الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حكم تقديم الجواب المقترن بالفاء على سببه]
قال ابن مالك: (ولا يتقدّم ذا الجواب على سببه خلافا للكوفيّين، وقد يحذف سببه بعد الاستفهام، ويلحق بالنّفي التّشبيه الواقع موقعه، وربّما نفي بـ «قد» فينصب الجواب بعدها).
ــ
الحديث ناشئا عنه مترتبا عليه فصار مسببا عن الإتيان بالجعل لا بالعقل، وإذا كان كذلك جاز أن يتخلف عنه، وإذا جاز تخلفه عنه لم يلزم من وجود الإتيان على هذا وجود الحديث ومما يحقق ما قلته أن ابن الحاجب رحمه الله تعالى بعد أن قرر المعنى الأول قال (1) مشيرا إلى المعنى الثاني: وهو أن يقصد إلى أن الفعل الثاني لم يحصل عقيب الأول فكأنه نفى وقوعهما بصفة أن يكون الثاني عقيب الأول كما تقول: ما جاءني زيد وعمرو أي: ما جاءا بصفة الاجتماع، ويجوز أن يكون أحدهما جاء. انتهى.
وعلى هذا المعنى وهو قصد نفي ترتب الثاني على الأول دون قصد نفي الأول قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يموت لأحد ثلاثة من الولد فتمسّه النّار إلّا تحلّة القسم» (2) لأن النفي باشر «يموت» وليس المقصود نفيه، بل المقصود نفي ترتب المس على هذا الذي ذكر وهو موت ثلاثة من الولد، كما قصد نفي ترتب الحديث على الإتيان لا نفي الإتيان (3).
وحاصل الأمر: أن الفاء تفيد السببية في جميع الصور التي ينتصب الفعل فيها بعدها إلا في إحدى صورتي النفي وهي الصورة التي ذكرناها وهي: ما تأتينا فتحدثنا، إذا أردت: ما تأتينا محدثا بل غير محدث، والذي أحوج إلى هذا الذي كتبته أن بعض الفضلاء استشكل قول النحاة: إن «الفاء» حيث نصب الفعل بعدها تكون للسببية، ثم إنه رأى السببية لا تتصور في هذه الصورة إذا أردنا هذا المعنى، والذي استشكله ظاهر والجواب عنه ما ذكرته، والله تعالى أعلم.
قال ناظر الجيش: قال الإمام بدر الدين (4): لا يجوز تقديم الجواب بـ «الفاء» -
(1) انظر: الإيضاح شرح المفصل (2/ 16).
(2)
أورده البخاري في باب الجنائز عن أبي هريرة رضي الله عنه، انظر: صحيح البخاري بشرح السندي (1/ 217، 239) والموطأ (1/ 235) وانظر: الفائق في غريب الحديث للزمخشري (1/ 306) ويعني بتحلة القسم:
الورود والاجتياز كما في قوله تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا [مريم: 71].
(3)
هذا الكلام هو مضمون كلام ابن الحاجب في الإيضاح شرح المفصل (2/ 16، 17).
(4)
انظر: شرح التسهيل للإمام بدر الدين (4/ 34).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على سببه؛ لأنه معطوف فلا يتقدم على المعطوف عليه، وقال ابن السراج (1): وقد أجازوا - يعني الكوفيين - متى
فآتيك تخرج؟ ولم فأسير تسير؟ وقد يحذف سبب الجواب بالفاء بعد الاستفهام لدلالة القرينة عليه، قال الكوفيون (2): والعرب تحذف الأول مع الاستفهام للجواب، ومعرفة الكلام فيقولون: متى فأسير معك؟ وقال الكوفيون (3): «كأنّ» ينصب الجواب معها، قال ابن السراج: وليس بالوجه (4)، وذاك إذا كانت في غير معنى التشبيه وهو نحو قولك: كأنّك وال علينا فتشتمنا.
وربما نفي بـ «قد» فينصب بعدها الجواب، ذكر ذلك ابن سيده (5) وحكي عن بعض الفصحاء: قد كنت في خير فتعرفه، بالنصب على معنى: ما كنت في خير فتعرفه. انتهى.
والذي تضمنه كلام المصنف هنا الإشارة إلى مسائل أربع:
الأولى:
أن الجواب بـ «الفاء» لا يتقدم على سببه، لأن «الفاء» حرف عطف والمعطوف لا يتقدم على المعطوف عليه، ولما لم تكن «الفاء» عاطفة عند الكوفيين أجازوا التقديم؛ لأنه جواب تقدم على سببه مع تقدم بعض الجملة فلم يتقدم على جميع الجملة، ومن مذهبهم جواز تقديم جواب الشرط على الشرط بكماله، قيل:
وإذا جوّزوا ذلك في الشرط فلأن يجوزوه هنا مع بقاء بعض الجملة صدرا أولى وأحرى (6).
المسألة الثانية:
أن سبب الجواب بـ «الفاء» قد يحذف بعد الاستفهام لدلالة القرينة عليه وقد تقدم مثال ذلك (7)، لكن قال الشيخ (8): وينبغي أن يكون ذلك في استفهام -
(1) انظر: الأصول لابن السراج (رسالة)(2/ 180).
(2)
انظر: التذييل (6/ 630).
(3)
المرجع السابق.
(4)
انظر: الأصول لابن السراج (2/ 180)، والتذييل (6/ 630).
(5)
انظر: التذييل (6/ 630)، والهمع (2/ 12).
(6)
انظر: التذييل (6/ 628).
(7)
وهو ما ذكره الكوفيون من قولهم: متى فأسير معك.
(8)
انظر: التذييل (6/ 630).