الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حكم المضارع بعد «حتى» نصبا ورفعا]
قال ابن مالك: (المنصوب بعد «حتّى» مستقبل أو ماض في حكمه، وعلامة ذلك كون ما بعدها غاية لما قبلها أو متسبّبا عنه، وإن كان الفعل حالا أو مؤوّلا به رفع، وعلامة ذلك صلاحية جعل الفاء مكان «حتّى»، وكون ما بعدها فضلة متسبّبا عمّا قبلها، ذا محلّ صالح للابتداء، فإن دلّ على حدث غير واجب تعين النّصب خلافا للأخفش).
ــ
حرف، فعدم النظير لازم في كونه معطوفا عطف نسق أو معطوفا عطف بيان. انتهى.
ولا أعرف كيف يتوجه هذا الإلزام؟ لأن الذي قاله المصنف وولده (1): إن حروف العطف لا يجوز الاستغناء عنها، وأي يجوز الاستغناء عنها، ولم يقولا: إن «أي» لا يفصل بها بين تابع ومتبوع فيلزما بأن عطف البيان لا يتوسط بينه وبين ما يبين حرف، ولا شك أن الحرف إذا كان مفسّرا لزم أن يتوسط بين المفسّر والمفسّر.
ما يقول الشيخ في «صالحا» من المثال الذي تقدم له التمثيل به (2) عند قول المصنف: وتفيد تفسيرا وهو أنك تقول: ما رأيت رجلا أي صالحا؟
فيقال له: الفصل بـ «أي» هاهنا كالفصل بـ «أي» في قولك: هذا الغضنفر أي الأسد فما يقوله هنا يقال هناك.
قال ناظر الجيش: قال الإمام بدر الدين (3) رحمه الله تعالى: «حتى» الداخلة على المضارع إما حرف جر بمعنى «إلى» أو «كي» ، فيليها المضارع غاية لما قبلها أو مسببا عنه وينصب بـ «أن» مضمرة لكونه من تمام الكلام الذي
قبلها، وإما حرف ابتداء بمنزلة الفاء، فتأتي بعد تمام الكلام داخلة على جملة محصلة المعنى، مسببة عما قبلها، متصلة به أو منقطعة عنه فيليها المضارع مرفوعا لكونه مستأنفا لم يدخل عليه ناصب ولا جازم.
ولا يخلو المضارع بعد «حتى» من أن يكون مستقبلا أو حالا أو ماضيا، فإن كان المضارع بعد «حتى» مستقبلا فهي حرف بمعنى «إلى» أو «كي» ، والفعل بعدها -
(1) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (4/ 52)، وتكملته لبدر الدين، وقد نقل المؤلف كلام بدر الدين فيما سبق من هذا التحقيق.
(2)
انظر: التذييل (6/ 698).
(3)
انظر: شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 53) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد، د/ محمد بدوي المختون.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نصب بإضمار «أن» ليكون معها اسما مجرورا بـ «حتى» وذلك قولك: لأسيرن حتى تطلع الشمس أي: إلى أن تطلع الشمس، وكلمته حتى يأمر لي بشيء أي يأمر، ولا يجوز كونها ابتدائية ورفع ما بعدها؛ لأنه غير محصل لكونه مستقبلا، وإن كان المضارع بعد «حتى» حالا فهي حرف ابتداء وما بعدها رفع؛ لأنه منقطع عما قبلها فلم يدخل عليه ناصب ولا جازم، وذلك قولك: سرت حتى أدخلها الآن، ومرض حتى لا يرجونه (1)، [5/ 139] وضرب أمس حتى لا يستطيع أن يتحرك اليوم، ورأى منّي عاما أول شيئا حتى لا أستطيع أن أكلمه العام بشيء، وقول حسان رضى الله تعالى عنه:
3926 -
يغشون حتّى ما تهرّ كلابهم
…
لا يسألون عن السّواد المقبل (2)
ولا يجوز أن تكون جارة؛ لأن الجارة لا تدخل على المضارع إلا منصوبا بـ «أن» مضمرة، و «أن» لا تنصب الحال.
وإن كان المضارع بعد «حتى» ماضي المعنى فهو مؤول إما بالمستقبل نظرا إلى أنه غاية لما قبل «حتى» فهو مستقبل بالإضافة إليه وإما بالحال على قصد الإخبار بمعنى ما قبل «حتى» وحكاية حال ما بعدها فإن كان الماضي المعنى غير فضلة أو غير متسبب عما قبل «حتى» أو محله غير صالح للابتداء؛ لأنه جعل غاية فهو مؤول بالمستقبل.
فالأول: كما إذا وقع بعد اسم «كان» الناقصة كقولك: كان سيري حتى أدخلها فينصب على التأويل بالمستقبل وجعل «حتى» جارة في موضع خبر «كان» ، ولا يجوز الرفع على التأويل بالحال وجعل «حتى» ابتدائية؛ لئلا تبقى
«كان» بلا خبر فإن «حتى» الابتدائية بمنزلة «الفاء» . -
(1) من أمثلة الكتاب (3/ 18).
