الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حكم المضارع المؤكد بالنون: معرب أم مبني]
قال ابن مالك: (فصل: الفعل المؤكّد بالنّون مبنيّ ما لم يسند إلى الألف أو الياء أو الواو، خلافا لمن حكم ببنائه مطلقا، فيفتح آخره، وحذفه إن كان «ياء» تلي كسرة لغة فزاريّة، فإن كان مع الآخر واو الضّمير أو ياؤه حذفت بعد الحركة المجانسة، وحرّكت بها بعد الفتحة، وحذف «ياء» الضّمير بعد الفتحة لغة طائيّة).
ــ
3683 -
أريت إن جاءت به أملودا
…
مرجّلا ويلبس البردا
أقائلنّ أحضروا الشّهودا (1)
فأكد بالنون اسم الفاعل لشبهه بالفعل المضارع (2) انتهى.
وإلى هذه المسألة - أعني اسم الفاعل - الإشارة بقوله هنا «وقد تلحق اسم الفاعل اضطرارا» .
قال الشيخ (3): «ظاهر قول المصنف أن لحاق النون المضارع خاليا مما ذكر يقلّ، ونص سيبويه على أن ذلك إنما يكون في الإضطرار فإنه قال (4): ويجوز للمضطر: أنت تفعلنّ» .
قال ناظر الجيش: لما انتهى الكلام في الفصل المفروغ منه على ما تجب فيه النون، وما تجوز فيه، وما تمتنع، ذكر في هذا الفصل ما ينشأ من التغيير عند لحاق النون -
(1) الأبيات من الرجز المشطور وهي في ملحقات ديوان رؤبة (ص 173).
الشرح: أرأيت أصله بمعنى أخبرني حذفت الهمزة تخفيفا، والأملود: بالضم: النعم، ومرجلا: بفتح الجيم المشددة: اسم مفعول من رجّل شعره ترجيلا أي سرّحه، وضبطه بعضهم بالحاء المهملة وهو برد يصور عليه الرحال، ويقال: المرجل بالجيم، ثوب فيه صور الرجال، والبرود: جمع برد بالضم وهو نوع من الثياب معروف، وقوله: أقائلن: خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: أفأنتم قائلنّ والجملة جواب الشرط،
والخطاب لسيدها ومن يقول بقوله. والشاهد في قوله: «أقائلن» ، حيث أدخل فيه نون التوكيد وهو اسم الفاعل وهذا نادر وإنما سوغها شبه الوصف بالفعل والمعنى: هل أنتم قائلون فأجراه مجرى أتقولون. وانظر الرجز في المسائل العسكرية للفارسي (ص 141) وفي المحتسب (1/ 193)، والمغني (ص 339)، والخزانة (4/ 574) والعيني (1/ 118)، (3/ 648)، (4/ 334)، وشرح التصريح (1/ 42) والهمع (2/ 79)، والدرر (2/ 101)، وشرح الكافية للرضي (2/ 404).
(2)
انظر الخصائص (1/ 136).
(3)
انظر التذييل (6/ 259).
(4)
انظر الكتاب (3/ 517).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المذكورة، وقدم على ذلك الكلام على الفعل الذي تتصل به النون بالنسبة إلى إعرابه وبنائه، وختم الفصل بذكر ما تختص به إحدى النونين عن الأخرى، فاشتمل لذلك هذا الفصل على مقاصد ثلاثة:
المقصد الأول: في حكم الفعل المضارع بعد توكيده بالنون هل هو معرب أو مبني؟ والمذاهب فيه ثلاثة، يفرق في الثالث منها بين أن تباشر النون الفعل فيحكم ببنائه، أو يكون بينها وبينه فاصل فيحكم بإعرابه، وهذا هو المذهب المختار المعول عليه، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في باب «إعراب الصحيح الآخر» (1).
وقد بنى كلامه في التسهيل على هذا فقال: الفعل المؤكّد بالنّون مبنيّ ما لم يسند -
(1) انظر الباب المذكور في الجزء الأول من الكتاب الذي بين يديك، وانظر شرح التصريح (1/ 56)، والأشموني (1/ 62) وقال: «وما ذكرناه من التفرقة بين المباشرة وغيرها هو المشهور والمنصور، وذهب الأخفش إلى البناء مطلقا وطائفة إلى الإعراب مطلقا.
