الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الحادي والستون باب نوني التّوكيد
[نوعاهما - لحوقهما المضارع وجوبا، والأمر والمضارع جوازا]
قال ابن مالك: (وهما خفيفة وثقيلة تلحقان وجوبا المضارع الخالي من حرف تنفيس، المقسم عليه مستقبلا مثبتا، غير متعلّق به جارّ سابق، وجوازا فعل الأمر والمضارع التّالي أداة طلب، أو «ما» الزّائدة الجائزة الحذف في الشّرط كثيرا وفي غيره قليلا، ولا يلزمان بعد «إمّا» الشّرطيّة - خلافا لأبي إسحاق، والنّفي بـ «لا» متّصلة كالنّهي
على الأصحّ ويلحق به النّفي بـ «لا» منفصلة، وب «لم» ، والتّقليل المكفوف بـ «ما» ، والشّرط مجرّدا من «ما» وقد تلحق جواب الشّرط اختيارا واسم الفاعل اضطرارا، وربّما لحقت المضارع خاليا ممّا ذكر).
قال ناظر الجيش: قد أفهمت ترجمة الباب أن كلّا من النونين أصل برأسه؛ فالخفيفة ليست مخففة من الثقيلة، واستدل سيبويه على ذلك بأنها (1) تبدل ألفا في الوقف، وتحذف في مثل: الزيدون هل يقومن إذا وقفت أيضا، قال (2):«فلو كانت مخففة من الثقلية لثبتت ثبوتها ولم تبدل ولم تحذف» والمنقول عن الكوفيين (3) أن الخفيفة أصلها الشديدة فخففت كما خففت «أن» و «لكن» ، ثم النون شديدة كانت أو خفيفة إنما يؤكد بها الفعلان - أعني الأمر والمضارع - وأما الماضي الباقي على مضيه فلا مدخل لها فيه، واحترز بـ «الباقي على مضيّه» من -
(1) أي النون الخفيفة، وذلك من مثل قوله تعالى لَنَسْفَعاً فإنه عند الوقف على النون الخفيفة تبدل ألفا. انظر الإنصاف (ص 653).
(2)
هذه العبارة ذكرها الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 244) وقد نقلها المؤلف عنه دون أن يشير، ونص كلام سيبويه في هذه المسألة هو:«فالخفيفة في الكلام على حدة والثقلية على حدة، ولأن تكون الخفيفة حذف عنها المتحرك أشبه؛ لأن الثقيلة في الكلام أكثر، ولكنا جعلناها على حدة لأنها في الوقف كالتنوين، وتذهب إذا كان بعدها ألف خفيفة أو ألف ولام، كما تذهب لالتقاء الساكنين ما لم يحذف عنه شيء ولو كانت بمنزلة نون «لكن» و «أن» و «كأن» التي حذفت عنها المتحركة لكانت مثلها في الوقف». انظر الكتاب (3/ 524: 525) وانظر الإنصاف (658: 659).
(3)
انظر الإنصاف (ص 650) والتذييل (6/ 244) وشرح التصريح (2/ 203) والأشموني (3/ 212).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نحو قول الشاعر:
3655 -
دامنّ سعدك إن رحمت متيّما
…
لولاك لم يك للصّبابة جانحا (1)
فإنّ دام باستعماله دعاء صار معناه مستقبلا فساغ دخول النون وثم إنها تباشر الأمر جوازا فيقال: اعلمنّ، واعلمنّ، واعلمانّ، واعلمنّ.
وينبغي أن يقتصر في التمثيل لذلك بفعل أمر من يخاطبه خاصة كما فعلنا، لأن الأمر إن كان لغير من يخاطبه فإنما يكون بغير صيغة أمر المخاطب وهو صيغة المضارع، فهي إذا داخلة في قسم المضارع فلا يمثل بها مع فعل الأمر الذي هو للمخاطب وكذا فعل النهي، ولو كان النهي للمخاطب داخلا في قسم المضارع لأنه إما يكون بصيغته، وأما المضارع فمباشرتها له إنما تكون بشرط يذكر، ثم المباشرة له إما على سبيل الوجوب وإما على
سبيل الجواز، والمباشرة وجوبا إنما هي في صورة واحدة، وإما المباشرة جوازا ففي صور أربع: صورة هي فيها أكثرية، وصورة هي فيها كثيرة، وصورة هي فيها قليلة، وصورة هي فيها أقل من التي قبلها كما سيتضح ذلك عند شرح ألفاظ الكتاب.
ثم إن المصنف أشار أولا إلى الصورة التي يجب أن يؤتى فيها بالنون وذكر أن شروط الوجوب خمسة: كون الفعل مضارعا، وكونه مثبتا، وكونه مستقبلا، وكونه جواب قسم وكونه غير مفصول بينه وبين لام الجواب بشيء، وقد صرح في متن الكتاب [5/ 44] بالشروط المذكورة، غير أن كلامه يضمن أن الشروط ستة وذلك أنه جعل الخلو من حرف التنفيس شرطا وجعل كونه غير متعلق به جار سابق شرطا آخر، وقد عرفت أن شرط الفصل بين الفعل واللام بشيء كاف على أن في قول المصنف:«غير متعلّق به جارّ سابق» قصورا فإن المعتبر في عدم الإتيان بالنون إنما هو الفصل بمعمول ذلك الفعل كائنا ما كان والذي ذكره في باب القسم وهو قوله «ولا يتقدّم معموله» -
(1) هذا البيت من الكامل لقائل مجهول، وفيه الإضمار.
الشرح: قوله دامن: أصله: دام من الدوام ودخله نون التوكيد على وجه الشذوذ، وسعدك: الخطاب لمحبوبته والمتيم: من تيّمه الحب إذا عبّده - بالتشديد - والصبابة: المحبة والعشق والجانح: من جنح إذا مال.
والشاهد فيه: قوله «دامن» حيث دخلت نون التوكيد الفعل الماضي وهو قليل شاذ؛ لأن نون التوكيد لا تدخل إلا على الأمر والمضارع. وانظر البيت من المغني (ص 339) والعيني (1/ 120)، وشرح التصريح (2/ 203) والهمع (2/ 78) والدرر اللوامع (2/ 99).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أوفى بالمقصود مما ذكره هاهنا على أن المصنف قد ذكر المسألة مستوفاة في باب القسم، وإنما تعرض إلى ذكرها هنا تنبيها على أن نون التوكيد التي حقها جواز مباشرتها الفعل يجب أن تكون مباشرة له في هذه الصورة ليكون قد استوفى الكلام في مباشرتها لما تباشره وجوبا وجوازا، وإذ قد تقرر هذا فلنرجع إلى ألفاظ الكتاب:
فقوله: المضارع ظاهر، وقوله: الخالي من حرف تنفيس احتراز من أن لا يخلو منه كقوله تعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (1)، وقد علل ذلك بأن السين مخلصة للاستقبال كما أن النون كذلك فكرهوا الجمع بينهما (2).
وقوله: المقسم عليه ظاهر فلا يجوز الإتيان بالنون في نحو: يقوم زيدا غدا، وإن كان «يقوم» مستقبلا، وقوله: مستقبلا تحرّز [من] أن يكون المضارع مقسما عليه وهو حال نحو: والله ليقوم زيد، فلا يجوز الإتيان بالنون لأنها
تصرفه إلى الاستقبال والغرض أن الفعل للحال، وهذا الذي ذكره المصنف بناء منه على أنه يجوز أن يقسم على فعل الحال، وهو يرى ذلك قائلا [فيه] بقول الكوفيين، وقد استدل (3) على ذلك بقراءة ابن كثير (4): لأقسم بيوم القيامة (5) وأجيب (6) عن ذلك: بأن الكلام جملة اسمية، والتقدير: لأنا أقسم، وغير المصنف يقدم ذكر الاستقبال على ذكر المقسم عليه فيستريح من إيراد أن فعل الحال لا يقسم عليه، وإذا كان لا يقسم عليه فلا حاجة إلى جعل الاستقبال شرطا فيه.
