الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[إضمار «أن» وجوبا بعد «لام» الجحود وبعد «حتى»]
قال ابن مالك: (فصل: ينصب الفعل بـ «أن» لازمة الإضمار بعد «اللّام» المؤكّدة لنفي في خبر «كان» ماضية لفظا أو معنى، وبعد «حتّى» المرادفة لـ «إلى» أو «كي» الجارّة أو «إلّا أن»، وقد تظهر «أن» مع المعطوف على منصوبها).
ــ
وأما قوله: وقد يرد ذلك مع غيرها اضطرارا فأشار به إلى البيت الذي تقدم ذكره وهو قول الشاعر:
3822 -
لن ما رأيت أبا يزيد مقاتلا
…
أدع القتال وأشهد الهيجاء (1)
وكذا تقدم (2) القول أيضا على ما أراد بقوله: وربّما نصب بها بعد عطف أو ذي خبر.
قال ناظر الجيش: قد تقدم أن «أن» شبيهة لفظا وتأولا بأحد عوامل الأسماء، وأنها كذلك تعمل مضمرة كما تعمل مظهرة، وتقدم أنها تضمر وجوبا بعد أحرف ستة وهي:«كي» ، و «لام» الجحود، و «حتى» ، و «أو» ، و «الفاء» ، و «الواو» ، ولما تقدم له ذكر «كي» في الفصل المفروغ منه شرع في ذكر خمسة الأحرف الباقية فذكرها في هذا الفصل والفصل الذي يليه، وإنما أفرد «كي» عن أخواتها المذكورة فذكرها في ما سبق؛ لأنه لما ذكر الناصبة بنفسها وهي الموصولة استطرد فذكر أنها تنصب بعدها بـ «أن» مضمرة إذا كانت الجارة ليستوفي الكلام عليها ناصبة وجارة.
وكون النصب بـ «أن» مضمرة بعد هذه الأحرف الخمسة هو مذهب البصريين (3)، والكوفيون يرون أن النصب بعد «اللام» و «حتى» بهما أنفسهما (4)، وأن النصب بعد «أو» ، و «الفاء» و «الواو» بالخلاف (5)، والجرمي (6) يرى أن الأحرف الثلاثة هي الناصبة أنفسها وما ذهب إليه البصريون [5/ 107] هو الحق، أما -
(1) تقدم.
(2)
انظر ما نقله عن شرح الكافية الشافية للمصنف في أول شرح هذا المتن.
(3)
انظر: الهمع (2/ 7، 8) وانظر الإنصاف (ص 593) مسألة رقم (82)، (597) مسألة رقم (83).
(4)
انظر: المرجعين السابقين أنفسهما، وذهب ثعلب - من الكوفيين - الى أن اللام هي الناصبة لقيامها مقام «أن» . انظر الهمع (2/ 7)، وشرح الألفية للأبناسي (2/ 276) والأشموني (3/ 292).
(5)
انظر: الأشموني (3/ 296، 305).
(6)
انظر: ابن يعيش (7/ 21)، وشرح الكافية للرضي (2/ 241)، والتذييل (6/ 596 - 598).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«اللام» و «حتى» فلأنهما حرفا جر ومعناهما إذا نصب الفعل بعدهما كمعناهما فوجب أن يقدر ما دخلتا عليه اسما ولا يقدر الفعل إلا بحرف مصدري، ولا جائز أن يكون ذلك الحرف «أنّ» ؛ لأنها لا دخول لها على الأفعال، ولا جائز أن يكون «ما» لأن الفعل منصوب و «ما» لا تنصب ظاهرة فكيف تنصب مضمرة؟ ولا جائز أن يكون «كي» أما إن كانت الجارة فظاهر، وإن كانت غير الجارة فلم يثبت لها أن تعمل مضمرة، كيف والكوفيون ينفون أن تكون «كي» ناصبة أصلا ويجعلون النصب بعدها بإضمار «أن» كما تقدم (1) التنبيه على ذلك؟
وإذا كان كذلك تعيّن أن المقدر بعد الحرفين المذكورين - أعني «اللام» و «حتى» - هو «أن» ويقوي ذلك - أعني أن المقدر هو «أن» - إظهارهم لها مع «اللام» فدل ذلك على أنها هي مضمرة مع «اللام» وغير اللام أيضا.
