الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حكم أسماء القبائل والأماكن]
قال ابن مالك: (فصل: صرف أسماء القبائل والأرضين والكلم ومنعه مبنيّان على المعنى، فإن كان أبا أو حيّا أو مكانا أو لفظا صرف، وإن كان أمّا أو قبيلة أو بقعة أو كلمة أو سورة لم يصرف، وقد يتعيّن اعتبار القبيلة أو البقعة أو الحيّ أو المكان).
ــ
قال الشيخ (1): «وثبت في نسخة عليها خط المصنف بدل قوله: «لوجب منع الصّرف» : «لوجب الصّرف» ، وذلك إشارة إلى مسألة عكس هذه المسألة وهي أنك لو سميت بـ «حنّان» ، وهو الحنّاء أبدلت همزته نونا، لصرفته، لأن النون بدل من حرف أصلي، كما أن اللام في «أصيلال» بدل من حرف زائد، فلم يكن في «حنّان» إلّا سبب واحد وهو العلمية، ولم يحفل بالنون؛ لأنها بدل من أصل كما لم يحفل باللام لأنها بدل من زائد».
قال ناظر الجيش: من المعلوم أن هذا الكلام فيه لف ونشر (2)، لأن قوله: فإن كان أبا أو حيّا يرجع إلى «القبائل» وقوله: أو مكانا يرجع إلى «الأرضين» ، وقوله: أو لفظا يرجع إلى الكلم، وكذا قوله: وإن كان أمّا أو قبيلة يرجع إلى الأول، وقوله: أو بقعة يرجع إلى الثاني، وقوله: أو كلمة أو سورة يرجع إلى الثالث، فمتى أريد بالأول: الأب أو الحي صرف، لفقد التأنيث، فمثال ما أريد به الأب:«معدّ» و «تميم» و «جذام» و «لخم» ، ومثال ما أريد به الحي:
«قريش» و «ثقيف» (3)، ومتى ما أريد به الأم أو القبيلة منع، لانضمام التأنيث إلى العلمية، فمثال ما أريد به الأم:«باهلة» (4)، ومثال ما أريد به القبيلة:«مجوس» و «يهود» (5) و «آدم» ومتى أريد بالثاني المكان صرف، ومثال ذلك:«بدر» -
(1) انظر التذييل (6/ 372: 374).
(2)
قول المؤلف «إن هذا الكلام فيه لف ونشر» يدل على شدة تأثره بالبلاغة، واللف والنشر لون من ألوان البلاغة وهو من المحسنات البديعية، ونقص المؤلف أن يقول: لف ونشر مرتب؛ لأن الأول يرجع إلى الأول، والثاني إلى الثاني، والثالث إلى الثالث، وما هذه حالته يسمى لفّا ونشرا مرتبا، ويمكن أن يعتذر له بأنه يريد أن يلفت نظر القارئ إلى هذه النكتة البلاغية جملة دون تفصيل فهذا ليس موضعه.
(3)
انظر الكتاب (3/ 250).
(4)
انظر الكتاب (3/ 249).
(5)
انظر الكتاب (3/ 254).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «ثبير» ، ومتى أريد به البقعة منع، ومثال ذلك:«فارس» «وعمان» ، ومتى أريد بالثالث اللفظ صرف، ومثال ذلك:«كتب زيدا فأجاده» - بضمير التذكير - تريد اللفظ، ومتى أريد به الكلمة منع، ومثال ذلك:«كتب زيدا فأجادها» يريد الكلمة، وكذا «كتبت هود» إن أردت السورة منعت الصرف، وإن أردت أنك كتبت هذا الاسم فقط صرفت؛ لأن مدلوله اللفظ وهو مذكر، فالأب والحي يقابلهما الأم والقبيلة، والمكان يقابله البقعة، واللفظ يقابله الكلمة والسورة، قال الشيخ (1): وأما سدوس وسلول فهما منقولان من أب ومن أم، وقد ذهب سيبويه إلى أن سدوس اسم مذكر، اسم أب، وقال (2): تقول: بنو سدوس منصرف، وغلّطه (3) المبرد في ذلك وقال (4): إنما سدوس اسم امرأة، فإذا قلت:
من بني سدوس لم تصرف، وكذلك سلول وقال الشاعر:
3720 -
إذا ما كنت مفتخرا ففاخر
…
ببيت مثل بيت بني سدوسا (5)
وتابع الزجاج (6) المبرد في ذلك، والصحيح [5/ 68] ما ذكرناه من أنهما أسماء أب وأم. انتهى.
