الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[إذن الناصبة للمضارع وأحكامها]
قال ابن مالك: (وينصب غالبا بـ «إذن» مصدّرة إن وليها، أو ولي قسما وليها ولم يكن حالا، وليست «أن» مضمرة بعدها خلافا للخليل، وأجاز بعضهم فصل منصوبها بظرف اختيارا، وقد يرد ذلك مع غيرها اضطرارا، ومعناها الجواب والجزاء، وربّما نصب بها بعد عطف أو ذي خبر).
ــ
أحدهما: أن تكون «كما» ليس أصلها: «كيما» بل هي «كما» التي بمعنى «لعل» مركبة من الكاف و «ما» فصارتا بمنزلة حرف واحد، ومنه قول العرب:
انتظرني كما آتيك، أي: لعلّي آتيك.
ثانيهما: أن يكون أصلها «كيما» فحذفت الياء لكن رفع الفعل بعدها لأن «ما» كافة لها عن العمل كما في قول الآخر:
3812 -
كيما يضرّ وينفع (1)
قال ناظر الجيش: لما انتهى الكلام على الأحرف الثلاثة الناصبة شرع في ذكر الناصب الرابع وهو: «إذن» (2).
ولما لم تكن هذه الكلمة مختصة بالأفعال انحطت رتبتها في العمل عن أخواتها فاشترط في عملها ما لم يشترط في غيرها، وجاز فيها أن تلغى أيضا وإن استكملت الشروط، والمصنف ذكر شروط عملها أولا ثم ثنّى بذكر خلاف في جواز الفصل في الاختيار بينها وبين منصوبها بالظرف، ثم ثلّث بذكر معناها وأشار مع ذلك إلى جواز إلغائها مع استكمال الشروط وإلى ذكر خلاف الخليل في قوله: إن «أن» مضمرة بعدها، وإلى جواز إعمالها وإن وقعت حشوا. -
(1) تقدم.
(2)
وانطلاقا مما ذهب إليه ابن عصفور رأيت أن أكتبها بالنون فرقا بينها وبين «إذا» وانظر الأشموني (3/ 291).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وبعد: فأنا أورد كلامه في شرح الكافية ثم كلام ولده ثم أشير إلى ما لا بد منه مما يتعلق بالكلمة المذكورة أعني «إذن» .
أما ما ذكره هو فإنه قال (1): إن «إذن» تنصب المضارع المراد استقباله لا المراد به الحال لأن المراد به الحال لا بد من رفعه بعدها نحو قولك لمن قال: أحبّك: إذن أصدقك، ولا تنصبه وهو مستقبل إلا إذا صدّرت [5/ 103] الجملة بها، أو كانت في حكم المصدر بها واتصل بها الفعل أو توسط بينهما يمين نحو قولك لمن قال:
أزورك: إذن أكرمك، أو: إذن والله أكرمك، فالقسم لا يعدّ هنا حاجزا كما لم يعدّ حاجزا بين المضاف والمضاف
إليه كقول بعض العرب: هذا غلام والله زيد، حكاه الكسائي (2)، واغتفر ذلك في «إذن» ؛ لأنها غير ممتزجة بما تعمل فيه امتزاج غيرها.
فلو توسطت «إذن» بين ذي خبر وخبر، أو بين ذي جواب وجواب ألغيت، ولو قدم عليها حرف عطف جاز إلغاؤها وإعمالها وإلغاؤها أجود وهي لغة القرآن العزيز التي قرأ بها السبعة (3) في قوله تعالى: وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (4)، وفي بعض الشواذ (لا يلبثوا) بالنصب (5)، وشذ أيضا النصب بـ «إذن» بين خبر وذي خبر في قول الشاعر:
3813 -
لا تتركنّي فيهم شطيرا
…
إنّي إذن أهلك أو أطيرا (6)
-
(1) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1535).
(2)
انظر: الهمع (2/ 52) والأشموني (2/ 277).
(3)
انظر: القراءة في السبعة لابن مجاهد (ص 382)، والحجة لابن خالويه (ص 220)، والكشف (2/ 50).
(4)
سورة الإسراء: 76.
(5)
انظر: مختصر شواذ القرآن (ص 27، 77) وهي قراءة عبد الله بن مسعود وأبيّ بن كعب، وانظر: البحر المحيط (6/ 66).
(6)
هذا بيت من الرجز ينسب لرؤبة وليس في ديوانه، الشرح: الشطير: البعيد وقيل: الغريب، وانتصابه على الحال، وأهلك معناه: أموت. والشاهد في قوله: «إني إذن أهلك» حيث أعملها مع أنها معترضة بين «إنّ» وخبرها، وهو ضرورة، وخرج على حذف خبر «إنّ» أي لا أقدر على ذلك ثم استأنف ما بعده. وانظر البيت في الإنصاف (ص 177) وابن يعيش (7/ 17)، والمغني (ص 22)، وشرح شواهده (ص 70).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وحكى سيبويه (1) عن بعض العرب الفصحاء إهمال «إذن» مع استيفاء شروط العمل. انتهى.
وقد عرف من كلامه أن الشروط لعملها ثلاثة: كون الفعل الذي تعمل فيه مستقبلا، وكونه متصلا بها غير مفصول بينها وبينه إلا بقسم، وكونها صدر الجملة، وهي التي أشار إليها في التسهيل بقوله: مصدّرة إن وليها أو ولي قسما وليها ولم يكن حالا.