وأما «الفاء» و «الواو» فلأنهما حرفا عطف، ولما وقعا صدر أجوبة الأمور التسعة المذكورة (2) وتعذر عطف الثاني على الأول للمخالفة التي بينهما - كما سيبين بعد - عدل عن عطف الفعل على الفعل إلى عطف الاسم على الاسم ولا يمكن ذلك إلا بتأويل جعل الأول اسما، وإذا جعل اسما فلا يعطف عليه الفعل إلا بتأويل الاسم، وحينئذ تعيّن تقدير «أن» فكانت مع الفعل الذي نصبته في تأويل المصدر، ولزم أن يكون المعطوف عليه مصدرا متوهما يدل عليه الفعل المتقدم (3)، فإذا قيل: ائتني فأكرمك، فالتقدير: ليكن إتيان منك فإكرام مني، وكذا إذا قيل:
ما تأتينا فتحدثنا، فالتقدير: ما يكون منك إتيان فحديث. وأما «أو» فإما أن تقدّر عاطفة فالكلام فيها كالكلام في «الفاء» و «الواو» ، وإما أن تقدّر بمعنى «إلى» فالكلام فيها كالكلام في «اللام» و «حتى» ، وإما أن تقدّر بمعنى «إلّا» منقطعة، و «إلّا» المنقطعة لا يقع بعدها إلا الاسم وحينئذ يجب تقدير «أن» بعدها.
واستدل الكوفيون (4) على أن النصب بالخلاف بأن قالوا: إن الثاني لم يكن -
(1) انظر الحديث عن «كي» في المتن الذي قبل المتن السابق.
(2)
وهي: الأمر، والنهي، والدعاء، والاستفهام، والعرض، والتمني، والتحضيض، والرجاء، والنفي.
(3)
انظر: الأشموني (3/ 305، 306).
(4)
انظر: ابن يعيش (7/ 21)، والتذييل (6/ 597).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
داخلا في معنى الأول من نهي أو نفي أو غير ذلك من الأشياء التي يذكر جوابها لكونه مخالفا له، فلما لم يكن داخلا فيه نصب بالخلاف، وردّ ذلك بأمرين:
أحدهما: أن عوامل الأفعال بالنسبة إلى العمل فرع عوامل الأسماء، ولا شك أن الخلاف أمر معنوي ولا يوجد نصب في الاسم بعامل معنوي.
ثانيهما: أن الخلاف لو كان ناصبا لجاز أن يقال: ما قام زيد بل عمرا، وأيضا فليس نصب الثاني لمخالفة الأول بأولى من نصب الأول لمخالفة الثاني.
وأما الجرمي فإنه قد قال: قد وجد الفعل بعد «الفاء» و «الواو» منصوبا ولم يقم دليل على إضمار «أن» فكان النصب بهما، ولا يخفى فساد هذه الدعوى؛ لأن «الفاء» مثلا قد ثبت أنها حرف عطف في غير هذا الموضع فينبغي أن تحمل على ما ثبت لها من العطفية وإذا كانت حرف عطف وجب أن يكون النصب بعدها بـ «أن» مضمرة، فقد قام الدليل على الإضمار.
وإذ قد عرف هذا فلنذكر كلام الإمام بدر الدين ثم نردفه بما سنقف عليه:
قال (1) رحمه الله تعالى: ينصب الفعل بـ «أن» لازمة الإضمار بعد «لام» الجحود، و «حتى» و «الواو» و «الفاء» وأما «لام» الجحود فهي المؤكدة لنفي خبر «كان» ماضية لفظا نحو: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ (2) أو معنى نحو:
لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (3) وسميت مؤكدة لصحة الكلام بدونها، كما تقول في نحو: ما كان زيد ليفعل: ما كان زيد يفعل، لا لأنها زائدة لا معنى لها، إذ لو كانت كذلك لما كان لنصب الفعل بعدها وجه صحيح، وإنما هي لام اختصاص (4) دخلت على الفعل لقصد معنى: ما كان زيد مقدرا أو هامّا أو مستعدّا أن يفعل (5)، وكذا قال سيبويه (6): وكأنك إذا مثلت قلت: ما كان زيد لأن يفعل أي: ما كان زيد لهذا الفعل، ولام الجر مختصة بالأسماء
فلذا وجب في -
(1) انظر: شرح التسهيل للامام بدر الدين (4/ 22).
