الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[القياس على بعض هذه الأسماء]
قال ابن مالك: (ويقيس على هذه الكسائيّ وعلى قرقار الأخفش ووافق سيبويه في القياس على فعال).
ــ
وفي الحديث الشريف: «ومن لّم يستطع فعليه بالصّوم» (1).
قال الشيخ (2): «الباء زائدة ويكون الصوم مبتدأ، كما زيدت في قولهم:
بحسبك درهم» انتهى.
وأقول: إن ذلك إنما هو على التضمين أيضا كما قلنا في «فعليك بذات الدّين» ، وما قاله الشيخ يلزم منه أن الصوم يكون واجبا على من لم يستطع الباءة (3) ولا قائل بذلك، وإنما معنى الحديث الشريف: أنه يلزم الصوم وذلك لأنه يكسر شهوته فيأمن على نفسه من العنت.
قال ناظر الجيش: يشير إلى مسألتين:
الأولى:
أن الظروف والمجرورات التي نقلت وصيرت أسماء أفعال يقتصر فيها على ما سمع، قال في شرح الكافية (4) بعد الإشارة إليها:«ولا يقاس على هذه الظروف غيرها إلا عند الكسائي فإنه لا يقتصر فيها على السماع بل يقيس على ما سمع ما لم يسمع» .
وقال ابن عصفور (5): «اعلم أن عليك ودونك وأمثالهما من الظروف والمجرورات المسمى بها فعل الأمر على
جهة الإغراء فيها خلاف، فذهب الكسائي إلى أن ذلك جائز في كل ظرف وجار إلا أن يكون على حرف واحد فإن ذلك لا -
(1) جزء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سبق تخريجه في شرح المتن السابق.
(2)
انظر التذييل (6/ 221) وحاشية الصبان على الأشموني (3/ 201).
(3)
الباءة: النكاح والتزويج، والأصل في الباءة: المنزل ثم قيل لعقد التزويج باءة لأن من تزوج امرأة بوأها منزلا» اللسان (بوأ) ملخصا.
(4)
انظر شرح الكافية الشافية (رسالة)(3/ 1394) والمرتجل لابن الخشاب (ص 257) وقد رد ما ذهب إليه الكسائي وانظر الهمع (2/ 106) وفيه: «وردّ بأن ذلك إخراج لفظ عن أصله، وقيل: إن الكسائي يشترط كونه على أكثر من حرفين بخلاف نحو: «بك ولك» وانظر الأشموني وحاشية الصبان (3/ 201).
(5)
يبدو أن ذلك في شرح الإيضاح له ولم أعثر عليه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يجوز فيه نحو: اللام والباء والكاف (1)، وذهب البصريون إلى أن ذلك موقوف على السماع يحفظ ولا يقاس عليه (2)، قال: والذي سمع من ذلك البصريون: عليك ودونك وعندك، ومكانك وإليك، وحكى الجوهري (3) الإغراء بلديك وأنشد:
3647 -
فدع عنك الصّبا ولديك همّا
…
توقّش في فؤادك واختبالا (4)
وحكى بعض أهل اللغة الإغراء بـ «كذاك» (5) وأنشد:
3648 -
يقلن وقد تلاحقت المطايا
…
كذاك القول إنّ عليك عينا (6)
وزعم الفراء أن الكسائي سمع: «كما أنت زيدا» وحكى الكسائي الإغراء بـ «بين» وذكر أنه سمع من كلامهم: «بينكما البعير فخذاه» (7)، وليس عندي في ذلك دليل على الإغراء بـ «بين» لاحتمال أن يكون «البعير» منصوبا بفعل مضمر يفسره ما بعده؛ فتكون المسألة إذ ذاك من الاشتغال بمنزلة قولك: يوم الجمعة زيدا فاضربه، ووجه إجازة الكوفيين ذلك في كل ظرف ومجرور ما عدا ما استثني كون الظروف والمجرورات في باب «الإغراء»
معمولات لأفعال مضمرة حذفت للدلالة عليها، قالوا: وإضمار أفعال الأمر لدلالة الأحوال عليها جائز بقياس، ووجه -
(1) انظر التذييل (6/ 223) ومعاني القرآن (1/ 323) وابن يعيش (4/ 74) وحاشية الصبان (3/ 201).
(2)
انظر ابن يعيش (4/ 74) والتذييل (6/ 223).
(3)
انظر الصحاح (6/ 2481)(لدى).
(4)
هذا البيت من الوافر وقائله كما في اللسان: ذو الرمة وانظر ديوانه (3/ 1523).
الشرح: قوله: توقش: أي تحرك وقوله: اختبالا: الاختبال: الخبل وهو جنون أو شبهه في القلب، ورجل مخبول وبه خبل وهو مخبّل: لا فؤاد معه، والمعنى على ذلك: دع عنك الصبا واصرف ذلك إلى الهم والاختبال الذي أصاب قلبك، وروي في اللسان (واحتيالا) بالحاء المهملة والياء - وذكر أن المعنى: دع عنك الصبا واصرف همتك واحتيالك إلى الممدوح ولهذا يقول بعده:
إلى ابن العامريّ إلى بلال
…
قطعت بأرض معقلة العدالا
والشاهد في البيت: قوله «لديك همّا» حيث أغرى بلديك فنصب ما بعده وعطف عليه قوله:
واختبالا، والبيت في التذييل (6/ 218) واللسان (وقش) و (لدى) ويروى:
فعدّ عن الصّبا وعليك همّا
وهي رواية الديوان (3/ 1523) ولا شاهد على هذه الرواية.
(5)
انظر التذييل (6/ 185).
