الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[«لن» الناصبة للمضارع وأحكامها]
قال ابن مالك: (وينصب المضارع أيضا بـ «لن» مستقبلا، بحدّ وغير حدّ، خلافا لمن خصّها بالتأبيد، ولا يكون الفعل معها دعاء خلافا لبعضهم، وتقديم معمول معمولها عليها دليل على عدم تركيبها من «لا أن» خلافا للخليل).
قال ناظر الجيش: لما انتهى الكلام على «أن» شرع في الكلام على «لن» وهي حرف نفي ويتخلص الفعل معها للاستقبال، ومن ثمّ قيل: إنها لنفي «سيفعل» (1).
وذكر السهيلي (2) عن بعض المتأخرين أنه خالف في ذلك، ولا شك أن مثل ذلك لا يعبأ به؛ لأن فيه خرقا للإجماع، وقيل: إن الجزم بها لغة (3)، وأنشد ابن الطراوة على ذلك:
3785 -
لن يخب الآن من رجائك من
…
حرّك من دون بابك الحلقه (4)
وأنشد غيره:
3786 -
فلن يحل للعينين بعدك منظر (5)
وإنما عملت النصب في الفعل لأنها مثل «أن» في الاختصاص بالفعل المستقبل، وفي كونها على حرفين: أولهما مفتوح، وثانيهما نون ساكنة. -
(1) قال في الكتاب (2/ 7): «
…
كما كان «لن يفعل» نفيا لـ «سيفعل» وانظر أوضح المسالك (3/ 162).
(2)
انظر التذييل (6/ 525) وفي نتائج الفكر للسهيلي (ص 130): «ومن خواصها أي - لن - أنها تخلص الفعل للاستقبال بعد أن كانت صيغته للحال فأغنت عن السين وسوف» .
(3)
انظر: نتائج الفكر للسهيلي (ص 130) وشرح الألفية للأبناسي (2/ 262).
(4)
هذا البيت من المنسرح، وقائله أعرابي، والحلقة: بتسكين اللام سواء حلقة الحديد وحلقة القوم، وجوز بعضهم الفتح كما في البيت، والشاهد في قوله:«لن يخب» حيث زعم بعضهم أن «لن» قد تجزم وأن ذلك لغة لقوم. والبيت في المغني (ص 285، 698) والهمع (2/ 4).
(5)
هذا عجز بيت من الطويل وصدره:
أيادي سبا ما كنت يا عز بعدكم
ويحل بفتح اللام من حليت المرأة في عيني - بالكسر - تحلى - بالفتح - وأما حلا الشيء فمضارعه يحلو، والكاف في قوله: بعدك: مكسورة لأنه خطاب لأنثى.
والشاهد في قوله: «فلن يحل» حيث زعم قوم الجزم بها وهو محتمل للاجتزاء بالفتحة عن الألف للضرورة والبيت في المغني (285) والمنقوص والممدود للفراء (ص 36) والمستقصى (2/ 90) والرواية فيهما «فلم يحل» والأشموني (3/ 278).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثم المنفي بـ «لن» بعد كونه مستقبلا قد يكون مؤقت الزمان وقد يكون غير مؤقته، وإلى ذلك الإشارة بقوله: بحدّ وغير حدّ. فقول القائل: لن أفعل محتمل للأمرين وهما: التحديد والتأبيد، ونقل المصنف (1) عن الزمخشري أنه ذكر في أنموذجه أنها لتأبيد النفي (2)، وإنما ذكر المصنف الأنموذج؛ لأن الزمخشري قال في الكشاف (3) عند الكلام على قوله تعالى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا (4): «إن «لا» و «لن» في نفي المستقبل أختان، إلا أن في «لن» توكيدا وتشديدا». ولم يتعرض لذكر التأبيد، فكأن الزمخشري له في المسألة قولان.