أما اشتراط استقبال الفعل: فلأن أخوات «إذن» من النواصب يتخلص الفعل معها للاستقبال، فعرفنا أن الناصب
يخلص المضارع للاستقبال فوجب أن لا يكون لها عمل في ما هو حال (2).
وأما اشتراط عدم الفصل: فلأن نواصب الفعل لا يفصل بينها وبين منصوبها (3)، وإنما جاز الفصل بالقسم؛ لأن القسم هو تأكيد لمضمون الجملة، وإذا كان الفاصل يفيد التأكيد فكأنه يعدّ غير فاصل، ويدل على الاعتداد به في الفصل الفصل به بين الجار والمجرور في النثر نحو: اشتريته بو الله ألف درهم وبين المضاف والمضاف إليه نحو قولهم: هذا غلام والله زيد، حكاه الكسائي عن العرب (4).
ولم يفصلوا بالظرف بين المتضايفين ولا بين الجار والمجرور إلا في الضرورة، وذكر ابن أبي الربيع أن الفصل بين «إذن» والفعل بالنداء أو بـ «لا» كالفصل بالقسم فلا يبطل عملها (5).
وأقول: أما كون الفصل بـ «لا» غير معتد به فظاهر؛ لأنها لم يعتد بها فاصلة -
(1) قال في الكتاب (3/ 16): «وزعم عيسى بن عمر أن ناسا من العرب يقولون: إذن أفعل ذاك في الجواب» .
(2)
انظر: الهمع (2/ 6)، والصبان (3/ 287).
(3)
انظر: الكتاب (3/ 13) وشرط اتصالها بالمضارع لضعفها مع الفصل عن العمل فيما بعدها. انظر شرح التصريح (2/ 235).
(4)
انظر: شرح الكافية (3/ 1536)، وشرح التصريح (2/ 235).
(5)
لعل كلام ابن أبي الربيع هذا في شرح الإيضاح له ولم أعثر عليه، وذهب ابن بابشاذ إلى جواز الفصل بين «إذن» والفعل بالنداء والدعاء. انظر شرح الألفية للأبناسي (2/ 272)، وشرح التصريح (2/ 235)، والأشموني (3/ 289).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مع «أن» فكذا لا يعتد بها فاصلة مع «إذن» ، وأما الفصل بالنداء فلا يبعد القول به إن ورد به سماع.
وذهب الكسائي وهشام (1) إلى جواز الفصل بمعمول الفعل، لكن الاختيار حينئذ عند الكسائي النصب، وعند هشام الرفع (2) نحو: إذن فيك أرغب، وإذن صاحبك أكرم.
فلو قدم معمول الفعل على «إذن» نحو: زيدا إذن أكرم، فعند الفراء يبطل العمل (3).
وأجاز الكسائي الرفع والنصب، قال الشيخ (4): ولا نص أحفظه عن البصريين في ذلك بل يحتمل قولهم: إنه يشترط في عملها أن تكون مصدرة أن لا تعمل والحالة هذه؛ لأنها لم تتصدر، ويحتمل أيضا أن يقال: إنها تعمل لأنها وإن لم تتصدر لفظا فهي مصدرة في النية؛ لأن النية بالمفعول التأخير، قال: ولقائل أن يقول: لا يجوز تقديم
معمول الفعل بعد «إذن» لأنها إن كانت مركبة فظاهر؛ لأن «أن» لا يكون معها ذلك - أعني التقديم - وإن لم تكن مركبة فلا يجوز أيضا؛ لأن ما فيها من الجزاء يمنع أن يتقدم معمول ما بعدها عليها.
قال: ولما كان من مذاهب الكوفيين جواز تقديم معمول فعل الشرط على أداة الشرط أجازوا ذلك في «إذن» كما أجازوا ذلك في «إن» نحو زيدا إن يضرب أضربه. انتهى.
وما قاله من أن ما فيها من الجزاء يمنع أن يتقدم معمول ما بعدها عليها، غير ظاهر؛ لأن معمول فعل الجزاء يجوز تقديمه على الجزاء، ولا يمنع ذلك إلا الفراء (5)، وقد أنشدوا على ذلك قول القائل:
3814 -
وللخيل أيّام فمن يصطبر لها
…
ويعرف لها أيّامها الخير تعقب (6)
-
(1) هذا كلام أبي حيان في التذييل (6/ 564، 565).
(2)
انظر: شرح التصريح (2/ 235)، والأشموني (3/ 289).
(3)
انظر: الهمع (2/ 7).
(4)
انظر: التذييل (6/ 565) وقد نقله بتصرف.
(5)
انظر: الإنصاف (ص 621) مسألة رقم (86)، وشرح الكافية للرضي (2/ 256).
(6)
هذا البيت من الطويل وهو لطفيل الغنوي كما في الإنصاف (ص 621) وانظر ديوانه (ص 16). -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والممتنع عند البصريين إنما هو تقديم معمول فعل الشرط على أداة الشرط (1).
