الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ما يمتنع صرفه للعلمية والتأنيث]
قال ابن مالك: (ويمنع مع العلميّة أيضا تأنيث بالهاء أو بالتّعليق على مؤنّث، وإن سمّي مذكّر بمؤنّث مجرّد فمنعه
مشروط بزيادة على الثّلاثة لفظا أو تقديرا كاللّفظ، وبعدم سبق تذكير انفرد به محقّقا أو مقدّرا، وبعدم احتياج مؤنّثه إلى تأويل لا يلزم، وبعدم استعماله قبل العلميّة في المذكّر، وربّما ألغي التّأنيث فيما قلّ استعماله في المذكّر، فإن كان علم المؤنّث ثنائيّا أو ثلاثيّا ساكن الحشو وضعا أو إعلالا غير مصغّر ففيه وجهان أجودهما المنع، إلّا أن يكون الثّلاثيّ أعجميّا فيتعينّ منعه، وكذا إن تحرّك ثانيه لفظا خلافا لابن الأنباريّ في كونه ذا وجهين، وكذا إن كان مذكّر الأصل خلافا لعيسى في تجويز صرفه).
ــ
على أحمد بن يحيى (1) ما ادّعاه من أن إبليس من: أبلس وأنه مسمى بذلك لانقطاع رجائه من الله تعالى فقال: هذا لا يصح لأنه غير معروف وليس بمؤنث (2)، على أن (3) أحمد بن يحيى يمكن أن يعتقد في إبليس أنه عربي ولذلك اشتقه من:
أبلس وامتنع الصرف للتعريف وشبه العجمة من حيث إنه قلّت التسمية به».
قال ناظر الجيش: قد عرفت أن العلمية تمنع الصرف مع سبع فقدم الكلام على ست منها ونشأ عن معرفة ذلك معرفة ستة أقسام مما أحد علتيه العلمية، وها هو الآن يتكلم في السابعة وهي التأنيث بغير الألف وينشأ عنها معرفة القسم السابع الذي هو تكملة الاثني عشر قسما وبه تتم أقسام الممتنع الصرف، والمصنف قد أورد الكلام على هذا القسم في شرح الكافية (4) إيرادا حسنا، وقد لخصت كلامه فأنا أورد أولا ما لخصته كي يستظهر الطالب على ضبط صور مسائل القسم المذكور ثم أعود إلى لفظ الكتاب، فأقول: المؤنث إما بالتاء أو بالمعنى، فالمؤنث بالتاء ممنوع الصرف حتما على الإطلاق (5) أي سواء أكان كثير الحروف أم قليلها، مؤنث المسمى أم -
(1) يعني به إمام نحاة الكوفة ثعلبا.
(2)
انظر المسائل الحلبيات للفارسي (ص 352) تحقيق حسن هنداوي.
(3)
هذا دفاع من الشيخ أبي حيان عن إمام النحويين ثعلب، وهو دفاع جيد وله وجه لطيف.
(4)
انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1435: 1455) ملخصا.
(5)
انظر شرح ابن الناظم (ص 650).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مذكره كـ «عمرة» و «حمزة» و «طلحة» و «ضباعة» و «عكاشة» و «ثبة» و «هبة» وأما المؤنث بالمعنى فممنوع الصرف حتما أيضا إن زاد على ثلاثة كـ «زينب» و «سعاد» ، أو كان ثلاثيّا محرّك الوسط كـ «سفر» أو ساكن الوسط
عجميّا كـ «حمص» أو منقولا من مذكر كـ «زيد» إذا جعل اسم امرأة، فإن انتفت العجمة والنقل من مذكر عمّا هو ساكن الوسط جاز فيه الصرف وعدمه (1) كـ «جمل» و «دعد» و «هند» إلا أن ترك الصرف فيه أجود (2).
والزجاج (3) لا يرى فيه إلا المنع، على أن الساكن الوسط المنقول من مذكر إلى مؤنث كـ «زيد» لامرأة فيه خلاف:
فعند عيسى بن عمر (4) وأبي زيد والجرمي والمبرد (5) هو ذو وجهين (6)، وعند الخليل وسيبويه وأبي عمرو ويونس [5/ 64] وابن أبي إسحاق (7) يتعين المنع، لأنهم جعلوا نقل المذكر إلى المؤنث ثقلا يعادل الخفة التي بها صرف نحو هند (8) وكذا الثلاثي المحرك الوسط ممتنع (9) الصرف عند جميعهم (10)، وهو عند ابن الأنباري (11) ذو وجهين (12)، هذا كله إذا كان المسمّى مؤنثا. -
(1) انظر شرح ابن الناظم (ص 254) والأشموني (3/ 254).
(2)
انظر الكتاب (3/ 240)، وشرح ابن الناظم (ص 650)، والأشموني (3/ 254).
(3)
انظر ما ينصرف وما لا ينصرف للزجاج (ص 50) وشرح السيرافي بهامش الكتاب (2/ 22)، والأشموني (3/ 254).
(4)
في الكتاب (3/ 242) وكان عيسى يصرف امرأة اسمها عمرو لأنه على أخف الأبنية».
(5)
انظر شرح ابن الناظم (ص 650)، والأشموني (3/ 253).
(6)
في المقتضب (3/ 352: 353) ما يخالف ما نسبه ابن مالك للمبرد فقد ذكر المبرد الرأيين وبين وجهة نظر كل فريق ولم يرجح رأيا على آخر، وفي المذكر والمؤنث للمبرد (ص 126) أيد المبرد رأي الخليل وسيبويه، قال:
(7)
انظر شرح ابن الناظم (ص 650) وأوضح المسالك لابن هشام (3/ 147) وشرح التصريح (2/ 218)، والأشموني (3/ 253).
(8)
انظر الكتاب (3/ 242).
(9)
انظر شرح ابن الناظم (ص 650)، والأشموني (3/ 253).
(10)
انظر شرح ابن الناظم (ص 650)، والأشموني (3/ 253).
(11)
سبقت ترجمة ابن الأنباري في الجزء الأول من الكتاب وهو أبو بكر محمد بن القاسم توفي (سنة 327 هـ).