وذكر ابن عصفور (5) عن بعض من صنف في البيان من المغاربة أنه ذهب إلى أن «لن» تنفي ما قرب ولا يمتد معنى النفي فيها كما يمتد في «لا» ، ورد ابن عصفور عليه بأن كلّا من الأداتين يستعمل حيث يمتد معنى النفي وحيث لا يمتد، فمن استعمال «لن» في النفي الممتد قوله تعالى: إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً (6)، وقوله تعالى: فَإِنْ
لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا،
ومن استعمالها حيث لا يمتد قوله تعالى: فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (7)، ومن استعمال «لا» في الأول قوله تعالى: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (8)، وفي الثاني قوله تعالى: لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً (9)، قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً (10).
وقد استدل على عدم اختصاص «لن» بالتأبيد بمجيء استقبال المنفي بها مغيّا إلى غاية -
(1) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1531).
(2)
لم يذكر الزمحشري في أنموذجه أن «لن» لتأبيد النفي، وإنما قال:(و «لن» نظيرة «لا» في نفي المستقبل ولكن على التأكيد) انظر الأنموذج (ص 102) وإنما نسب إليه القول بأنها لتأبيد النفي العلامة ابن مالك وتابعه في ذلك كثير من النحاة وهم في الأعم الأغلب من شراح كتبه أو ممن قرأوا كتبه كأبي حيان والمرادي وابن هشام وابن عقيل وقد ظل هذا القول منسوبا إلى الزمخشري - وهو منه براء - إلى أن قيض الله له من يحكم ببراءته منه وهو الأستاذ الدكتور/ أحمد عبد اللاه هاشم في كتابه «قضية لن بين الزمخشري والنحويين» فلينظر.
(3)
انظر: الكشاف (1/ 76 - 77).
(4)
سورة البقرة: 24.
(5)
انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي (3/ 60)، والهمع (2/ 4).
(6)
سورة الجاثية: 19.
(7)
سورة مريم: 26.
(8)
سورة طه: 118.
(9)
سورة النحل: 61. وفي نسخة (جـ): عنه، بعد «يستأخرون» وهو خطأ.
(10)
سورة آل عمران: 41.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ينتهي بانتهائها كما في قوله تعالى: قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (1).
وأشار المصنف بقوله: ولا يكون الفعل معها دعاء - إلى أن الفعل المنفي بـ «لن» لا يكون إلا خبرا كالمنفي بغيرها من أدوات النفي؛ فإنه لا يكون غير خبر إلا مع «لا» خاصة فإنها تستعمل في الدعاء كما تستعمل في الخبر، كقول القائل:
3787 -
ولا زال منهلّا بجرعائك القطر (2)
وأشار بقوله: خلافا لبعضهم - إلى ما حكاه ابن السراج (3) أن مذهب قوم جواز استعمالها في الدعاء واستشهد لذلك بقوله تعالى: فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (4)، قالوا (5): ومنه قول الشاعر:
3788 -
لن تزالوا كذلكم لا زل
…
ت لكم خالدا خلود الجبال (6)
قيل (7): ولا حجة في الآية الشريفة لأن الدعاء لا يكون للمتكلم، لا يقال: لا أسقي زيدا، ولا سقيت زيدا على طريق الدعاء، وإنما يكون ذلك للمخاطب والغائب - يعني أن فاعل الدعاء إنما يكون مخاطبا أو غائبا نحو: يا رب لا غفرت لفلان، ونحو: لا غفر الله لفلان، وأما البيت فهو محتمل للخبرية (8). -
(1) سورة طه: 91.
(2)
هذا عجز بيت من الطويل وهو لذي الرمة وصدره:
ألا يا اسلمي يا دار ميّ على البلى
الشرح: البلى - بكسر الباء - من بلي الثوب إذا خلق من باب «علم» ومي مرخم ميمه، ومنهلّا بضم الميم وسكون النون وتشديد اللام، من الانهلال وهو: انسكاب الماء وانصبابه، وقوله: بجرعائك الجرعاء: رملة مستوية لا تنبت شيئا، والقطر المطر، والقطر أيضا جمع قطرة.