وأما اشتراط كونها صدر الجملة: فقد قال المصنف في شرح الكافية (2): إن «إذن» أشبهت «أن» من وجه وهو: أن الفعل حدث فيه بها أمران وهما: كونه جوابا وجزاء، وكونه بها مرجح الاستقبال على الحال وكان أمره دون «إذن» بالعكس كما حدث فيه بـ «أن» أمران: وهما: كونه بها في تأويله بمصدر، وكونه بها غير محتمل للحال، وباينتها من وجه وهو: عدم اختصاصها بالأفعال وتقدم اختصاصها بالمستقبل إذ قد يليها الحال، قال: فلشبهها بـ «أن» من وجه، ومباينتها من وجه افتقرت في إعمالها إلى ما يقويها من تصدير وغيره. انتهى.
ثم ليعلم أنه ليس المراد بكونها مصدرة التصدير اللفظي بل قد يتقدمها كلام وتأتي هي بعده، ولكنها صدر جملتها
فيحكم لها بحكم المتصدرة أول الكلام ولهذا قال في شرح الكافية (3): ولا تنصبه وهو مستقبل إلا إذا صدرت الجملة بها، أو كانت في حكم المصدر بها. وسيأتي الكلام على ذلك مفصلا مبسوطا إن شاء الله تعالى.
وأما قوله: غالبا بعد قوله: وينصب فإشارة منه إلى ما ذكره عن سيبويه أنه حكى عن بعض فصحاء العرب إهمالها مع استيفاء الشروط.
وعرف من قوله: (فلو توسّطت «إذن») إلى آخره - معنى ما أراده في التسهيل بقوله: وربّما نصب بها بعد عطف أو ذي خبر. -
- واستشهد به: على جواز تقديم معمول فعل الجزاء على الجزاء في قوله: «الخير تعقب» فـ «الخير» منصوب بـ «تعقب» وتقديره: تعقب الخير، و «تعقب» مجزوم، وإنما كسرت الباء؛ لأن القصيدة مجرورة، وإنما كان هذا في المجرورة دون المرفوعة والمنصوبة لوجهين: أحدهما: أن الجزم في الأفعال نظير الجر في الأسماء، فلما وجب تحريكه حركوه حركة النظير، والثاني: أن الرفع والنصب يدخلان هذا الفعل ولا يدخله الجر، فلو حركوه بالضم أو الفتح لالتبس حركة الإعراب بحركة البناء، بخلاف الكسر فإنه ليس فيه لبس. انظر الإنصاف (ص 622، 623) وانظر البيت في شرح الكافية للرضي (2/ 256)، والخزانة (3/ 642).
(1)
انظر: الإنصاف (ص 623) مسألة رقم (87)، وشرح الكافية للرضي (2/ 256).
(2)
انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1521) وقد نقله بتصرف.
(3)
انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1535).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأما ما ذكره ولده فإنه قال (1): «إذن» حرف معناه الجواب والجزاء فلا يصحب إلا جملة هي جواب شرط مذكور كقولهم: إن تأتني إذن آتيك، أو مقدر بـ «إن» إلا في ما بعدها اللام، قال الفراء (2): إذا أتت بعد «إذن» اللام فقبلها «لو» مقدرة نحو: وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ (3)، وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (4)، وإِذاً لَأَذَقْناكَ (5) التقدير: لو كان معه إله لذهب، ولو فعلت لاتخذوك خليلا، ولو ركنت لأذقناك.
ولا تلزم صدر الجواب بل قد تأتي وسطا [5/ 104] وآخرا نحو: أنا إذن أفعل، وأنا أفعل إذن، ولا تختص بالأفعال وكان حقها أن لا تعمل ولكنهم شبهوها بـ «أن» لغلبة استقبال الفعل بعدها ولأنها تخرج الفعل عما كان عليه إلى جعله جوابا كما تخرج «أن» الفعل عما كان عليه إلى جعله في تأويل المصدر، وعملت عمل «أن» فنصبت المضارع وإن لم تختص به كما عملت «ما» عمل «ليس» وإن لم تختص بالأسماء، هذا مذهب أكثر النحويين، وما عزاه إلى الخليل
من أن الفعل بعد «إذن» منصوب بـ «أن» مضمرة إنما مستنده فيه قول السيرافي في أول شرح الكتاب (6): روى أبو عبيدة عن الخليل أنه قال: لا ينصب شيء من الأفعال المضارعة إلا بـ «أن» مظهرة أو مضمرة و «كي» و «لن» و «إذن» وغير ذلك (7).
وليس في هذا نص على انتصاب المضارع بعد «إذن» عند الخليل بـ «أن» مضمرة لجواز أن تكون «إذن» مركبة من «إذ» التي للتعليل و «أن» محذوفا همزتها بعد -
(1) انظر: شرح التسهيل للإمام بدر الدين (4/ 19، 20).
(2)
انظر: معاني القرآن (1/ 274)، (2/ 241)، وانظر: المغني (ص 21).
(3)
سورة المؤمنون: 91.
(4)
سورة الإسراء: 73.
(5)
سورة الإسراء: 75.
(6)
انظر: شرح كتاب سيبويه للسيرافي (رسالة)(1/ 61).