(12)
انظر التذييل (6/ 370) والأشموني (3/ 253) وشرح التصريح (2/ 218).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أما إذا كان المسّمى مذكرا فإن كان الاسم ثلاثيّا فتأنيثه غير معتبر في منع الصرف، وسواء في ذلك الساكن الثاني والمحركه (1)، وإن كان الاسم زائدا على الثلاثة اعتبر تأنيثه (2)، لأن الحرف الزائد منزل منزلة التأنيث وذلك كـ «زينب» و «سعاد» ، ويستثنى من هذا الأصل شيئان:
أحدهما: ما هو من أسماء (3) الإناث إلا أنه مذكر الأصل كـ «دلال» و «وصال» فإنهما من أسماء النساء وأصلهما التذكير لأنهما مصدران، فإذا سمي بمثل هذا مذكر بعد أن سمّى به مؤنث انصرف ولم يعتبر تأنيثه لأنه مسبوق بتذكير (4)، بخلاف نحو: زينب وسعاد من المؤنث الذي ليس مسبوقا بتذكير.
ثانيهما: ما هو من صفات المؤنث لكنه مستعمل بلفظ التذكير نحو: حائض، فإنه إذا سمي به مذكر انصرف (5) لأنه مذكر وصف به مؤنث لأمن اللبس فلما سمي به مذكر عاد إلى أصله ولم يعتبر فيه تأنيث فيقال في حائض اسم رجل: هذا حائض ورأيت حائضا ومررت بحائض، ومن هذا النوع، جنوب ودبور وشمال وحرور وسموم، إذا سميت بشيء منها رجلا صرفته لأن كلّا من هذه الكلمات بمنزلة حائض في الوضعية والتّعرّي من العلاقة وإن كان مخصوصا في الاستعمال بالريح وهي مؤنثة لكنه مذكر الأصل كحائض.
قال سيبويه (6) بعد أن حكى قول العرب: ريح شمال وريح سموم وريح جنوب: «سمعنا ذلك من فصحاء العرب لا يعرفون غيره» ، وأنشد للأعشى:
3709 -
لها زجل كحفيف الحصا
…
د صادف باللّيل ريحا دبورا (7)
-
(1) انظر الأشموني (3/ 254) وقال: خلافا للفراء وثعلب إذ ذهبا إلى أنه لا يتصرف سواء تحرك وسطه نحو: فخذ، أم سكن نحو: حرب، ولابن خروف في المتحرك الوسط».
(2)
فيجب منع صرفه حينئذ، انظر شرح التصريح (2/ 218)، والأشموني (3/ 254: 255).
(3)
«من» ساقطة من أ.
(4)
انظر شرح التصريح (2/ 218) وحاشية الصبان (3/ 254).
(5)
انظر الكتاب (3/ 236)، وقال الكوفيون: إذا سمي بنحو حائض مذكر لم يصرف. حاشية الصبان (3/ 255).
(6)
انظر الكتاب (3/ 237: 238).
(7)
هذا البيت من المتقارب وهو للأعشى في ديوانه (ص 71) أي للدروع، و «زجل» وهو صوت و «الحفيف» صوت مرها، والحصاد» الزرع
وقيل: الشجر، وقيل: شجر بعينه والواحدة حصادة. -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثم قال (1): ويجعل اسما وذلك قليل قال الشاعر:
3710 -
حالت وحيل بها وغيّر آيها
…
صرف البلى يجري به الرّيحان
ريح الجنوب مع الشّمال وتارة
…
رهم الرّبيع وصائب التّهتان (2)
قال (3): «فمن جعلها اسما لم يصرف شيئا منها اسم رجل وصارت بمنزلة الصعود والهبوط» يعني بذلك أن الصعود والهبوط ونحوهما أسماء لا صفات فلا غنى عن تأنيثها لتأنيث مسمّاها وهو الأرض.
قال المصنف (4): «حاصل كلام سيبويه أن الواقع من أسماء الأجناس على مؤنث حقيقي أو مجازي إذا لم يكن فيه علامة فهو إما اسم أو صفة، فالاسم تأنيثه معتبر حتما كـ «هبوط» و «صعود» والصفة تأنيث الاسم معها غير معتبر إن سمي به مذكر كـ «حائض» و «ضناك» (5)، وإن كان صفة على لغة [واسما على لغة] كجنوب اعتبر تأنيثه إن سمي به مذكر على لغة من جعله اسما، ولم يعتبر على لغة من جعله صفة.
وليعلم أن تأنيث الجمع غير معتبر إذا كان المسمى بذلك الجمع مذكرا كأن تسمى رجلا بـ «كلاب» ، قال في شرح الكافية (6): «جمع التكسير المجرد كواحد مذكر -
- يعني أن صوتها إذا تحركت على لابسها كصوت الحصاد إذا هبت عليه الدبور، وصف كتيبة تلك حال دروعها. والشاهد: في جعله الدبور وصفا للريح، فعلى هذا إذا سمي به مذكر انصرف في المعرفة والنكرة، لأنه صفة مذكرة وصف بها مؤنث كطاهر وحائض، ومن جعل الدبور اسما للريح ولم يصفها به وسمى به مذكرا لم يصرفه لأنه بمنزلة عقرب وعناق ونحوهما من أسماء المؤنث.
والبيت في ما ينصرف وما لا ينصرف للزجاج وديوان الأعشى (ص 71)، وابن السيرافي (2/ 217)، واللسان (دبر).
(1)
أي سيبويه.
(2)
هذان البيتان من الكامل وهما من الأبيات الخمسين المجهولة القائل، الشرح: رهم: الرّهم: الأمطار اللينة واحدتها رهمة، وصائب: نازل، والتهتان: مصدر هتنت السماء: صبّت أمطارها. والشاهد:
إضافة الريح إلى الجنوب للتخصيص، ودلت الإضافة على أنها اسم لأن الشيء لا يضاف إلى صفته، ويضاف إلى اسمه تأكيدا للاختصاص. والبيت الأول في اللسان (حول).
(3)
أي سيبويه.
(4)
انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1487) وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه.
(5)
الضّناك: المرأة الضخمة. انظر اللسان (ضنك).
(6)
انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1490) وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اللفظ، فإذا سمي به مذكر انصرف، ولو كان جمع مؤنث حقيقي، فيقال في رجل اسمه «نساء»: هذا نساء ورأيت نساء ومررت بنساء، [فـ «نساء» في تسمية المذكر به كـ «رجال» في تسمية رجل به]، قال: والمراد بكونه مجردا أن لا يكون على وزن الفعل كـ «أكلب» ولا على وزن منتهى التكسير كمساجد، ولا ذا علامة تأنيث كـ «بعولة» و «أولياء» ، ولا مزيدا فيه ألف ونون كـ «غلمان» ولا ذا عدل كـ «أخر» انتهى.