وقوله: مثبتا تحرّز من أن يكون منفيّا نحو: والله لا يقوم زيد قال الله تعالى:
قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ (7).
(1) سورة الضحى: 5.
(2)
انظر التذييل (6/ 246)، والهمع (2/ 78).
(3)
المرجع السابق.
(4)
انظر الإرشادات الجلية في القراءات السبع من طريق الشاطبية (ص 501)، وفي الكشف (2/ 349) قرأه قنبل بهمزة بعد اللام من غير ألف وقرأ الباقون بألف بعد اللام وبهمزة قبل القاف».
وانظر السبعة لابن مجاهد (661). والنشر (2/ 282).
(5)
سورة القيامة: 1.
(6)
انظر الكشاف للزمخشري (4/ 659) والتذييل (6/ 245) والمغني (ص 229).
(7)
سورة يوسف: 85.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقوله: غير متعلق به جارّ سابق تحرّز من أن يكون كذلك فلا مجال للنون حينئذ وذلك نحو قوله تعالى وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (1)، وقد عرفت أن المعمول الصريح في كونه سابقا حكمه حكم الجار المذكور، والمعمول الصريح كالمفعول والحال والخبر، فالمفعول نحو: والله لزيدا أكرم، والحال نحو: والله لمسرعا يجيء زيد، والخبر نحو: والله لساهرا يبيت عمرو (2).
قال الشيخ (3): «ونقص المصنف قيد آخر، وهو: أن لا يكون الفعل المضارع الخالي من حرف التنفيس المقسم عليه المستقبل المثبت غير متقدم المعمول قد فصل بينه وبين اللام بـ «قد» فإنه فيه الشروط التي ذكرها، ومع ذلك
لا يجب دخول النون فيه، ولا يجوز بل يمتنع نحو: والله لقد يذهب خالد» انتهى.
ولو قال المصنف: «غير مفصول بين (4) الفعل وبين اللام الداخلة بشيء» لشمل الفصل بما ذكر أجمع واستراح من أن يستدرك عليه بشيء، لا يقال: كلام المصنف قد اقتضى أن النون يجب الإتيان بها عند اجتماع هذه الشروط التي ذكرها، ويعلم منه أن شرطا من هذه الشروط إذا فقد انتفى الوجوب، وإذا انتفى الوجوب أمكن أن يكون الإتيان بالنون ممتنعا، وأن يكون جائزا، لكن الامتناع هو الواقع، فمن أين يعرف ذلك؟
لأنا نقول: هذا الذي قيل إنما كان يلزم أن لو لم يذكر المصنف قسم الجائز لكنه قد قال:
«وجوازا كذا وكذا
…
» فنصّ على الأمكنة التي يؤتى بالنون فيها جوازا بعد أن ذكر المكان الذي يؤتى بها فيه وجوبا، فعلم من ذلك أن ما عدا ما ذكره يمتنع الإتيان بها فيه.
ثم إن المصنف لما أنهى الكلام على القسم الذي يجب فيه الإتيان بالنون شرع في ذكر القسم الذي يؤتى بالنون فيه جوازا، وقد عرفت أنه نوعان: فعل الأمر والمضارع غير الواقع جواب قسم، أما الأمر فلا فرق فيه بين أن يكون متصرفا أو غير متصرف فتلحق «هلمّ» في لغة تميم وتلحق «تعلّم» بمعنى: اعلم وقال زهير:
3656 -
تعلّمن ها لعمر الله ذا قسما
…
فاقصد بذرعك وانظر أين تنسلك (5)
(1) سورة آل عمران: 158.
(2)
،
(3)
انظر التذييل (6/ 247).
(4)
انظر ديوانه بشرح الأعلم (ص 48).
(5)
هذا البيت من البسيط، وهو لزهير (ديوانه ص 48 بشرح الأعلم).
الشرح: قوله تعلمن ها أي: اعلم وها تنبيه، وأراد هنا ما أقسم به ففرق بين ذا وها بقوله لعمر الله ونصب -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأما المضارع فالمسموع لمباشرتها إياه أسباب: أن يلي أداة طلب، وأن يلي «ما» الزائدة الجائزة الحذف في الشرط، وأن يلي «ما» الزائدة في غير الشرط ولا النافية وأن يلي «لم» والتقليل المكفوف بـ «ما» والشرط المجرّد من «ما» فهذه أسباب أربعة:
الأول: أن يلي الفعل أداة طلب، فتشمل هذه العبارة ما صاحب ما يقتضي طلبا من لام أمر أو لا نهي أو دعاء أو
تحضيض أو عرض أو تمن أو استفهام، فمثال الأمر والنهي قول الأعشى أنشده سيبويه (1):
3657 -
وإيّاك والميتات لا تقربنّها
…
ولا تعبد الشّيطان والله فاعبدا (2)
ومثال الدعاء قول ابن رواحة (3) - رضي الله تعالى عنه:
3658 -
والله لولا الله ما اهتدينا
…
ولا تصدّقنا ولا صلّينا
فأنزلن سكينة علينا
…
وثبّت الأقدام إن لاقينا (4)
-
- قسما على المصدر المؤكد به معنى اليمين، وقوله: فأقدر وهي رواية الديوان، أي قدر بخطوك، والذرع قدر الخطو، وهذا مثل، والمعنى: لا تكلف نفسك ما لا تطيق مني بتوعده بذلك وكذلك قوله: وانظر أين تنسلك والانسلاك: الدخول في الأمر، وأصله من سلوك الطريق، والمعنى: لا تدخل نفسك فيما لا يعنيك ولا يجدي عليك.
والشاهد في البيت: دخول نون التوكيد الحقيقة في «تعلم» بمعنى اعلم، والبيت في الكتاب (3/ 500)(هارون)، والمقتضب (2/ 323) والتذييل (6/ 249) والخزانة (2/ 475).
(1)
انظر الكتاب (3/ 105).
(2)
هذا البيت من الطويل: وهو للأعشى (ديوانه ص 103) والرواية في الديوان:
فأياك والميتات لا تقربنها
…
ولا تأخذن سهما جديدا لتفصدا
وذا النّصب المنصوب لا تنسكنّه
…
ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا
الشرح: قوله فإياك والميتات يريد به أن الميتة محرم أكلها وإنما ذكر ما يدعو إليه النبي صلى الله عليه وسلم وكان مدحه بهذه القصيدة وذكر فيها ما جاءت به الشريعة وأراد أن يلحق به ويسلم فمنعته قريش.
والشاهد فيه: دخول نون التوكيد الثقيلة على المضارع المنهي بلا في قوله «لا تقربنها» والنون الخفيفة على الأمر في قوله: فاعبدا، وأبدلت ألفا في الوقف. وانظر أمالي الشجري (1/ 384)، (2/ 268) والإنصاف (657) وابن يعيش (9/ 39) والمغني (ص 372) والعيني (4/ 340) والهمع (2/ 78) والدرر (2/ 95) وشرح التصريح (2/ 208)، والأشموني (1/ 226).
(3)
هو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة الأنصاري من الخزرج، صحابي يعد من الأمراء والشعراء الراجزين توفي سنة 8 هـ. انظر الأعلام (4/ 86).
(4)
هذا رجز قائله عبد الله بن رواحة كما ذكر المؤلف وكما في الكتاب (3/ 511) وقيل أنه لكعب بن -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومثال التحضيض قول القائل:
3659 -
هلّا تمنّن بوعد غير مخلفة
…
كما عهدّتك في أيّام ذي سلم (1)
ومثال العرض: ألا تنزلن فنقريك (2).