(7)
قال سيبويه في الكتاب (3/ 16): (وقد ذكر لي بعضهم أن الخليل قال: «أن» مضمرة بعد «إذن» ، ولو كانت مما يضمر بعده «أن» فكانت بمنزلة «اللام» و «حتى» لأضمرتها إذا قلت: عبد الله إذن يأتيك، فكان ينبغي أن تنصب إذن يأتيك؛ لأن المعنى واحد ولم يغير فيه المعنى الذي كان في قوله:
إذن يأتيك عبد الله كما يتغير المعنى في «حتى» في الرفع والنصب فهذا ما ردوا، وأما ما سمعت منه فالأول). فقد نص سيبويه على أن بعضهم ذكر ذلك عن الخليل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
النقل على نحو ما رآه في انتصابه بعد «لن» والقول به على ضعفه أقرب من القول بأن «إذن» غير مركبة وانتصاب الفعل المضارع بعدها بـ «أن» مضمرة لأنه لا يستقيم إلا على أن يكون ما بعد «إذن» في تأويل مبتدأ لازم حذف خبره و «إذن» قبله ليست حرفا بل ظرفا مخبرا به عن المبتدأ، وأصلها: إذا قطعت عن الإضافة وعوض عنها التنوين، وكلاهما في غاية من التكلف، والقول بأن «إذن» مركبة من «إذ» و «أن» أسهل منه، وإنما تنصب «إذن» المضارع بشرط كونها مصدرة والفعل مستقبل متصل بها أو منفصل بقسم كقولك لمن قال: أزورك غدا: إذن أكرمك، أو إذن والله أكرمك، فالقسم هنا لا يعدّ حاجزا كما لا يعدّ حاجزا بين المضاف والمضاف إليه.
والمراد بالمصدّرة: ما لم يكن ما بعدها من تمام ما قبلها؛ إما لأنها لم يتقدمها شيء، وإما لأنها تقدمها كلام فيجوز أن يستأنف وينصب الجواب كما لو لم يتقدمها شيء، وذلك نحو قول ابن عنمة (1):
3815 -
اردد حمارك لا تنزع سويّته
…
إذن يردّ وقيد العير مكروب (2)
فهذا نصب لأن ما قبله من الكلام فقد استغنى وتمّ، ألا ترى أن قوله:
اردد حمارك لا تنزع سويّته
كلام قد تم، ثمّ استأنف كأنه أجاب من قال: لا أفعل ذلك فقال:
إذن يردّ وقيد العير مكروب
وإذا وجدت الشروط المذكورة فالمعروف في كلامهم نصب الفعل بعدها، وزعم -
(1) ابن عنمة: عبد الله بن عنمة بن حرثان بن ثعلبة بن ذؤيب بن السيد بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة شاعر إسلامي مخضرم. انظر: خزانة الأدب للبغدادي (3/ 580).
(2)
هذا البيت من البسيط، ويروى الشطر الأول منه هكذا: اردد حمارك لا يرتع بروضتنا.
الشرح: السوية: شيء يجعل تحت برذعة الحمار كالحلس للبعير، يهدده بذلك، والمكروب: المدانى المقارب، كناية عن تقييد حركته، وفي اللسان «كرب»: كربت القيد: ضيقته على المقيد.
والمعنى: يقول: انته عنا وازجر نفسك عن التعرض لنا وإلا رددناك مضيقا عليك.
والشاهد في قوله: «إذن يرد» حيث نصب ما بعد «إذن» لأنها مصدرة في الجواب. والبيت في الكتاب (3/ 14)، والمقتضب (2/ 10)، والأصول لابن السراج (2/ 123).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عيسى بن عمر (1) أن ناسا يقولون: إذن أكرمك - بالرفع - وإليه الإشارة بقوله:
(غالبا)، فلو وقعت بين «واو» العطف و «فائه» وبين الفعل المستقبل كنت فيها بالخيار؛ إن شئت أعملتها وشاهده قول سيبويه (2): وبلغنا أن هذا الحرف في بعض المصاحف (وإذا لا يلبثوا خلفك إلّا قليلا)، وقرأ بعضهم (3):(فإذا لا يؤتوا النّاس نقيرا)، وإن شئت ألغيتها وهو الأكثر وبه قرأ القرّاء (4).
وإن وقعت بين شرط وجزاء، أو بين مخبر عنه وخبره أو منصوب وناصبه ألغيت، نحو: إن تأتني إذن آتك وأنا
إذن اكرمك، وزيدا إذن أضرب، كما تلغى «رأى» و «حسب» إذا توسطت الكلام، وربما نصب بها بين مخبر عنه وخبره كقول الراجز أنشده ابن كيسان:
3816 -
لا تتركنّي فيهم شطيرا
…
إنّي إذن أهلك أو أطيرا (5)
ولو كان الفعل الذي بعدها حالا ألغيت كقولك لمن قال: أحبّك: إذن أصدقك، بالرفع؛ لأنه موضع لا يعمل فيه أخوات «إذن» فلم تعمل هي فيه.
وكذلك لو كان منفصلا بغير قسم كقولك: إذن زيد يكرمك، وإذن طعامك تأكل، وإذن فيك أرغب؛ فليس في هذا ونحوه إلا الرفع لوجود الفصل، وأجاز ابن عصفور (6) نصب المضارع بـ «إذن» مع الفصل بالظرف وشبهه، وبالقسم ولم يجز مثل ذلك في غير «إذن» إلا في الضرورة كقوله:
3817 -
لن ما رأيت أبا يزيد مقاتلا
…
أدع القتال وأشهد الهيجاء (7)
وأجاز الكسائي (8) الفصل بالظرف وغيره بين الفعل وناصبه نحو: جئت كي زيدا تضرب، وأنشد: -
(1) انظر: الكتاب (3/ 16).
(2)
انظر: الكتاب (3/ 13).