(2)
هذا البيت من الكامل قاله حسان بن ثابت انظر ديوانه (ص 309).
الشرح: يغشون: - مبني للمجهول - أي يؤتون، وتهر: من هر - من باب ضرب - أي: صوت، والمعنى: أي حتى ما تصوت على الضيوف لكثرتهم أو اشتغالها بآثار الثرى، يصف قوما بكثرة غشيان الضيوف لهم.
والشاهد في قوله: «حتى ما تهر» حيث وقعت «حتى» حرف ابتداء، ودخلت على الجملة الفعلية، والبيت في الكتاب (3/ 19) والمغني (129، 691)، والهمع (2/ 9)، والدرر (2/ 7) وحاشية الصبان (3/ 301).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والثاني: كما إذا كان الدخول من شخص والسير من آخر فقلت: كنت سرت حتى يدخلها زيد، فإنك تنصب على التأويل بالمستقبل وجعل «حتى» جارة والمعنى: إلى أن يدخلها، ولا يجوز الرفع على الحال وجعل «حتى» ابتدائية؛ لأن «حتى» الابتدائية لا تخلو من معنى السببية، وسيرك لا يكون سببا لدخول غيرك، والثالث: كما إذا أردت بيان الغاية فقلت: كنت سرت حتى أدخلها؛ فتنصب على معنى: إلى أن أدخلها ولا يجوز الرفع لأن الغاية حرف جر، وحرف الجر لا يليه المبتدأ والخبر فلا يليه الفعل المرفوع.
وإن كان الماضي المعنى مسببا عما قبلها، وكان ذا محل صالح للابتداء؛ لأن المراد بيان السببية فهو مؤول بالحال فيرفع، لأن «حتى» قبل الحال حرف ابتداء بمنزلة «الفاء» وذلك قولك في كان التامة: كان سيري حتى أدخلها؛ لأنه تمّ الكلام قبل «حتى» فبقي ما بعدها جملة مستأنفة، فترفع على معنى: فأنا أدخلها؛ لأن «حتى» الابتدائية بمنزلة «الفاء» في السببية وأنها لا تقع بين العامل ومعموله، وليست بمنزلة «الفاء» في إشراك الفعل الآخر الأول إذا قلت: لم أجئ، فأقبل، لجواز مجيئها حيث لا يصح التشريك كقولك: كان سيري شديدا حتى أدخلها، ويجوز تأويله بالمستقبل وقصد معنى الغاية، فتنصب على معنى: إلى أن أدخلها، ومثله قوله تعالى: وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ (1) قرأه نافع بالرفع وقرأه الباقون بالنصب (2).
واعلم أن المضارع الماضي المعنى إنما يرتفع بعد «حتى» إذا كان متسببا عما قبلها، فلهذا لا يرتفع الفعل بعد «حتى» إلا إذا كان واجبا أي: حاصلا لحصول سببه يقينا أو ظنّا، فإن الضمير ينعقد على الظن كانعقاده على العلم، وذلك قولك:
إن زيدا سار حتى يدخلها، ما سار إلا قليلا حتى يدخلها، وأظن عبد الله سار حتى يدخلها، فلك في كل هذا الرفع على الابتداء؛ لأن الدخول قد وجب بوجوب السير وتأدى به.
وإن كان الماضي المعنى بعد «حتى» غير واجب؛ لأن ما قبله غير مؤد إليه ولا -
(1) سورة البقرة: 214.
(2)
انظر: الحجة (ص 95)، والكشف (1/ 289).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مسبب له كقولك: ما سار زيد حتى يدخلها، تعيّن النصب على الغاية وقصد معنى: ما سار إلى أن يدخلها بل إلى ما دون ذلك؛ لأنك لو رفعته على الابتداء لكان ما بعد «حتى» الابتدائية غير محصل ولا متسبب عما قبلها وذلك لا يكون وتقول: قلما سرت حتى أدخلها بالنصب إن أردت النفي، وإن أردت بيان أنك سرت قليلا نصب على الغاية، ورفعت على الابتداء، وتقول: إنما سرت حتى أدخلها بالنصب إن أردت الغاية أو تحقير السير وجعله يسيرا لا يؤدي إلى الدخول، فإن لم ترد ذلك تعيّن الرفع.