ومثال التمني قول القائل:
3660 -
فليتك يوم الملتقى ترينّني
…
لكي تعلمي أنّي امرؤ بك هائم (3)
ومثال الاستفهام قول الآخر:
3661 -
وهل يمنعنّي ارتياد البلا
…
د من حذر الموت أن يأتين (4)
وقول الآخر: -
- مالك ونسبه ابن يعيش (3/ 118) لعامر بن الأكوع وكذا العيني (4/ 451) والمعنى واضح.
استشهد به: على دخول نون التوكيد على المضارع الدال على الطلب بالدعاء في قوله (فأنزلن) والرجز في الكتاب (3/ 511) وابن يعيش (3/ 118) والعيني (4/ 451) والهمع (2/ 43) والدرر (2/ 49) وشرح التصريح (2/ 73).
(1)
هذا البيت من البسيط مجهول القائل. الشرح: هلا تمنن بكسر النون الأولى وسكون الثانية لأن أصله: تمنين خطاب للمؤنث فلما دخلت عليه «هلا» التي للطلب سقطت النون فصار هلا تمنى ثم لما دخلت عليه نون التوكيد الخفيفة وهي ساكنة التقى ساكنان وهما النون والياء فحذفت الياء فصار: هلا تمنن، وذب سلم: بفتح السين واللام وهو اسم موضع بالحجاز، وقيل: اسم واد به،
والشاهد فيه: قوله «هلا تمنن» حيث أكد الفعل بنون التوكيد بعد حرف التحضيض. والبيت في والعيني (4/ 322) وشرح التصريح (2/ 204)، والهمع (2/ 78) والدرر (2/ 96).
(2)
مثل له الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 249) بقوله: ألا تنزلن فتصيب خيرا.
(3)
هذا البيت من الطويل لقائل مجهول. الشرح: «الهائم» المتحير في العشق. والشاهد فيه: قوله:
«ترينني» حيث أكده بالنون الثقيلة لوقوع الفعل بعد التمني، وهو خبر ليت، واللام في «لكي» للتعليل و «كي» تماثل «أن» المصدرية معنى وعملا وليست بحرف تعليل إذ لو كانت كذلك لما دخلها حرف تعليل. والبيت في الهمع (2/ 78) والدرر (2/ 96) والتذييل (6/ 249) والأشموني (3/ 213).
(4)
هذا البيت من المتقارب. الشرح: ارتياد البلاد، ذهابه ومجيئه وطوفه في البلاد، يقال منه راد يرود إذا ذهب وجاء، وارتاد يرتاد، يقول: هل يمنعني التطوف في البلاد والتقلب من موضع إلى موضع من حذر الموت أن يأتيني الموت؟
والشاهد فيه «هل يمنعني» حيث أكد الفعل بالنون الثقيلة لأنه واقع بعد الاستفهام. والبيت في الكتاب (3/ 513) برواية «فهل» والمحتسب (1/ 349) وابن يعيش (9/ 40، 86)، وشرح العيني (4/ 324).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
3662 -
أفبعد كندة تمدحنّ قبيلا (1)
وقول الآخر:
3663 -
فأقبل على رهطي ورهطك نبتحث
…
مساعينا حتّى ترى كيف نفعلا (2)
وهذا البيت الآخر أنشده سيبويه (3)، وفيه رد على من زعم (4) أن النون لا يجوز دخولها إلا إذا كان الاستفهام عن الفعل حتى إنه لا يجيز: أيّ رجل تضربنّ؟ ولا: كيف تفعلنّ؟
وحاصل الأمر: أن هذا [5/ 45] القائل لا يجوّز دخول نون التوكيد في الاستفهام حتى يكون متوجها إلى ذات الفعل فيكون مجهولا بالجملة، وذلك إذا سألت بالهمزة وهل، وأما إذا كان السؤال عن صفة الفعل [نحو: كيف ومتى لم يكن مجهولا بلا جملة]، قال (5) فيصير بمنزلة الماضي والحال، وهذا القول مدفوع بما رواه سيبويه عن العرب وهو قولهم:
…
حتّى ترى كيف نفعلا
-
(1) هذا شطر بيت من الكامل لامرئ القيس وصدره: قالت فطيمة حل شعرك مدحه. الشرح: الهمزة للاستفهام، والتقدير: أتمدحن قبيلا أي
قبيلة بعد كندة وهي قبيلة في كهلان باليمن.
والشاهد فيه: قوله «تمدحن» حيث أكد بالنون الثقيلة لوقوعه بعد الاستفهام. وانظر الكتاب (3/ 514) والخزانة (4/ 558) والتذييل (6/ 250) وشرح التصريح (2/ 204) والهمع (2/ 78).
(2)
هذا البيت من الطويل وقد ذكر البغدادي في الخزانة (4/ 855) أنه من الخمسين التي لا يعرف لها قائل، وقد نسبه ابن السيرافي في شرحه لأبيات سيبويه (2/ 227) إلى النابغة الجعدي.
الشرح: رهطي: الرهط: العصابة دون العشرة ويقال: بل إلى الأربعين، ونبتحث: مجزوم لأنه جواب الأمر أي: نفتش يقال: بحث وابتحث إذا فتش ولكنه مستعمل بكلمة «عن» يقال: بحث عنه، والتقدير: نبتحث عن مساعينا، والمساعي: جمع مسعى ومسعاة وهي المكرمة التي في فعلها يقال: فلان كريم المساعي أي كريم الأفعال فاضلها، وقال ابن السيرافي: يخاطب سوارا القشيري وكانا يتهاجيان يقول: أقبل حتى نعدد ما في قبيلتي وقبيلتكم من المفاخر حتى تعلم أينا أكرم وأجل عند الناس، وترى بمعنى تعلم من رؤية القلب والجملة في موضع المفعولين.
والشاهد فيه: في قوله «كيف نفعلا» أصله: كيف نفعلن بنون التوكيد الخفيفة أكده لوقوع الفعل بعد اسم الاستفهام وهو كيف فأبدلت النون ألفا لأجل القافية. وقد قال ابن الطراوة قوله «كيف نفعلا» على أنه نون الترنم أبدلها ألفا في الوقف، وفيه نظر لأن من شرط نون الترنم أن لا تغير حركة ما قبلها وقد غيرت ههنا لأن الفعل مرفوع. انظر العيني (4/ 326)، والكتاب (3/ 513)(هارون) والتذييل (6/ 250)، والخزانة (4/ 558)، والهمع (2/ 78) والدرر (2/ 97).
(3)
انظر الكتاب (3/ 513).
(4)
هو ابن الطراوة كما ذكر الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 250).
(5)
أي ابن الطراوة فيما نقله عنه أبو حيان في التذييل (6/ 250).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأنشد غير سيبويه:
3664 -
ألا ليت شعري ما يقولن فوارس
…
إذا حارب الهام المصيّح هامتي (1)
وقد دخلت أيضا في الفعل بعد «أم» الواردة بعد الجملة المستفهم عنها بـ «هل» قال الشاعر:
3665 -
يا أيّها القلب هل تنهاك موعظة
…
أم يحدثن لك طول الدّهر ننسيانا (2)
السبب الثاني: أن يلي الفعل «ما» الزائدة الجائزة الحذف في الشرط، والمراد بذلك فعل الشرط الواقع بعد «إمّا»
كقوله تعالى: فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ
…
الآية الشريفة (3)، وقوله تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ * (4)، وقوله تعالى:
فَإِمَّا تَرَيِنَّ (5)، فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ (6)، وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ (7)، وأما قول المصنف:«الجائزة الحذف» فقال الشيخ (8): «إنه احتراز من نحو حيثما» قال: «فظاهر كلامه أن النون لا تدخل بعد حيثما لأن «ما» لا يجوز حذفها منها وليس كذلك، قال سيبويه (9): ومثل ذلك: حيثما تكونن آتك، لأنها سهّلت الفعل أن يكون مجازاة» انتهى.