وبعد فجميع ما ذكر هنا وما لم يذكر مما يشبهه من كونه لمذكر أو مؤنث موقوف على النقل عن أئمة اللغة لا مجال للنظر فيه، وقد أعلى المصنف قانونا كليّا يتميز به ما يصرف مما لا يصرف، وهذا هو الذي يتعلق بالصناعة النحوية، ثم ههنا أمور نشير إليها:
الأول: أن الشيخ استدرك على المصنف فقال (7): «ظاهر قوله: أنه إذا كان المعنى أبا أو حيّا صرف، وليس كذلك، ألا ترى أن «تغلب» سواء أقصدت به -
(1) انظر التذييل (6/ 375).
(2)
انظر الكتاب (3/ 249).
(3)
قال السيرافي: «وكان أبو العباس المبرد يقول: إن سدوس اسم امرأة، وغلط سيبويه، ولم يغلط سيبويه في شيء من هذه الأسماء» ، انظر شرح كتاب سيبويه للسيرافي بهامش الكتاب (3/ 249)(هارون).
(4)
انظر المقتضب (3/ 364) وعبارته: «ورقاش امرأة، وأبو القبيل عمرو بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة، وكذلك سلول وسدوس فليس من هذا مصروفا إلّا في النكرة وإنما ذلك بمنزلة باهلة وخندف» .
(5)
هذا البيت من الوافر قاله امرؤ القيس حين نزل على خالد بن سدوس النبهاني، واستشهد به على منع صرف «سدوس» لأنه اسم أمّ القبيلة على رأي المبرد، والبيت في شرح الجمل لابن عصفور (2/ 234)، وديوان امرئ القيس (ص 344) تحقيق محمد أبو الفضل، واللسان (سدس)، و «السّدوس» بالفتح الطّيلسان الأخضر.
(6)
انظر ما ينصرف وما لا ينصرف للزجاج (ص 57).
(7)
انظر التذييل (6/ 375).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القبيلة أم الحي فإنه لا ينصرف لأن فيه وزن الفعل، قال: وقد غلط الزجاج (1) فذكر أن «تغلب» إذا أردت به القبيلة منعته الصرف، وإذا أردت به الحي صرفته. انتهى.
وهذا الاستدراك يتعجب منه؛ لأن كون نحو «تغلب» ممنوع الصرف قد علم من قبل على ما تقرر في الفصل المفروغ منه، وإذا كان كذلك علم أن الكلام الآن في ما عدا ذلك، ثم إن مبنى هذا الفصل إنما هو على أن بعض الأسماء التي هي أعلام قد يكون معناها صالحا لأن يكون مذكرا وأن يكون مؤنثا، فيترتب على اعتبار كل من الأمرين الصرف وتركه، أما كون العلمية يكون معها مانع آخر غير التأنيث فذلك أمر قد عرف، وكأن الذي أوجب للشيخ هذا الاستدراك هو قول ابن عصفور (2) في تقسيمه:«فإن قصدت به قصد الحي صرفته إلّا أن يكون فيه ما يوجب منع الصرف» فأشار إلى مثل ذلك.
والحق أن ابن عصفور مستغن عن ذلك لما ذكرنا.
الأمر الثاني: أن ابن عصفور ذكر في شرح الجمل (3) في باب «أسماء القبائل والبلدان والأحياء والسور» أن أسماء القبائل والأحياء تنقسم خمسة أقسام، وملخص ما ذكره:
أن أسماء المذكورات تنقسم أربعة أقسام:
قسم لا يستعمل إلا للقبيلة وذلك: يهود ومجوس وآدم، قال الشاعر:
3721 -
أولئك أولى من يهود بمدحة
…
إذا أنت يوما قلتها لم تؤنّب (4)
-
(1) في جـ، أ:«الزجاجي» وعبارة الزجاج في ما ينصرف وما لا ينصرف بعيدة عن تخطئة الشيخ له، فإنه قال في (ص 58):«إن الاسم إذا أريد به الأب أو الحي انصرف، وإذا أريد به القبيلة منع» وليس في ذلك إشارة إلى «تغلب» بعينها كما ذكر الشيخ.
(2)
انظر شرح الجمل لابن عصفور (2/ 234).
