الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[خلاف العلماء في «أن» بأنواعها]
قال ابن مالك: (ولا يتقدّم معمول معمولها عليها خلافا للفرّاء، ولا حجّة في ما استشهد به لندوره، أو إمكان (1) تقدير عامل مضمر، ولا تعمل زائدة خلافا للأخفش، ولا بعد علم غير مؤوّل خلافا للفرّاء وابن الأنباريّ، ولا يمتنع أن تجرى بعد العلم مجراها بعد الظنّ لتأوّله به، ولا بعد الخوف مجراها بعد العلم لتيقّن المخوف خلافا للمبرّد، ولا يجزم بها خلافا لبعض الكوفيين).
- فأهمل الأولى وأعمل الثانية، وكلتاهما مصدرية.
وأما ولاية الجملة الابتدائية «ما» المصدرية فشاهده قول الشاعر:
3774 -
واصل خليلك ما التّواصل ممكن
…
... البيت (2)
قال ناظر الجيش: لما انتهى الكلام على تمييز «أن» الناصبة للفعل من «أن» المخففة شرع في ذكر أحكام لها في كل منها خلاف ليتبين الصحيح في ذلك ما هو؟ والأحكام التي ذكرها خمسة:
الأول: أن معمول معمولها لا يتقدم عليها فلا يجوز أن يقال في نحو: يعجبني أن تشرب العسل: يعجبني العسل أن تشرب؛ لأن «أن» موصول حرفي ومعمول معمولها من تمام صلتها، ولا يجوز تقديم شيء من الصلة ولا من أجزائها على الموصول، وأجاز الفراء (3) التقديم مستشهدا بقول الشاعر: -
- المصدرية وفي أن كل واحدة منهما تسبك مع ما بعدها بمصدر، وإهمال «أن» حملا على «ما» مذهب البصريين، ومذهب الكوفيين أن «أن» في البيت المذكور هي المخففة من الثقيلة شذ اتصالها بالفعل، قال ابن هشام في المغني (ص 30):«والصواب قول البصريين إنها أن الناصبة أهملت حملا على ما أختها المصدرية» .
والشاهد في الإنصاف (ص 563)، وابن يعيش (8/ 143) شرح الكافية للرضي (2/ 234)، والمغني (ص 30، 697) وأوضح المسالك (3/ 166)، وشرح التصريح (2/ 232).
(1)
في (جـ)، (أ): وإمكان.
(2)
هذا صدر بيت من الكامل، مجهول القائل، وعجزه قوله:
فلأنت أو هو عن قريب ذاهب
والشاهد فيه: قوله: «ما التواصل ممكن» حيث وليت «ما» المصدرية الجملة الابتدائية.
والبيت في شرح التسهيل لابن مالك (4/ 11).
(3)
انظر: شرح الألفية للأبناسي (2/ 269)، والهمع (2/ 3)، والأشموني (3/ 284).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
3775 -
ربّيته حتّى إذا تمعددا
…
كان جزائي بالعصا أن أجلدا (1)
وبقول الآخر (2):
3776 -
وإنّي امرؤ من عصبة تغلبيّة
…
أبت للأعادي أن تذلّ رقابها (3)
قال المصنف: ولا حجة للفراء في ذلك لندور الوارد منه أو لإمكان (4) تقدير عامل مضمر قبل أن يدل عليه المذكور بعد (5). فيقدر في البيت الأول: كان جزائي أن أجلد بالعصا أن أجلد، وفي البيت الثاني: أبت أن تذل للأعادي رقابها أن تذل رقابها، فحذف الأول في كل من البيتين لدلالة الثاني عليه.
الحكم الثاني: أن «أن» الزائدة لا تعمل شيئا وقد عللوا ذلك بأن الزائدة لا تختص (6)؛ لأنها تباشر الفعل كقوله تعالى: فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ (7) وتباشر الاسم كما في قول القائل:
3777 -
كأن ظبية تعطو إلى وارق السّلم (8)
-
(1) هذا رجز.
معناه: ربيت ابني حتى إذا غلظ وشب كان جزائي أن أجلد بالعصا.