ولنرجع إلى ألفاظ الكتاب فنقول:
قوله: ويمنع مع العلمية أيضا تأنيث بالهاء أفاد بإطلاقة أن المؤنث بالهاء ممنوع الصرف مؤنثا كان المسمى به أو مذكرا، كثير الحروف كان أو قليلها، وكأنه إنما عدل عن أن يقول «تأنيث بالتاء» إلى قوله «بالهاء» لئلا يلزم منه أن نحو:«بنت» و «أخت» حكمها في التسمية بهما حكم «هبة» و «ثبة» مسمّى بهما وليس كذلك، فإن بنتا وأختا إذا سمي بهما مؤنث كان حكمهما حكم «هند» فيجيء فيهما الوجهان (1)، وإن سمي بهما مذكر كان حكمهما الصرف عند سيبويه وأكثر النحويين (2)، لأن التاء فيهما قد بنيت الكلمة عليها وسكن ما قبلها فاشبهتا تاء «جبب» (3) و «سحت» (4).
وقوله: أو بالتّعليق على مؤنّث أشار به إلى المؤنث بالمعنى، لكن قد عرفت أن شرط تحتم منعه الصرف أن يكون زائدا على ثلاثة أحرف أو محرك الوسط إن كان ثلاثيّا، وإن كان ساكن الوسط فشرط منعه أن يكون أعجميّا أو منقولا من مذكر، وقد أشار المصنف إلى ذلك كله في أثناء الفصل حيث قال: فإن كان علم المؤنّث ثنائيّا أو ثلاثيّا ساكن الحشو وضعا أو إعلالا غير مصغّر ففيه وجهان أجودهما المنع إلّا أن يكون الثّلاثيّ أعجميّا فيتعيّن منعه، وكذا إن تحرّك ثانيه لفظا خلافا لابن الأنباري في كونه ذا وجهين، وكّذا إن كان مذكّر الأصل خلافا لعيسى في تجويز صرفه. -
(1) انظر الأشموني (3/ 255).
(2)
انظر الكتاب (3/ 221)، والأشموني (3/ 255).
(3)
«جبت» الجبت: كل ما عبد من دون الله، وقيل: هي كلمة تقع على الصّنم والكاهن والساحر ونحو ذلك. انظر اللسان (جبت) وحاشية الصبان (3/ 255).
(4)
السّحت والسّحت: كل حرام قبيح الذكر. والسّحت: الحرام الذي لا يحل كسبه لأنه يسحت البركة أي يذهبها. انظر اللسان (سحت) وحاشية الصبان (3/ 255).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فقوله: فإن كان علم المؤنّث ثنائيّا أو ثلاثيّا ساكن الحشو ففيه وجهان - يستفاد منه أن قوله قبل: أو بالتّعليق على مؤنّث مصروف إلى غير هذين الشيئين من أسماء وهو الثلاثي المحرك الوسط والزائد على الثلاثة.
ثم إنه لما قال: إن الثلاثي الساكن الحشو ذو وجهين، وكان فيه ما هو متحتم المنع كما عرفت قبل - استثنى ذلك بقوله: إلّا أن يكون الثّلاثيّ أعجميّا فيتعيّن منعه، وبقوله بعد: وكذا إن كان مذكّر الأصل خلافا لعيسى في تجويز صرفه.
فإن قيل: أيّ شيء أحوجه إلى أن يقول: وكذا إن تحّرك ثانيه لفظا [5/ 65] نحن قد عرفنا ذلك من قوله أولا: أو بالتّعليق على مؤنّث وهو لم يخرج من ذلك إلا الساكن الحشو فـ: ما لم يكن ساكن الحشو داخل تحت قوله: أو بالتّعليق على مؤنّث، فيكون متحتم المنع؟.
فالجواب: أنه لم يكن محتاجا إلى ذكر ذلك لما قلت، وإنما ذكره لأمر آخر وهو التنبيه على أن فيه خلاف ابن الأنباري حيث لم يقل بتحتم المنع فيه وجعله ذا وجهين.
ومثال الثنائي «يد» إذا سميت به امرأة قال في شرح الكافية (1): «وإذا سميت امرأة بيد ونحوه مما هو على حرفين جاز فيه ما جاز في هند ذكر ذلك سيبويه (2) انتهى.
وأنت قد عرفت أن في نحو «هند» وجهين أجودهما المنع، فلتكن «يد» إذا سمّي بها مؤنّث كذلك.
ثم إنه فصّل الساكن الحشو إلى ما سكونه بالوضع وذلك كـ «هند» و «دعد» وإلى ما سكونه بالإعلال كـ «دار» ، وإنما احتاج إلى ذكر ما سكونه بالإعلال لئلا يقول قائل: هذا متحرك الحشو وإنما عرض له ما أوجب إعلاله فليكن ممنوع -
(1) انظر شرح الكافية (3/ 1493).
(2)
ليس هناك نص لسيبويه في «يد» مسمى به امرأة ولكن نص سيبويه على أن «كل مؤنث سميته بثلاثة أحرف وكان الأوسط منها ساكنا وكانت شيئا مؤنثا أو اسما الغالب عليه المؤنث كـ «سعاد» فأنت بالخيار إن شئت صرفته وإن شئت لم تصرفه وترك الصرف أجود، وتلك الأسماء نحو: قدر، وعنز، ودعد، وجمل، ونعم، وهند. انظر الكتاب (3/ 240: 241)، ولما كان «يد» ثنائيّا لفظا، ثلاثيّا ساكن الوسط تقديرا إذ أصله: يدي بالإسكان فقد أجاز فيه المصنف ما جاز في هند على مذهب سيبويه ونسبه إليه بناء على أنه ثلاثي ساكن الوسط - تقديرا كهند.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الصرف، فأزال هذا التخيل بقوله أو إعلالا.
وأما قوله غير مصغّر فاحترز به كما ذكر الشيخ (1) من نحو: «يد» و «هند» إذا صغّرا فقيل فيهما: يديّة وهنيدة، فإنهما يتحتم فيهما المنع، وإذا كان هذا كما ذكر الشيخ فالمصنف قد كان في غنى عن ذكر ذلك، لأنه قد عرفنا أولا أن التأنيث بالهاء مانع مع العلمية فيصير ذكر هذا ثانيا تكريرا.
قال الشيخ (2): «فإن لم تلحقه الهاء في التصغير نحو: حرب وناب اسمين لامرأة، إذا صغّرا وقيل فيهما: حريب ونييب جاز فيهما الوجهان، فقد أطلق المصنف في قوله: غير مصغّر، فكان ينبغي أن يقول: غير مصغّر بالهاء» انتهى.