وأجاز الأخفش (1) رفع غير الواجب وقال: ما سرت حتى أدخلها معنى الرفع فيها صحيح، إلا أن العرب لا ترفع غير الواجب، ألا ترى أنك لو قلت: ما سرت فأدخلها أي: ما كان مني سير ولا دخول، أو قلت: ما سرت فإذا أنا داخل الآن لا أمنع، كان حسنا، وغلّط (2) في ذلك بأن الدخول في «حتى» إذا وقع إنما يقع بالسير، قال السيرافي: والذي عندي أن أبا الحسن أراد أن «ما» تدخل على:
سرت حتى أدخلها بعد وجوب الرفع فتنفي جملة الكلام، فلذلك رآه صحيحا في القياس وإن كانت العرب لا تتكلم به.
هذا آخر كلام الإمام بدر الدين رحمه الله تعالى ولا يخفى أنه كلام منقّح، محرّر، عار عن الفضول يشهد لمنشئه بصحة النظر، وثقوب (3) الفكر، وإدراك المعاني «ومن يشابه أبه فما ظلم» (4).
وإن أردت تلخيص ما قاله فقل: الفعل المضارع الواقع بعد «حتى» إذا كان المراد به الاستقبال حقيقة كان غير محصل، وإذا كان غير محصل لا يجوز في «حتى» الواقعة قبله أن تكون ابتدائية، بل يتعينّ كونها الجارّة.
وإذا كان المراد به الحال حقيقة تعيّن في «حتى» أن تكون ابتدائية، ولا يجوز -
(1) انظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 128)(رسالة)، والتذييل (6/ 716)، ومنهج الأخفش الأوسط (413).
(2)
المغلط له هو ابن عصفور انظر: شرح الجمل (1/ 165) تحقيق أبو جناح.
(3)
انظر: شرح التسهيل (4/ 56).
(4)
هذا مثل أورده الميداني في مجمع الأمثال (3/ 312) والرواية فيه: «من أشبه أباه فما ظلم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كونها جارة؛ لأن الجارة لا تدخل عليه إلا مع تقدير «أن» و «أن» لا تنصب الحال.
وإذا كان الفعل المذكور ماضي المعنى فهو إما أن يؤول بمستقبل نظرا إلى أنه غاية لما قبل «حتى» فينصب؛ لأنه مستقبل بالنسبة إلى ما قبله فيعطى حكم المستقبل، وإما أن يؤول بحال على قصد الإخبار بمضي ما قبل «حتى» وحكاية الحال في ما بعدها فيرفع؛ لأنه بهذا الاعتبار حال فيعطي حكم الحال، وإذا كان كذلك فليس الأمران - أعني التأويل بمستقبل والتأويل بحال - راجعين إلى اختيار المتكلم، بل إلى ما يقصد إما من الغاية، أو من حكاية الحال. وإنما الواقع بعد «حتى» حالا أو مؤولا بالحال إذا كان الكلام الذي بعدها فضلة متسببا عما قبلها، ذا محل صالح للابتداء، وعلامة ذلك صلاحية جعل «الفاء» مكان «حتى» وذلك نحو قولك:[5/ 140] كان سيري حتى أدخلها، إذا جعلت «كان» تامة فـ «حتى» فيه حرف ابتداء، والفعل بعدها مرفوع لأنه مؤول بالحال، والشروط الثلاثة موجودة لأن الكلام الذي قبل «حتى» قد تمّ فما بعد «حتى» فضلة أي: غير محتاج إليه في تكملة الكلام المتقدم، ولأن الدخول متسبب عن السير ولأن المحل صالح للابتداء؛ لأن المعنى: فأنا أدخلها، وقد صلحت «الفاء» في هذا التركيب لوقوعها موقع «حتى» .
ثم الحال قد تكون محققة وقد تكون مقدرة، كما أن الاستقبال يكون كذلك فمثال الحال تحقيقا: أن تكون قد سرت وأنت داخل فتقول: سرت حتى أدخل البلد، مخبرا عن الدخول الحاصل حالا تحقيقا، ومثال الحال تقديرا: أن يكون السير والدخول قد وقعا جميعا وقصد إلى الإخبار بالدخول الواقع في الوجود إلا أنك قصدت حكاية الحال وقت وجوده فتقول: سرت أمس حتى أدخل المدينة، فتكون مخبرا عن سير حصل عنه دخول في الوجود وحاكيا للحال.
أما إذا كان غير فضلة، أو غير متسبب عما قبل «حتى» ، أو محله غير صالح للابتداء، فإن نصب الفعل حينئذ متعين لكونه مستقبلا أو مؤولا به، فمثال كونه غير فضلة: وقوعه بعد اسم «كان» الناقصة كقولك: كان سيري حتى أدخلها، فينصب على التأويل بالمستقبل وجعل «حتى» جارة في موضع خبر «كان» ، وإنما -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تعيّن النصب من جهة أن «كان» تحتاج إلى خبر وليس ثمّ ما يصلح للخبر إلا قولك: «حتى أدخلها» ولا يصح أن يكون خبرا إلا أن يكون في تقدير الجار والمجرور، وإذا كان كذلك فالنصب واجب ولا يجوز الرفع على التأويل بالحال وجعل «حتى» ابتدائية؛ لئلا تبقى «كان» بلا خبر، وذلك أن «حتى أدخلها» جملة مستقلة بالإخبار بها لا تصلح أن تكون خبرا لـ «كان» لفقدان الضمير العائد، ولفصل «حتى» بين الاسم وما وقع خبرا عنها، فإن زدت «أمس» وعلقته بـ «كان» بأن جعلته خبرا، أو قلت: سيرا متعبا وجعلته أيضا خبرا جاز الوجهان؛ لأنك لم تضطرّ هنا إلى خبر حتى يجب النصب.