والشاهد فيه: قوله: «بالعصا أن أجلدا» فإن «بالعصا» يتعلق بـ «أجلد» و «أجلد» معمول «أن» وصلتها، و «بالعصا» معمول معمول «أن» فاستدل به الفراء على جواز تقديم معمول معمول «أن» عليها، وأجيب بأنه نادر لا يقاس عليه، والرجز في المحتسب (2/ 310)، وابن يعيش (9/ 151)، والعيني (4/ 410)، والهمع (1/ 112).
(2)
نسبه في المقتضب (4/ 199) إلى عمارة، وقال المحقق الشيخ/ عضيمة، ويظهر أنه يريد بعمارة عمارة بن عقيل بن جرير فقد روى له كثيرا في الكامل.
(3)
هذا البيت من الطويل، والعصبة: الجماعة من الناس، وتغلبية منسوبة إلى تغلب.
والشاهد في البيت: في قوله: «أبت للأعادي أن تذل رقابها» فإن ظاهره أن الجار والمجرور وهو قوله:
«للأعادي» متعلق بقوله: «أن تذل» المتأخر عنه المعمول لـ «أن» المصدرية فيكون معمول صلة «أن» المصدرية قد تقدم عليها وهذا غير جائز عند جمهور النحاة ولذلك فإنهم جعلوا الجار والمجرور متعلقا بفعل محذوف يقدر قبله ويكون المذكور تفسيرا وبيانا لذلك المحذوف - والبيت في المقتضب (4/ 199).
والشطر الأول في ابن يعيش (7/ 29)، وانظر: الإنصاف (ص 596).
(4)
في (جـ)، (أ): ولإمكان.
(5)
انظر التسهيل (ص 228، 229).
(6)
انظر: المغني (ص 34).
(7)
سورة يوسف: 96.
(8)
هذا عجز بيت من الطويل قائله ابن صريم اليشكري أو كعب بن أرقم وصدره: -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأجاز الأخفش (1) إعمالها زائدة كما أن العرب أعلموا «من» الزائدة كقولك:
ما جاءني من أحد، واستدل (2) على ما أجازه بقول الله تعالى: وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (3) إذ التقدير: وما لنا لا نقاتل في سبيل الله، وكذا بقوله تعالى: وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ (4) التقدير: لا تنفقون، كما قال تعالى: وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ (5) فهذه الجملة الواقعة بعد وَما لَنا في موضع نصب على الحال، فيلزم من ذلك زيادة «أن» ، قال المصنف في شرح الكافية (6):
ما ذهب إليه أبو الحسن ضعيف؛ لأن «من» الزائدة مثل غير الزائدة لفظا واختصاصا؛ فجاز أن تعمل بخلاف «أن» الزائدة فإنها تشبه غير الزائدة لفظا لا اختصاصا؛ لأنه قد يليها الاسم كما في قوله:
«كأن ظبية» على رواية من جر «ظبية» بالكاف. انتهى. -
-
ويوما توافينا بوجه مقسم
الشرح: يذكر امرأته وينعتها بأنها حسنة الوجه، و «توافينا»: تأتي وتزورنا، والمقسم: الجميل كله كأن كل موضع منه حاز قسما من الجمال تعطو: تتطاول إليه لتتناول منه، والوارق: المورق: فعله: أورق على غير قياس، والسلم: شجر من العضاة، له زهرة صفراء فيها حبة خضراء طيبة الريح وتجد بها الظباء وجدا شديدا، وظبية: تروى على ثلاثة أوجه: الرفع والنصب والجر، فالرفع على أنها خبر وحذف الاسم مع تخفيف كأن، والتقدير: كأنها ظبية، والنصب بكأن تشبيها بالفعل إذا حذف وعمل نحو:
لم يك زيد منطلقا والخبر محذوف لعلم السامع، والتقدير: كأن ظبية تعطو هذه المرأة، والجر على تقدير: كظبية و «أن» زائدة، واستشهد بالبيت هنا: على أن «أن» زائدة ولم تعمل شيئا لأنها غير مختصة فهي تباشر الفعل وتباشر الاسم كما هي هنا. والبيت في الكتاب (2/ 134)، (3/ 165) وابن يعيش (8/ 72، 83) والمقرب (1/ 111)، (2/ 203)، والخزانة (4/ 364، 489)، وشرح التصريح (1/ 234).