وأقول: إن الذي ذكره الشيخ لا يمكن أن يكون مراد المصنف لأنه قد نص في شرح الكافية (10) على أن النون تدخل بعد «حيثما» وأورد المثال الذي ذكره الشيخ -
(1) هذا البيت من الطويل ولم أهتد إلى قائله.
الشرح: الهامة طائر تزعم العرب أنه إذا قتل الرجل فلم يدرك بثأره يخرج من قبره فلا يزال يصيح: اسقوني فلا يزال على ذلك حتى يقتل قائله. والاستشهاد بالبيت: على أن التوكيد بعد الاستفهام لا يختص بهل والهمزة خلافا لمن خصه بهما. والبيت في التذييل (6/ 250) والهمع (2/ 78) والدرر (2/ 97).
(2)
هذا البيت من البسيط نسبه أبو حيان إلى سوار بن المضرب، واستشهد به: على أن نون التوكيد الخفيفة دخلت على الفعل بعد «أم» الواردة بعد الجملة المستفهم عنها بـ «هل» . والبيت في التذييل (6/ 251) ديوان الحماسة (2/ 108).
(3)
سورة غافر: 77.
(4)
سورة الأعراف: 200، وسورة فصلت:36.
(5)
سورة مريم: 26.
(6)
سورة الزخرف: 41.
(7)
سورة الأنعام: 68.
(8)
انظر التذييل (6/ 251).
(9)
انظر الكتاب (3/ 518).
(10)
انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1407).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عن سيبويه وهو: «حيثما تكونن آتك» كما سنقف عليه، وإذا كان كذلك وجب أن يستخرج الأمر الذي احترز عنه
المصنف ما هو.
السبب الثالث: أن يلي الفعل «ما» الزائدة في غير الشرط أو «لا» النافية.
أما المسألة الأولى: فهي التي أرادها المصنف بقوله «وفي غيره قليلا» أي: في غير الشرط، قال المصنف في شرح الكافية (1):«وكثر هذا التوكيد بعد «ما» الزائدة دون «إن» كقول العرب: بعين مّا أرينّك (2)، وبجهد ما تبلغنّ (3)، وكثر يقولنّ (4)، وحيثما تكونن آتك، وفي المثل:«وفي عضة ما ينبتنّ شكيرها» (5)، ومثله قول الشاعر:
3666 -
قليلا به ما يحمدنّك وارث (6)
قال: وإنما كثر هذا التوكيد بعد «ما» الزائدة لشبهها بـ «لام» القسم، قال -
(1) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1407).
(2)
هذا مثل ومعناه: اعمل كأني أنظر إليك، يضرب في الحث على ترك البطء و «ما» صلة دخلت للتأكيد ولأجلها دخلت النون في الفعل. انظر مجمع الأمثال (1/ 175) والكتاب (3/ 517) والتذييل (6/ 252).
(3)
انظر الكتاب (3/ 516).
(4)
الكتاب (3/ 518).
(5)
هذا مثل يضرب في تشبيه الولد بأبيه، يقال: شكرت الشجرة تشكر شكرا؛ أي خرج منها الشكير وهو ما ينبت حول الشجرة من أصولها. انظر مجمع الأمثال (2/ 445، 1/ 175)، والمستقصى (2/ 382) ويروى: في عضة ما ينبت العود. وانظر الكتاب (1/ 517) وقد أورده سيبويه على أنه شطر بيت، وقد أورده البغدادي في الخزانة (1/ 83) وذكر أنه روى عجزا وصدره:
إذا مات منهم ميت سرق ابنه
…
ومن عضة ما ينبتن شكيرها
وانظر المثل في التذييل (6/ 251) واللسان (شكر).
(6)
هذا صدر بيت من الطويل لحاتم الطائي، وعجزه: إذا نال مما كنت تجمع مغنما.
الشرح: قوله: قليلا نصب على أنه صفة لمصدر محذوف أي حمدا قليلا، والضمير في: به يرجع إلى المال في البيت الذي قبله وهو قوله:
أهن للذي تهوى التلاد فإنه
…
إذا مت كان المال نهبا مقسما
وكلمة ما زائدة، وقوله: وارث فاعل يحمدنك أي: لا يحمدنك وارث بعد استيلائه على ما لك حمدا قليلا. والاستشهاد فيه في قوله: «يحمدنك» حيث أكده بالنون الثقيلة، والتأكيد في مثل هذا الموضع قليل وهو أن يكون بعد ما الزائدة التي لم تسبق بإن، والبيت في التذييل (6/ 253) والعيني (4/ 328) وشرح التصريح (2/ 205) والهمع (2/ 78) والدرر اللوامع (2/ 99)، والأشموني (3/ 217).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
سيبويه (1) بعد تمثيله بـ «ربما تقولنّ ذلك» ، و «كثر ما تقولنّ ذلك»: ولا يقع بعد هذه الحروف إلا و «ما» لازمة فأشبهت عندهم «لام» القسم، هذا نصه انتهى.
قال [الشيخ]: و «ما» الزائدة في هذه الأمثلة على تأويل النفي: ما ينبتن في عضة إلا شكيرها، وما أراك إلا بعين و «ما» لازمة، قال: والظاهر أنه لا يجوز حذف «ما» من هذه الأمثلة قال: وظاهر كلام المصنف جواز حذفها بل هو نصه، قال: وقوله: الجائزة الحذف في الشرط، لم يختص بها «إن» من غيرها، وهو نص سيبويه فإنه قال (2): ومن مواضعها حروف الجزاء إذا وقعت بينها وبين الفعل «ما» للتوكيد، ثم قال (3): فمن ذلك قولك: إمّا تأتينّى آتك وأيّهم ما يقولنّ ذلك تجزه، قال: ووقع لبعض المصنفين أن ذلك مخصوص من أدوات الشرط بـ «إن» وليس ذلك بصحيح (4) انتهى.
ومن النحاة من يوجب الإتيان بالنون بعد «إمّا» وإلى ذلك أشار المصنف بقوله «ولا يلزمان بعد إمّا الشرطية خلافا لأبي إسحاق أي إن أبا إسحاق الزجاج يرى أن التوكيد بإحدى النونين يلزم بعد «إمّا» الشرطية (5)، قيل: وهو مذهب شيخه أبي العباس المبرد (6).
قال في شرح الكافية (7): «وزعم بعضهم (8) أن ذلك لازم وأن نحو: إمّا تفعل أفعل غير جائز، وليس بصحيح بل هو جائز قليل كقول الراجز: -
(1) انظر الكتاب (3/ 518).
(2)
أي سيبويه انظر الكتاب (3/ 514).
(3)
أي سيبويه انظر الكتاب (3/ 515).
(4)
انظر التذييل (6/ 252: 253).
(5)
انظر شرح الكافية للرضي (2/ 404) والتذييل (6/ 253) والأشموني (3/ 216).
(6)
انظر المقتضب (3/ 13: 14) وفيما عزاه إليه الشيخ أبو حيان نظر لأن الناظر في كلام المبرد يرى أنه لا يذهب إلى وجوب توكيد المضارع بعد «إن» المدغمة في «ما» الزائدة ولله در أستاذنا الجليل المرحوم/ محمد عبد الخالق عضيمة حيث دافع عن المبرد في هذه المسألة، وذلك بالحجة الدامغة والبرهان القوي، فليراجع.