ومثال كونه غير متسبب عما قبل «حتى» ما إذا كان الدخول من شخص والسير من آخر فقلت: كنت سرت حتى يدخلها زيد، فينصب على التأويل بالمستقبل وجعل «حتى» جارة، والمعنى: إلى أن يدخلها زيد، ولا يجوز الرفع على الحال وجعل «حتى» ابتدائية؛ لأن «حتى» الابتدائية لا تخلو من معنى السببية، وسيرك لا يكون سببا لدخول غيرك.
ومثال كون محله غير صالح للابتداء: ما إذا أردت بيان الغاية فقلت: كنت سرت حتى أدخلها فتنصب على معنى: إلى أن أدخلها، ولا يجوز الرفع؛ لأن الغاية حرف جر، وحرف الجر لا يليه المبتدأ والخبر فلا يليه الفعل المرفوع.
وليعلم أنه إنما التزمت السببية حال الرفع ولم تلتزم مع النصب؛ لأن الكلام حال الرفع جملتان فاحتيج إلى الربط بينهما، ولا صالح للربط في هذا المحل إلا السببية فكانت ملتزمة ولالتزام السببية مع رفع الفعل وجب النصب في قولك: أسرت حتى تدخلها؟ وامتنع الرفع لأنه لا بد أن يكون مسببا عن الأول سببا محققا، ولا يستقيم أن يكون المسبب محققا ثابتا والسبب مشكوك فيه مسؤول عن وقوعه، أما إذا قيل: أيهم سار حتى يدخلها؟ فإن الرفع جائز؛ لأن السير هاهنا متحقق وإنما المسؤول عنه صاحبه، ويجوز أن يتحقق مسبب السير والسير ويجهل صاحبه فيسأل عنه، وكذا لالتزام السببية مع الرفع وجب النصب في نحو: ما سرت حتى أدخلها؛ لأن عدم السير لا يكون سببا للدخول، وسيأتي الكلام على خلاف الأخفش حيث أجاز الرفع. -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإذ قد تقرر هذا فلنذكر أمورا:
منها: أن الشيخ قال (1): إن المصنف أهمل أحد وجهي الرفع، قال: وذلك أنهم ذكروا أن الرفع على وجهين:
أحدهما: أن يكون ما بعد «حتى» مشروعا فيه وهو الحال، أو متمكنا منه غير ممنوع منه وهو المؤول بالحال.
والوجه الثاني: أن يكون ما قبلها سببا لما بعدها ويكونان متصلي الوقوع في ما مضى، لا مهلة بينهما بل الثاني واقع عقيب الأول نحو: سرت حتى أدخل المدينة أي: سرت فدخلت المدينة، فيكون معناها كمعنى الفاء. انتهى.
وأقول: إن هذا داخل تحت قوله: أو مؤوّلا به لأن المقصود منه حكاية الحال التي كان متلبسا بها.
ومنها: أنه قد دخل تحت قول المصنف: فإن دلّ على حدث غير واجب نحو: ما سرت حتى أدخل المدينة، وقلّما سرت حتى أدخلها، إذا أردت بـ «قلما» النفي المحض، و: أسرت حتى تدخلها؟ وقد عرفت المقتضي لوجوب النصب، وعرفت أن الأخفش يجيز الرفع فقيل: المسألة مسألة خلاف بين سيبويه والأخفش، وقيل:
ليست مسألة خلاف كما سيتأتى الإشارة إلى ذلك في كلام ابن عصفور؛ لأن الوجه الذي منع سيبويه الرفع به غير الوجه الذي جوز الأخفش الرفع به، والوجه الذي منع سيبويه به هو أن نفي السير لا يكون سببا للدخول (2)، والوجه الذي جوز به الأخفش هو أن يكون أصل الكلام واجبا وهو: سرت حتى أدخل المدينة، ثم أدخلت أداة النفي على الكلام بأسره فتنفي أن يكون عنك سير كان عنه دخول، فكأنك قلت: ما وقع السير الذي كان سببا لدخول المدينة (3)، ومن ثمّ قال السيرافي: والذي عندي أن أبا الحسن أراد: أن «ما» تدخل على «سرت حتى أدخلها» بعد وجوب الرفع فتنفي جملة الكلام الى آخر كلامه الذي تقدم ذكره. -
(1) انظر: التذييل (6/ 714).