والشاهد في قوله: «ولا زال» حيث استعملت «لا» في الدعاء كما تستعمل في الخبر. والبيت في المغني (ص 243)، والعيني (2/ 6) وشرح التصريح (1/ 185) وديوان ذي الرمة (1/ 559).
(3)
انظر: الأصول لابن السراج (2/ 143).
(4)
سورة القصص: 17.
(5)
انظر: الأصول لابن السراج (2/ 143).
(6)
هذا البيت من الخفيف وهو للأعشى من ديوانه (ص 13) واستشهد به: على مجيء «لن» في قوله:
«لن تزالوا» للدعاء مثل «لا» والدليل على أنها للدعاء لا إخبار عطف الدعاء عليه وهو: ثم لا زالت ..
إلخ. والبيت في المغني (ص 284) وشرح شواهده (ص 684)، وشرح التصريح (2/ 230).
(7)
انظر المغني (ص 284).
(8)
اختار ابن عصفور القول بأن «لن» في البيت للدعاء قال في الهمع (2/ 4): «وهو المختار عندي لأن عطف الدعاء في البيت قرينة ظاهرة في أن المعطوف عليه دعاء لا خبر» وانظر: حاشية الصبان (3/ 278).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واعلم أن «لن» حرف بسيط عند سيبويه (1)، والفراء (2) قائل بذلك أيضا إلا أنه يدعي أن أصلها «لا» فأبدلت «النون» من «الألف» وقد ردّ عليه ذلك بأنها دعوى لا دليل عليها مع مناقضة أحكام «لم» أحكام «لن» ثم إن «النون» لم يعهد إبدالها من «الألف» بل المعهود إبدال «الألف» من «النون» كما في «نون» التوكيد الخفيفة، و «نون» إذا، إذا وقف على ما هما فيه.
وذهب الخليل (3) - رحمه الله تعالى - إلى أن «لن» مركبة من «لا» النافية و «أن» الناصبة محذوفة الهمزة لكثرة الاستعمال، كما قالوا: ويلمّه، ووافقه الكسائي (4) أيضا.
وقد أشار المصنف إلى هذا المذهب وإبطاله بقوله: وتقديم معمول معمولها عليها دليل على عدم تركيبها من «لا أن» خلافا للخليل - يعني أنه يجوز أن يقال: زيدا لن أضرب، فلو كان أصلها «لا أن» للزم تقديم معمول الصلة على الموصول، ولا شك أن معمول الصلة من تمامها، فكما أن الصلة لا تتقدم على الموصول لا تتقدم على معمولها الذي هو من تمامها.
وهذا الذي ذكره المصنف هو الذي رد به سيبويه (5) على الخليل؛ لأنهما اتفقا على جواز تقديم المعمول للفعل المنصوب بـ «لن» على «لن» (6)، ونقل سيبويه (7) أن العرب تقول: أما زيدا فلن أضرب.
وفي ما حكاه سيبويه ردّ على الأخفش الصغير (8) حيث ذهب إلى منع تقديم معمول «لن» عليها (9). -
(1) انظر: الكتاب (3/ 5).
(2)
انظر: التذييل (6/ 530، 531)، والمغني (ص 284)، والهمع (2/ 3).
(3)
انظر: الكتاب (3/ 5).
(4)
انظر: التذييل (6/ 530)، والمغني (ص 284).
(5)
انظر: الكتاب (3/ 5).
(6)
انظر: التذييل (6/ 532)، والمغني (ص 284).
(7)
قال في الكتاب: «ولو كانت على ما يقول الخليل لما قلت: أما زيدا فلن أضرب؛ لأن هذا اسم والفعل صلة فكأنه قال: أما زيدا فلا الضرب له» .
(8)
الأخفش الصغير: أبو الحسن علي بن سليمان. انظر ترجمته في بغية الوعاة (2/ 167).
(9)
انظر: التذييل (6/ 535)، والمغني (ص 284)، والهمع (2/ 4).