(2)
سورة البقرة: 143.
(3)
سورة النساء: 137.
(4)
في (جـ)، (أ): الاختصاص.
(5)
انظر: الأشموني (3/ 293) وقد عزا هذا الكلام للمصنف في شرح التسهيل وهو خطأ وانظر حاشية الصبان (3/ 293).
(6)
انظر: الكتاب (3/ 7).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المضارع إذا وليها نصبه بـ «أن» مضمرة لتكون هي والفعل في تأويل اسم مجرور باللام، ولا يجوز إظهار «أن» بعد «لام» الجحود؛ إما لأن ما قبل «اللام» من التقدير قد دل على الاستقبال فأغنى عن ظهور «أن» وإما لأن ما بعد «اللام» جواب ونقض لفعل ليس في تقدير اسم كأنه قيل: زيد سيفعل فقلت: ما كان زيد ليفعل، فلو أظهرت «أن» لجعلت مقابل الفعل لفظ الاسم وهو قبيح، وقال الكوفيون (1): اللام هي العاملة، وأجازوا تقديم معمول الفعل عليها وأنشدوا:
3823 -
لقد عذلتني أمّ عمرو ولم أكن
…
مقالتها ما دمت حيّا لأسمعا (2)
وهو عند البصريين (3) محمول على إضمار فعل كأنه قال: ولم أكن لأسمع مقالتها.
وأما «حتى» فيليها الفعل المضارع منصوبا بـ «أن» مضمرة إذا كانت حرف جر بمعنى «إلى» أو «كي» فالأول نحو قولك: أنا أسير حتى أدخلها تريد: أن الدخول غاية للسير ومثله: لأمشينّ حتى تغيب الشمس، وقوله تعالى: لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (4)، والثاني: كقولك: سرت حتى أدخلها، تريد أن الدخول علة للسير، ومثله: سألته حتى يعطيني، ولأتوبنّ حتى أدخل الجنة، وزاد الشيخ (5) - رحمه الله تعالى - كونها بمعنى «إلا أن» واستشهد بقول -
(1) انظر الإنصاف (ص 593) مسألة رقم (82) وشرح الكافية للرضي (2/ 250) وابن يعيش (7/ 29).
(2)
هذا البيت من الطويل ولم أهتد إلى قائله، والشاهد فيه: قوله: «مقالتها» حيث ذهب الكوفيون إلى أنه مفعول به تقدم على عامله وهو الفعل المضارع المقترن بـ «لام الجحود» الذي هو قوله: «لأسمعا» وجوزوا أن يتقدم معمول المضارع المنصوب بـ «لام الجحود» على اللام، وقال البصريون: لا يجوز أن يتقدم المضارع المقرون بلام الجحود عليه وخرجوا البيت على أن قوله: «مقالتها» مفعول به لفعل محذوف يدل عليه هذا الفعل المذكور وأصل الكلام: ولم أكن لأسمع مقالتها ثم بين هذا الفعل المحذوف بقوله: «لأسمعا» ، والبيت في ابن يعيش (7/ 29)، والإنصاف (ص 593) وشرح الكافية للرضي (2/ 250)، والخزانة (3/ 622).
(3)
انظر: الإنصاف (ص 595)، وابن يعيش (7/ 29)، وشرح الكافية للرضي (2/ 250).
(4)
سورة طه: 91.
(5)
أي والده العلامة ابن مالك، وانظر المغني (ص 125).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الشاعر (1):
3824 -
ليس العطاء من الفضول سماحة
…
حتّى تجود وما لديك قليل (2)
بناء على أنك لو جعلت «إلّا أن» مكان «حتى» فقلت: ليس العطاء من الفضول سماحة إلا أن تجود وما لديك قليل؛ كان المعنى صحيحا، وأرى أنك لو جعلت «إلى أن» فيه مكان «حتى» لم يكن المعنى فاسدا.