(2)
انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1415، 1416).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إلى الألف أو الياء أو الواو خلافا لمن حكم ببنائه مطلقا، ولو تمم كلامه فقال: ولمن حكم بإعرابه مطلقا لكان في ذلك إشارة إلى المذهب الثالث أيضا.
ثم إن الشيخ قال (1): «وعلى المصنف نقدان؛ أحدهما: قوله «ما لم يسند إلى الألف، أو الياء أو الواو فأخذ شرطا في إعرابه الإسناد إلى هذه الثلاثة، وليس بشرط إلا مع الياء على مذهب سيبويه (2)، ألا ترى أنه يعرب إذا لم يسند إلى الألف والواو وذلك إذا كانت الألف علامة للتثنية والواو علامة للجمع فإنه إذ ذاك إنما أسند إلى الظاهر لا إلى المضمر، قال (3) وإصلاح كلامه أن يقال: ما لم يتصل به ألف الاثنين أو واو الجمع فإنه بشمل كون الألف والواو ضميرا فيكون الفعل مسندا إليهما، وكونهما علامة فيكون مسندا إلى الظاهر بعدهما.
والنقد الثاني: قوله ما لم يسند إلى كذا فمعناه فيعرب ولا يكون مبنيّا ولذلك قال: خلافا لمن حكم ببنائه مطلقا وليس كذلك لأن الفعل الذي دخلت عليه هذه النون على قسمين: مبني قبل دخولها، ومبني لدخولها فالأول لا يعرب بحال وإن أسند إلى هذه الضمائر وذلك نحو: اضربا، اضربوا، اضربي، فإنك تقول:
اضربانّ، واضربنّ، واضربنّ؛ فهذا ليس بمعرب، وقوله:«ما لم يسند إلى كذا» يقتضي إعرابه، وإصلاحه أن يقول: ما لم يتصل به ألف اثنين أو واو جمع أو ياء مخاطبة ولم يكن مبنيّا قبل دخولها عليه» انتهى.
وأقول: أما الانتقاد الأول فيرجع إلى مشاحة في التعبير، أما إنه انتقاد حقيقي فلا وذلك أنك قد رأيت قول المصنف في ما نقلناه عنه من شرح الكافية: إن كان الفعل مضارعا واتصل به ألف اثنين أو واو جمع أو ياء مخاطبة، ولم يذكر الإسناد، حتى كأن الشيخ انتقد على المصنف بكلام المصنف، على أن لقائل أن يقول: ولو لم يذكر المصنف ما ذكره في الشرح المذكور لكان مستغنى عنه؛ لأن من المتقرر أن حكم الفعل المضارع في الإعراب عند اتصال الثلاثة به أحرفا كحكمه فيه عند اتصالها به ضمائر، فيقال: كما أن الموافقة حاصلة في هذا الحكم هي حاصلة في غيره من الأحكام الراجعة إلى الفعل الذي يتصل به الصنفان.
(1) انظر التذييل (6/ 261).
(2)
ظاهر مذهب سيبويه أن الفعل المؤكد بالنون مبني ما لم يسند إلى هذه الثلاثة. انظر الكتاب (3/ 518 - 521).
(3)
أي الشيخ أبو حيان.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأما النقد الثاني: فأمره عجيب لأنا قاطعون بأن المراد بالفعل في قوله الفعل المؤكّد بالنّون مبنيّ ما لم يسند إلى كذا أو كذا إنما هو المضارع، وذلك لأن الأمر مبني قبل دخول النون ودخولها عليه لا يقتضي إعرابا لأن دخولها من مقتضيات البناء في ما هو معرب، فكيف يكون من مقتضيات الإعراب في ما هو مبني؟ ففعل الأمر على هذا لا يدخل تحت قوله الفعل المؤكّد بالنّون مبنيّ لأنه مبني قبلها مستمر البناء بعد دخولها، وإذا كان كذلك فكيف يتعين على المصنف أن يقول: ولم يكن مبنيّا قبل دخولها عليه؟ بل لو قال ذلك لقيل له: ذكرت ما لا حاجة إليه ولا فائدة فيه.