(2)
انظر: الكتاب (3/ 22، 23).
(3)
انظر: التذييل (6/ 716)، ومنهج الأخفش (ص 413).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأقول: إن هذا الأمر هو الظاهر، وهو أن لا خلاف بين الإمامين، فالذي اعتبره سيبويه لا يمنعه الأخفش والذي اعتبره الأخفش لا يمنعه سيبويه، لكنهم اتفقوا على أن الرفع غير مسموع في ذلك وأن الأخفش إنما أجاز ذلك بالقياس، ونقلوا (1) أن الأخفش كان يقول: إن الرفع في النفي جائز في القياس إلا أن العرب لم تستعمله، قالوا: فإذا كان معترفا بأن العرب لم تستعمله لم يجب أن يلتفت إليه لأنا إنما نتكلم بما تكلمت به العرب ولسنا نحدث [5/ 141] لغة.
ومنها: أن الشيخ ذكر في شرحه (2): أن بعض النحويين تكلم على «حتى» كلاما طويلا بالنسبة إلى سائر أحوالها من كونها جارة للاسم وداخلة على الفعل وعاطفة وابتدائية قال: ونحن نلخص من كلامه ما يليق بمسائل هذا
الشرح من كونها تدخل على الفعل غاية أو سببية يصلح مكانها «كي» ، أو سببية بمعنى «الفاء» أو غير سببية، وربما انجر مع ذلك مسائل من كونها جارة أو عاطفة، ثم إنه (3) شرع في إيراد ذلك، وأطال الكلام وذكر ما يعسر ضبطه، وإذا حقق الناظر نظره رأى أن غالب ما يذكر مستغنى عنه بما قد تقرر من أحكام «حتى» التي تقدمت الإشارة إليها في هذا الفصل.
وبعد: ففي ما ذكره الجماعة (4) كفاية، فأنا أقتصر عليه، وهو أنهم ذكروا أن «حتى» حرف غاية وتأتي في الكلام على ثلاثة أضرب: عاطفة، وابتدائية، وجارة، فالعاطفة ذكرت في باب «العطف» ، والجارة ذكرت في باب «حروف الجر» .
وأما الابتدائية فإنها تدخل على جملة مضمونها غاية لشيء قبلها، والجملة قد تكون اسمية كقول الشاعر:
3927 -
فما زالت القتلى تمجّ دماءها
…
بدجلة حتّى ماء دجلة أشكل (5)
-
(1) نقل ذلك أبو حيان عن أبي محمد بن السيد البطليوسي. انظر: التذييل (6/ 719).
(2)
انظر: التذييل (6/ 720).
(3)
أي: الشيخ أبو حيان. انظر: التذييل (6/ 720) وما بعدها.
(4)
أي: المغاربة وسوف يذكر المؤلف كلام ابن عصفور في المقرب وشرح الجمل إجمالا ثم يذكر ذلك تفصيلا نقلا عن الكتابين المذكورين.
(5)
هذا البيت من الطويل قاله جرير بن الخطفى من قصيدة يهجو بها الأخطل ديوانه (1/ 143). -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقد تكون فعلية كقولهم: شربت الإبل حتى يجيء البعير يجرّ بطنه (1) ويتعين كونها الابتدائية إذا وقع بعدها الفعل الماضي أو المبتدأ والخبر.
ثم الجارة قد تدخل على الفعل أي: تباشره لفظا كما تباشر الاسم، لكنها إذا باشرت الاسم كانت للغاية بمعنى «إلى» ، وإذا باشرت الفعل وجب تقدير «أن» قبله لتكون داخلة على اسم، وحينئذ قد تكون بمعنى «إلى» فتكون للغاية، وقد تكون بمعنى «كي» فتكون للتعليل.
فتبين من هذا أنها إذا باشرت الفعل المضارع قد تكون جارة، وقد تكون ابتدائية؛ لأنا قد قلنا: إن الابتدائية تدخل
على الجملة الفعلية، فإن كان الفعل بعدها مستقبلا أو في حكم المستقبل فـ «حتى» حرف جر بمعنى «إلى» أو «كي» والفعل بعدها لازم النصب بـ «أن» مضمرة، وإن كان الفعل بعدها حالا أو في تقدير الحال فهي حرف ابتداء والفعل بعدها لازم الرفع لخلوه عن ناصب أو جازم.