(3)
انظر شرح الجمل (2/ 235: 237) وقد لخصه المؤلف كما ذكر بعده.
(4)
هذا البيت من الطويل وقائله رجل من الأنصار كما ذكر الأعلم، و «يهود» مشتق من هاد يهود إذا تاب عن الذنب من قوله تعالى: إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ من الآية (156) من سورة الأعراف، والمعنى:
يعني المسلمين من المهاجرين والأنصار أنهم أولى بالمدح من اليهود بني قريظة وبني النضير، وأنهم أجدر ألا يلام مادحهم لظهور فضلهم عليهم، يقول هذا للعباس بن مرداس، وكان العباس يمدح بني قريظة.
والشاهد فيه: جعل «يهود» علما للقبيلة؛ فلذلك منع من الصرف، وإن جعل اسما للحي منع أيضا كما منع يشكر ويزيد. والبيت في الكتاب (3/ 254)(هارون) والتذييل (6/ 379)، واللسان (هود).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال الآخر:
3722 -
كنار مجوس تستعر استعارا (1)
وقال آخر:
3723 -
سادوا البلاد وأصبحوا في آدم
…
بلغوا بها بيض الوجوه فحولا (2)
فأعاد الضمير عليه مؤنثا وصرفه للضرورة، فإن لم يجعل «يهود» و «مجوس» علمين كانا جمع. يهودي ومجوسي كما تقول: روميّ وروم، وزنجيّ وزنج، ويدل على خروجهما عن العلمية إذا أريد بهما ذلك دخول اللام عليهما فتقول: اليهود والمجوس.
وثلاثة الأقسام الباقية تستعمل لما معناه مذكر ولما معناه مؤنث، فقسم تغلب فيه استعماله للمذكر وهو الحي وذلك:«قريش» و «ثقيف» و «معد» و «عاد» واستعماله للقبيلة قليل، قال الشاعر:
3724 -
علم القبائل من معدّ وغيرها
…
أنّ الجواد محمّد بن عطارد (3)
فمنع صرفه لقصد القبيلة، وقال آخر:
(1) هذا شطر من الوافر وهو عجز لبيت صدره:
أحار ترى بريقا هبّ وهنا؟
الشرح: أحار: مرخم وأصله: أحارث وهو الحارث بن التوأم اليشكري وينسب إليه الشطر المستشهد به كما في الديوان في مناظرة بينه وبين امرئ القيس، الوهن: نحو من نصف الليل أو بعد ساعة منه، ونار المجوس: مثل في الكثرة والعظم، شبه البرق المستطير بها وذاك البرق دلالة على الغيث. والشاهد في البيت:
منع صرف «مجوس» على معنى القبيلة وهو الغالب الأكثر، والصرف جائز ولكنه قليل. والبيت في الكتاب (3/ 254)، والسيرافي (خ)(4/ 303)، والمقرب (2/ 81)، والتذييل (6/ 379).
(2)
هذا البيت من الكامل وهو لقائل مجهول وهو من الأبيات الخمسين التي لا يعلم قائلها.
الشرح: سادوا البلاد: أي أهلها، وبيض الوجوه مشاهير الناس، والفحول: السادة. والشاهد فيه:
جعل «آدم» اسما لجميع الناس فصرفه لأنه نكرة أو للضرورة. والبيت في الكتاب (3/ 252)، والتذييل (6/ 381)، والهمع (1/ 15)، والدرر (1/ 10).
(3)
هذا البيت من الكامل وهو لقائل مجهول وهو من شواهد الكتاب (2/ 27)، ولم ينسبه سيبويه ولا نسبه الأعلم ولكنه قال:«والممدوح محمد بن عطارد أحد بني تميم وسيدهم في الإسلام» ، ومعد: هو ابن عدنان جد العرب العدنانية، والشاهد فيه: ترك صرف «معد» حملا على معنى القبيلة، والأكثر في كلامهم صرفه لأن الغالب عليه أن يكون اسما للحي. انظر الأعلم بهامش الكتاب (2/ 27)، والكتاب (هارون) (3 /
250) والإنصاف (ص 505)، والتذييل (6/ 380)، والكامل (1/ 180).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
3725 -
غلب المساميح الوليد سماحة
…
وكفى قريش المعضلات وسادها (1)
وقال آخر:
3726 -
لو شهد عاد في زمان عاد
…
لابتزّها مبارك الجلاد (2)
قال: [5/ 70] والعرب تقول: هذه ثقيف بنت قيس فتمنعه الصرف؛ لأنها قصدت به القبيلة، وكما غلب قصد الحي على قصد القبيلة في هذه الكلمات هكذا غلب قصد الأب على قصد القبيلة في كلمة وهي «تميم» سمع من كلامهم: هذه تميم بنت مرّة (3)، وقد جعل ابن عصفور هذا قسما برأسه، ولهذا كانت الأقسام عنده خمسة، والواجب أن ما قصد به الحي أو الأب قسم واحد، لأن كلّا منهما إنما قصد به المذكر فحكمهما واحد.