(3)
هي قراءة عبد الله بن مسعود. انظر: مختصر شواذ القرآن (ص 27)، وقرأ بها أيضا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما. انظر: البحر المحيط (3/ 273).
(4)
هي قراءة السبعة.
(5)
تقدم.
(6)
انظر: شرح التصريح (2/ 235) وأضاف في الهمع (2/ 7) الأبذي.
(7)
تقدم.
(8)
انظر: خزانة الأدب للبغدادي (3/ 564).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
3818 -
وشفاء غيّك خابرا أن تسألي (1)
وحمله الفراء (2) على أن «خابرا» حال من «الغي» .
انتهى كلام الإمام بدر الدين رحمه الله تعالى وهو حسن إلا أنني لم ينتظم لي قوله: إلا على أن يكون ما بعد «إذن» في تأويل مبتدأ لازم حذف خبره، مع قوله:
و «إذن» قبله ليست حرفا بل ظرفا مخبرا به عن المبتدأ؛ لأن قوله: و «إذن» قبله مخبر به عن المبتدأ يناقض قوله: على أن يكون ما بعد «إذن» في تأويل مبتدأ لازم حذف خبره؛ إلا أن يكون قوله: و «إذن» قبله ليست حرفا بل ظرفا مخبرا به عن المبتدأ - ليس من تتمة الكلام الذي هو متصل به بل يكون قد قصد به إبطال أن يكون الخبر لازم الحذف إذا أولنا ما بعد «إذن» بمبتدأ؛ فكأنه يقول: كيف يدعى لزوم حذف الخبر و «إذن» قبل المبتدأ الذي ذكرتم أنه مؤول ليست حرفا بل هي ظرف مخبر به؟ فكأن مراده أن دعوى أن الخبر لازم الحذف باطلة، على أن غرضه إبطال المسألة من أصلها فلا مبتدأ ثمّ ولا خبر.
وأما قوله: في ما رواه أبو عبيدة عن الخليل أن النصب بعد «إذن» بـ «أن» مضمرة (3) -
(1) هذا عجز بيت من الوافر وصدره:
هلّا سألت وخبر قوم عندهم
وهو من قصيدة لربيعة بن مقروم شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام.
الشرح: قوله: غيك: الغي: مصدر غوى غيّا من باب ضرب أي: انهمك في الجهل وهو خلاف الرشد والاسم الغواية بالفتح، وخابرا: اسم فاعل من خبرته أخبره من باب نصر خبرا بالضم إذا. علمته، فالخابر: العالم، واستشهد به الكسائي على جواز الفصل بين الفعل وناصبه بمعمول الفعل، والفراء لا يجيز ذلك ويحمل «خابرا» على أنه حال من «الغي» وانظر البيت في شرح الكافية للرضي (2/ 235) والخزانة (3/ 564).
(2)
انظر: الخزانة (3/ 564) وقال البغدادي: فلا يمكن تخريج البيت إلا على ما ذكره الشارح المحقق أو الكسائي، ولا يصح جعل «خابرا» حالا من «الغي» ولا من الكاف فإن الغي لا يتصف بالخبر إذ هو ضده وكذلك المخاطبة لا تتصف به؛ لأنها متصفة بالغي ولعد قوله خابرة بالتأنيث.
(3)
عبارة الإمام بدر الدين في شرح التسهيل لا تحتمل ما ذكره المؤلف، بل إن الإمام بدر الدين نقل عبارة السيرافي في أول شرحه للكتاب وقد احتج بها على أن الخليل لم ينص على ذلك، كما أن الإمام بدر الدين ذكر أن القول بأن «إذن» مركبة أقرب من القول بأنها غير مركبة وانتصاب الفعل بعدها بـ «أن» مضمرة، وخلاصة القول: فإن العبارة التي نقلها الإمام بدر الدين عن السيرافي لا تشير إلى أن أبا عبيدة نقل عن الخليل القول بأن النصب بعد «إذن» بـ «أن» مضمرة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنه ليس فيه نص على أن «أن» مضمرة لجواز أن تكون «إذن» مركبة من «إذ» التي للتعليل و «أن» - فكلام صحيح لو لم يكن نقل عن الخليل القول الآخر، لكن القولان منقولان عنه، منهم من نقل عنه أنها مركبة من «إذ» و «أن» (1)، ومنهم من نقل أن «أن» مضمرة بعدها وهو أبو عبيدة، والمنقول عن الثقات لا يدفع ولولا أن المصنف علم أن ذلك قول للخليل لما قال: وليست أن مضمرة بعدها خلافا للخليل.
وبعد: فلنذكر مذاهب النحاة في الكلمة المذكورة فنقول (2):
ذهب جمهورهم إلى أنها حرف بسيط، وشذ بعض الكوفيين فذهب إلى أنها اسم بسيط [5/ 105] ظرف وهو «إذا» فنوّن واستعمل في الجزاء فحدث فيه معنى الربط والسبب قال: والأصل: إذا جئتني أكرمتك فحذف المضاف إليه «إذا» وهو الجملة وعوض منها التنوين كما في «حينئذ» وحذفت الألف لالتقاء الساكنين.
وأما الخليل فنقل عنه (3) أنها حرف مركب من «إذ» و «أن» وغلب عليها حكم الحرفية ونقلت حركة الهمزة إلى «الذال» وحذفت وصار هذا النقل ملتزما، فإذا قيل: أزورك فقلت: إذن أزورك فكأنك قلت: حينئذ زيارتي واقعة، ونقل عنه أبو عبيدة أن «أن» مضمرة بعدها، لكن الذي حكاه سيبويه عنه - أعني عن الخليل - أنها تنصب بنفسها (4).
