لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، وقال آخرون: المعنى: ولا تؤمنوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لمن تبع دينكم، قالوا: وقوله تعالى: قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ اعتراض بين الفعل والمفعول (6).
وقال الشيخ (7): وقد ترك المصنف ذكر معاني أخر لـ «أن» :
منها: أن تكون بمعنى: إذ، كقوله تعالى: بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ (8)، وكقوله تعالى: أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ (9)، قال: وهذا ليس بشيء، بل «أن» في الآيتين مصدرية، والتقدير: بل عجبوا لأن جاءهم منذر منهم، وكذلك:
يخرجون الرسول وإياكم لأن تؤمنوا بالله ربكم.
ومنها: أن تكون بمعنى: لئلا، كقولك: ربطت الفرس أن ينفلت، وكقوله تعالى: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا (10)، وقال عمرو بن كلثوم (11): -
(1) انظر: الكتاب (3/ 161)، والتذييل (6/ 702).
(2)
انظر: التذييل (6/ 702)، والمغني (27)، وقد بحثت في المقتضب والكامل للمبرد فلم أعثر على البيت ولا تعليق المبرد عليه.
(3)
انظر: التذييل (6/ 702) وقد نقله بتصرف.
(4)
هو علي بن محمد أبو الحسن الهروي، عالم باللغة والنحو، من أهل هراة، سكن مصر وقرأ على الأزهري له الأزهرية في علم الحروف توفي سنة (415 هـ). انظر: ترجمته في بغية الوعاة (2/ 205).
(5)
سورة آل عمران: 73.
(6)
قال أبو حيان بعد هذا الكلام: «انتهى ما نقله أبو محمد بن السيد عن الهروي» وانظر: الأزهرية في علم الحروف للهروي (ص 29).
(7)
انظر: التذييل (6/ 703 - 706).
(8)
سورة ق: 2.
(9)
سورة الممتحنة: 1.
(10)
سورة النساء: 176.
(11)
هو عمرو بن كلثوم بن مالك من بني تغلب، شاعر جاهلي، كان من أعز الناس نفسا، أشهر -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
3924 -
تركتم منزل الأضياف منّا
…
فعجّلنا القرى أن تشتمونا (1)
أي: لئلا ينفلت، ولئلا تضلوا، ولئلا تشتمونا، قال (2): والصحيح أن «أن» هنا ليست بمعنى: لئلا؛ لأنه يلزم من ذلك وقوع الفعل المثبت منفيّا، ألا ترى أن قوله: أن ينفلت فعل مثبت، إلا أنه لا يصح أن يجعل علة للربط، ولا الضلال علة للبيان، ولا الشتم علة لتعجيل القرى؛ لأن الشيء لا يعلل بما لا يقتضيه ولا يتسبب عنه، لكنه يتصور إبقاء «أن» على حالها ويكون ذلك على حذف مضاف، التقدير: ربطت الفرس مخافة أن ينفلت، ويبين الله لكم كراهة أن تضلوا، وفعجلنا القرى مخافة أن تشتمونا، ويكون ذلك كله مفعولا من أجله.
ومنها: ما ذكره أبو علي الفارسي من أنها تكون بمعنى «أن» المخففة من الثقيلة بقوله: إن كان زيد لعالما، فإذا أدخلت على «إن» هذه فعلا ناسخا فتحتها نحو:
علمت أن كان زيد لعالما، وهذا بناء منه على أن «اللام» الداخلة بعد «إن» المخففة من الثقيلة ليست لام الابتداء وإنما هي فارقة بينها وبين «إن» النافية، واستدل على أنها ليست لام الابتداء بأن الفعل الذي قبلها يعمل في ما بعدها نحو: إن كان زيد لعالما، ولام الابتداء لا يعمل ما قبلها في ما بعدها، وإذا لم تكن لام الابتداء لم يكن للفعل الذي قبلها مانع من فتحها، فلذلك وجب أن يقال: علمت أن كان زيد لعالما، فتفتح، ولا تلزم اللام حينئذ؛ لأن دخولها إنما كان للفرق، وإذا فتحت لم تحتج إلى فرق، فوجب أن تكون هذه قسما برأسها؛ لأنها ليست بزائدة، ولا مفسرة، ولا ناصبة للفعل؛ لأنها مفتوحة مخففة من «أن» والمخففة لا تعمل في الفعل، فكذلك هذه، ولا هي أيضا المخففة من الثقيلة؛ لأن تلك إذا دخلت على الفعل كان في موضع رفع بها على أنه خبر لها، واسمها مضمر فيها، و «أن» هذه ليست بعاملة للدليل الذي ذكرناه من أنها مفتوحة من «أن» المخففة من الثقيلة وتلك -
- شعره معلقته التي مطلعها:
ألا هبي بصحنك فاصبحينا
انظر: ترجمته في الشعر والشعراء (240 - 242).