وقسم يتساوى فيه الأمران ومثاله: «ثمود» و «سبأ» قال الله تعالى: أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (4)، وقال تعالى: أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ (5)، وجاء صرف «سبأ» وعدم صرفه في الكتاب العزيز (6). -
(1) هذا البيت من الكامل، وهو لعدي بن الرقاع العاملي.
الشرح: المساميح: جمع سمح على غير قياس وهو الذي خلفه السماحة والجود، والوليد: هو الخليفة بن عبد المطلب بن مروان، والمعضلات: الشدائد واحدها معضلة، وسادها: صار سيدها ووالي أمورها، يريد: أنهم إذا نزلت بهم معضلة وأمر فيه شدة قام بدفع ما يكرهون عنهم. والشاهد فيه: قوله «قريش» فقد منعه الصرف حملا على معنى القبيلة، والبيت في الكتاب (3/ 250)(هارون) وشرحه الأعلم بهامش الكتاب (2/ 26)، والمقتضب (3/ 362)، والكامل (2/ 109)، والإنصاف (ص 506)، والتذييل (6/ 379).
(2)
هذان بيتان من مشطور الرجز لقائل مجهول وهما من شواهد سيبويه (2/ 27) ولم ينسبهما إلى قائل ولا نسبهما الأعلم في شرحه وهما من الخمسين المجهولة القائل.
الشرح: شهد هو هنا بفتح الشين وسكون الهاء وأصله بكسر الهاء على مثال علم فسكن الشاعر العين المكسورة للتخفيف، وابتزها: سلبها، ومبارك الجلاد: وسط الحرب ومعظمها، وأصل الكلام: لابتزها من مبارك الجلاد فحذف حرف الجر وأصله الفعل إلى الاسم بنفسه، والشاهد في البيت: قوله: «عاد» الأولى فإنه ممنوع من الصرف حملا على معنى القبيلة، والبيت في الكتاب (هارون)(3/ 251)، والإنصاف (ص 504)،
والتذييل (6/ 380).
(3)
حكاه يونس عن العرب. انظر الكتاب (3/ 249).
(4)
سورة هود: 95.
(5)
سورة هود: 68.
(6)
استشهد لذلك سيبويه في الكتاب (3/ 253) بقوله تعالى: لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ من الآية (15) من سورة سبأ، وقوله تعالى: مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ من الآية 22 من سورة النمل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقسم الغالب فيه استعماله اسما للقبيلة وهو ما بقي. انتهى.
ويعني بما بقي غير الذي ذكره في الأقسام الثلاثة المتقدمة الذكر، وكان ابن عصفور قد افتتح كلامه في التقسيم الذي أشرنا إليه بأن قال (1): أسماء القبائل إما أن تكون منقولة من اسم أب أو أم أو غير منقولة، فالمنقولة من اسم أم: سدوس وسلول في أحد القولين، وباهلة، قال الشاعر:
3727 -
إذا ما كنت مفتخرا ففاخر
…
ببيت مثل بيت بني سدوسا (2)
والمنقول من اسم أب: معد وتميم وجذام ولخم، وغير المنقول منها مثل: قريش، وثقيف، ويهود، ومجوس.
فإن كان منقولا من اسم أب أو أم، فإن أضيف إليه «ابن» بقى على ما كان عليه من صرف أو منع صرف؛ لأنه ليس باسم للقبيلة، وإن لم يضف إليه «ابن» فإن كان على نية إضافته إليه، فحكمه حكم المضاف إليه «ابن» لفظا، وإن لم تنو إضافة «ابن» إليه فإن قصد به الحي أو الأب صرفته، وإن قصد به القبيلة منعته الصرف. انتهى.