المقصد الثاني: في بيان ما ينشأ من التغيير عند لحاق النون، ولنذكر أولا ما هو كالضابط لصور المسائل المشتمل عليها هذا المقصد ثم نعود إلى لفظ الكتاب فنقول:
إن آخر الفعل المؤكد يفتح مطلقا إن لم يكن مسندا إلى ضمير بارز لينّ بأن يكون مسندا إلى ضمير مستتر أو إلى ظاهر، وسواء في ذلك الصحيح الآخر والمعتله (1)، فيقال هل تضربنّ، وهل تقعدنّ، وهل تذهبنّ، وهل ترمينّ، وهل تغزونّ، وهل تخشينّ؟ وكذا لو أسندت هذه الأفعال الستة إلى اسم ظاهر نحو: هل تضربنّ زيدا؟ إلى آخرها، فما آخره من المعتل ياء أو واو فالفتحة فيه على الياء والواو، وما آخره منه ألف فإن الألف منه تقلب ياء كما رأيت في: هل تخشين؟ وما فعل في المضارع يفعل في الأمر فيقال: اضربنّ، واقعدنّ، واذهبنّ، وارمينّ، واغزونّ، واخشينّ، وإنما وجب قلب الألف ياء لأن الفعل الذي يؤكد بالنون إنما هو المضارع والأمر، ولا تكون الألف فيهما إلا منقلبة عن ياء إما غير مبدلة كـ «يسعى» أو مبدلة من واو كـ «يرضى» لأنه من الرضوان (2)، ومن ثمّ يقال في مضارع دعيت إلى كذا:
هل تدعينّ إلى كذا فتجيب؟ وإن كان الفعل المؤكد مسندا إلى ضمير بارز ليّن وهو (3): الألف والواو والياء وجب إبقاء الألف وحذف الواو والياء، فمع الألف الباقية تكون الفتحة آخر الفعل باقية بحالها، وأما الواو والياء فبعد حذفهما يجب كون حركة آخر الفعل مجانسة للمحذوف، فتكون ضمة قبل الواو، وكسرة قبل الياء (4). -
(1) انظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 626) وما بعدها.
(2)
انظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 626) وما بعدها، والأشموني (3/ 223).
(3)
المرجع السابق نفسه.
(4)
فيقال: يا زيدون هل تغزنّ، وهل ترمنّ، ويا هند هل تغزنّ، وهل ترمنّ؟ انظر شرح ابن الناظم (ص 243) وابن عقيل (3/ 314).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وحاصل الأمر: أن الحركة التي كانت قبل الواو [و] هي - الضمة، وأن الحركة التي كانت قبل الياء - وهي - الكسرة، لا تغيران بل تبقيان بحالهما.
وتخلص مما ذكرنا أن يقال: الفعل المؤكد بالنون قسمان، لأنه إما أن يكون رافعا لغير ضمير بارز أن يكون رافعا مستتر، أو اسم ظاهر، وإما أن يكون رافعا لضمير بارز، أما القسم الأول: فحكمه فتح آخره مطلقا أي سواء أكان صحيحا أم معتلا ولا تغيير فيه سوى أن ما آخره منه ألف تقلب تلك الألف [5/ 48] ياء، وقد تقدمت أمثلة ذلك.
وأما القسم الثاني: فالضمير البارز: واو، أو ياء، أو ألف، أو نون، لأنه إما ضمير مذكّرين وهو الواو، وإما ضمير مؤنثة وهو الياء، وإما ضمير تثنية وهو الألف وإما ضمير إناث وهو النون، فأما الواو والياء فيحذفان وتبقى الضمة قبل الواو والكسرة قبل الياء، فيقال: هل تضربنّ؟ واضربنّ، وهل تضرينّ؟ واضربنّ، وهل تغزنّ؟ واغزنّ، [وهل تغزنّ؟ واغزنّ]، وهل ترمنّ؟ وارمنّ، وهل ترمنّ؟ وارمنّ فإن كان آخر الفعل ألفا لم تحذف الواو ولا الياء بل تبقيان، وتحرك الواو بالضم، والياء بالكسر (1) نحو: اخشونّ زيدا يا رجال، واخشينّ عمرا يا نسوة، ويقال مع الخفيفة: اخشون، واخشين، وأما الألف فيجب إبقاؤها (2) فيقال: هل تضربان؟
واضربانّ وأما النون فلا شك في بقائها إذ لا موجب لحذفها، لكن لا بد من الإتيان بالألف تفصل بينهما وبين نون التوكيد حذرا من الجمع بين النونات (3) فيقال: هل تضربنانّ، واضربنانّ وإنما وجب حذف الواو والياء لالتقاء الساكنين لأن الواو مضموم ما قبلها، والياء مكسور ما قبلها، فكل منهما مدة وقد التقيا مع ساكن وهو النون: إما الخفيفة أو المدغم من الثقيلة (4)، والقاعدة أن الساكنين إذا التقيا وكان الساكنين الأول مدة حذف (5)، وإنما وجب بقاء الألف لأنها لو حذفت في نحو:
هل تضربانّ؟ واضربانّ - لالتبس المثنى بالواحد (6). وهذا التعليل أحسن من قولهم: -
(1) انظر الكتاب (3/ 521) وشرح الألفية لابن الناظم (ص 626) وما بعدها، وابن عقيل (3/ 315).