(7)
انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1409).
(8)
يعني الزجاج. انظر الهمع (2/ 78) والأشموني (3/ 216) وقد بينا فيما سبق أن المبرد لم يذهب إلى ذلك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
3667 -
إمّا تريني اليوم أمّ حمز
…
قاربت بين عنقي وجمزي (1)
ومثله قول الشاعر:
3668 -
يا صاح إمّا تجدني غير ذي جدة
…
فما التّخلّي عن الخلّان من شيمي (2)
وقال آخر:
3669 -
إمّا ترى رأسي تغيّر لونه
…
شمطا فأصبح كالثّغام المخلس (3)
-
(1) هذان بيتان من مشطور الرجز وهما لرؤبة كما في الكتاب (2/ 247) وانظر ديوانه (ص 64).
الشرح: أم حمز يحتمل أن يكون اسم ابنها «حمز» بلا تاء وهو ظاهر ويحتمل أن يكون اسمه حمزة فرخمة وليس منادى بل هو مضاف إلى المنادى، وقد تساهلوا في مثله مع أنه لا يرخم لاتصاله بالمنادى والمضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد والعنق بفتحتين ضرب من السير السريع، والجمز بفتح فسكون:
عدو دون الخضر وفوق العنق، وهو كالوثب والقفز والمعنى وصف كبره وأنه قد قارب بين خطاه ضعفا.
والشاهد فيه: «إما تريني» حيث ورد فعل الشرط خاليا من نون التوكيد وهو رد على من يقول بلزوم التوكيد بالنون بعد إما الشرطية. وانظر الرجز في الكتاب (2/ 247) والمقتضب (4/ 251) والرواية فيه «بعد عنقي» وو الإنصاف (349) وابن يعيش (9/ 6) والتذييل (6/ 254) وابن السيرافي (1/ 310).
(2)
هذا البيت من البسيط لقائل مجهول.
الشرح: صاح منادى مفرد مرخم أي يا صاحبي وتجدني من وجد في المال وجدا. بتثليث الواو، وجدة أي استغنى، والخلان جمع خليل والفاء جواب الشرط، والشيم - بكسر الشين وفتح الياء - جمع شيمه وهو الخلق والطبيعة.
والشاهد فيه: قوله «إما تجدني» حيث ترك فيه بالتوكيد بالنون بعد وقوع الفعل بعد (إما) الشرطية وهو عند ابن مالك قليل وعند غيره ضرورة لأنه يرى لزومها. وانظر البيت في التذييل (6/ 254) والعيني (4/ 339) وشرح التصريح (2/ 204). والأشموني (3/ 216).
(3)
هذا البيت من الكامل وهو من قصيدة لحسان بن ثابت يمدح بها الحارث بن شمر الغساني ديوانه (ص 310).
الشرح: قوله شمطا الشمط في الشعر: اختلافه بلونين من سواد وبياض يقال: شمط شمطا واشمط واشماطّ وهو أشمط والجمع: شمط وشمطان والشّمط في الرجل شيب اللحية والثغام نبت أبيض الثمر والزهر ويشبه بياض الشيب به ورأس ثاغم: إذا ابيض كله والمخلس هو من أخلس الشعر إذا استوى بياضه وسواده وقيل: إذا كان سواده أكثر من بياضه ورواية الدرر اللوامع (2/ 97)«محمل» وهي رواية اللسان (ثغم) ورواية الديوان (المحول).
والشاهد فيه: قوله: «إما ترى» حيث ترك توكيده بالنون مع وقوعه بعد إما الشرطية وهو قليل وليس بضرورة كما ذكرنا في سابقية والشطر الأول من هذا البيت في الهمع (2/ 78) والبيت في الدرر اللوامع (2/ 97) واللسان (ثغم).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومن الشواهد على ذلك أيضا قول الآخر:
3670 -
فإمّا تريني كابنة الرّمل ضاحيا
…
على رقّة أحفى ولا أتنعّل (1)
وقال الآخر:
3671 -
زعمت تماضر أنّني إمّا أمت
…
يسدد أبينوها الأصاغر خلّتي (2)
-
(1) هذا البيت من الطويل، وقائله هو الشنفرى الأزدي من قصيدته المشهورة لامية العرب التي مطلعها:
أقيموا بني أمي صدور مطيكم
…
فإني إلى أهل سواكم لأميل
وقبل البيت المستشهد به:
إذا وردت أصدرتها ثم إنها
…
تثوب فتأتي من تحيت ومن عل
الشرح: ابنة الرمل: الحية وقيل: الوحشية وهي الرياح التي تدخل تحت الثياب من قوتها وضاحيا: بارزا، وعلى رقة: أي رقة حال، ويروى «رقبة» أي مراقبة والحفا المشي بغير خف ولا نعل وجواب الشرط في البيت بعده وهو:
فإني لمولى الصبر أجتاب بزّه
…
على مثل قلب السّمع والحزم أفعل
والمعنى: إنني إذا كنت بارزا كالحية أو الريح مع مراقبتي ورقة حالي؛ فإني رجل الصبر ووليه وصاحبه. أتصرف فيه كما أرى وقلبي كقلب السّمع (ولد الذئب من الضبع) في القوة والثبات وتصرفي يكون بحزم دائما. انظر البيت في لامية العرب (ص 65) وذيل الأمالي للقالي (ص 205) والتذييل (6/ 253) والأشموني (3/ 216).
والشاهد فيه: قوله فأما تريني حيث لم يؤكد الفعل بالنون مع وقوعه بعد إما الشرطية وهذا قليل.
(2)
هذا البيت من الكامل وهو لسلمان أو سلمى بن ربيعة الضبي كما في النوادر (ص 374).
الشرح: تماضر امراته وكانت فارقته عاتبة عليه في استهلاكه المال وتعريضه النفس للمعاطب فلحقت بقومها فأخذ هو يتلهف عليها ويتحسر في أثرها وأثر أولاده منها وتماضر: تفاعل والتاء زائدة لا أصل إذ هو من مضر، وهو منقول من فعل مضارع كما سميت المرأة: تكتم وتكني، وهو إما أن يكون مأخوذا من اللبن الماضر وهو الحامض وقيل: الأبيض فكأنه من ماضرت الرجل: إذا سقته وسقاك اللبن، وإما أن يكون من مضر كأنه من ماضرته إذا ناسبته إلى مضر أو من قولهم: عيش مضر أي ناعم، وقيل: أن التاء في تماضر فاء وإنما لم يصرف هذا الاسم لما فيه من التعريف والتأنيث لأنه بوزن فعاعل فتماضر إذا كقراقر وعذافر، وقوله «زعمت تماضر أنني» يتردد بين الشك واليقين ههنا يريد به الظن و «أنني» مع معموليها نائب عن مفعوليه، يقول: ظنت هذه المرأة أنه إن نزل بي حادث قضاء الله تعالى سد مكاني ورم ما يتشعث من حالها بزوالي أبناؤها الأصاغر ويريد بهذا الكلام التوصل إلى الإبانة عن محله وأنه لا يغني غناؤه من الناس إلا القليل وأبينوها: تصغير أبناء وإما جمع أبين مصغر أبناء كأعمى وإما جمع أبين مصغر أبن بفتح الهمزة وهو جمع ابن بكسرها وإما جمع أبين مصغر ابن بجعل همزة الوصل قطعا وإما مصغر ابنين على غير قياس. اه. ملخصا من خزانة البغدادي (3/ 400: 404).