ولا أعرف ما فائدة التفصيل الذي ذكره من إضافة «ابن» أو نية إضافته، والذي يظهر أن مراده أن «ابنا» إذا كان مضافا أو نويت إضافته خرج المضاف إليه عن أن يكون المراد به الحي أو القبيلة، فيكون له حكم نفسه بالنسبة إلى الصرف وعدمه، وإذا لم يضف إليه «ابن» لا لفظا ولا نية تعين حينئذ أن يراد به إما الحي أو القبيلة.
ولا شك أن هذا واضح غني عن التنبيه عليه، إلا أن الشيخ لما ذكر هذه المسألة في شرحه قال (3): «والحكم هنا في الأخبار والضمائر وغير ذلك يكون للمحذوف لا للملفوظ به بخلاف المضاف في غير هذا الباب، فإن الحكم للملفوظ به لا للمحذوف، تقول:
تميم بن مرّ ناصرون لي؛ لأنك تريد أبناء تميم بن مر، قال امرؤ القيس:
3728 -
تميم بن مرّ وأشياعها
…
وكندة حولي جميع صبر (4)
-
(1) انظر شرح الجمل لابن عصفور (2/ 234) وقد تصرف المؤلف في نقله.
(2)
سبق شرحه والتعليق عليه.
(3)
انظر التذييل (6/ 376: 377).
(4)
هذا البيت من المتقارب وهو لأمرئ القيس (ديوانه ص 109) وقبله:
فلا وأبيك ابنة العامريّ
…
لا يدّعي القوم أني أفر
واستشهد به الشيخ أبو حيان: على عود الضمير مؤنثا على «تميم» حين قصد الأبناء.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فقال: وأشياعها؛ لأنه يريد أبناء تميم بن مر، فلذلك أعاد الضمير مؤنثا ولا تقول: تميم بن مر وأشياعه، فتجري الحكم على تميم كما أجريته في قوله تعالى:
وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها (1) فإنه روعي هنا الملفوظ به القائم مقام المحذوف ولذلك أعيد الضمير مؤنثا في فيها. انتهى.
وقوله: إن الحكم في غير هذا الباب يكون للملفوظ لا للمحذوف ليس كذلك فقد قال الله تعالى: أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ (2) ولا شك أن الضمير في «يغشاه» عائد على المضاف المحذوف، إذ التقدير: أو كذى ظلمات، وقد تقدم في باب الإضافة أن الأمرين جائزان، أعني مراعاة المضاف المحذوف، ومراعاة المضاف إليه، فكيف يقول: إن الحكم يكون للملفوظ به لا للمحذوف؟
ثم إن الآية الشريفة وهي قوله تعالى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها ليس فيها دليل على ما ذكره؛ لأن المقصود من قوله تعالى: الَّتِي كُنَّا فِيها وصف المضاف إليه الذي هو «القرية» بذلك لا وصف المضاف المحذوف الذي هو «الأهل» ، يدل على ذلك أنه لو قيل في غير القرآن العزيز، واسأل أهل القرية التي كنا فيها، لكان صحيحا، ولو كان «التي كنا فيها» مقصودا به وصف «أهل» لما صح ذلك، وقد تقدم الكلام في ذلك في باب الإضافة (3).
فالحق أن الحكم يكون للمضاف المحذوف مطلقا، وقد يراعى الملفوظ به الذي هو المضاف إليه فيجعل الحكم في الإخبار عنه وعود الضمير وغير ذلك إذا دلّ على المراد دليل.
الأمر الثالث: قسم ابن عصفور (4) أسماء الأمكنة غير الواجب منع صرفها لعلمية وتأنيث بعلامة فيه كـ «مكة» و «حزوى» إلى خمسة أقسام كما قسم أسماء القبائل:
قسم لا يستعمل إلّا مذكرا وذلك «بدر» و «ثبير» و «فلج» و «نجد» ، قال الله تعالى: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ (5)، وقالت العرب: «أشرق ثبير كيما -
(1) سورة يوسف: 82.
(2)
سورة النور: 40.
(3)
انظر المرجع السابق.
(4)
انظر شرح الجمل (2/ 237) تحقيق صاحب جعفر أبو جناح وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه.