وبعد: فأنا أورد مفصلا ما ذكر ضابطه إجمالا في تقسيم ذكره ابن عصفور، قال في «المقرّب» في باب «نواصب الفعل» (2): و «حتى» إذا كانت بمعنى «إلى أن» أو بمعنى «كي» فإن لم تكن بمعنييهما لم تنصب؛ فعلى هذا لا يخلو أن تقع «حتى» مع ما بعدها خبرا لذي خبر أو لا تقع، فإن وقعت خبرا لم يجز فيما بعدها إلا النصب نحو قولك: كان سيري حتى أدخلها، وسير زيد حتى يدخل المدينة، بنصب:«أدخل» ، و «يدخل» ، وإن لم تقع خبرا فإما أن يكون ما قبلها سببا لما بعدها أو لا يكون، فإن كان فإن أردت بالفعل الذي بعدها الماضي أو الحال رفعت -
- الشرح: تمج أي: تقذف ورفع دماؤها ودجلة: نهر بالعراق، والأشكل: الذي تخالطه حمرة، وعين شكلاء: إذا خالط بياضها حمرة.
والشاهد: في «حتى ماء دجلة أشكل» فإن «حتى» فيه حرف ابتداء دخلت على الجملة الاسمية، والبيت في: ابن يعيش (8/ 18)، والعيني (3/ 386)، والخزانة (4/ 142)، والهمع (1/ 248)، والدرر (1/ 207).
(1)
انظر: الكتاب (3/ 18).
(2)
انظر: المقرب لابن عصفور (1/ 268 - 270).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نحو قولك: سرت حتى أدخل المدينة، تريد: سرت فدخلت أو فأنا داخل، وإن أردت به الاستقبال نصبت وتكون بمعنى:«كي» أو: «إلى أن» كأنك قلت:
سرت كي أدخل المدينة أو: إلى أن أدخل، وإن لم يكن ما قبلها سببا لما بعدها لم يجز في الفعل الذي بعدها إلا أن يكون مستقبلا منصوبا وتكون بمعنى:«إلى أن» نحو قولك: سرت حتى يؤذن المؤذن أي: إلى أن يؤذن المؤذن، فإن كثّرت السبب نحو قولك: كثر ما سرت حتى أدخل المدينة كان الرفع أقوى من النصب، وإن قلّلت نحو قولك: قلّما سرت حتى أدخل المدينة كان النصب أقوى من الرفع وإن نفيته فإن قدّرت أن النفي دخل بعد دخول «حتى» فالأمر على ما كان عليه قبل النفي من جواز النصب على معنى: «إلى أن» أو: «كي» ، والرفع على المعنيين المتقدمي الذكر (1)، وإن قدّرت أنها دخلت بعد دخول النفي لم يجز في ما بعدها إلا النصب على معنى:«إلى أن» وذلك نحو قولك: ما سرت حتى أدخل المدينة؛ بالنصب لا غير على التقدير الثاني، وبالنصب والرفع على التقدير الأول.
وقال في «شرح الجمل» (2): حتى إما أن يكون ما بعدها حالا أو مستقبلا أو ماضيا فإن كان حالا أو ماضيا فالرفع، وإن كان مستقبلا فالنصب، ولذلك أسباب تذكر، فنقول: إن لم يكن ما قبلها سببا فالنصب نحو: سرت حتى تطلع الشمس، التقدير: إلى أن، وإن كان سببا فإن كان الفعل الذي بعدها حالا أو ماضيا رفع؛ لأنها تكون سببا بمنزلة «الفاء» ، و «الفاء» لا تنصب فتقول:
سرت حتى أدخلها تريد: فدخلت لأني سرت أو: فأنا داخل الآن لأني سرت، فالرفع على معنيين ولكن السببية معه ملتزمة.
وإن كان مستقبلا فالنصب وحينئذ إما أن تلحظ السببية فتكون «حتى» بمعنى:
«كي» ، فمعنى «سرت حتى أدخلها»: كان سيري كي أدخلها، وإن لم تلحظ السببية وقصدت مجرد الغاية فتكون «حتى» بمعنى:«إلى» ، فمعنى «سرت حتى أدخلها»: سرت إلى هذه الغاية؛ لأن الذي كان لأجل الدخول هو السير، فالنصب على معنيين كما أن الرفع على معنيين. -
(1) وهما: فدخلت أو فأنا داخل.
(2)
انظر: شرح الجمل (2/ 164 - 166) وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإن وقع قبل الفعل الذي يكون سببا حرف نفي فقلت: ما سرت حتى أدخل المدينة؛ فالنصب لم يذكر سيبويه غيره، قال (1): لأن الرفع إنما يكون على معنى السبب وعدم السير لا يكون موجبا للدخول، وزعم الأخفش (2) أن الرفع جائز لا على أن يكون عدم السير سببا هذا ما لا يقوله أحد، وإنما يكون ذلك جوابا، فإذا قال قائل: سرت فدخلت، قلت له: ما سرت فدخلت، وإذا قال: سرت فأنت داخل قلت له: ما سرت فأنا داخل الآن، وهذا حسن جدّا وينبغي أن لا يعدّ هذا خلافا بين الأخفش وسيبويه.