والشاهد في البيت: قوله «إما أمت» حيث إنه لم يؤكد الفعل بالنون مع وقوعه بعد «أما» الشرطية وهو جائز قليل. وانظر في أمالي الشجري (1/ 43)، و (2/ 69)، وابن يعيش (9/ 5)، والنوادر (ص 374)، وشرح الكافية للرضي (2/ 183)، والخزانة (3/ 400).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقول الآخر:
3672 -
فإمّا تريني ولي لمّة
…
فإنّ الحوادث أودى بها (1)
فهذه الشواهد فيها دلالة كافية على أن نون التوكيد لا تلزم بعد «إمّا» الشرطية، ولكن من يرى لزوم نون التوكيد يعدّ هذه الأبيات من الضرورات (2).
ومذهب سيبويه أنك إن شئت أتيت بها وإن لم تأت بها، وكذلك يجوز حذف «ما» وإبقاء النون (3)، قال سيبويه (4): «وإن شئت لم تقحم النون كما أنك إن شئت لم تجئ بما (5).
وليس في كلام المصنف إشعار بأن النون يجوز أن يؤتى بها مع عدم وجود «ما» وكلام سيبويه ليس صريحا في
ما ذكروه لأن قوله: «كما أنك إن شئت لم تجئ بما» لا يلزم منه أنك إذا لم تأت بما أن تأتي بالنون، بل مراده أنه يجوز أن تأتي بـ «إن» في الشرط دون «ما» أم أنك تؤكد بالنون أولا فذلك أمر آخر (6). -
(1) هذا البيت من المتقارب قاله الأعشى ميمون بن قيس انظر ديوانه (ص 120) من قصيدة يمدح رهط قيس بن معد يكرب ويزيد بن عبد المدان الحارثي.
الشرح: اللمة - بالكسر - الشعر الذي يلم بالمنكب والحوادث جمع حادثة، وأودى بها ذهب بها والمراد: ذهب بمعظمها لأن قوله «ولي لمة» حال من الياء ومحال أن تكون له لمة في حال قد ذهبوا الحوادث بجميعها، ومعنى أودي بها: ذهب ببهجتها وحسنها، ويروى: فإما ترى لمتي بدلت، وهي رواية سيبويه، ومعنى بدلت ذهب بعضها بالصلع وشاب بقيتها فإن حوادث الدهر أهلكتها يعني أن مرور الدهر يغير كل شيء وروي: فإن تنكري لامرئ لمة، وروى: فإن تعهديني ولي لمة. والشاهد فيه: قوله «فإما تريني» حيث ترك فيه نون التوكيد بعد «إما» الشرطية وقد استشهد به سيبويه على حذف الماء من «أودت» فإن فاعله ضمير الحوادث وفي مثله يجب التأنيث فتركه الشاعر لضرورة الشعر، قال الأعلم:
دعاه إلى حذفها أن القافية مردفة بالألف وسوغ له حذفها أن تأنيث الحوادث غير حقيقي وهي في معنى الحدثان. انظر الكتاب (2/ 46)(هارون)، وابن يعيش (9/ 6، 41)، والتذييل (6/ 254)، والعيني (2/ 466) والأشموني (2/ 53)، (3/ 216).
(2)
يعني به الزجاج وانظر الهمع (2/ 78) والأشموني (3/ 216).
(3)
هذه العبارة بنصها ذكرها الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 253) وقد نقلها المؤلف دون أن يشير إلى ذلك.
(4)
انظر الكتاب (3/ 515).
(5)
انظر الكتاب (3/ 515)(هارون) والتصحيح من التذييل (6/ 253) وهي الموافقة للمعنى المطلوب.
(6)
قال سيبويه في الكتاب (3/ 515): «وقد تدخل النون بغير ما في الجزاء، وذلك قليل في الشعر شبهوه بالنهي حين كان مجزوما غير واجب» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأما المسألة الثانية: فهي التي أشار إليها المصنف بقوله: والنّفي بلا متّصلة كالنّهي على الأصحّ، قال في شرح الكافية (1): «وقد يؤكد بإحدى النونين المضارع المنفي بلا تشبيها بالنهي كقوله تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً (2)، قال (3): وقد زعم قوم أن هذا نهي وليس بصحيح، ومثله قول الشاعر:
3673 -
فلا الجارة الدّنيا بها تلحينّها
…
ولا الضّيف منها إن أناخ محوّل (4)
إلا أن توكيد «تصيبن» أحسن لاتصاله بـ «لا» فهو بذلك أشبه بالنهي كقوله تعالى: لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ (5) بخلاف قول الشاعر: «تلحينّها» فإنه غير متصل بـ «لا» فبعد شبهه بالنهي ومع ذلك فقد سوغت توكيده «لا» وإن كانت منفصلة، فتوكيد «تصيبن» لاتصاله بـ «لا» أحق وأولى» (6) انتهى.
وذكر الشيخ (7) عن الزجاج قال: زعم بعضهم أنه خبر فيه طرف من النهي كما تقول:
أنزل عن الدّابّة لا تطرحنّك [5/ 46](8) ومثله: لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ (9)، -
(1) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1403).
(2)
سورة الأنفال: 25.
(3)
أي ابن مالك.
(4)
هذا البيت من الطويل وقائله كما ذكرنا النمر بن تولب العكلي من قصيدة لامية طويلة.
الشرح: قوله: الدنيا أي القريبة، وتلحينها: من لحيته ألحاه لحيا: إذا لمته ولاحيته ملاحاة إذا نازعته وقوله: إن أناخ: أي إذا برّك راحلته، وقوله: محول بضم الميم من التحويل يشير بهذا إلى كرم الممدوحة بأن جارتها لا تلومها ولا تنازعها ولا هي تمنع ضيفها إذا برك عندها، وقوله: منها ويروى «عنها» يتعلق بقوله محول أي الحميرة المذكورة في أول القصيدة وهو:
تأبد من أطلال جمرة مأسل
…
فقد أقفرت منها سراء فيذبل
والشاهد فيه: في قوله «تلحينها» حيث أكده بالنون بعد لا النافية تشبيها لها باللفظ بلا الناهية. انظر البيت في العيني (4/ 342) والأشموني (3/ 218).
(5)
سورة الأعراف: 27.
(6)
نقل هذا الكلام عن شرح الكافية الشافية (3/ 218: 219) الأشموني ثم قال: «ما اختاره الناظم هو ما اختاره ابن جني، والجمهور على المنع» وانظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 624).
(7)
انظر التذييل (6/ 256).
(8)
قال الأشموني (3/ 219): «وقال الفراء: الجملة جواب الأمر نحو قولك: انزل عن الدابة لا تطرحنك.
(9)
سورة النمل: 18.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ويجوز أن يكون نهيا بعد أمر، وعن صاحب الغرّة (1) أنه قال: لم أر أحدا ذكر دخولها في النفي وإنما قال
سيبويه (2): وبعد لم لأنها لما كانت جازمة أشبهت «لا» الناهية وهذا لا يجوز إلا في اضطراره».
السبب الرابع: أن يلي الفعل «لا» منفصلة عنه، أو «لم» ، أو التقليل المكفوف بـ «ما» ، أو الشرط المجرد من «ما» فهذه أربع مسائل:
أما الأولى: فقد تقدم ذكر شاهدها آنفا وهو قول الشاعر:
3673 م -
فلا الجارة الدّنيا بها تلحينّها (3)
قال الشيخ في شرحه (4): وأنشد أحمد بن يحيى:
3674 -
[فلاذا نعيم يتركنّ لنعمه
…
وإن قال فرّطني وخذ رشوة أبى
ولا ذا بئيس يتركنّ لبؤسه
…
فتنفعه الشّكوى إليهنّ إن شكى] (5)
وأما الثانية: فشاهدها أنشده المصنف في شرح الكافية (6):
3675 -
يحسبه الجاهل ما لم يعلما
…
شيخا على كرسيّه معمّما (7)
-
(1) أي وذكر أبو حيان انظر التذييل (6/ 255) وصاحب الغرّة: هو ابن الدهان: سعيد بن المبارك بن علي ابن عبد الله الإمام ناصح الدين بن الدهان النحوي كان من أعيان النحاة المشهورين بالفضل ومعرفة العربية، صنف: شرح الإيضاح، وشرح اللمع لابن جني، والدروس في النحو، وغيرها قيل إنه كان سيبويه عصره، توفي بالموصل ليلة عيد الفطر سمة 569 هـ. انظر ترجمته والبغية (1/ 587)، ونشأة النحو (ص 206).