(1)
لقد اضطرب الأخفش في القول بإعمال «أن» زائدة في كتابه «معاني القرآن» فتارة يرى عملها قياسا على عمل «الباء» و «من» الزائدتين، ورأى تارة أخرى عدم إمكان عمل الزائد فقال في قول الله تعالى: وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ: «ولو كانت أن زائدة لارتفع الفعل» انظر معاني القرآن (128، 192، 214) وانظر منهج الأخفش الأوسط في الدراسة النحوية (ص 395، 396).
(2)
انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1528) وشرح العمدة (ص 225)، والأشموني (3/ 286).
(3)
سورة البقرة: 246.
(4)
سورة الحديد: 10.
(5)
سورة المائدة: 84.
(6)
انظر: شرح الكافية (3/ 1528).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأما الآيتان الشريفتان فقد ذكر المعربون (1) أن حرف الجر يقدر فيها التقدير: وما لنا في أن لا نقاتل في سبيل الله، وما لكم في أن لا تنفقوا في سبيل الله، وللمصنف تخريج أحسن من هذا وهو أن وَما لَنا (2) ضمّن معنى: وما منعنا؛ فـ «أن» مصدرية لا زائدة التقدير: وما منعنا أن لا نقاتل (3).
الحكم الثالث: أن «أن» الناصبة للفعل قد علمت أنها لا تقع بعد أفعال العلم وإن وقعت بعد علم وجب تأويل العلم بغيره، لكن خالف في ذلك الفراء وابن الأنباري فأجازا (4) وقوعها بعد العلم دون تأويل، قالا: فيجوز أن يقال: علمت أن يقوم زيد بالنصب دون تأويل «علمت» ، والجمهور (5) على خلاف [5/ 98] ما قالا، ومستندهم أن «أن» إذا
كانت المخففة فهي للتوكيد، فيناسب معناها معنى الفعل الذي يقتضي تأكيد الشيء وثبوته واستقراره، وإذا كانت الناصبة للفعل فهي لا تقرن إلا بما ليس بمستقر ولا ثابت؛ لأنها إنما بابها أن تدخل على ما هو مستقبل، وإنما دخلت على الماضي من جهة مشاركته للمستقبل في أنه ليس بثابت في الحال لتقضيه، كما أن المستقبل ليس بثابت لعدم وقوعه، فكذلك لم تقع معمولا إلا للأفعال التي تقتضي التحقيق، هكذا عللوا هذه المسألة (6)، وهو تعليل إقناعي.
وقد استدل الفراء وابن الأنباري على ما ذهبا إليه بقراءة (7) مجاهد (8): (أفلا يرون ألّا يرجع إليهم قولا) وبقول الشاعر: -
(1) انظر: البيان في غريب إعراب القرآن للأنباري (1/ 165)، والتبيان للعكبري (196).
(2)
سورة البقرة: 246.
(3)
انظر: شرح الكافية الشافية (2/ 615)، ومعاني القرآن (1/ 128، 192)، وانظر المغني (ص 34) وقال ابن هشام:«وفيه نظر لأنه لم يثبت إعمال الجار والمجرور في المفعول به ولأن الأصل أن لا تكون لا زائدة، والصواب قول بعضهم: إن الأصل: وما لنا في أن لا نفعل كذا» .
(4)
انظر: شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 12) والأشموني (3/ 282).
(5)
انظر: الأشموني (3/ 282).
(6)
انظر: حاشية الصبان (3/ 282، 283).
(7)
في التبيان للعكبري (ص 901): «وقد قرئ (يرجع) بالنصب على أن تكون أن الناصبة وهو ضعيف لأنّ يرجع من أفعال اليقين» ، وانظر: الأشموني (3/ 282).