(6)
سبق الكلام عنه.
(7)
انظر معاني القرآن (1/ 323).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قصر البصريين ذلك على السماع كون الأفعال لما حذفت عوضت منها الظروف والمجرورات وأعطيت حكمها فعملت في ما كان الفعل المضمر عاملا فيه، وتحملت ضمائر الفاعلين كما كان يتحمله الفعل المضمر، وتعويض لفظ من لفظ وإعطاؤه حكمه لا يجوز بقياس» انتهى (1).
والتعليل الذي ذكره عن الفريقين مبني على أن أسماء الأفعال لها موضع من الإعراب، وسيتبين أن الحق خلاف
ذلك.
المسألة الثانية:
أن أسماء الأفعال المشاركة للفعل في الاشتقاق إنما تكون من الأفعال الثلاثية، وأن الوارد مما فعله زائد على الثلاثة موقوف على السماع، كقولهم: فمنه من مزيد الثلاثي: دراك بمعنى: أدرك، وبدار بمعنى: بادر (2) قال الشاعر:
3649 -
بدارها من إبل بدارها
…
قد نزل الموت على صغارها (3)
ومنه من الرباعي المجرد: «قرقار» و «عرعار» و «جرجار» (4)، لكن الأخفش قاس على «قرقار» فأجاز أن يقال: قرطاس، وسرهاف، ودحراج، قياسا على ما سمع (5)، قال المصنف في شرح الكافية (6): «من أسماء الأفعال: قرقار بمعنى:
قرقر، وهو نادر، ومع ندوره عند [5/ 40] سعيد بن مسعدة الأخفش مقيس عليه، والصحيح ما ذهب إليه سيبويه (7) من كون صوغ اسم الفعل مطردا من الثلاثي -
(1) أي كلام ابن عصفور فيما ينقله عنه المؤلف.
(2)
انظر التذييل (6/ 224) وشرح التصريح (2/ 196).
(3)
هذا بيت من الرجز مجهول القائل، الشرح:«بدارها» بدار: اسم فعل بمعنى: بادر، وبدر وبادر بمعنى: أسرع، والمعنى واضح. والشاهد فيه: مجيء اسم الفعل «بدار» من مزيد الثلاثي لأنه بمعنى بادر ومجيء اسم الفعل من غير الثلاثي لا يجوز إلا في ما سمع منه ولذلك قال في شرح التصريح (2/ 196):
إنه شاذ. وانظر الرجز في التذييل (6/ 224) وشرح التصريح (2/ 196) وحاشية الدمنهوري (ص 89).
(4)
الجرجرة صوت البعير عند الضجر. اللسان (جرر).
(5)
انظر التذييل (6/ 225) وشرح التصريح (2/ 196)، والأشموني (3/ 161).
(6)
انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1392).
(7)
قال في الكتاب (3/ 280): «واعلم أن فعال جائزة من كل ما كان على بناء فعل أو فعل أو فعل ولا يجوز من أفعلت لأنا لم نسمعه من بنات الأربعة إلا أن تسمع شيئا فتجيزه فيما سمعت ولا تجاوزه فمن ذلك: قرقار وعرعار» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
خاصة بشرط كونه على فعال» انتهى.
وأنكر المبرد كون «قرقار» اسم فعل وقال: «لم يأت في الرباعي عدل أصلا وإنما «قرقار» حكاية صوت الرعد، و «عرعار» حكاية صوت الصبيان» (1).
لكن سيبويه حكم بأنهما معدولان (2).
وذكر الشيخ في شرحه (3)«أن بعضهم يقصر اسم الفعل من الثلاثي على السماع أيضا فلا يجيز أن يقال: قوام ولا قعاد، يراد بذلك: قم واقعد، لأن في ذلك ابتداع اسم لم يتكلم به العرب، وإليه ذهب المبرد (4)، قال: والصحيح ما ذهب إليه سيبويه لأن ذلك قد كثر كثرة تسوغ القياس، فيجوز عنده أن يقال: قوام بمعنى: قم، وضراب بمعنى: اضرب» (5) انتهى.
والحاصل: أن بناء «فعال» سائغ من كل فعل ثلاثي، وقد استثنى الشيخ الفعل الجامد كـ «يذر» ، و «يدع» و «هب» والفعل الناقص نحو:«كان» و «بات» فإن «فعال» لا يبنى منهما (6)، وهذا أمر واضح لا يحتاج إلى التنبيه عليه ولا سيما الفعل الجامد.
ثم إن من المعلوم أن «فعال» الذي هو اسم الفعل مبني على الكسر (7)، وحكى الكسائي عن بني أسد بناءه على الفتح إتباعا للفتحة والألف طلبا للتخفيف، وذهب بعضهم إلى أن نحو «نزال» علم حملا على أخواتها في الوزن (8)، ولا معول على ذلك.
(1) انظر شرح السيرافي للكتاب (خ)(2/ 376) وهامش الكتاب (3/ 276) وشرح الكافية للرضي (2/ 76) والأشموني (3/ 161).
(2)
انظر الكتاب (3/ 276).
(3)
انظر التذييل (6/ 227).
(4)
انظر شرح الكافية للرضي (2/ 76).
(5)
انظر الكتاب (3/ 280) وابن يعيش (4/ 52).
(6)
انظر التذييل (6/ 226) وشرح التصريح (2/ 196).
(7)
قال سيبويه في الكتاب (3/ 277): «لأن فعال لا يتغير عن الكسر» وانظر ابن يعيش (4/ 50).
(8)
انظر التذييل (6/ 228) وشرح التصريح (2/ 196).