وإذا كان الفعل بعد «حتى» غاية أو علة كان من تمام الجملة التي قبلها فعند سيبويه (3) أنها [5/ 108] حرف جر والفعل بعدها نصب بـ «أن» مضمرة، ولا يجوز إظهارها؛ لأن «حتى» صارت لطولها بدلا من اللفظ بـ «أن» ، وعند الكوفيين (4) النصب بعد «حتى» بها، ولو أظهرت «أن» فقلت: لأسيرنّ حتى أن أصبّح القادسية؛ جاز وكان النصب بـ «حتى» و «أن» بعدها توكيد.
قال الكسائي (5): «حتى» لا تخفض إنما تخفض بعدها «إلى» مضمرة ومظهرة فيقال: أكلت السمكة حتى رأسها، وحتى إلى رأسها، فقد حصل بهذا أن «حتى» لا تعمل في الأسماء إذ كان الخفض بعدها بغيرها.
وقال الفراء (6): حتى من عوامل الأفعال، وقال في حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (7)، هي الخافضة لـ «مطلع» لما قامت مقام «إلى» .
والمختار قول سيبويه؛ لأنه لو كانت «حتى» هي الناصبة للفعل للزم إما حسن الخفض بالجار المحذوف، وإما كون «حتى» تعمل الجر في الأسماء والنصب في الأفعال، ولظهر الجر قبلها في نحو: لأسيرن حتى تغرب الشمس؛
كما ظهر قبل -
(1) هو المقنع الكندي كما في شرح شواهد المغني (372).
(2)
هذا البيت من الكامل وأراد بالفضول: المال الزائد، والسماحة: الجود، والشاهد: في «حتى» فإن ابن مالك ذكر أنها بمعنى «إلا أن» . والبيت في المغني (ص 125)، وشرح شواهده (ص 372)، والعيني (4/ 412)، والهمع (2/ 9)، والدرر (2/ 6)، والأشموني (3/ 297).
(3)
انظر: الكتاب (3/ 17).
(4)
انظر: الإنصاف (ص 597) مسألة رقم (83)، والهمع (2/ 8)، والأشموني (3/ 298).
(5)
انظر: الهمع (2/ 8).
(6)
انظر: معاني القرآن (1/ 137)، والهمع (2/ 8).
(7)
سورة القدر: 5.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«أن» فهي إذن حرف جر والفعل بعدها نصب بـ «أن» لازمة الإضمار، وقد تظهر «أن» في المعطوف على منصوبها كما قد ذكر؛ لأنه يجوز في الثواني ما لا يجوز في الأوائل كقول الشاعر:
3825 -
ومن تكرّمهم في المحل أنّهم
…
لا يعرف الجار فيهم أنّه الجار
حتّى يكون عزيزا من نفوسهم
…
أو أن يبين جميعا وهو مختار (1)
انتهى.
وقوله: وإما لأن ما بعد اللام جواب ونقض لفعل ليس في تقدير اسم كأنه قيل:
زيد سيفعل فقلت: ما كان زيد ليفعل، فلو أظهرت «أن» لجعلت مقابل الفعل لفظ الاسم وهو قبيح - قد يقال فيه: إن تقدير «أن» يصير الفعل في تقدير الاسم وحينئذ تكون مقابلة الاسم للفعل حاصلة أيضا، إلا أن يقال: المراد القبح اللفظي وذلك إنما يتم إذا قوبل الفعل بلفظ الاسم، وأما مقابلته باسم مقدر فليس كذلك، ولكن قد يقال: الاسم مع ظهور «أن» مقدر أيضا كما هو مع إضمارها، وإذا كان كذلك فلم يقابل الفعل بلفظ الاسم.
وفي شرح الشيخ (2): ولم يجز إظهار «أن» - يعني في نحو: ما كان زيد ليفعل -؛ لأن إيجابه كان زيد سيقوم، فجعلت اللام في مقابلة السين، فكما لا يجوز أن يجمع بين «أن» الناصبة وبين «السين» أو «سوف» فكذلك كرهوا
أن -
(1) هذان البيتان من البسيط وهما ليزيد بن حمار السكوني كما نسبا لعدي بن زيد والمحل: الشدة، والجوع الشديد وإن لم يكن جدب، واستشهد بهما على أنه قد تظهر «أن» في المعطوف على منصوب «حتى» فظهرت في قوله:«أو أن يبين» المعطوف على «يكون عزيزا» .