(2)
انظر شرح الناظم (ص 626) وما بعدها وشرح الكافية للرضي (2/ 405).
(3)
انظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 626) وما بعدها، وابن عقيل (3/ 316).
(4)
انظر شرح ابن الناظم (ص 626) وما بعدها.
(5)
انظر المفصل (ص 626) وما بعدها.
(6)
انظر الكتاب (3/ 519)، وشرح الكافية للرضي (2/ 405).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إن الألف إنما لم تحذف لخفتها وشبهها قبل النون بالفتحة (1) لا يجوز أن يعلل عدم حذف الألف بأن التقاء الساكنين في نحو: هل تضربانّ؟ واضربانّ على حدّه من حيث إن الساكن الثاني مدغم والساكن الأول حرف لين، فجاز التقاء الساكنين كما في «الضّالّين» لأن ذلك إنما يغتفر إذا جمع الساكنين كلمة واحدة.
ونون التوكيد مع الضمير البارز محكوم لها بحكم المنفصل (2) ولهذا حذفت الواو والياء من نحو: هل تضربنّ، وهل تضربنّ؟ وكذا تقول في: اغزوا وهل تغزون؟ إذا أكدت: أغزنّ وهل تغزنّ؟ كما تقول: اغزوا القوم، ولم يغزوا القوم بحذف الواو، وفي اغزى: وهل تغزين؟ إذا أكدت: اغزنّ وهل تغزنّ؟
كما تقول: اغزى القوم، ولم تغزى القوم بحذف الياء.
أما إذا لم يكن ضمير بارز فإن النون محكوم لها بحكم المتصل يعني أنها يصير كجزء من الفعل (3) ولهذا يقال للمخاطب: رينّ، واخشينّ، واغزونّ، فيرد المحذوف في الأمر لأنه لما بني بمجيء النون وجب رده لأن حذفه للإعراب، لا إعراب فوجب جعل هذه النون معه في حكم الجزء كـ «ألف» التثنية فإنك تقول للاثنين: ريا واخشيا فيرد المحذوف في الواحد، ويفتح لما كانت الألف مع الفعل كجزء فكذلك النون.
المقصد الثالث: في ما تختص به إحدى النونين عن الأخرى، لا شك أن الخفيفة ساكنة أبدا والثقيلة مفتوحة أبدا إلا الواقعة بعد الألف فإنها مكسورة تشبيها لها بنون التثنية لوقوعها بعد الألف (4)، ثم إن كلّا من النونين صالح لكل موضع من المواضع التي تباشر النون (5) إلا ما كانت النون فيه واقعة بعد الألف المذكورة - أعني ألف الاثنين - أو الألف الفاصلة بين نون التوكيد ونون الإناث، فإن الثقيلة متعينة فيه عند -
(1) قال به ابن الناظم في شرح الألفية (ص 626) وما بعدها، وانظر ابن عقيل (4/ 314).
(2)
انظر شرح الكافية للرضي (2/ 406).
(3)
انظر شرح الكافية للرضي (2/ 406).
(4)
انظر شرح الكافية للرضي (2/ 204).
(5)
قال سيبويه في الكتاب (3/ 508): «اعلم أن كل شيء تدخله الخفيفة فقد تداخله الثقيلة كما أن كل شيء تدخله الخفيفة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الجمهور (1)، وتختص الخفيفة بحذفها في موضعين:
- عند ملاقاة ساكن بعدها.