(8)
مجاهد بن جبر أبو الحجاج المكي، ومولى بني مخزوم، تابعي مفسر من أهل مكة، قال الذهبي:
شيخ القراء والمفسرين، أخذ التفسير عن ابن عباس قرأه عليه ثلاث مرات، يقال: إنه مات وهو ساجد سنة (104 هـ). وطبقات القراء (2/ 41)، والأعلام (5/ 278).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
3778 -
نرضى عن الله أنّ النّاس قد علموا
…
أن لا يدانينا من خلقه بشر (1)
وحمل المصنف ذلك على الشذوذ والندور (2)، لكن قال الإمام بدر الدين بعد ذكر مذهب الفراء وابن الأنباري في
هذه المسألة (3): وهو مذهب حسن لأنه قد جاء به السماع ولا يأباه القياس.
وأشار المصنف بقوله: غير مؤوّل إلى أن «أن» الناصبة للفعل يجوز وقوعها بعد لفظ العلم إذا كان مؤولا بغيره، كقولك: علمت أن تقوم؛ بالنصب، على تأويل «علمت» بـ «ظننت» كما سيأتي ذكر هذه المسألة، وقال المصنف في شرح الكافية (4): وقد أجاز سيبويه (5) أن يقال: ما علمت إلا أن تقوم؛ بالنصب، قال:
لأنه كلام خرج مخرج الإشارة فجرى مجرى قولك: أشرت عليك أن تقوم. انتهى.
وقد استدل على أن العلم قد لا يراد به القطع بقوله تعالى: فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ (6)، قالوا: المراد بالعلم هنا الظن القوي؛ لأن القطع بإيمانهن غير متوصل إليه (7).
وأقول: إن في الاستدلال بذلك نظرا؛ لأن الشرع الشريف جعل مناط الحكم بالإيمان النطق باللسان فمن نطق بلسانه بالشهادتين أجري عليه حكم الإيمان ويقال فيه: إنه معلوم الإيمان وإننا علمنا إيمانه؛ لأن ما في القلب لا يمكننا الاطلاع عليه ولم نكلف إلا بما في وسعنا، فمن نطق بكلمة الإيمان كنا عالمين إيمانه ولو لم يكن إيمانه معلوما ما جاز أن نشهد بإيمانه؛ لأن الشهادة إنما تكون عن يقين لا عن ظن.
الحكم الرابع: أنه يجوز إجراء «أن» بعد العلم مجراها بعد الظن لتأوله به، وإجراؤها بعد الخوف مجراها بعد العلم لتيقن المخوف، فمثال الأول: علمت أن -
(1) هذا البيت من البسيط وهو لجرير.
الشرح: قوله «نرضى عن الله» يعني نثني عليه ونشكره. وقوله: «أن لا يدانينا» أي يقاربنا في المفاخر، وفيه الشاهد حيث نصبت «أن» المضارع مع وقوعه بعد العلم شذوذا، والبيت في الهمع (2/ 22)، والدرر (2/ 2)، والأشموني (3/ 282) وديوان جرير (ص 261).
(2)
انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1525).
(3)
انظر: شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 13).
(4)
انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1525) وقد نقله بتصرف.
(5)
انظر: الكتاب (3/ 168).
(6)
سورة الممتحنة: 10.
(7)
انظر: الهمع (2/ 2).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تقوم بالنصب - على تأويل «علمت» بـ «ظننت» ، ومثال الثاني: خشيت أن لا يقوم، وخفت أن لا يكرمني - بالرفع - قال سيبويه (1): ولو قال: أخشى أن تفعل تريد أن تخبره أنه يخشى أمرا استقر عنده أنه كائن جاز وليس وجه الكلام.
وقال أبو الحسن (2): وأما: خشيت أن لا تكرمني فنصب، ولو رفعته على أمر قد استقر عندك كأنك جرّبته فكان لا يكرمك فقلت: خشيت أن لا تكرمني، أي: خشيت أنك لا تكرمني جاز.
وقد خالف المبرد (3) في الحكمين المذكورين - أعني إجراء العلم مجرى الظن لتأوله به، وإجراء الخوف مجرى العلم لتيقن المخوف - كما أشار إلى ذلك في متن الكتاب، وقد ردّ على المبرد ذلك:
أما الحكم الأول: فبأن «أن» إذا صح وقوعها علم غير مؤول كما في قول القائل:
3779 -
قد علموا
…
أن لا يدانينا من خلقه بشر
فوقوعها بعد العلم المؤول أولى.