والبيت الثاني في المغني (692) والرواية فيه «في نفوسهم» وشرح شواهده (ص 965)، والهمع (2/ 9) والأشباه والنظائر (1/ 318) والبيتان في الدرر اللوامع (2/ 6)، وحاشية الأمير على المغني (2/ 197) والرواية فيه:
لا يعلم الجار فيهم أنه جار
وانظر: حاشية الدسوقي على المغني (2/ 312) وقال: والمعنى: أنهم لا يرضون في وقت المجاعة والقحط بما طبعوا عليه من الكرم، بل يتكلفون أكثر منه، ومن تكلفهم أنهم يحلون جارهم من العناية به والإحسان إليه محلّا يتشكك به في نفسه هل هو جارهم أو من أنفسهم وضميمتهم.
(2)
انظر: التذييل (6/ 576).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يجمعوا بين «اللام» و «أن» في اللفظ، ويدلك على المقابلة أنه لا يجوز: ما كان زيد سيقوم، ولا: سوف يقوم؛ استغناء بقولهم: ليقوم.
وفي الشرح المذكور أيضا: وسأل محمد بن الوليد (1) ابن أبي مسهر (2) - وكانا قد قرآ كتاب سيبويه على المبرد - فقال له: لم أجاز سيبويه إظهار «أن» مع لام «كي» ولم يجز ذلك مع لام النفي؟ فلم يجب بشيء. انتهى.
وإذ قد عرف هذا فلنذكر أمورا تتعين الإشارة إليها:
منها: أنهم ذكروا أن النفي في هذه المسألة - أعني نفي الكون - إنما يكون بـ «ما» أو بـ «لم» ولا يكون بـ «إن» ولا بـ «لا» ولا بـ «لما» ولا بـ «لن» (3).
ومنها: أن بعضهم (4) ذهب إلى أن أخوات «كان» تجري مجرى «كان» في ما ذكر قياسا فيقال: ما أصبح زيد ليضرب عمرا، ولم يصبح زيد ليذهب، وذهب بعضهم (5) إلى جواز ذلك في «ظننت» أيضا نحو: ما ظننت زيدا ليضرب عمرا، ولم أظنّ زيدا ليضرب عمرا، وهذا كله غير مقبول إذ لم يرد منه شيء في كلام العرب.
ومنها: أنهم ذكروا أنه لا يجوز في نفي «كان زيد سيفعل» أن يقال: ما كان زيد يفعل، فيسقط اللام (6).
ومنها: أنهم اختلفوا في خبر «كان» ما هو في مثل هذا التركيب؟
فالبصريون (7) يرون أنه محذوف وهو الذي تتعلق به «اللام» فالنفي واقع على الخبر المحذوف ويلزم من انتفائه انتفاء متعلقه، فالتقدير في وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ (8): وما كان الله مريدا لإضاعة إيمانكم، ويكون خبر «كان» قد التزم -
(1) هو: محمد بن الوليد التميمي النحوي أبو الحسن واشتهر بابن ولاد، وأخذ عن المبرد وثعلب، توفي سنة (298 هـ) بمصر وقد بلغ الخمسين. وانظر ترجمته في بغية الوعاة (1/ 259).
(2)
هو: محمد بن أحمد بن مروان بن سيرة أبو مسهر النحوي، له الجامع في النحو والمختصر وأخبار أبي عيينة. انظر: بغية الوعاة (1/ 47).
(3)
انظر: الهمع (2/ 8)، والأشموني (3/ 294).
(4)
انظر: الهمع (2/ 8).
(5)
انظر: الهمع (2/ 8).
(6)
هذا ظاهر مذهب سيبويه، انظر: الكتاب (3/ 7).
(7)
انظر: التبيان للعكبري (ص 124)، والهمع (2/ 8)، والأشموني (3/ 292، 293).
(8)
سورة البقرة: 143.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حذفه في هذا التركيب، وحامل البصريين على ذلك أن المضمرة ينسبك منها مع الفعل مصدر مقدر جره بـ «لام» الجر، ولا شك أن ذلك غير صالح لأن يكون خبرا. وذهب الكوفيون (1) إلى أن الواقع بعد «اللام» هو الخبر، وقد عرفت أن «اللام» عندهم هي الناصبة للفعل بعدها.