وقد ذهب بعض المتأخرين (5) إلى أنها مركبة من «إذا» و «أن» فحذفت همزة «أن» ثم ألف «إذا» لالتقاء الساكنين، قال: فيدل على الربط بـ «إذا» ويكون النصب بـ «أن» .
وإذ قد عرف هذا فلنشر إلى أمور: -
(1) انظر: شرح الكافية للرضي (2/ 238)، والهمع (2/ 6).
(2)
انظر: شرح الكافية للرضي (2/ 238)، والهمع (2/ 6).
(3)
انظر: الهمع (2/ 6).
(4)
ذكر ذلك الرضي في شرح الكافية (2/ 238): (ويبدو لي أنه قد فهم هذا من كلام سيبويه ضمنا فلم أستطع العثور عليه صراحة في كتاب سيبويه والذي رأيته صراحة في كتاب سيبويه أنه ذكر أن بعضهم روى عن الخليل أن انتصاب الفعل بعد «إذن» بـ «أن» بعدها مضمرة وقد ضعفه سيبويه). انظر: الكتاب (3/ 16).
(5)
هو أبو علي عمر بن عبد المجيد الرندي. انظر: الهمع (2/ 6).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
منها: أن هذه الكلمة التي هي «إذن» تلتها الجملة الاسمية فيقال لمن قال:
أزورك: إذن أنا مكرم لك، وتتوسط بين المبتدأ وخبره فيقال: أنا إذن مكرم لك، وبين معمول الناسخ وخبره قال الله تعالى: إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ (1)، ويليها المضارع فتنصبه بالشروط المذكورة وهي: أن تكون مصدّرة، وأن يكون الفعل مستقبلا، وأن لا يكون مفصولا بينها وبينه بغير قسم، وكذا إن كان الفصل بنداء أو بـ «لا» فإنه كالفصل بالقسم كما تقدم، ومتى كان الفصل بغير ذلك بطل عملها كقولك:
إذن سوف أكرمك، وإذن سأحسن إليك، وكذا إن كان الفعل غير مستقبل بأن يكون حالا كما تقدم.
وأما إذا كانت غير مصدرة فإما أن تتأخر وإما أن تتوسّط، فإن تأخرت بطل عملها نحو أن تقول في الجواب: أكرمك إذن، وإن توسطت فقد عرفت من كلام المصنف في شرح الكافية: أنها إذا توسطت بين خبر وخبر أو بين ذي جواب وجواب ألغيت وأن النصب بها شذ بين ذي خبر وخبر، وأنها إذا قدّم عليها حرف عطف جاز إلغاؤها وإعمالها وأن الإلغاء أجود وأن القرآن العزيز جاء به.
وإلى ذلك الإشارة بقوله في التسهيل: (وربّما نصب بها بعد عطف أو ذي خبر)، وقد فهم من قول المصنف: وربّما نصب بها بعد عطف أو ذي خبر - أنها قد تنصب متوسطة في هذين الموضعين، وأنها إن توسطت في غيرهما وجب إلغاؤها كما لو توسطت بين الشرط وجوابه نحو: إن تكرمني إذن أكرمك، ونحو: والله إذن لأكرمنّك، ومنه قول الشاعر:
3819 -
لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها
…
وأمكنني منها إذن لا أقيلها (2)
(1) سورة النساء: 140.
(2)
هذا البيت من الطويل قاله كثير عزة، ديوانه (2/ 78) من قصيدة يمدح بها عبد العزيز بن مروان والد الخليفة عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه.
الشرح: الضمير في «بمثلها» و «منها» و «لا أقيلها» إلى خطة الرشد في قوله أول القصيدة:
عجبت لتركي خطة الرشد بعد ما
…
بدا لي من عبد العزيز قبولها
وأراد بها: خصلة الهداية، وقوله:«لا أقيلها» من أقال إقالة أي: لا أتركها.
والشاهد فيه: إلغاء «إذن» لوقوعها بين القسم وجوابه، قال العيني فالقسم قوله في البيت الذي قبله: -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فـ «لا أقيلها» جواب القسم المحذوف الذي دلت عليه «اللام» الموطئة في «لئن» .
وقد ذكر الجماعة - أعني المغاربة - ما دل عليه كلام المصنف بمنطوقه وبمفهومه بصورة تقسيم فقالوا (1): إذا كانت «إذن» متوسطة فإما أن يفتقر ما بعدها إلى ما قبلها أو لا، فإن افتقر فإما أن يكون افتقار الشرط لجزائه، أو افتقار القسم لجوابه، أو افتقار الخبر للمخبر عنه، فإن كان افتقار الشرط أو افتقار القسم فالإلغاء ولا يجوز العمل، وإن كان افتقار الخبر نحو: أنا إذن أكرمك، وزيد إذن يكرمك فالإلغاء أيضا ولكن قد ينصب بها حينئذ، قالوا: وإنما يجيز النصب الكوفيون، وأما البصريون فيلغونها حتما، وإن لم يفتقر ما بعدها لما قبلها وذلك بأن يتقدمها حرف عطف فما بعدها إما أن يكون معطوفا على ما له محل من الإعراب أو على ما لا محل له، فإن كان الأول فالإلغاء نحو قولك: إن تزرني أزرك وإذن أحسن إليك - بجزم أحسن - ولا يجوز غير ذلك إذا قدّرت أنها مع ما بعدها عطف على جواب الشرط، وكذلك: زيد يقوم وإذن يكرمك إن عطفت على الخبر ألغيت إذ يصير مثل: زيد يكرمك؛ لأن المعطوف على الخبر خبر، وإن كان الثاني بأن يكون قد عطف على الجملة المتقدمة من الشرط والجزاء ومن المبتدأ والخبر جاز إذ ذاك الإلغاء، رعيا لحرف العطف، والإعمال لأن المعنى على استئناف ما بعد حرف العطف حتى قال بعضهم:
إن عطفت على الجملة المتقدمة أعملت وصار لها حكمها إذا صدرت. انتهى ما ذكروه، وهذا الذي قالوه قد قلنا: إن كلام المصنف يعطيه بالمنطوق والمفهوم.