وأما الحكم الثاني: فبأنه قد سمع من العرب ما ادعى عدم جوازه قال أبو محجن (4):
3780 -
إذا متّ فادفنّي إلى جنب كرمة
…
تروّي عظامي بعد موتي عروقها
ولا تدفنّني في الفلاة فإنّني
…
أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها (5)
قال الشيخ (6): وثبت في بعض النسخ بعد قوله: خلافا للمبرد: وأجاز بعضهم -
(1) انظر الكتاب (3/ 167) ونص عبارته: «ولو قال رجل: أخشى أن تفعل يريد أن يخبر أنه يخشى أمرا قد استقر عنده أنه كائن جاز وليس وجه الكلام» .
(2)
انظر: معاني القرآن (1/ 92).
(3)
انظر المقتضب (3/ 7، 8).
(4)
أبو محجن: عمرو بن حبيب بن عمرو بن عمير بن عوف، وقيل: اسمه أبو محجن، وكنيته أبو عبيد وقيل: اسمه مالك، وقيل: عبد الله، أحد الأبطال الشعراء الكرماء في الجاهلية والإسلام، أسلم سنة (9 هـ) وروى عدة أحاديث، توفي بأذربيجان أو بجرجان سنة (30 هـ). انظر ترجمته في الشعر والشعراء (1/ 430، 431) وخزانة البغدادي (3/ 553 - 556).
(5)
هذان البيتان من الطويل وقائلهما أبو محجن الثقفي - كما ذكر المؤلف - والشاهد في قوله: «أن لا أذوقها» فإن «أن» فيه مخففة من
الثقيلة وذلك لإجراء الخوف مجرى العلم، والتقدير: أنه لا أذوقها.
والبيتان في معاني القرآن (1/ 146)، وانظر: الخزانة (3/ 550)، والهمع (2/ 2).
(6)
انظر: التذييل (6/ 518).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الفصل بينها وبين منصوبها بالظرف وشبهه اختيارا، وقد يرد ذلك مع غيرها اضطرارا.
فمثال (1) الفصل بين «أن» ومنصوبها: قولك: أختار أن عندي تقيم، وأن في الدار تجلس، ومن أجاز ذلك يمكن أن يعلل إجازته له بما جاز في أن نحو: علمت أنّ اليوم زيدا مسافر، وأنّ في الدار عبد الله جالس، فقاس «أن» على «أنّ» بجامع ما اشتركا فيه من المصدرية والعمل، لكن مذهب سيبويه والجمهور (2) أنه لا يجوز شيء من ذلك، فلا يفصل بظرف ولا مجرور ولا قسم ولا غير ذلك.
ومثال الفصل بين غير «أن» ومنصوبها:
3781 -
لن ما رأيت أبا يزيد مقاتلا
…
أدع القتال وأشهد الهيجاء (3)
أي: لن أدع القتال ما رأيت أبا يزيد مقاتلا وهو مخصوص بالضرورة بلا خلاف.
الحكم الخامس: أن بعضهم أجاز الجزم بـ «أن» قال الإمام بدر الدين (4) رحمه الله تعالى: حكي عن الرؤاسي (5) أنه قال: فصحاء العرب ينصبون بـ «أن» وأخواتها الفعل، ودونهم قوم يرفعون بها، ودونهم قوم يجزمون بها، قال: وعنده أن مستند الرؤاسي في ذلك ما جاء في الشعر من نحو قوله:
3782 -
لقد طال كتماني عزيزة حاجة
…
من الحاج لا تدري عزيزة ما هيا
-
(1) انظر التذييل (6/ 518، 519).