وقول المصنف: أجودهما المنع هو قول الجمهور (3)، وقال أبو علي (4): إن الصرف أفصح، وغلّطوه في ذلك حتى قال ابن هشام (5):«ولا أعرف أحدا قال هذا القول قبله» .
وذهب الزجاج (6) إلى أن الصرف غير جائز، وربما علل ذلك بأن الموانع المعنوية لا يعارضها اللفظ (7) وقد أبطل (8) مذهب الزجاج بالسماع والقياس، أما السماع:
فنقل النحويون كافة عن العرب أنها تصرف ومن ذلك قول الشاعر:
3711 -
فأبكي إلى هند إذا هي فارقت
…
وأبكي إذا فارقت هندا إلى دعد (9)
-
(1) انظر التذييل (6/ 364).
(2)
المرجع السابق، وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه.
(3)
انظر التذييل (6/ 364)، والأشموني (3/ 254).
(4)
هذا الكلام ذكره الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 365) وقد نقه عنه المؤلف دون أن يشير، وانظر الهمع (1/ 34) والأشموني (3/ 254).
(5)
يبدو أنه ابن هشام الخضراوي وانظر الهمع (1/ 34).
(6)
انظر ما ينصرف وما لا ينصرف للزجاج (49: 50).
(7)
انظر التذييل (6/ 365)، والأشموني (3/ 254)، ومنهج الأخفش الأوسط في الدراسة النحوية (ص 429: 430).
(8)
المبطل له الشيخ أبو حيان، انظر التذييل (6/ 365) وما بعدها.
(9)
هذا البيت من الطويل، وهو لكثير عزة، وروايته كما في الديوان:
وأبكي إذا فارقت هندا صبابة
…
وأبكي إذا فارقت دعدا إلى دعد
والشاهد في البيت: مجيء «هند» علم المؤنث الثلاثي الساكن الوسط مصروفا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال آخر:
3712 -
أعلنت في حب جمل أي إعلان
…
وقد بدا شأنها من بعد كتمان (1)
وقال آخر:
3713 -
أتصبر عن جمل وأنت صفيّها
…
أبا هاشم ليس المحبّ أخا الصّبر
تبيت خليّا ترقد اللّيل كلّه
…
وجمل تراعي الفرقدين إلى النّسر (2)
وقال آخر (3):
3714 -
إنّ دهرا يلفّ شملي بجمل
…
لزمان يهمّ بالإحسان (4)
وقال آخر:
3715 -
أهيم بدعد ما حييت فإن أمت
…
فوا كبدي ممّا أحنّ إلى دعد (5)
ومما جاء غير مصروف قول الشاعر: -
(1) وهو لحاجب بن حبيب الأسدي كما في التذييل (6/ 366).
هذا البيت من البسيط، وجمل: اسم امرأة. والشاهد فيه: مجيء «جمل» علم المؤنث الثلاثي الساكن الوسط منصرفا. والبيت في المفضليات (ص 724)، والأصمعيات (ص 221) وشرح المفضليات (3/ 1256)، والمذكر والمؤنث (ص 112).
(2)
هذان البيتان من الطويل لقائل مجهول، وقد أنشدهما الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 366) ولم ينسبهما لقائل ولم أهتد إلى قائلهما. الشرح: جمل: اسم امرأة، وصفيها: خليلها وحبّها ورواية التذييل: وأنت حبها. وقوله خليّا: الخليّ: الذي لا هم له الفارغ والجمع خليون وأخلياء، و «الفرقدان» نجمان في السماء لا يغربان ولكنهما يطوفان بالجدي. والشاهد فيهما: مجيء «جمل» علم المؤنث الثلاثي الساكن الوسط مصروفا. والبيتان في المذكر والمؤنث لابن الأنباري (ص 113).
(3)
قال في التذييل (6/ 366): «وأنشد الفراء لبعض العرب» «ويعزى إلى حسان» وليس في ديوانه.
(4)
هذا البيت من الخفيف، واستشهد به على مجيء «جمل» مصروفا، والبيت في معاني القرآن للفراء (2/ 156) والمذكر والمؤنث لابن الأنباري (ص 113).
(5)
هذا البيت من الطويل وهو لنصيب. ذكره أبو حيان في التذييل (6/ 366) ولم ينسبه، وقد أورد المبرد في الكامل (1/ 106) هذا البيت منسوبا إلى نصيب ولكن مع اختلاف في الشطر الثاني.
وقد ذكره ابن الأنباري في المذكر والمؤنث (ص 112) والرواية فيه:
أوصّ بدعد من يهيم بها بعدي
والشاهد في البيت: مجيء «دعد» وهو علم لمؤنث ثلاثي ساكن الوسط مصروفا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
3716 -
ما بال همّ عنيد بات يطرقني
…
بالواد من هند إذ تعدو عواديها؟ (1)
وقال آخر:
3717 -
على جمل منّي إذ دنا الموت بغتة
…
سلام كثير كلّما ذرّ شارق (2)
وقال آخر:
3718 -
لم تتلفع بفضل مئزرها
…
دعد ولم تغد دعد في العلب (3)
فجمع بين اللغتين الصرف وتركه في بيت واحد (4).
وأما القياس (5): فصرفهم «لوطا» و «نوحا» وهما أعجميان معرفتان لخفة الوزن، قالوا (6): فكما قاومت الخفة أحد السببين فيهما فكذلك قاومت أحد -
(1) هذا البيت من البسيط، وهو لكعب بن مالك.
الشرح: ما بال هم أي ما شأنه وما حاله؟ وعنيد: هو من المعاندة وهي: أن يعرف الرجل الشيء فيأباه ويميل عنه، والعنيد: الجائر عن القصد الباغي الذي يرد الحق مع العلم به، ويروى عميد وهي رواية الإنصاف ومعناه: فادح موجع وأصله قولهم: عمده المرض يعمده، ويطرقني: أي ينزل بي ليلا.
والشاهد في البيت: مجيء «هند» غير مصروف، والبيت في السيرة لابن هشام (ص 612) والإنصاف (ص 389) والتذييل (6/ 366). والمذكر والمؤنث لابن الأنباري (ص 112).