ثم قال (3): فإن أدخلت في الكلام: «رأى» أو «حسب» أو «ظن» فإما أن تدخل شيئا من ذلك بعد «حتى» فيكون الحكم ما تقدم، إن كان القبلي سببا فالرفع إن كان ماضيا أو حالا، والنصب إن كان مستقبلا، وإن لم يكن الفعل القبلي سببا [5/ 142] فالنصب على معنى:«إلى» أو «كي» (4)، فتقول: سرت حتى أدخلها أرى أو أظن أو أحسب بالرفع والنصب على حسب المعنى، وإما أن تدخل ذلك قبل «حتى» فتقول: سرت أرى حتى أدخل المدينة، لم يتصور الرفع؛ لأنك لم تثبت سيرا يكون سببا إنما جعلته فيما ترى.
ثم ذكر (5) أن الكوفيين خالفوا البصريين في أربع مسائل:
الأولى:
أنهم أجازوا الرفع في نحو: سرت حتى تطلع الشمس، وحكوا من كلام العرب: سرت حتى تطلع الشمس بعرفة (6)، وردّ عليهم بأن السببية فيما حكوه موجودة؛ لأن طلوع الشمس بهذه البقعة المباركة يكون سببه جد السير لو ضعف، -
(1) انظر: الكتاب (3/ 22، 23) وقال في (3/ 24): «واعلم أن الفعل إذا كان غير واجب لم يكن إلا النصب» .
(2)
انظر: شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 56)، والتذييل (6/ 716).
(3)
أي: ابن عصفور في شرح الجمل (2/ 166) وقد نقله بتصرف.
(4)
في شرح الجمل «إلى أن وكي» .
(5)
أي ابن عصفور، انظر: شرح الجمل (2/ 167، 168) وقد نقله عنه بتصرف.
(6)
في معاني القرآن للفراء (1/ 134) قال: «
…
فزعم الكسائي أنه سمع العرب تقول: سرنا حتى تطلع لنا الشمس بزبالة فرفع والفعل للشمس».
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فهم قد أخذوا سببا وغلطوا فيه فجعلوه غير سبب.
الثانية:
أن الفراء (1) منع النصب في ما لا يتطاول من الأفعال أي: الذي لا يمتد (2) نحو: قمت حتى آخذ بحلقه؛ لأن المعنى: قمت فأخذت ولم يتمادّ القيام حتى لزم أن يكون قمت إلى هذه الغاية، وردّ بأن النصب هنا على معنى:«كي» (3).
الثالثة:
أن الكسائي جوّز النصب في فعل الحال وإن كان ما قبله سببا وأجاز ذلك في قول حسان رضي الله تعالى عنه (4):
3928 -
يغشون حتّى ما تهرّ كلابهم
…
لا يسألون عن السّواد المقبل (5)
وردّ ذلك بأنه لم يرد به سماع ولا يقبله القياس لأن النواصب تخلص الفعل للاستقبال.
الرابعة:
أنهم فصّلوا في غير السبب الفعل الذي بعد «حتى» إلى ما هو حادث وإلى ما ليس كذلك، فما كان حادثا فالنصب نحو: سرت حتى تطلع الشمس، وإن كان غير حادث فالرفع نحو: سرت حتى يعلم الله أني كالّ (6)، قالوا: فلا يتصور هنا إلى أن لأن هذا لم يحدث عن سيرك فيكون غاية له، ولا يتصور معنى:«كي» ؛ لأن المعنى ليس عليها، وردّ ذلك بأن علم الله تعالى أني كالّ حادث عن سيري؛ لأن الله تعالى لا يعلم أني كالّ في الحال إلا إذا كنت كالّا في الحال، فتعلق العلم هنا حادث وسببه سيرك، فلهذا كان مرفوعا لا كما قالوه، وامتنع النصب على معنى «إلى أن» لأن المعنى يبطل، ألا ترى أنك إذا قلت: سرت حتى يعلم الله أني -
(1) انظر: معاني القرآن للفراء (1/ 133).
(2)
أي: ليس له غاية ينتهي إليها. شرح الجمل (2/ 130).
(3)
قال ابن عصفور: «كأنه قال: قمت كي آخذ بحلقه» .
(4)
لم ينسبه ابن عصفور في شرح الجمل.
(5)
سبق شرحه.
والشاهد فيه هنا: نصب ما بعد «حتى» على مذهب الكسائي.
(6)
انظر: الكتاب (3/ 19).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كالّ فهو الآن كالّ والله تعالى يعلم أنه كالّ، فلو قدّرت: إلى أن يعلم الله، لكان هذا مستقبلا فيحصل التناقض، وليس النصب على معنى:«كي» لأنه يستحيل أن يكون المعنى: سرت كي يعلم الله أني كالّ؛ لأنك لم تقصد أن الحامل لك على السير هو علم الله بكلالك. انتهى كلام ابن عصفور.