- وفي الوقف إذا وليت غير فتحة بأن تلي ضمة أو كسرة، وبإبدالها فيه ألفا إذا وليت فتحة (2)، ولكن المصنف أشار إلى هذين الحكمين في الفصل الذي يلي هذا الفصل، إذا تقرر هذا فلنرجع إلى ألفاظ الكتاب فنقول:
قوله فيفتح آخره قد عرفت أن آخر الفعل يفتح إن كان مسندا إلى ضمير مستتر أو إلى اسم ظاهر صحيحا كان الآخر أو معتلا - إن كان الآخر «واوا» أو «ياء» كـ «اغزونّ» و «ارمينّ» وهل تغزونّ؟ وهل ترمينّ؟، وإن كان الآخر ألفا فإن الألف منه تقلب ياء، وتكون الفتحة عليها كاخشينّ وهل تخشينّ؟
لكن ليس في كلام المصنف إشارة إلى أن الألف تقلب ياء وقد قال في الألفية:
…
... وإن يكن في آخر الفعل ألف
فاجعله منه رافعا غير اليا
…
والواو ياء كاسعينّ سعيا
وقوله: وحذفه إن كان ياء تلي كسرة لغة فزارية - أشار به إلى أن «فزارة» (3) يقولون: في: ارمينّ ارمنّ، وفي ابكينّ: ابكنّ بحذف الياء، قال ابن عصفور (4):
«ومن العرب من يحذف الياء من يرمي وبابه (5) ويلحق النون الشديدة والخفيفة ويبقى ما قبلهما على ما كان عليه من الكسر ويتّكل على ذلك بالقرائن، وأنشدوا على هذه اللغة (6): -
(1) انظر الكتاب (3/ 525، 527) وقال في (3/ 527): «وأما يونس وناس من النحويين فيقولون. اضربان زيدا، واضربنان زيدا فهذا لم تقله العرب، وليس له نظير في كلامها لا يقع بعد الألف ساكن إلا أن يدغم. وانظر المفصل (ص 330) وشرح الكافية للرضي (2/ 405).
(2)
انظر الكتاب (3/ 521: 523) وشرح الألفية لابن الناظم (ص 628) وما بعدها، وانظر المفصل (ص 332). وشرح الكافية للرضي (2/ 406).
(3)
قيل: إن «فزارة» أبو حيّ من غطفان وهو فزارة بن ذبيان بن يعيش بن ريث بن عطفان. انظر اللسان (فزر).
(4)
انظر شرح الجمل (2/ 492).
(5)
يعني ببابه: كل فعل آخره ياء تلي كسرة.
(6)
أي لغة فزارة وانظر المغني (ص 211) وقد أنشد ابن عصفور في شرح الجمل هذا البيت تاليا للبيت الذي يليه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
3684 -
لا تتبعن لوعة إثري ولا هلعا
…
ولا تقاسنّ بعدي الهمّ والجزعا (1)
وقول الآخر:
3685 -
وابكنّ عيشا تولّى بعد جدّته
…
طابت أصائله في ذلك البلد (2)
قال: فكان القياس أن يثبت الياء فيقول: ابكينّ ولا تقاسينّ» انتهى.
وقوله «فكان القياس» قد ينازع فيه لأن ذلك إذا ثبت أنه لغة لقوم وجب قبوله منهم ولا تدفع لغتهم بلغة غيرهم.
وقوله فإن كان مع الآخر واو الضّمير أو ياؤه حذفت بعد الحركة المجانسة وحرّكت بها بعد الفتحة قد عرفت أن الواو، والياء تحذفان قبل نون التوكيد، وموجب حذفهما التقاء الساكنين كما تقدم التنبيه عليه، وإذا حذفتا بقيت الحركة المجانسة وهي الضمة مع الواو، والكسرة [مع الياء] وقد تقدم تمثيل ذلك.
والواو التي هي علامة إذا أسند الفعل إلى ظاهر على لغة من يلحق العلامة كالواو التي هي ضمير في ما ذكرنا، وكأن المصنف ترك التعرض لذلك لما ذكرناه من أن حكم ما تلحقه حكم ما يتصل [5/ 49] به الضمير، والضمير المستكن في قوله -
(1) هذا البيت من البسيط وقائله محمد بن بشير البصري.
الشرح: اللوعة: وجع القلب من المرض والحب والحزن، والهلع الجزع وقلة الصبر، وقوله ولا تقاسن من المقاساة التي هي معالجة الأمر الشديد ومكابدته. والشاهد في قوله «ولا تقاسن» حيث حذف منه الياء وهي لغة فزارة وأصله: لا تقاسين وهي لغة فزارة وأصله: لا تقاسين وهي لغة غيرهم بإثبات الياء مفتوحة. والبيت في التذييل (6/ 265) وأمالي القالي (1/ 22)، والهمع (2/ 79) والدرر (2/ 102) والأشموني (3/ 221).