وكون الواقع بعد اللام هو خبر هو ظاهر كلام المصنف لقوله: بعد اللّام المؤكّدة لنفي في خبر «كان» .
لكن قال الشيخ (2): يتركب من قوله مذهب لم يقل به أحد؛ لأنه زعم أن «أن» لازمة الإضمار وأن النصب بها، وزعم أن الفعل خبر وهذا ليس بقول بصري ولا كوفي. انتهى.
ولا شك أن الذي يعطيه كلام المصنف صريحا أن الواقع بعد «اللام» هو خبر «كان» إلا إن كان قد تجوز فأطلق اسم الخبر على متعلق الخبر، وقد يرشد إلى ذلك قول بدر الدين ولده (3): وإنما هي لام اختصاص دخلت على الفعل لقصد: ما كان زيد مقدرا أو هامّا أو مستعدّا لأن يفعل، على أن قول البصريين يلزم منه لزوم حذف الخبر في هذا
التركيب، وبعد فقول البصريين يلزم منه وجوب حذف خبر «كان» وقول الكوفيين يلزم منه أن تكون «اللام» هي الناصبة للفعل.
ثم إن الشيخ قال (4): والدليل على صحة ما قدّره البصريون أنه قد جاء مصرحا به في بعض كلام العرب قال الشاعر:
3826 -
سموت ولم تكن أهلا لتسمو
…
ولكنّ المضيّع قد يصاب (5)
-
(1) انظر: التبيان (ص 124) والهمع (2/ 8)، والأشموني (3/ 292، 293).
(2)
انظر: التذييل (6/ 581).
(3)
انظر: شرح التسهيل للإمام بدر الدين (4/ 23) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد ود/ محمد بدوي المختون.
(4)
انظر: التذييل (6/ 582) والارتشاف (2/ 399) تحقيق د/ مصطفى أحمد النماس.
(5)
هذا البيت من الوافر لقائل مجهول. واستشهد به: على صحة ما ذهب إليه البصريون من أن خبر «كان» في نحو: ما كان زيد ليفعل؛ محذوف وأن اللام متعلقة به بدليل التصريح به في قوله:
…
... ولم تكن أهلا لتسمو
مع وجود اللام والفعل بعدها، وقد رده المؤلف بأن التركيب الذي يشتمل على قوله:«أهلا» غير التركيب الذي لا يشتمل عليه وهو الصواب فقد يكون أهلا وقد لا يكون لهذا الفعل. والبيت في التصريح (2/ 235)، والهمع (2/ 8)، والارتشاف (3/ 400).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال: فصرح بالخبر - الذي هو قوله: أهلا - مع وجود اللام والفعل بعدها وصحة أن لو قال: سموت ولم تكن لتسمو. انتهى.
وما قاله الشيخ غير ظاهر؛ فإن المراد من: «ولم تكن أهلا لتسمو» نفي الأهلية للسمو لا نفي السمو، وكيف وقد أثبت له السمو بقوله أولا: سموت، والمراد من:
«ولم تكن لتسمو» : نفي السمو. وقد يكون مع ذلك أهلا وقد لا يكون فليس تركيب: ولم تكن أهلا لأن يفعل كذا من تركيب: ولم يكن ليفعل كذا في شيء.
ومنها: أن الشيخ نقل (1) عن «البديع» لمحمد بن مسعود [5/ 109] الغزني (2):
أنه لا يجوز إظهار «أن» في مثل: ما كان زيد ليفعل إلا بشرط أن يظهر خبر «كان» فيقال: ما كان زيد مريدا لأن يفعل؛ وذلك لأن المحذوفات من كل أمر مشهور إذا أريد ردها فالحق أن ترد كلها حتى يرجع الكلام إلى أصله أو تضمر كلها حتى يبقى الكلام على شهرته نحو: إياك والأسد؛ فلا يجوز أن يرد بعضها ويضمر بعض، لا يقال: إياك احفظ والأسد، بل: إياك احفظ واحذر الأسد.
وقال ابن الأنباري (3): لا يجوز: ما كان عبد الله لأن يزورك؛ بإظهار «أن» بعد اللام عند كوفي ولا بصري.