(5)
سورة آل عمران: 123.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نغير» (1)، ولم يقولوا: أشرقي ثبير، وقال الشاعر:
3729 -
وإنّ الّذي حانت بفلج دماؤهم
…
هم القوم كلّ القوم يا أمّ خالد (2)
وقال الآخر:
3730 -
فإن تدعي نجدا أدعه ومن به
…
وإن تسكني نجدا فيا حبّذا نجد (3)
فصرف «بدر» و «فلج» و «نجد» دليل التذكير، وكذا أمر «ثبير» بما يؤمر به المذكر دليل تذكيره أيضا.
وقسم الغالب عليه التأنيث وهما: «فارس» و «عمان» وعليه قول القائل:
3731 -
لقد علمت أبناء فارس أنّني
…
على عربيّات النّساء غيور (4)
وقسم الغالب عليه التذكير وهو: منى وهجر ودابق وواسط وحنين، وقد تستعمل مؤنثات وقسم يستوي فيه
الأمران وهو: حراء، وقباء، وبغداد، قال الشاعر:
3732 -
ستعلم أيّنا خير مكانا
…
وأعظمنا ببعض حراء نارا (5)
-
(1) هذا مثل معناه: أدخل يا ثبير في الشرق كي نسرع في النحر، يقال: أغار فلان إغارة الثعلب أي أسرع، قال عمر رضى الله عنه: إن المشركين كانوا يقولون: أشرق ثبير كيما نغير، وكانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس.
يضرب في الإسراع والعجلة. انظر مجمع الأمثال (2/ 157: 158)، وإصلاح المنطق (ص 378).
(2)
هذا البيت من الطويل وهو لأشهب بن رميلة كما في الكتاب (1/ 186)(بولاق).
الشرح: فلج: واد بين البصرة وحمى ضرية، وقوله: حانت دماؤهم: لم يؤخذ لهم بدية ولا قصاص هم القوم كل القوم، أي القوم الكاملون في قوميتهم. والشاهد فيه:«فلج» فإنه مذكر بدليل صرفه، وفيه شاهد آخر وهو حذف النون من «اللذين» استخفافا لطول الاسم بالصلة. والبيت في الكتاب (1/ 187)(هارون)، والمقتضب (4/ 146)، والمحتسب (1/ 185)، والمصنف (1/ 67)، وابن يعيش (3/ 154، 155)، والعيني (1/ 482)، والخزانة (2/ 507)، وشرح التصريح (1/ 131).
(3)
هذا البيت من الطويل لقائل مجهول واستشهد به ابن عصفور على أن «نجد» مذكر بدليل صرفه.
(4)
هذا البيت من الطويل لقائل مجهول واستشهد به ابن عصفور على أن «فارس» مؤنث ولذلك منع الصرف للعلمية والتأنيث.
(5)
هذا البيت من الوافر منسوب لجرير وليس في ديوانه.
الشرح: قوله: مكانا يروى في مكانه قديما وهي رواية سيبويه في الكتاب، وقوله: ببعض: يروى بدله ببطن وهي رواية سيبويه أيضا والجوهري، وقوله: حراء: جبل بقرب مكة به غار الرسول صلى الله عليه وسلم، وكثيرا ما يسير إله إلحاج تعبدا، ويوقدون النار للقرى، والمعنى: يفخر عليه بقديم مجده، وكرم قومه اللذين يوقدون النار العظيمة في حراء لإطعام المساكين. والشاهد فيه: ترك صرف «حراء» حملا له على معنى -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فمنع «حراء» الصرف، وقال آخر (1):
3733 -
وربّ وجه حراء منحن (2)
فصرفه. وقسم لا يستعمل إلّا مؤنثا وهو ما بقى ومنه: دمشق وجلّق.
الأمر الرابع: قسم ابن عصفور (3) أيضا أسماء السور ثلاثة أقسام: قسم هو جملة، وقسم فعل، وقسم اسم.
فالجملة تحكي نحو قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ (4)، وأَتى أَمْرُ اللَّهِ (5) وأشباه ذلك.
والفعل يعرب غير مصروف، وإن كان فيه ألف وصل قطعت؛ لأنه قد صار من جملة الأسماء، وألف الوصل لا تكون في الأسماء إلّا في أسماء معلومة وذلك نحو:
اقْتَرَبَتِ (6)، وكذا [5/ 71] تقلب تاؤه هاء في الوقف، وتكتب بالهاء أيضا.
والاسم قسمان:
قسم هو حرف من حروف الهجاء، تجوّز ابن عصفور في تسمية ذلك حرفا من حروف الهجاء وإنما هو اسم حرف من حروف الهجاء.