(2)
هذا البيت من البسيط وهو لقائل مجهول.
الشرح: قوله وابكن قيل: إنه خطاب لامرأة، وقيل: إن هذا خطأ والصواب أنه خطاب لرجل لأنه لو كان خطابا لامرأة كما قيل لم يكن حذف الياء خاصّا بفزارة، واستدلوا على ذلك أيضا بالبيت الذي قبله وهو:
يا عمرو أحسن نماك الله بالرشد
…
واقر السّلام على الأنقاء والثمد
فإنه خطاب لمذكر، وقوله جدته نضارته ونموه وحسنه، وقوله أصائله يبدو أنه جمع أصل على غير قياس.
والشاهد فيه: قوله «وابكنّ» حيث حذف منه الياء على لغة فزارة وأصله: وابكينّ، والبيت في التذييل (6/ 265)، والمقرب (2/ 77)، والمغني (ص 221)، وشرح شواهده (ص 561)، والشطر الأول في الهمع (2/ 79) وجميعه في الدرر (2/ 102) وانظر حاشية الدسوقي على المغني (1/ 223) وحاشية الأمير (1/ 177).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وحركت بها بعد الفتحة راجع إلى الواو، والياء من قوله واو الضمير أو ياؤه، ووحّد الضمير العائد لأن العطف في ما يعود الضمير عليه بأو والضمير في «بها» عائد على المجانسة أي وحركت الواو بعد الفتحة بالضمة، والياء بعدها بالكسرة، وقد تقدم تمثيل ذلك.
ويفهم من اقتصار المصنف على ذكر الواو، والياء أن الألف التي هي علامة الاثنين لا تحذف عند وجود نون التوكيد، وقد تقدمت الإشارة إلى علة ذلك.
وقوله: وحذف ياء الضمير بعد الفتحة لغة طائية يشير به إلى أن أصحاب هذه اللغة يقولون في اخشينّ يا هند: اخشنّ، واخشن يا هند، فيحذفون الياء، قال [الشيخ]:«وفي [هذه] المسألة خلاف، ذهب الجمهور إلى أنه لا يجوز حذف هذه الياء إذا انفتح ما قبلها (1)، وأجاز ذلك الكوفيون (2)، وزعم الفراء (3) أنها لغة طيّئ» انتهى.
ولا أعرف معنى ذكر هذا الخلاف فإن الأئمة إذا ذكروا أن ذلك لغة لقوم لم يكن للخلاف وجه.
وقوله: وتكسر الثّقيلة بعد ألف فاصل إثر نون الإناث قد تقدمت الإشارة إليه فيقال: اضربانّ، ولا تضربانّ، وارميانّ ولا ترميانّ، واغزوانّ ولا تغزوانّ، ويقال:
اضربنانّ، ولا تضربنانّ، وموجب ذلك أن الخفيفة لو جيء بها في هذين الموضعين لكان في ذلك التقاء الساكنين على غير حدّهما (4)، وأما موجب الإتيان بالألف بعد نون الإناث فقد تقدمت الإشارة إليه وهو الفرار من اجتماع النونات، والجمهور على أنه لا يقع التوكيد بعد ألف الاثنين أو الألف الفاصل إلا بالنون الشديدة.
وقد أجاز يونس والكوفيون وقوع الخفيفة (5)، ولا شك أن إجازة ذلك موقوفة -
(1) انظر شرح الكافية للرضي (2/ 405).
(2)
انظر الهمع (2/ 79)، والأشموني (3/ 223).
(3)
انظر شرح الكافية للرضي (2/ 405)، والمرجعين السابقين.
(4)
قال سيبويه في الكتاب (3/ 527) لا يقع بعد الألف ساكن إلا أن يدغم «وانظر شرح الكافية للرضي» (2/ 405).
(5)
انظر الكتاب (3/ 527) وشرح الكافية للرضي (2/ 405) وشرح الألفية لابن الناظم (ص 243).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على جواز الجمع بين الساكنين هو لا يجوز، وما استدل (1) به من قول العرب:
«التقت حلقتا البطان» (2) بمد الألف محمول على الشذوذ، لكن قال المصنف في شرح الكافية بعد ذكر المسألة ومذهب يونس فيها (3): ويعضد قوله (4) قراءة بعض القراء (فدمّرانهم تدميرا)، حكاها ابن جني (5) ويمكن أن يكون من هذا قراءة (6) ابن ذكوان (7) وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (8)، وكمذهب يونس مذهب الكوفيين في وقوع الخفيفة بعد الألف» انتهى.