(2)
انظر الكتاب (3/ 516).
(3)
انظر الصفحة السابقة.
(4)
انظر التذييل (6/ 256: 257).
(5)
هذان البيتان من الطويل، استشهد بهما الشيخ أبو حيان في التذييل على توكيد الفعل «يتركن» بالنون بعد لا النافية تشبيها لها باللفظ بلا الناهية. والشطر الأول من البيت الأول في الهمع (2/ 78) والدرر اللوامع (2/ 98) وقد ذكر الشنقيطي فيه أنه لم يعثر على قائله ولا تتمته.
(6)
انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1406).
(7)
هذان بيتان من مشطور الرجز، قيل أنهما لأبي حيان الفقعسي أو ابن جبابة اللص، أو عبد بني عبس، أو العجاج أو مساور العبسي وقد نسبهما ابن السيرافي (2/ 239) للدّبيري.
الشرح: قوله يحسبه أي يحسبه الثمال (هي الرغوة والقطعة ثمالة) و «ما» مصدرية ظرفية، ويعلم هنا بمعنى يعرف، ومفعوله محذوف وهو ضمير الثمال وشيخا هو المفعول الثاني ليحسبه وما بعده صفتان له، شبه الرغوة التي تعلو القمع بشيخ معمم جالس على كرسي وهذا تشبيه ظريف جيد، قال البغدادي: ولم يصب الأعلم في قوله: وصف جبلا قد عمه الخصب وحفه النبات وعلاه فجعله كشيخ مزمل في ثيابه -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أي: ما لم يعلمن فوقف بإبدال النون ألفا (1)، وقال سيبويه (2): وقد يقولون:
أقسمت لمّا لم يفعلنّ؛ لأن ذا طلب فصار كقولك: لا تفعلنّ وأنشد سيبويه (3):
3675 -
يحسبه الجاهل
…
...
…
البيت
ثم قال «شبهه بالجزاء حيث كان مجزوما وكان غير واجب وهذا لا يجوز إلا في اضطرار» هذا نصه.
وأما الثالثة: وهي التقليل المكفوف بـ «ما» فمثاله قول الشاعر (4):
3676 -
ربّما أوفيت في علم
…
ترفعن ثوبي شمالات (5)
قال المصنف في شرح الكافية (6) بعد ذكر هاتين المسألتين: «وإنما قل التوكيد بعد «ربما» و «لم» لأن الفعل بعدهما ماضي المعنى ولاحظ للماضي في هذا التوكيد، -
- معصب بعمامته، وخص الشيخ لوقارته في مجلسه وحاجته إلى الاستكثار من الناس هذا كلامه، وكأنه لم يقف على هذه الأبيات «الخزانة» (4/ 571).
والشاهد فيه: قوله «ما لم يعلما» حيث أكد الفعل المضارع المنفي بلم بالنون الخفيفة تشبيها لـ «لم» بـ «لا» الناهية، وفيه الناهية، وفيه شاهد آخر: وهو أن نون التوكيد تنقلب ألفا في الوقف وقد جاء الراجز بهذه الكلمة في آخر البيت لأن آخر البيت محل الوقف.
انظر الرجز في الكتاب (3/ 516)(هارون)، وأمالي الشجري (1/ 384)، والإنصاف (ص 653) وابن يعيش (9/ 42) والمقرب (2/ 74)، وشرح
الكافية للرضي (2/ 404)، والمغني (ص 329) والخزانة (4/ 569)، والعيني (4/ 329)، وشرح التصريح (2/ 205)، والهمع (2/ 78)، والدرر (2/ 97) والأشموني (3/ 218)، وحاشية الدمنهوري (ص 89).
(1)
انظر التذييل (6/ 257).
(2)
انظر الكتاب (3/ 516).
(3)
الكتاب (3/ 516).
(4)
هو جذيمة الأبرش كما في الكتاب (3/ 517، 518).
(5)
هذا البيت من المديد وقائله كما ذكرنا جذيمة الأبرش ومن نسبه إلى تأبط شرّا فقد غلط.
الشرح: قوله: أوفيت: أي نزلت وأصله: من أوفى على الشيء إذا أشرف، قوله: في علم بفتح اللام وهو الجبل، قوله شمالات بفتح الشين وهو جمع شمال وهو الريح التي تهب من ناحية القطب.
والشاهد فيه: قوله «ترفعن» حيث أكده بالنون الخفيفة وهو نادر بعد تقدم «ربّ» على «ما» . وفي البيت شاهد آخر غير مقصود في قوله «ربما» : فإن «ما» دخلت على «رب» وكفتها عن العمل ودخلت على الجملة الفعلية. والبيت في الكتاب (3/ 518)، والمقتضب (2/ 15) وأمالي الشجري (2/ 243) وابن يعيش (9/ 40) والمقرب (2/ 74) وشرح الكافية للرضي (2/ 403) والعيني (3/ 344)، والتصريح (2/ 22، 206) والهمع (2/ 38، 78) والدرر (2/ 41).
(6)
انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1407).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهو بعد «ربما» أحسن وحكى سيبويه (1): ربّما تقولنّ ذلك».
ودخول النون على (2): ترفعا ثوبي شمالات
أبعد من دخولها على «تقولن» في: ربما تقولن، لأن «ترفعا» حال كأنه قال:
رافعة، وإنما حسّنه تقدّم «ربما أوفيت» فكأنه قال: ربما ترفعا، لأن تقليل الإيفاء في علم على حال تقليل لتلك الحال فينصرف التقليل إلى الحال وعامله، كما انصرف النفي إلى الشيئين في قول امرئ القيس:
3677 -
على لاحب لا يهتدى بمناره (3)
وأما المسألة الرابعة (4): فالمثال لها ما أنشده سيبويه (5) من قول الشاعر:
3678 -
من نثقفن منهم فليس بآئب
…
أبدا وقتل بني قتيبة شافي (6)
-
(1) انظر الكتاب (3/ 518) ونصه: «وزعم يونس أنهم يقولون: ربما تقولنّ ذاك، وكثر ما تقولنّ ذاك» .
(2)
هذا الكلام ذكره الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 258) وقد نقله المؤلف مع تصرف يسير دون أن يشير إلى ذلك.
(3)
هذا صدر بيت من الطويل: وهو لامرئ القيس (ديوانه ص 95) وعجزه:
إذا سافه العود النّباطيّ جرجرا
الشرح: اللاحب: الطريق الواضح، سافه: شمه، العود: الجمل المسن، النباطي: الصخم، ونسبه إلى النبط وهم قوم كانوا ينزلون بالبطائح بين العراقين، جرجر: رغا وضج يقول: ليس به منار فيهتدى به وإذا ساف الجمل تربته جرجر جزعا من بعده وقلة مائه واستشهد به على انصراف النفي في قوله «لا يهتدى» إلى الشيئين، فالشاعر لم يرد أن فيها منارا لا يهتدي به ولكنه نفى أن يكون به منار. وانظر البيت في أمالى ابن الشجري (1/ 192)، والتذييل (6/ 258) واللسان (سوف).
(4)
وهي الشرط المجرد من «ما» انظر التذييل (6/ 258).