(2)
قال في الكتاب (3/ 12، 13): «ولا تفصل بين شيء مما ينصب الفعل وبين الفعل سوى إذن، لأن إذن أشبهت أرى
…
» وقال (3/ 13): «ولم يفصلوا بين أن وأخواتها وبين الفعل كراهية أن يشبهوها بما يعمل في الأسماء نحو: ضربت وقتلت؛ لأنها لا تصرف الأفعال نحو: ضربت
وقتلت ولا تكون إلا في أول الكلام لازمة لموضعها لا تفارقه فكرهوا الفصل لذلك؛ لأنه حرف جامد»، وانظر حاشية الصبان (3/ 284).
(3)
هذا البيت من الكامل ولم أهتد إلى قائله، ومحل الشاهد قوله:«أدع القتال» حيث فصل بين «لن» ومعمولها بـ «ما» الظرفية المصدرية وصلتها، وهو مخصوص بالضرورة والبيت في المقرب (1/ 262) والمغني (283)، والأشموني (3/ 284).
(4)
انظر: شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 13).
(5)
الرؤاسي: محمد بن الحسن النحوي أبو جعفر ابن أخي معاذ الهراء، سمي الرؤاسي لأنه كان كبير الرأس وهو أول من وضع من الكوفيين كتابا في النحو، وهو أستاذ الكسائي والفراء، وكان رجلا صالحا، وكتابه يقال له:«الفيصل» انظر ترجمته في بغية الوعاة (1/ 82)، وقد سبقت ترجمته بالتفصيل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أحاذر أن تعلم بها فتردّها
…
فتتركها ثقلا عليّ كما هيا (1)
ولا حجة فيه لجواز كونه سكون وقف للضرورة لا سكون إعراب.
قال الشيخ (2): وما ذكره - يعني الإمام بدر الدين - من أنه لا حجة في الاستدلال بهذا البيت صحيح للاحتمال الذي ذكره، لكنه يبعد أن يكون مستند الرؤاسي في ذلك هذا البيت لأنه قال: ودونهم قوم يجزمون، فهذه حكاية لغة لا استنباط من بيت شعر.
قال: وقد حكى الجزم بها اللحيانيّ (3)، وذكر أن الجزم بها لغة بني صباح (4)، وحكاه أيضا أبو عبيدة (5)، وأنشدوا شاهدا عليه قول الشاعر:
3783 -
إذا ما غدونا قال ولدان أهلنا
…
تعالوا إلى أن يأتنا الصّيد نحطب (6)
[5/ 99] وقول الآخر:
3784 -
وأنّ بباب الدّار عينا وأن تدع
…
حذارا لتلك العين أهنأ وأجمل (7)
قال الشيخ: وإذا حكى الجزم بها الكوفيون، ومن البصريين اللّحياني، وأبو عبيدة كان الأصح جواز ذلك لكنه قليل.
(1) هذان بيتان من الطويل، والبيت الثاني هو بيت الشاهد واستشهد به على أن بعض الكوفيين أجازوا الجزم بأن في قوله:«أن تعلم» ورد بأنه ضرورة وذلك لعطف المنصوب وهو «فتتركها» عليه. وبيت الشاهد في المغني (ص 30)، وشرح شواهده (ص 98)، والهمع (2/ 3)، والدرر (2/ 3)، والأشموني (3/ 285).
(2)
انظر التذييل (6/ 520، 521).
(3)
سبقت ترجمته.
(4)
انظر المغني (ص 30).
(5)
أبو عبيدة: معمر بن المثنى البصري النحوي من أئمة العلم بالأدب واللغة، مولده ووفاته في البصرة، له مجاز القرآن، وما تلحن فيه العامة، ومعاني القرآن، وإعراب القرآن وغيرها، توفي قيل:(سنة 209 هـ) وقيل غير ذلك انظر ترجمته في البغية (2/ 294 - 296)، والأعلام (7/ 272).
(6)
هذا البيت من الطويل. والشاهد فيه: قوله: «أن يأتنا» حيث أجاز بعض الكوفيين الجزم بها وردّ بأنه ضرورة. والبيت في المغني (ص 30) وشرح شواهده (ص 91)، والأشموني (3/ 284)، وحاشية يس على شرح التصريح (2/ 247).
(7)
هذا البيت من الطويل لقائل مجهول. واستشهد به: على جواز الجزم بـ «أن» في قوله «وأن تدع» وهو قليل.