وهذا منه - رحمه الله تعالى - يدل على أنه يوافق يونس والكوفيين في المسألة (9)، وكلامه في التسهيل ربما يشعر بذلك فإنه ذكره دون تعرض لرده.
وقوله: «وتشاركها الخفيفة في زيادة الفاصل» يريد به أن النون التي يؤتى بها -
(1) نسبه الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 267) إلى الأستاذ أبي علي الفارسي، وانظر شرح الكافية للرضي (2/ 405)، والأشموني (3/ 224).
(2)
هذا مثل؛ معناه: أن يغذ الرجل هاربا في السير فيضطرب حزام رحله ويستأخر حتى يلتقي عروتاه وهو لا يقدر فرقا أن ينزل فيشده، يضرب في تناهي الشرّ، انظر المستقصى (1/ 306) المثل رقم (1316)، ومجمع الأمثال (3/ 102). ووجه الاستشهاد به: جواز التقاء الساكنين في قوله: حلقتا البطان فقد التقت ألف «حلقتا» مع ألف «البطان» والذي سهل ذلك أن الألف الأولى لما فيها من المدة كالحركة لما بعدها، وقياسا على هذا أجاز يونس ومن تبعه من الكوفيين وقوع نون التوكيد الخفيفة بعد ألف المثنى والألف الفاصلة بينها وبين نون الإناث.
(3)
انظر شرح الكافية الشافية (2/ 568، 569).
(4)
يعني قول يونس، وانظر الهمع (2/ 79) والأشموني (3/ 224).
(5)
انظر المحتسب (2/ 122)، وهي قراءة علي بن أبي طالب ومسلمة بن محارب، وانظر مختصر شواذ القرآن (ص 105).
(6)
انظر الكشف (1/ 522) والحجة لابن خالويه (ص 183). والنشر (2/ 286)، وهي قراءة ابن عامر رواها عنه ابن ذكوان، وانظر أمالي ابن الشجري (2/ 227).
(7)
ابن ذكوان: عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان القرشي الفهري أبو عمرو من كبار القراء، لم يكن في عصره أقرأ منه، توفي في دمشق سنة 242 هـ انظر ترجمته في غاية النهاية (1/ 404)، والأعلام (4/ 65)، والإرشادات الجلية في القراءت السبع (ص 9).
(8)
سورة يونس: 89.
(9)
قال سيبويه في الكتاب (3/ 527) ردّا على من يجوز ذلك: «فهذا لم تقله العرب وليس له نظير في كلامها لا يقع بعد الألف ساكن إلا أن يدغم» وانظر الهمع (2/ 79).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بعد نون الإناث ولو لم تكن الشديدة بل كانت الخفيفة عند من يجور الخفيفة في هذا المحل لا بد من الإتيان بالألف الفاصلة بينها وبين نون الإناث، كما أنه لا بد من الإتيان بها مع الشديدة (1).
بقيت الإشارة بعد ذلك إلى ثلاثة أمور:
الأول قال ابن عصفور (2): «واختلفوا في الحركة التي قبل النون في قولك: هل تضربنّ؟ واضربنّ؛ فمنهم من قال إنها حركة التقاء الساكنين، وكانت فتحة طلبا للتخفيف (3)، ومنهم من قال إن الحركة حركة بناء (4) لأنه أشبه المركب، فكما أن المركب يبني على حركة فكذلك ما أشبهه وهو الصحيح بدليل أن حركة التقاء الساكنين عارضة، والعارض لا يعتد به بدليل: قم الساعة، فلو كانت الحركة معتدّا بها لقلت:
قوم الساعة، لأن العلة الموجبة لحذف حرف العلة قد زالت وهي التقاء الساكنين، فكان أن لا تقول: قومنّ وترد المحذوف، ومما يدل على أن العرب لا تقول ذلك قول القائل:
3686 -
فلا تقبلن ضيما مخافة ميتة
…
وموتن بها حرّا وجلدك أملس (5)
فقال: موتن ولم يحذف الواو، فلو كانت حركة التقاء الساكنين لقال: متن، ولم يسمع ذلك، فلم يبق إلا أن تكون بناء، قال: وسبب الخلاف بين النحويين أن الموجب لإعراب الفعل المضارع قد زال وهو التخصيص بحرف من أوله كما أن الاسم كذلك» انتهى.