وقسم غير ذلك؛ فالذي هو غير ذلك يمنع الصرف للتعريف والتأنيث نحو:
«هود» و «نوح» ، تقول: هذه هود ونوح، وقرأت هود ونوح، وتبركت بهود ونوح، وإن أضفت إليه سورة في اللفظ أو التقدير بقي على ما كان عليه قبل، فإن كان فيه ما يوجب منع الصرف منع، نحو: قرأت سورة يونس (7)، وإلّا صرف نحو: قرأت سورة نوح، وسورة هود؛ والذي هو حرف من حروف الهجاء إما أن يكون واحدا أو أكثر، إن كان واحدا؛ فإن أضفت إليه سورة كان موقوفا لا إعراب -
- البقعة. وانظر البيت في الكتاب (3/ 245) والمقتضب (3/ 359).
(1)
نسبه في الكتاب (3/ 245) إلى العجاج، والصواب نسبته إلى رؤبة وهو في ديوانه (ص 163).
(2)
هذا بيت من الرجز المشطور قاله رؤبة من أرجوزة طويلة.
الشرح: الوجه: الناصية وحراء: الجبل المعروف في مكة. والشاهد فيه: صرف «حراء» حملا على إرادة المكان. والشطر في معجم ما استعجم (حراء) واللسان (حرى).
(3)
انظر شرح الجمل (2/ 240)، وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه.
(4)
سورة الجن: 1.
(5)
سورة النحل: 1.
(6)
سورة القمر: 1.
(7)
يمنع الصرف للعلمية والعجمة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فيه فتقول: هذه سورة ص، وإن لم تضف إليه سورة لا في اللفظ ولا في التقدير جاز فيه ثلاثة أوجه: الوقف على الحكاية، وأن تعربه منصرفا إن قدرته منقولا من مذكر، وغير منصرف إن قدرته منقولا من مؤنث؛ لأن أسماء الحروف يجوز فيها التذكير على معنى الحرف والتأنيث على معنى الكلمة.
وإن كان أكثر من واحد فإن كان على وزن من أوزان الأسماء الأعجمية وأضفت إليه سورة لفظا أو تقديرا فالوقف، وإن لم تضفها إليه لا لفظا ولا تقديرا ففيه وجهان: إعرابه غير منصرف والوقف على الحكاية، وذلك نحو: طس، حم هما على وزن: هابيل وقابيل (1).
وإن لم يكن على وزن من أوزان الأعجمية فإن أمكن جعله اسما مركبا وذلك:
طسم فإن أضفت إليه سورة لفظا أو تقديرا فالوقف، وإن لم تضفها إليه لا لفظا ولا تقديرا فالوقف والبناء نحو «خمسة عشر» ، وإعرابه ما لا ينصرف نحو «بعلبك» ، وإن لم يمكن جعله اسما واحدا فالوقف ليس إلّا، أضفت إليه سورة أو لم تضف، نحو:«كهيعص» ، و «حم عسق» انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
وعرف منه أن اسم السورة إذا أضيف إليه سورة لفظا أو تقديرا يكون موقوفا أي محكيّا في ثلاثة مواضع.
الأول: أن يكون اسم الحرف واحدا نحو: سورة ص، وسورة ق، وسورة ن.
الثاني: أن يكون الاسم على وزن من أوزان الأعجمية نحو: سورة طس، سورة حم.
الثالث: أن لا يكون على وزن من الأوزان الأعجمية لكن يمكن تركيبه، أي يمكن أن يركب الأول مع الثاني نحو: سورة طسم، وأجاز الأستاذ أبو علي (2) في هذه المواضع الثلاثة مع الحكاية الإعراب أيضا، ففي نحو: ص وهو الموضع الأول يجيز الصرف وعدمه، لأن أسماء الحروف تذكر وتؤنث، فمن ذكر صرف، ومن أنث كان عنده كـ «هند» فيجوز فيه الصرف وعدمه، وفي نحو: طس وحم وهو الموضع الثاني يعربه إعراب ما لا ينصرف؛ لأنها وازنت هابيل وقابيل، وفي نحو: طسم وهو الموضع الثالث يجعل الاسمين اسما واحدا، ويجري فيه الوجهين في «حضر موت» . -
(1) انظر الكتاب (3/ 257).
(2)
انظر التذييل (6/ 384: 385)، والهمع (1/ 35).