(5)
انظر الكتاب (3/ 516).
(6)
هذا البيت من الكامل وهو لبشر بن أبي حازم (ديوانه ص 160).
الشرح: من نثقفن منهم: بنون المتكلم مع الغير، يقال: ثقفت الرجل في الحرب: أدركته، وثقفته طفرت به، وثقفته: أخذته، وثقفت الحديث: فهمته بسرعة، والكل من باب «تعب» ، وآئب: راجع من آب من سفره يؤوب أوبا: رجع، والإياب اسم منه أي: من نظفر به من باهلة نقتله ولا ندعه يرجع إلى أهله سالما، وروي: من تثقفن منا - بالمثناة الفوقية للتأنيث فيكون فاعله ضمير باهلة، وروي: من يثقفوا منا فليس بوائل. والشاهد في: «نثقفن» حيث أكده بالنون الخفيفة وهو فعل واقع لغير «إمّا» وانظر البيت في الكتاب (3/ 516) والمقتضب (3/ 14) والمقرب (2/ 74) وشرح الكافية للرضي (2/ 403)، والخزانة (4/ 565)، والهمع (2/ 79) والدرر (2/ 100).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأشار المصنف بقوله وقد تلحق جواب الشرّط إلى البيتين اللذين ذكر في شرح الكافية (1) أن سيبويه أنشدهما (2)، وهما قول القائل (3):
3679 -
نبتّم نبات الخيزرانيّ في الثّرى
…
حديثا متى ما يأتك الخير ينفعا (4)
وقول الآخر (5):
3680 -
فمهما تشأ منه فزارة تعطكم
…
ومهما تشأ منه فزارة تمنعا (6)
وأعطى قوله «اختيارا» أن ذلك جائز في الكلام، لكن قال سيبويه (7): «وذلك -
(1) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1405).
(2)
انظر الكتاب (3/ 515).
(3)
هو النجاشي كما في الخزانة (4/ 564) واسمه قيس بن عمرو بن مالك من بني الحارث بن كعب.
(4)
هذا البيت من الطويل قاله النجاشي من قصيدة يهجو بها عامر بن صعصعة.
الشرح: قوله نبتم نبتا من باب قتل والاسم النبات، والمعنى نبتم كما ينبت الخيزراني، والخيزران بفتح الخاء وضم الزاي هو شجرة وليس من نبات أرض العرب وإنما ينبت ببلاد الهند وهو عروق ممتدة في الأرض، وقد يقال لكل طري من النبت ناعم خيزران، ولكونه عروقا قال في الثرى، ويروى «في الوغى» و «حديثا» حال من «الخيزراني» ومعناه: القريب، يقول: لستم بأرباب نعمة قديمة وإنما حدثت فيكم عن قرب فقد نميتم كما ينمى الخيزران بنعومة وطراوة، فإن المال متى ما جاء نفع، وعلى هذا طريقة إرسال المثل وقال العيني (3/ 344): حديثا منصوب بفعل محذوف تقديره: حدث حديثا.
وانظر الخزانة (4/ 564) ملخصا.
والشاهد في: قوله: ينفعا حيث أكده بالنون وهو جواب الشرط وليس من مواضع التوكيد بالنون لأنه خبر، يجوز فيه الصدق والكذب، ولكنه أكد تشبيها بالنهي حين كان مجزوما غير واجب.
وانظر البيت في الكتاب (3/ 515) وشرح الكافية للرضي (2/ 403) والأعلم بهامش الكتاب (2/ 152)(بولاق) والخزانة (4/ 563) والعيني (3/ 3444)، والهمع (2/ 78) والدرر (2/ 97).
(5)
هو عوف بن عطية بن الخرع كما في الكتاب (3/ 515) وقيل: الكميت بن معروف، وقيل:
الكميت بن ثعلبة.
(6)
هذا البيت من الطويل. الشرح: فزارة بفتح الفاء في غطفان وهو من قولهم: فزت الشيء: إذا صدعته، والفزرة: القطعة، يقول: إن شاءت فزارة أن تعطيكم الدية أو بعضها أعطتكم، وإن شاءت أن تمنعكم منعتكم.
والشاهد في: قوله «تمنعا» بنون التوكيد الخفيفة المبدلة ألفا للوقف، وهو جواب الشرط وليس من مواضع النون ولكنه أكد تشبيها بالنهي حين كان مجزوما غير واجب. وانظر البيت في الكتاب (3/ 515) وشرح الكافية للرضي (2/ 403)، والخزانة (559) والعيني (4/ 330)، وشرح التصريح (2/ 206) والهمع (2/ 79) والدرر (2/ 100).
(7)
انظر الكتاب (3/ 515).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قليل في الشعر شبهوه بالنهي حيث كان مجزوما غير واجب»:
وأشار بقوله وربّما لحقت المضارع خاليا ممّا ذكر إلى ما أنشده المصنف في شرح الكافية (1) وهو قول الشاعر (2):
3681 -
ليت شعري وأشعرنّ إذا ما
…
قرّبوها منشورة ودعيت
ألي الفوز أم عليّ إذا حو
…
سبت أني على الحساب مقيت (3)
قال في الشرح المذكور أيضا (4): وأشذ من هذا توكيد «أفعل» في التعجب كقول الشاعر (5):
3682 -
ومستبدل من بعد غضبى صريمة
…
فأحر به مني بطول فقر وأحريا (6)
أراد وأحرين: فأبدل النون للوقف ألفا وهذا من تشبيه لفظ بلفظ وإن اختلفا معنى، قال وأشذ من هذا ما أنشده ابن جني (7) من قول الراجز: -
(1) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1411).
(2)
هو السموأل بن عادياء الغساني اليهودي كما في العيني (4/ 332).
(3)
هذان البيتان من الخفيف، وهما من قصيدة تائية قالها السموأل. الشرح: قوله ليت شعري: أي ليتني أشعر، فأشعر هو الخبر، وناب شعري الذي هو المصدر عن «أشعر» ونابت الياء عن اسم ليت الذي في ليتني، وإذا ما: ما: زائدة، قربوها: الضمير يرجع إلى صحيفة أعماله، ومنشورة حال وكذا دعيت بتقدير: قد، والهمزة في «ألي» للاستفهام، والمقيت: المقتدر والحافظ والشاهد وهو المراد هنا.
والشاهد في: «أشعرن» حيث أكده بالنون الخفيفة وهو مثبت عار عن معنى الطلب والشرط ونحوهما وهذا في غاية الندرة والبيتان في العيني (4/ 332) والشطر الأول في الهمع (2/ 79) وانظر البيتين في الأشموني (3/ 221) والأصمعيات (ص 86).
(4)
انظر شرح الكافية الشافية (3/ 665).
(5)
قال العيني (4/ 645): «وأنشده ثعلب ولم يعزه إلى قائله» .
(6)
هذا البيت من الطويل. الشرح: ومستبدل: اسم فاعل من الاستبدال وقوله غضبى: بفتح الغين وسكون الضاد وفتح الباء الموحدة وهو
المائة من الإبل وضبط، قوله صريمة تصغير صرمه بكسر الضاد وسكون الراء وهي قطعة من الإبل نحو الثلاثين صغرها للتقليل، وقوله: فأحر به: أي أجدر به وهو صيغة التعجب، وأحريا أصله: أحرين بنون التأكيد فأبدلت الألف من النون وهو أيضا صيغة التعجب.
والشاهد في: قوله «وأحريا» حيث أكد أفعل في التعجب بالنون وهو شاذّ. وانظر البيت في المغني (ص 339) والعيني (3/ 645) والهمع (2/ 78)، والدرر (2/ 98)، والأشموني (3/ 221).
(7)
انظر المحتسب (1/ 193) والخصائص (1/ 136).