وقد طال الكلام في «حتى» ولا شك أن الجارة معلومة، والعاطفة معلومة أيضا، وأما الابتدائية فإن الكلام يستأنف بعدها، وتقع بعدها الجملة من فعل ومرفوعه، وسواء أكان الفعل ماضيا أو مضارعا مرفوعا، نعم مضارعا ونصب كان النصب بـ «أن» مضمرة ووجب كون «حتى» حينئذ حرف جر، والجملة من مبتدأ وخبر، والجملتان من شرط جزاء، فمن وقوع المبتدأ والخبر قول الشاعر:
3929 -
فيا عجبا حتّى كليب تسبني
…
كأنّ أباها نهشل أو مجاشع (1)
وقول الآخر:
3930 -
فما زالت القتلى تمجّ دماءها
…
بدجلة حتّى ماء دجلة أشكل (2)
وقول الآخر:
3931 -
وحتّى الجياد ما يقدن بأرسان (3)
-
(1) هذا البيت من الطويل قاله الفرزدق من قصيدة يهجو بها جريرا (1/ 419).
الشرح: قوله: فيا عجبا رواية الديوان «فيا عجبي» ويروى: «فواعجبا» وهو من قبيل الندبة للتوجع، وكليب ابن يربوع رهط جرير، جعلهم في الضّعة بحيث لا يسابون مثله لشرفه، ونهشل ومجاشع: ابنا دارم رهط الفرزدق.
والشاهد فيه: دخول «حتى» على الجملة الاسمية، وهي حرف ابتداء، والبيت في: الكتاب (3/ 18)، والمقتضب (4/ 406)، وابن يعيش (8/ 18، 62)، والمغني (ص 129)، والخزانة (4/ 141)، والهمع (2/ 24)، والدرر (2/ 16).
(2)
سبق شرحه.
(3)
هذا عجز بيت وهو لامرئ القيس ديوانه (ص 175) وصدره:
سريت بهم حتى تكل مطيهم
الشرح: الأرسان: جمع: رسن وهو الحبل، و «بأرسان» متعلق بـ «يقدن» ويجوز كون الباء للحال متعلق بمحذوف تقديره: مستعملات.
والمعنى: أنها تساق معطلات دون حبال لبعد الغزو وإفراط الكلال.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والنصف الأول من هذا البيت وهو قوله:
3932 -
سريت بهم حتّى تكلّ مطيّهم (1)
شاهد وقوع الجملة الفعلية.
ومن وقوع الشرط والجزاء قوله تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها (2).
ومن مجيء الفعل ومرفوعه قوله تعالى: وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ (3)، ومنه أيضا قوله تعالى: ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا (4).
قال ابن أبي الربيع: ضابط «حتى» أن تقول: إذا كان بعدها مفرد مخفوض أو فعل مضارع منصوب فهي حرف جر، وإذا وقع بعدها اسم مفرد مرفوع أو منصوب فهي حرف عطف، وإن وقع بعدها جملة فهي حرف ابتداء (5). انتهى.
وقد تقدم لنا ذكر هذه المسألة في باب «حروف الجر» وإنما أعدت ذلك هنا لأن هذا الموضع أمسّ بذكره.
* * *
- والشاهد في هذا الشطر من البيت: مجيء «حتى» حرف ابتداء ورفع الاسم الذي بعدها على أنه مبتدأ ما بعده خبر، وانظر: الشطر في الكتاب (3/ 27، 626)، ومعاني الفراء (1/ 133)، والمقتضب (2/ 39)، وابن يعيش (5/ 79)، والمغني (ص 127).
(1)
هذا صدر عجز البيت السابق «تكل» : تتعب.
والشاهد فيه: وقوع الجملة الفعلية بعد «حتى» والمضارع بعدها منصوب بإضمار «أن» وهي حرف جر، قال ابن هشام في المغني (ص 130): «ولا بد على النصب من تقدير زمن مضاف إلى تكل أي:
إلى زمان كلال مطيهم» وقد روي «تكل» بالرفع فتكون «حتى» حرف ابتداء والجملة بعدها مستأنفة والمعنى: حتى كلت، وزعم ابن السيد أن جملة «تكل مطيهم» معطوفة بـ «حتى» على «سريت بهم» هكذا ذكر ابن هشام في المغني (ص 127).
وانظر الشطر في المصادر السابقة في عجزه.
(2)
سورة الزمر: 71.
(3)
سورة البقرة: 214.
(4)
سورة الأعراف: 95.
(5)
انظر حديثا مفصلا عن حتى بأنواعها الثلاثة (الجارة والعاطفة والابتدائية) في كتاب البسيط في شرح جمل الزجاجي لابن أبي الربيع (2/ 901 - 910) تحقيق د/ عياد الثبيتي (دار الغرب الإسلامي).