فإن قلت: كيف تستفيد وجوب الإلغاء من كلامه في نحو: إن تزرني أزرك وإذن أحسن إليك وهو قد أجاز الأمرين بعد حرف العطف؟
قلت: لم يجز الأمرين وإنما قال: وربّما نصب بها بعد عطف - فأفاد أن الإلغاء هو المعمول به وأن الإعمال موقوف على السماع. -
-
حلفت برب الراقصات إلى منى
…
يغول البلاد نصلها وذميلها
وجواب القسم «لا أقيلها» . اه. فليس القسم محذوفا كما ذكر المؤلف. والبيت في الكتاب (3/ 15)(هارون) وابن يعيش (9/ 13، 22)، وشرح الكافية للرضي (2/ 239).
(1)
انظر ملخص هذا الكلام في الهمع (2/ 27) والأشباه والنظائر (1/ 88).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومنها: أن صاحب الإفصاح قال (1): واعلم أن قول النحويين في هذا: إنه إلغاء؛ فيه تجوّز؛ لأن الإلغاء في الحقيقة: ترك العمل مع التسلط، ولذلك جاز العمل في كل ما يلغى حقيقة لتسلطه في المعنى والحكم نحو: زيدا قائما ظننت، فأما نحو: إن زيدا إذن يكرمك فـ «يكرمك» خبر «إنّ» وما دخلت عليه «إذن» محذوف كجواب «إن» في قولك: زيد إن قمت يقوم؛ لأن ما يطلب جوابا لا بد له منه لفظا أو تقديرا، فكيف يصح أن تقول: ألغي عنه وهو لم يدخل عليه ولا توجّه حكمه عليه؟
لكن تجوّز النحويون في ذلك فسموه إلغاء من حيث دخل على فعل قد يعمل فيه في موضع ما على وجه ما فلم يعمل فيه، ومما يدل على هذا أنك إذا قلت: أنا أكرمك إذن، كيف يصح تسلط «إذن» على ما قبلها؟ وإنما حذفوا جوابها لدلالة ما تقدم عليه كما تقول: أكرمك إن تقم، وأنا مكرم لك لو وافيتني، وإني أكرمته لما جاءني فـ «إذن» هنا كسائر ذوات الجزاء؛ لأنها جزاء [5/ 106] ولذلك جاز فيها: إذن والله أكرمك بالنصب وليس من نواصب الفعل ما يفصل بينه وبين معموله بالقسم سواها، وجاز في «إذن» من حيث هي طالبة جواب، وشأن طالبي الجواب إذا اجتمعا أن يعامل الأول ويستغنى بجوابه عن الثاني فقلت: إذن والله أكرمك، كما قلت: إن تقم والله أكرمك، فإن عكست قلت: والله إذن لأكرمنّك فـ «إذن» ليست ملغاة وإنما حذف جوابها كما حذف جواب القسم في العكس المتقدم. انتهى كلام صاحب الإفصاح وهو كلام حسن ناشئ عن فقه نفس.
وقوله: وشأن طالبي الجواب إذا اجتمعا أن يعامل الأول ويستغنى بجوابه عن جواب الثاني صحيح ولكنه ليس على إطلاقه، فإنه إذا اجتمع الشرط و «إذن» فالحكم للشرط تقدم أو تأخر تقول: إذن إن تكرمني أكرمك؛ فتجزم «أكرمك» بالشرط ولا تنصبه بـ «إذن» ، وتقول: إن تكرمني إذن أكرمك، وتجزمه لأن «إذن» متوسطة. أشار إلى ذلك ابن أبي الربيع، قال (2): وإنما كان الحكم للشرط لأنه أقوى في الجزاء وأنت لو أسقطت «إذن» واكتفيت بـ «إن» لأجزأك ذلك وفهم المعنى الذي يفهم من «إذن» قال: وليس القسم مع «إذن» كذلك؛ لأن -
(1) نقل السيوطي هذا الكلام في الأشباه والنظائر (1/ 87، 88) عن الإيضاح.
(2)
يبدو أن هذا الكلام في شرح الإيضاح له ولم أعثر عليه (يوجد منه أربعون ورقة من أوله - تركيا).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كل واحد منهما يعطي ما لا يعطيه الآخر فكان الحكم للمتقدم. انتهى.