(1)
هذا البيت من الوافر، وهو من معلقة عمرو بن كلثوم افتخارا على بني بكر.
والشاهد في قوله: «أن تشتمونا» على أن «أن» بمعنى: لئلا، والصواب أنها مصدرية على تقدير:
مخافة أن تشتمونا. والبيت من شواهد المغني (36)، وأمالي المرتضى (2/ 49).
(2)
أي: أبو حيان.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ملغاة إذا دخلت على الأفعال، فكذلك ما هو بغير منها، فثبت أنها قسم برأسه.
قال: وهذا الذي ذهب إليه الفارسي من فتح «أن» في نحو: علمت أن كان زيد لعالما غير متفق عليه، بل ذهب غيره (1) إلى أنه يجب الكسر في «أن» هذه، وقد اختلف في الحديث المشهور «قد علمنا إن كنت لمؤمنا» (2)، فقال أبو علي: لا تكون إلا مفتوحة، وقال المخالف له (3): لا تكون إلا مكسورة، وهذا الخلاف مبني على الخلاف في «اللام» أهي مجتلبة للفرق [5/ 138] أم هي لام الابتداء لزمت للفرق؟. انتهى.
والحق أن «اللام» لام الابتداء لزمت للفرق وهو مذهب سيبويه صرح بذلك في كتابه (4)، وقد تقدم الكلام على ذلك في باب «الأحرف الناصبة الاسم الرافعة الخبر» (5).
وإذ قد عرف هذا فلم يكن المصنف ترك ذكر معاني أخر كما ذكر الشيخ؛ لأن المعنيين الأوليين قد أبطلهما هو، والمعنى الثالث تبيّن أن الصحيح فيه خلاف ما يذهب إليه الفارسي.
ثم قد بقي التنبيه على أمور:
منها: أنهم ذكروا موضعا رابعا تزاد فيه «أن» وهو بعد «إذا» (6)، قال الشاعر:
3925 -
فأمهله حتّى إذا أن كأنّه
…
معاطي يد في لجّة الماء غامر (7)
-
(1) في التذييل: «بل ذهب أبو الحسن علي بن سليمان وغيره» . التذييل (6/ 706).
(2)
انظر: المغني (ص 232)، وشرح الألفية للأبناسي (1/ 234)، والأشموني (1/ 288).
(3)
في التذييل: «فقال أبو الحسن» ويعني به أبا الحسن علي بن سليمان الأخفش الصغير.
(4)
قال في الكتاب (2/ 139)(هارون): «واعلم أنهم يقولون: إن زيد لذاهب، وإن عمرو لخير منك، لما خففها جعلها بمنزلة «لكن» حين خففها، وألزمها اللام؛ لئلا تلتبس بـ «إن» التي هي بمنزلة «ما» التي تنفي بها» وانظر (4/ 233).
(5)
انظر: التسهيل (ص 65).
(6)
انظر: المغني (ص 34).
(7)
هذا البيت من الطويل، وهو من قصيدة فائية لأوس بن حجر، ديوانه (ص 71).
الشرح: قوله: حتى إذا أن كأنه أي: حتى كأنه، وأن: هنا زائدة أي حتى بلغ الحمار هذا الوقت، والمعاطي: المناول، أي حتى اطمأن وصار في الماء بمنزلة المعاطي الذي يتناول فيه.
والشاهد فيه: زيادة «أن» بعد «إذا» ، والبيت في المغني (ص 34)، وشرح شواهده (ص 112)، والتصريح (2/ 233)، والهمع (2/ 18)، والدرر (2/ 12).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومنها: أنهم ذكروا أن «أن» الزائدة تفيد توكيد معنى الكلام التي هي فيه (1)، وزعم الزمخشري أنه ينجر مع التوكيد معنى آخر فقال (2) في قوله تعالى: وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ (3): دخلت «أن» في هذه القصة، ولم تدخل في قصة إبراهيم صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً (4) تنبيها وتأكيدا في أن الإساءة كانت بعقب المجيء، فهي مؤكدة للاتصال واللزوم، ولا كذلك في قصة إبراهيم؛ إذ ليس الجواب فيه كالأول وجعلها الشلوبين منبهة على السبب، وأنه واقع بعقبه الإساءة، قال (5):«لأنها تكون للسبب في قولك: جئت أن تعطيني أي: للإعطاء، فلما كانت مفعولا من أجله دخلت هناك تنبيها على أن الإساءة كانت لأجل المجيء قال (6): وكذلك في قولهم: أما والله أن لو فعلت لفعلت، أكدت «أن» (7) ما بعد «لو» (8) وهو السبب في الجواب الذي غلبت عليه. انتهى.