(2)
هذا البيت من الطويل لقائل مجهول الشرح: قوله: كلما ذر شارق: أي كل يوم طلعت فيه الشمس، وقيل: الشارق فرن الشمس، والشمس تسمى شارقا، ويقال: إني لآتية كلما ذر شارق أي:
كلما طلع الشرق وهو الشمس. والشاهد في البيت: مجيء «جمل» ممنوعا من الصرف: وانظر البيت في المذكر والمؤنث (ص 113) والتذييل والتكميل: (6/ 367).
(3)
هذا البيت من المنسرح وهو لجرير أو لقيس بن الرقيات. تتلفّع: التّلفّع: الاشتمال بالثوب كلبسة نساء الأعراب، والعلب: أقداح من جلود، الواحد علبة يحلب فيه اللبن ويشرب، أي ليست دعد هذه ممن تشتمل بثوبها وتشرب اللبن بالعلبة كنساء الأعراب الشقيات، ولكنها ممن نشأ في نعمة وكسي أحسن كسوة.
والشاهد فيه: صرف «دعد» وترك صرفها في نص واحد لأنه اسم ثلاثي ساكن الوسط، وإنما جاز فيه ذلك لخفته، وهو رد على من منع صرفه من النحويين وجعل ما في البيت ضرورة، والصواب أنه يجوز فيه الوجهان الصرف وعدمه لأن العرب قد صرفت الأعلام الأعجمية إذا بلغت هذه النهاية من الخفة نحو: نوح ولوط وهود.
وانظر البيت في الكتاب (3/ 241) والخصائص (3/ 61، 316) والمصنف (2/ 66)، وابن يعيش (1/ 70) وشذور الذهب (456)، والأشموني (3/ 154)، وديوان جرير (ص 72).
(4)
انظر الكتاب (3/ 241)، والتذييل (6/ 367).
(5)
انظر التذييل (6/ 367).
(6)
القائل هو الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 367) وانظر ابن يعيش (1/ 70).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
السببين في «هند» ، و «دعد» ونحوهما.
وأقول: إن في ذلك نظرا؛ لأن الاسم الأعجمي الثلاثي مصروف، ولو كان محرّك الوسط فكيف يقال: إن السكون في «نوح» و «لوط» قاوم أحد السببين والعجمة لا أثر لها في الثلاثي جملة (1)؟
وقوله إلّا أن يكون الثّلاثيّ أعجميا قد تقدم التمثيل لذلك بـ «حمص» ومثله:
ماء وجور (2)، ووجه منعه من الصرف أن العلم الثلاثي المؤنث الساكن الوسط غير المنقول من مذكر فيه وجهان: الصرف وتركه، وكان القياس منعه للتأنيث والعلمية، ولكنه حصل له خفة بالسكون فجاز فيه الصرف، فلما انضاف إلى ذلك عجمة ثقل الاسم بها، فكأن العجمة قاومت السكون فرجع الاسم المذكور إلى ما يقتضيه القياس فيه من منع الصرف، فالعلة المانعة من الصرف فيه هي العلمية والتأنيث، والعجمة شرط لتحتم المنع.
وفي شرح الشيخ (3): «وبعض النحويين جعله كهند فجوز فيه الوجهين ولم يجعل للعجمة تأثيرا» . ومثال ما تحرك ثانيه: قد تقدم تمثيله بـ «سقر» ومثله أيضا «قدم» (4)، وقد عرفت أن ابن الأنباري جعله ذا وجهين فخالف النحاة أجمعين، ومستند منع الصرف فيه أن حركة الوسط تنزلت منزلة الحرف الرابع، والدليل على أن حركة الوسط تتنزل منزلة الحرف الرابع أنهم يقولون في النسب إلى جمزى جمزيّ بحذف الألف، كما يحذفونها من حبارى ونحوه مما قبل الألف فيه أربعة أحرف، فلو سكن الوسط أجازوا إبقاء الألف ولم يوجبوا الحذف نحو: حبلى، -
(1) وجهة نظر المؤلف أن الخفة في «هند» قاومت أحد السببين وهما العلمية والتأنيث، أما في نوح ولوط فإن خفة الوزن - بسكون الوسط - لم تقاوم أحد السببين؛ لأنه لا أثر للعجمة فيهما فلم يجتمع فيهما سببان كما اجتمع في «هند» و «دعد» وهي وجهة نظر مقبولة، وكان على القائل أن يعتمد على خفة الوزن فيهما دون اعتماد على مقاومة أحد السببين؛ لأنها ليست موجودة في الاسم الثلاثي الأعجمي مثل ما هي موجودة في الثلاثي المؤنث.
(2)
ماه وجور: بلدتان بفارس. انظر معجم البلدان (2/ 49) وانظر التذييل (6/ 368) والأشموني (3/ 253).
(3)
انظر التذييل (6/ 369).
(4)
فيمتنع صرفه وجوبا إذا سمي به مؤنث على مذهب الجمهور وجعله ابن الأنباري ذا وجهين.
انظر التذييل (6/ 369).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإنه يجوز أن يقال في النسب إليه: حبلويّ وإن جاز فيه: حبليّ أيضا.
وقيد الحركة - أعني حركة الثاني - بكونها لفظا احترازا من نحو: دار ونار مسمّى بهما، فإن ثانيهما متحرك تقديرا، والحاصل: أن الحركة المقدرة لا أثر لها فكما احترز عنها عند ذكره سكون الحشو احترز عنها عند ذكر تحركه أيضا.
وقوله: وكذا إن كان مذكّر الأصل خلافا لعيسى في تجويز صرفه قد تقدم ذكر الخلاف في هذه المسألة، وأن مذهب الخليل وسيبويه وأبي عمرو ويونس وابن أبي إسحاق في المنقول من مذكر المسمى به مؤنث منع الصرف، وعلى ذلك الأخفش والمازني والفراء (1) أيضا، والعلة في ذلك أن الاسم نقل من الأخف - وهو باب التذكير - إلى الأثقل - وهو باب التأنيث - وهذا بخلاف [5/ 66] إذا سميت رجلا بـ «شمس» فإنك تصرفه؛ لأنه خرج من الباب الأثقل إلى الباب الأخف، واحتج سيبويه - رحمه الله تعالى - بأن الأصل أن يسمى المؤنث بالمؤنث والمذكر بالمذكر (2)، فلما كان ثقل المذكر إلى المؤنث الذي يلائمه خلافا لوضع كلامهم والمعتاد من ألفاظهم ثقل فعادل ذلك نهاية الخفة التي لها صرف «هندا» من صرف فلم يجز فيه إلّا منع الصرف (3).