وعلى هذا الذي تقرر جاء قول الحماسي:
3820 -
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي
…
بنو اللّقيطة من ذهل بن شيبانا
إذن لقام بنصري معشر خشن
…
عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا (1)
فذكر جواب «لو» (2) وحذف جواب «إذن» .
ومنها: أن الذي قاله المصنف وهو أن «إذن» معناها: الجواب والجزاء هو مذهب سيبويه (3)، لكن الفارسى (4) فهم من كلام سيبويه أنها تارة تكون للجواب فقط وتارة تكون للجواب والجزاء: فمعناها اللازم لها الجواب، وأما الجزاء فتارة يوجد معها، وتارة لا يوجد، فمثال ما هي فيه جواب محض أن يقول القائل:
أحبّك، فتقول: إذن أظنك صادقا، فهذه لا يتصور فيها الجواب إذ لا يقدر: إذا أحببتني أظنك صادقا، ومثال ما هي فيه للجزاء مع الجواب - وذلك هو الكثير فيها - أن يقول القائل: أزورك فتقول: إذن أحسن إليك، فإن المعنى: إذا زرتني أحسنت إليك، قالوا: ونظير ذلك أن سيبويه قال في نعم: إنها عدة وتصديق (5)، وإنما ذلك باعتبار حالين؛ لأنها تكون عدة في المستقبل، وتصديقا في الماضي.
ولا شك أن الذي قاله الفارسي هو الظاهر، والمنقول عن الشلوبين (6) أنه يرى أن -
(1) هذان البيتان من البسيط قالهما قريط بن أنيف من بلعنبر حين أغار ناس من بني شيبان عليه فأخذوا له ثلاثين بعيرا فاستنجد قومه فلم ينجدوه فأتى مازن تميم فركب معه نفر فاطردوا لبني شيبان مائة بعير ودفعوها إليه، وقوله: لم تستبح: الاستباحة: اتخاذ الشيء مباحا، وبنو اللقيطة: نسبهم إلى أمهم ذمّا، أراد أنها نبذت فلقطت فليس لها أصل يعرف، و «خشن» جمع أخشن أو خشن، والحفيظة: الغضب في الشيء الذي يجب عليك حفظه، واللوثة بالضم: الضعف، وبالفتح: الشدة.
والشاهد في قوله: «إذن لقام» حيث ذكر جواب «لو» وحذف جواب «إذن» ولذلك قرنه باللام.
والشطر الأول من البيت الثاني في شرح الكافية للرضي (2/ 236) وديوان الحماسة للتبريزي: (1/ 705) والخزانة (3/ 569) وحاشية الأمير على المغني (1/ 20).
(2)
ولذلك قرنه باللام.
(3)
انظر: الكتاب (4/ 234).
(4)
انظر: شرح الألفية للأبناسي (2/ 270)، والهمع (2/ 6).
(5)
انظر: الكتاب (4/ 234).
(6)
انظر: التوطئة (ص 145)، والهمع (2/ 6).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الجزاء معنى لا يفارقها، ولا يخفى أن تقدير كونها للجزاء في نحو: إذن أظنك صادقا جوابا لمن قال: أحبك - متعذر، ثم إذا تقرر أن الجواب معنى لا يفارقها علم أنه لا يجوز أن يقال: إذن يقوم زيد؛ ابتداء من غير أن يجاب بذلك أحد.
فأما قوله تعالى: قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (1) فقد حمل على أنه جواب لقول فرعون: وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (2) يريد: من الكافرين لأنعمنا، فقال صلى الله عليه وسلم: لم أفعل ذلك كفرا لنعمتك كما زعمت بل فعلتها وأنا جاهل أن الوكزة تقضي عليه، ويؤيد ذلك قراءة من قرأ (3):(وأنا من الجاهلين).
وقد خرج الشلوبين الآية الشريفة على الشرط والجزاء فقال: التقدير: إن كنت فعلت ذلك كافرا بأنعمك كما زعمت فأنا ضال ولم يثبت بذلك لنفسه كفرا ولا ضلالا لأنه لم يفعل ذلك وهو كافر كما زعم فيلزم أن يكون من الضالين بل فعلها - أعني الوكزة - ولم يقصد بها قتله ولم يحمل الكافرين على كفران النعمة ولا الضلال على الجهل، قال: لأن الضلال والكفر لا يستعملان لذلك المعنى إلا مقيدين فيقال: كافر بالنعمة وضال عن الشيء. انتهى.
وأما قول الشاعر:
3821 -
اردد حمارك لا يرتع بروضتنا
…
إذن يردّ وقيد العير مكروب (4)
فقد تقدم التقرير فيه من كلام الإمام بدر الدين (5)، وأن الكلام الذي قبل «إذن» قد تمّ ثم استأنف كأنه أجاب من قال: لا أفعل ذلك فقال:
إذن يردّ وقيد العير مكروب
وأما قول المصنف: وأجاز بعضهم فصل منصوبها بظرف اختيارا؛ فقد تقدم الكلام على هذه المسألة بما فيه
غنية. -
(1) سورة الشعراء: 20.
(2)
سورة الشعراء: 19.
(3)
هي قراءة عبد الله بن مسعود وابن عباس. انظر: معاني القرآن (2/ 279)، ومختصر شواذ القرآن (ص 106)، وتفسير ابن كثير (3/ 332).
(4)
تقدم.
(5)
انظر ما نقله المؤلف عن شرح التسهيل للإمام بدر الدين في أول شرح هذا المتن من هذا الكتاب.