ولم أتحقق قول الشلوبين: لأنها تكون للسبب في قولك: جئت أن تعطيني؛ -
(1) انظر: التذييل (6/ 694)، والمغني (ص 34).
(2)
هذا الكلام ذكره الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 695)، وعبارة الزمخشري في الكشاف هكذا:
قال في الكشاف (3/ 356) عند تفسير قوله تعالى: وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ: «أن صلة أكدت وجود الفعلين مترتبا أحدهما على الآخر في وقتين متجاورين، لا فاصل بينهما، كأنهما وجدا في جزء واحد من الزمان، كأنه قيل: لما أحسّ بمجيئهم فاجأته المساءة من غير ريث» انتهى.
والرّيث: البطء.
(3)
سورة العنكبوت: 33.
(4)
هكذا وردت هذه الآية في التذييل (6/ 695)، وقد نقلها عنه ابن هشام في المغني (1/ 34).
ولكنه علق عليها وصوبها، وقد ركب أبو حيان الآية المذكورة من آيتين، فالآية التي فيها «قالوا سلاما» ليس فيها «لما» وهي قوله تعالى في
سورة هود: وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً من الآية (69)، والآية التي فيها «لما» جوابها غير جواب هذه الآية، وهى قوله تعالى في سورة العنكبوت:
وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ من الآية (31)، فأبو حيان ركب من الآيتين آية واحدة ونسب ذلك للزمخشري الذي لم يقل ذلك كما سنقف عليه إن شاء الله تعالى.
(5)
أي: الشلوبين. انظر: التذييل (6/ 695)، والمغني (34).
(6)
أي: الشلوبين.
(7)
بعدها في (جـ)، (أ)«أن» وهى زيادة تؤدي إلى اضطراب في العبارة.
(8)
في التذييل (6/ 695)، في (جـ)، (أ)«الواو» وهو خطأ، والصواب أنها «لو» كما ذكرت، وانظر: المغني (34).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأن الكلام الآن إنما هو في الزائدة، و «أن» في «أن تعطيني» ليست زائدة.
وبعد، فقال الشيخ (1): وهذا الذي ذهب إليه الزمخشري والشلوبين (2) لا يعرفه كبراء النحويين.
ومنها: أنّ «أن» التفسيرية قد علم أنها أجريت في التفسير مجرى «أي» ، لكن «أي» تدخل على المفرد، بخلاف «أن» فيقال: ما رأيت رجلا أي شجاعا، ولا يجوز: مررت برجل أن شجاع، ولما تكون «أن» مفسرة للجملة الفعلية تكون مفسرة للجملة الاسمية فتقول: كتبت إليه أن افعل، وقالوا: أرسل إليه أن ما أنت وذا؟ (3)، كأنه قيل: أرسل إليه فقل له قولا أي: ما شأنك وهذا؟ (4).
ومنها: أن الشيخ قال (5): ظاهر قول المصنف: (وتفيده أي غالبا فيما سوى ذلك) أنّ «أي» لا تكون تفسيرا لما تضمن معنى القول؛ لأنه قال: فيما سوى ذلك، وليس كذلك، بل تكون أيضا مع ما تضمن معنى القول فتقول: كتبت إليه أي قم، وناديته أي اضرب زيدا، لكنه قليل، وتكون «أي» تفسيرا للقول أيضا فتقول: قال زيد قولا أي أكرم عبد الله، قال: وقوله: «غلبا» لأن الإنسان قد لا يفسر ما أجمله، أو لأن ثمّ لفظا آخر يفسر به وهو لفظة:«أعني» ، لكن «أعني» عاملة بخلاف «أي» .
ومنها: أنه قد تقدم أن «أي» إذا وقعت بين مشتركين في الإعراب لا تعدّ عاطفة وكانت باقية على أنها مفسرة، وقد ذكر المصنف هذه المسألة في باب «العطف» (6)، وخرّج الواقع بعدها على أنه عطف بيان، فإذا قلت: هذا الغضنفر أي الأسد، فـ «الأسد» عطف بيان.
قال الشيخ (7): «ويقال له أيضا: لم نر عطف بيان يتوسط بينه وبين ما يبين -
(1) انظر: التذييل (6/ 695، 696).
(2)
في التذييل: «والأستاذ أبو علي» .
(3)
في الكتاب (3/ 163): «وقال الخليل: تكون - يعني «أن» - أيضا على أي، وإذا قلت:
أرسل إليه أن ما أنت وذا؟ فهي على أي».
(4)
هذا الكلام ذكره الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 698) وقد نقله المؤلف عنه مع تغيير يسير ولم يشر.
(5)
انظر: التذييل (6/ 700).
(6)
انظر: الباب المذكور (عطف النسق، أوله) وانظر كلام ابن مالك في شرح التسهيل: (3/ 347).
(7)
انظر: التذييل (6/ 701).