واعلم أنني قدمت الكلام على ما في أثناء الفصل لتعلّقه بما المسمّى فيه مؤنث، فيكون الكلام مرتبطا بعضه ببعض؛ لأن صور المسائل المذكورة داخلة تحت قسم واحد فلا ينبغي التفريق بينهما في الذكر. بقي الكلام على القسم الذي ما سمي فيه مذكر فنقول:
قوله: وإن سمّي مذكّر بمؤنّث مجرّد يريد به أن يكون مجردا من الهاء (4) وهو أمر معلوم.
وقوله: فمنعه مشروط بزيادة على الثّلاثة قد تقدم أن تأنيث الثلاثي غير معتبر في هذا القسم، وأن شرط منع الصرف الزيادة على الثلاثة، لكن زعم ابن خروف (5) أن «قدما» ونحوه من المؤنث إذا سمي به مذكر منع الصرف، لأن حركة العين -
(1) وثعلب، انظر التذييل (6/ 370).
(2)
انظر الكتاب (3/ 242).
(3)
انظر التذييل (6/ 370) وقد اعتمد عليه المؤلف دون إشارة.
(4)
انظر التذييل (6/ 354).
(5)
انظر التذييل (6/ 354) والهمع (1/ 34).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قامت مقام الحرف الرابع، وردّ ذلك عليه بأن العرب إنما حكمت للحرف الرابع في «زينب» ونحوه بحكم علامة التأنيث لمعاقبته لها، والحركة لم تعاقب علامة التأنيث، فلم يحكم لها بحكمها، كأنهم يعنون بهذا الكلام أن المؤنث الثلاثي إذا صغّر ولم يكن فيه «ياء» لحقته في التصغير «تاء» كقولهم في عين: عيينة، ويد:
يديّة، وأذن: أذينة وإن كان المؤنث رباعيّا كـ «عقرب» مثلا وصغر لم تلحقه التاء، فحيث لم يوجد الحرف الرابع أتوا بالتاء، وحيث كان الحرف الرابع موجودا امتنعوا من الإتيان، وهذه معاقبة بين الحرفين، ولم توجد هذه المعاقبة بين حركة وحرف.
ومذهب الفراء وثعلب (1) أن الاسم الثلاثي المجرد المؤنث إذا سمي به مذكرا امتنع من الصرف: ولم يفرقا بين المتحرك الوسط والساكنه وذلك نحو: فخذ وريح، وعللا ذلك بأن فيه أمرين يوجبان له النقل، وهما: التعريف والتعليق على ما لا يشاكله في الثقل.
وردّ ذلك بأن نقل اللفظ الثقيل إلى ما لا يلائمه في الثقل لم تجعله العرب من الأسباب المانعة للصرف بدليل صرفهم «كعسبا» اسم رجل وهو منقول من الفعل، والفعل ثقيل، ولأن السماع إنما ورد بالصرف ولم يرد بغيره، قال الشاعر:
3719 -
تجاوزت هندا رغبة عن قتاله
…
إلى ملك أعشو إلى ضوء ناره (2)
وقوله: لفظا ظاهر وذلك كـ «سعاد» و «عناق» و «أبان» مسمّى بها.
وقوله: أو تقديرا مثاله: «جيل» إذا سميت به المذكر هو اسم للضّبع (3)، وأصله: جيأل؛ نقلت حركة الهمزة إلى الياء ثم حذفت، فهو ثلاثي في اللفظ، زائد على الثلاثة في التقدير.
وقوله: كاللّفظ يريد به أن هذا المقدر بمنزلة الملفوظ به؛ لأنه قد يصير مخففا في الكلية فينطق به، بخلاف ما لا يمكن النطق به وهو مقدر، وذلك نحو: كتف -
(1) انظر التذييل (6/ 355)، والأشموني (3/ 254).
(2)
هذا البيت من الطويل لقائل مجهول، وأعشو: يقال: عشا يعشو إذا أتى نارا للضيافة، وهذا البيت أورده أبو حيان في التذييل (6/ 355) مستشهدا به على أن هندا الثلاثي المؤنث المجرد من الهاء مصروف وقد رد على الفراء وثعلب القائلين بأنه يمتنع الصرف مسمى به.
(3)
والضبع مؤنثة فهو ممنوع الصرف للعلمية والتأنيث. انظر التذييل (6/ 355).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقدم إذا سميت بهما مذكرا، فإنهما يصرفان، ومع ذلك فالنحاة يقولون: إذا سمي بهما مؤنث امتنع الصرف، لأن الحركة تنزلت منزلة الحرف الرابع فكأنه مقدر فيه؛ ولذلك إذا صغّروا ذلك ألحقوه هاء التأنيث فقالوا: كتيفة وقديمة، ومع ذلك فإن كان الحرف الرابع مقدّرا قامت الحركة مقامه، فلا يجوز اللفظ به وهو مكبر، فهذا تقدير لا يلفظ به، ومانع للصرف، لكن في المؤنث لا في المذكر. هذا تقرير الشيخ (1).
ولم أتحقق ما قاله، وقد يقال: إن تقدير الهمزة في «جيل» لتصير الكلمة أربعة أحرف فيمنع الصرف إذا سمي به مذكر، إنما كان كاللفظ من جهة أن الحركة التي كانت على الهمزة باقية بعد حذف الهمزة، وهي ملقاة على الياء التي هي ساكنة في أصل وضع الكلمة، فكان بقاء الحركة كأنه بقاء لما كان محرّكا بها، فمن ثمّ قيل: إن هذا التقدير كاللفظ، وليس لقوله كاللفظ مفهوم لأنه يريد أن التقدير حكم له بحكم اللفظ.
وقوله: وبعدم سبق تذكير انفرد به محقّقا أو مقدّرا أقول: قد تقدم أن الاسم المؤنث الزائدة حروفه على ثلاثة إذا سمّي به مذكر امتنع صرفه إلا اسمين: ما هو مذكر الأصل وقد سمي به مؤنث قبل أن يسمى المذكر به كـ «دلال» و «وصال» ، وما هو من صفات المؤنث ولكن لفظه لفظ المذكر كـ «حائض» و «طامث» (2)، فأشار إلى القسمين الآن بقوله:«وبعدم سبق تذكير» وقصده إخراجهما مما يمتنع صرفه إذا سمي به مذكر، وذلك أنه جعل عدم سبق التذكير التسمية شرطا لمنع الصرف، وهذه الكلمات سبق تذكيرها التسمية بها، فلم يوجد فيها عدم السبق، بل وجد السبق فتكون مصروفة، ولكن سبق التذكير في «دلال» و «وصال» محقق، و «حائض» و «طامث» سبق التذكير فيهما مقدر؛ لأنهما لم يستعملا لمذكر أصلا، لكنهما مع ذلك اسمان مذكران في اللفظ، فمن هذه الحيثية كان سبق التذكير فيهما مقدرا، وإنما وصف بهما وبأمثالهما المؤنث، إما لأمن اللبس كما تقدمت الإشارة إلى ذلك، وإما للحمل على المعنى؛ لأن معنى امرأة حائض:
شخص حائض (3). -
(1) انظر التذييل (6/ 356).