ولك أن تبحث فتقول: لا شك أن فعل الأمر ساكن الآخر، فإذا اتصلت [به]-
(1) انظر الهمع (2/ 79).
(2)
انظر شرح الجمل (2/ 490: 491).
(3)
هذا مذهب الزجاج والسيرافي، انظر شرح الكافية للرضي (2/ 405) والتذييل (6/ 263).
(4)
وهذا مذهب الجمهور انظر شرح الكافية للرضي (2/ 405)، والتذييل (6/ 262: 263).
(5)
هذا البيت من الطويل، وهو للمتلمس في ديوانه (ص 6)، الخزانة (3/ 270). وقبله:
ألم تر أن المرء رهن منية
…
صريع لعافي الطّير أو سوف يرمس
الشرح: قوله ضيما: الضيم: الظلم وقوله أملس هو من الملوسة وهي ضد الخشونة وقوله «جلدك أملس» أي نفي من العار سليم من العيب، والضمير في: بها يعود إلى قوله «ميتة» أي مت بتلك الميتة حرّا لم يستعبدك الحر، والمعنى: أن الموت نازل بك على حال فلا تحتمل العار خوفا منه.
والشاهد فيه: قوله «موتن» حيث جاء بالواو ولم يحذفها لأن الحركة التي بعدها هي التي قبل النون للبناء وليست حركة التقاء الساكنين ولو كانت كذلك لقال متن. انظر البيت في الخزانة (3/ 270)، وانظر شرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص 658)، وشرح الحماسة للتبريزي (1/ 192).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
النون وجب تحريكه لالتقاء الساكنين، وهو مبني على السكون قبل، ثم عرض تحريكه لما ذكرنا، فكيف تكون حركته حركة بناء؟ وهو قد قال: اختلفوا في الحركة التي قبل النون في قولك: هل تضربنّ؟ واضربنّ.
وأما حركة المضارع فكيف يتوجه فيها أن يقال: إنها حركة التقاء الساكنين؟
لأن آخره لم يكن قبل اتصال النون به ساكنا. بل كان متحركا بحركة فغيرت تلك الحركة بغيرها لموجب وهو خوف الالتباس بفعل الجماعة.
أما كون الحركة حركة بناء: فهو الظاهر (1)؛ لأن الفعل المضارع إذا باشرته نون التوكيد بني كما تقرر وقد تقدم أن علة بنائه هي التركيب.
ولقائل أن يقول: إن نون التوكيد امتزجت بالكلمة فصارت في حكم الجزء، وصار مجموع الكلمتين في حكم كلمة واحدة، ومن ثمّ قيل: قومنّ برد الواو لكون الحركة لازمة، فحركة ما قبل نون التوكيد في نحو:
هل تضربنّ؟ مثلا كحركة الفاء من «جعفر» والهاء من «درهم» وحركات أجزاء الكلمة لا ينسب إليها بناء ولا
إعراب.
ومعنى قولنا: إن الفعل المضارع إذا اتصلت به نون التوكيد يبنى: أنه يحكم عليه بالبناء بمعنى أنه سلب الإعراب الذي كان له، ولا يلزم من ذلك أن تجعل حركة آخره بالفتح علامة لبنائه.
الأمر الثاني: إذا قلت: هل تكرمن أباك؟ بالنون الخفيفة وخففت الهمزة بحذفها ونقل حركتها إلى الساكن الذي قبلها وهو النون فقيل: لا يجوز لأن هذه النون لا تحتمل الحركة كما لم تحتملها إذا التقت مع ساكن لأنها تحذف إذا لقيته وهذا واضح (2).
الأمر [5/ 50] الثالث: قالوا: هل يجوز أن يجمع بين الألف والنون الخفيفة إذا كان بعد النون ما يدغم فيه نحو: يا رجلان إن تقومان نبرّكما؟ (3). -
(1) هذا واضح في أن المؤلف يميل إلى مذهب الجمهور.
(2)
هذه المسألة ذكرها الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 264) تحت عنوان «فرع» وقد نقلها المؤلف دون أن يشير.
(3)
هذه المسألة - أيضا - ذكرها الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 267) تحت عنوان «فرع» .