ومنها: أن بعضهم أجاز حذف «اللام» وإظهار «أن» نحو: ما كان زيد أن يقوم، والأصح أن ذلك لا يجوز (4).
ومنها: أن الشيخ نقل (5) عن ابن هشام الفهري (6) أنه قال: إن الفعل الداخل -
(1) انظر: الارتشاف (2/ 400).
(2)
قال السيوطي: هكذا سماه أبو حيان، وقال ابن هشام: ابن التركي صاحب كتاب البديع، أكثر أبو حيان من النقل عنه وذكره ابن هشام في المغني وقال: إنه خالف فيه أقوال النحويين. انظر بغية الوعاة (1/ 245).
(3)
انظر: التذييل (6/ 579)، والارتشاف (2/ 400) تحقيق د/ مصطفى النماس.
(4)
انظر: الهمع (2/ 8)، والأشموني (3/ 294).
(5)
انظر: الارتشاف (2/ 401).
(6)
هو: محمد بن أحمد بن عبد الله بن هشام أبو عبد الله الفهري الذهبي، ويعرف بابن الشواش، قال ابن الأبار: أخذ النحو عن الجزولي، وسمع من أبي عبد الله بن الفرس وغيره وكان إماما متواضعا بارع الخط، مات سنة (619 هـ) انظر: البغية (1/ 28) وذكر أبو حيان في الارتشاف (ص 694) أن له كتاب «المقرب» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عليه «لام» الجحود لا يرفع إلا ضمير الاسم السابق لا السببي؛ فلا يجوز أن يقال:
ما كان زيد ليقوم أخوه؛ لأنه سببي، قال الشيخ (1): ولا نعلم أحدا نبّه على هذا إلا هذا: ابن هشام.
ومنها: أن المصنف إنما قيد «حتى» بقوله: المرادفة لـ «إلى» أو «كي» الجارّة احترازا من «حتى» التي هى لابتداء الغاية ومن «حتى» العاطفة.
وأما قوله: إنها ترادف «إلا أن» مستدلّا بقول الشاعر:
3827 -
ليس العطاء من الفضول سماحة
…
حتّى تجود وما لديك قليل (2)
فقال الشيخ (3): الذي ذكره معظم النحويين في معنى «حتى» إذا انتصب ما بعدها: أنها تكون للغاية أو التعليل فهي تنصب عندهم على أحد هذين المعنيين، وإما أن تكون بمعنى:«إلا أن» فتكون للاستثناء فذكر هذا المصنف، قال: وقد أغنانا ابنه عن الرد على أبيه في ذلك فقال (4): - يعني بدر الدين -: وأرى أنك لو جعلت «إلى أن» مكان حتى لم يكن المعنى فاسدا، قال الشيخ: وإذا احتمل أن تكون «حتى» فيه للغاية فلا دليل في البيت على أن «حتى» بمعنى: «إلا أن» . انتهى.
ولا شك أن تقدير «إلى أن» في البيت المذكور يلزم منه أن يكون مقصود الشاعر أن السماحة إنما يوصف بها من كان له مال كثير فكان يجود منه إلى أن قل ماله ثم إنه استمر يجود مع قلة ماله.
والظاهر أن مقصود الشاعر أن السماحة لا يوصف بها إلا من يجود مع كونه قليل المال في الأصل وجاد منه ابتداء، وإذا كان كذلك تعين في البيت تقدير:«إلا أن» وامتنع تقدير «إلى أن» ، على أن الشيخ بعد كلامه الذي نقلناه عنه قال (5):
وقال ابن هشام (6) في حديث «كلّ مولود يولد على الفطرة» (7) بعد بحث كثير (8): -
(1) انظر: الارتشاف (2/ 401).
(2)
تقدم.
(3)
انظر: التذييل (6/ 587).
(4)
انظر: شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 24).
(5)
انظر: التذييل (6/ 587، 588).
(6)
هو ابن هشام الخضراوي، وانظر: الهمع (2/ 9).
(7)
جزء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البخاري عن أبي هريرة في باب الجنائز (1/ 35)، وفي كتاب القدر (4/ 144) بشرح السندي.
(8)
بعده في النسختين: قال، وأرى أنها زائدة لا داعي لها.