(2)
يقال: طمثت المرأة: إذا حاضت فهي طامث اللسان (طمث).
(3)
انظر التذييل (6/ 356).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأما قوله: «انفرد به» فهو فيه زائد في التسهيل، ولا تعرض إليه في شرح الكافية.
قال الشيخ (1): «وهو احتراز من نحو: ظلوم وقتول، فإنك إذا سميت به رجلا لم ينصرف عنده، لأنه سبقه تذكير ولم ينفرد به المذكر؛ لأنه يطلق على المؤنث كما يطلق على المذكر، قال: ولا يأتي هذا الذي ذكره على مذهب البصريين؛ لأنهم لا فرق عندهم في سبق التذكير [بين] ما انفرد به المذكر كدلال ووصال.
وما لم ينفرد به [5/ 67] كظلوم، وقتول، قال (2): وعلى هذا لا فرق بين وصف مختصّ معناه بالمؤنث، ووصف يشترك في معناه المذكر والمؤنث، فإذا سمي بشيء منها مذكر كان منصرفا نظرا إلى أصالة التذكير فيها؛ لأنها أسماء مذكرة وصف بها مؤنث، قال (3): ومما يدل على اعتبار التذكير السابق في ما ذكر أنهم إذا صغروا شيئا من هذه الأوصاف لا يدخلون فيه تاء التأنيث فإنهم يقولون في نصف (4) إذا صغّروا: امرأة نصيف، فجعلوا لهذه الأوصاف - وإن كانت صفات إناث - حكم المذكر، وأما الكوفيون فإنهم لا يصرفون نحو: حائض وطامث اسمي مذكر كما نقل الشيخ في شرحه (5) وذكر عنهم تعليلا وتفصيلا في ذلك عن بعضهم، فتركت إيراده خشية الإطالة، ولأن قول البصريين هو المعمول به في هذه المسألة.
وقوله: وبعدم احتياج مؤنّثه إلى تأويل لا يلزم أقول: قد تقدم أن هذه الكلمات وهي: جنوب، ودبور، وشمال، وحرور، وسموم حكمها الصرف إذا سمي بشيء منها مذكر بمنزلة «حائض» في الوصفية والتعري من العلامة، وإن كانت مخصوصة في الاستعمال بالريح وهي مؤنثة، لكنها مذكرات في الأصل كـ «حائض» ، وتقدم أن بعض العرب يجعلها أسماء فتكون حينئذ كـ «الصّعود» و «الهبوط» فتمنع الصرف والذي تقدم تقريره مما تحصل من كلام سيبويه أن الواقع من أسماء الأجناس على مؤنث حقيقي أو مجازي إذا لم يكن فيه علامة فهو إما اسم أو صفة، فالاسم تأنيثه معتبر حتما كـ «هبوط» و «صعود» والصفة التأنيث فيها غير معتبر إن سمي -
(1) انظر التذييل (6/ 356).
(2)
،
(3)
أي الشيخ انظر التذييل (6/ 356 - 357) وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه.
(4)
النّصف: بالتحريك - التي بين الشابة والكهلة. انظر اللسان (نصف).
(5)
انظر التذييل (6/ 357: 359).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بها مذكر كـ «حائض» و «ضناك» وإن كانت صفة على لغة واسما على لغة كـ «جنوب» اعتبر تأنيثه إن سمي به مذكر على لغة من جعله اسما، ولم يعتبر على لغة من جعله صفة، وإذا كان الحكم في هذه بالنسبة إلى الصرف وعدمه حكم «حائض» فلا حاجة إلى أن يشار إليه ثانيا؛ لأن حكمها قد علم مما علم مما علم منه حكم «حائض» المسمى به وهو قوله: وبعدم سبق تذكير، لكنه قد قال: وبعدم احتياج مؤنّثه إلى تأويل لا يلزم فقال الشيخ في شرحه (1): يعني أنه يمنع الاسم الصرف في المذكر بشرط زيادة على ثلاثة وعدم سبق تذكير وعدم ما ذكر في هذا، فإن كان ثلاثيّا انصرف وإن سبقه تذكير انصرف، وإن احتاج مؤنثه إلى تأويل فإما أن يكون غير لازم أو لازما، إن كان غير لازم انصرف، وذلك اسم الجنس بغير علامة لمؤنث نحو: جنوب ودبور وشمال وسموم وحرور، وذلك أنها مؤنثة تحتاج إلى تأويل ولكنه لا يلزم، قال: والتأويل فيها أنها أوصاف جرت على الريح، والريح مؤنثة، ولكن تأويلها هذا ليس بلازم، ألا ترى أن بعض العرب يجعلها أسماء لمؤنثات ولا يلحظ فيها معنى الصفة كـ «الصّعود» و «الهبوط» فعلى هذا إذا سميت بها مذكرا منعتها الصرف، فمتى كان هذا المؤنث يحتاج إلى تأويل لازم كحال هذه إذا جعلت أسماء فإنه يلزم أن تؤوّل بمؤنث وتمنع الصرف إذا سمي بها مذكر وتصير كـ «زينب» ، وإن لم يلزم أن تؤوّل بمؤنث كمشهور استعمالها، فإنها إذا سمي بها مذكر انصرفت قال (2): وملخص هذا: أن ما كان اسما على لغة وصفة على لغة فهو ذو وجهين:
الصرف وتركه، وذلك كـ «جنوب» ونحوه إذا سميت به مذكرا. انتهى.
وملخص ما قال: أن هذه الكلمات وهي «جنوب» وما ذكر معها إن استعملت صفات ففيها تأويل، والتأويل فيها أنها أوصاف جرت على الريح، والريح مؤنثة، وأن تأويلها ليس بلازم معللا عدم اللزوم بأن بعض العرب يستعملها أسماء لمؤنثات، وإن استعملت أسماء فإنها تؤول بمؤنث ويكون التأويل فيها لازما، وأقول: إن في ذلك نظرا؛ لأننا إن سلمنا أن فيها تأويلا حال استعمالها صفات، فتأويلها لازم ما دامت صفات، ولا ينفى عنها لزوم التأويل باستعمال بعض العرب لها أسماء؛ لأن حال استعمالها أسماء غير حال استعمالها صفات فلا تعلق لإحدى الحالين بالأخرى. -
(1) انظر التذييل (6/ 359).
(2)
أي الشيخ أبو حيان انظر التذييل (6/ 359).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأما قوله: إنها إذا استعملت أسماء كان تأويلها بمؤنث لازما فغير ظاهر أيضا؛ إذ لا تأويل في هذه الحالة؛ لأن الاسم تابع المسمى، إن كان المسمى مذكرا فالاسم مذكر، وإن كان المسمى مؤنثا فالاسم مؤنث.
وبعد، فهذا الموضع قد أشكل عليّ فيه كلام الشيخ وكذا عبارة المصنف وهي قوله: وبعدم احتياج مؤنّثه إلى تأويل لازم لأن هذا اللفظ يعطي بظاهره أن نحو:
جنوب، ودبور، وما ذكر معهما له مؤنث وليس كذلك، إنما المؤنث هي أنفسها إن كانت أسماء، وإن كانت صفات حكم بتأنيثها لجريانها على مؤنث إلّا أن لفظها مذكر، فروعي تذكير اللفظ عند التسمية بها فصرفت، بخلاف ما إذا نقلت وهي أسماء وسمي بها، فإنها لا تصرف حينئذ كما تقدم تقرير ذلك.
والحق أن المصنف قد كان في غنية عن ذكر ذلك، لأنه إن كان المراد به أن نحو «جنوب» إذا سمي به منقولا من الصفة انصرف، فهذا قد عرف من قوله وبعدم سبق تذكير كما قدّمنا، وإن كان المراد به غير ذلك فسبحان العالم بما تضمر النفوس.
وقوله: وبعدم غلبة استعماله قبل العلميّة في المذكّر يريد به أن منع الصرف في ما سمي به مذكر من المؤنث مشروط أيضا بغلبة استعمال ذلك الاسم قبل العلمية في المذكر، فمعناه أنه إن غلب استعماله قبل العلمية في المذكر انصرف، قال الشيخ (1):
«ومثال ذلك ذراع، فإنه مؤنث، وسمي به المذكر حتى صار كأنه من أسماء المذكر وبقي بعد مصروفا لكثرة استعمال [5/ 68] العرب له في أسماء الرجال (2)، قال:
وقول المصنف: إنه غلب استعماله قبل العلمية في المذكر، يعني أنه قبل أن يصير علما غلب استعماله في المذكر أي تابعا للمذكر، فإن العرب تصف به المذكر فتقول: هذا ثوب ذراع أي: قصير (3)، فعومل لذلك معاملة ما سمي به من الأسماء المذكرة الزائدة على ثلاثة أحرف، قال: ولا يزيد المصنف أنه غلب استعماله قبل العلمية في المذكر جنسا واقعا على مدلوله في المؤنث غير موصوف به؛ لأن ذلك ليس في كلام العرب وهو أنه يغلب استعماله مذكرا على غير الوجه الذي -
(1) انظر التذييل (6/ 360).
(2)
انظر شرح التصريح (2/ 218)، والهمع (1/ 34)، وحاشية الصبان (3/ 255).
(3)
انظر الهمع (1/ 34) وحاشية الصبان (3/ 355).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قدمناه من الوصف به، قال: ويحتمل أن يزيد المصنف أنه إذا غلب استعماله في المؤنث قبل العلمية في المذكر، أي قبل أن يصير علما في المذكر فإنه إذ ذاك يصرف ويكون إذ ذاك ذراع سمع فيه التذكير والتأنيث، ولكن غلب فيه التأنيث» انتهى.
وهذا الذي ذكره احتمالا لعله هو مراد المصنف لأنه قال في شرح الكافية (1): «وإذا استعمل الاسم بتذكير وتأنيث وزاد على ثلاثة أحرف جاز فيه إذا سمي به رجل الصرف وتركه كذراع وكراع (2)، وترك الصرف أجود في هذين؛ لأن تأنيثهما أكثر. انتهى.
وبعد فلم يتوجه لي كلامه في التسهيل إذا جعلنا المراد به ما ذكره في شرح الكافية؛ لأن كلامه هنا إنما هو فيما يتعين امتناع صرفه من المؤنث إذا سمي به مذكر، لأن قوله: وبعدم غلبة استعماله قبل العلمية في المذكّر معطوف على ما تقدم من المجرور بالياء المتعلقة بقوله: فمنعنه مشروط فالمعنى أنه إن غلب استعماله قبل العلمية في المذكر انصرف وإن لم يغلب الاستعمال المذكور لم ينصرف، فليس الكلام في ما فيه الصرف وتركه، بل فيما يتعين فيه منع الصرف كما ذكرنا، فكيف يمثل لما يتعين منع صرفه بما ذكر هو أن فيه الوجهين أعني الصرف وتركه؟
ثم قال الشيخ (3): وقد شبهوا كراعا بذراع حين سموا به مذكرا، وإن كان مؤنثا في الأصل فصرفوه وليس بقياس، والقياس ترك صرفه وهو أجود في كلامهم من الصرف، قال سيبويه (4)، قال (5): وإلى مسألة كراع أشار المصنف بقوله: وربما ألغي التّأنيث في ما قلّ استعماله في المذكّر، وهو صرف «كراع» إذا سمي به، فإنه يقل استعماله في المذكر، بل هو من الأسماء الغالبة في المؤنث، فكان القياس ألا يصرف هو ولا ذراع، لكن عارض هذا كثرة التسمية بهما في المذكر حتى صار كأنهما من أسمائه، وزاد «ذراع» على «كراع» أنه وصف به المذكر؛ فلذلك تحتم صرفه ولم يتحتم صرف كراع «انتهى» .
وقد عرفت أن كلام المصنف في شرح الكافية يأبى ذلك؛ لأنه سوى بين «ذراع» -
(1) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1491).
(2)
الكراع: من الإنسان ما دون الركبة إلى الكعب ومن الدّوابّ: ما دون الكعب، أنثى. اللسان (كرع).
(3)
انظر التذييل (6/ 360).
(4)
انظر الكتاب (3/ 236).
(5)
أي الشيخ أبو حيان انظر التذييل (6/ 360: 361).