الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب التاسع والخمسون باب ما زيدت الميم في أوّله لغير ما تقدّم وليس بصفة
[أسماء الزمان والمكان]
قال ابن مالك: (يصاغ من الفعل الثّلاثيّ «مفعل» فتفتح عينه مرادا به المصدر أو الزّمان أو المكان إن اعتلّت لامه مطلقا أو صحّت ولم تكسر عين مضارعه، فإن كسرت فتحت في المراد به المصدر، وكسرت في المراد به الزّمان أو المكان، وما عينه «ياء» في ذلك كغيره، أو مخيّر فيه، أو مقصور على السّماع، وهو الأولى، والتزم غير طيّئ الكسر مطلقا في المصوغ ممّا صحّت لامه وفاؤه واو).
قال ناظر الجيش: تقدم أن الميم تأتي في «المفاعلة» للدلالة على مصدر «فاعل» كضارب مضاربة (1)، وتأتي في ما هو على صيغة «اسم المفعول» من غير الثلاثي للدلالة على الحدث أو زمانه أو مكانه، ولا شك أن الميم في القسمين زائدة، فعن ذلك احترز بقوله: لغير ما تقدّم، وأما قوله: وليس بصفة فالظاهر أنه ملحق وليس من أهل التصنيف إذ لا فائدة له، لكن قال الشيخ (2):«هو احتراز مما جاء صفة وليس باسم فاعل ولا مفعول نحو: رجل مقنع، وهو الذي يقنع به في الأمور (3)، ورجل مدعس وهو للطّعّان (4)» .
ثم ليعلم أن هذا الباب معقود لما زيدت الميم فيه مما هو مأخوذ من ثلاثي للدلالة على الحدث أو الزمان أو المكان، وكأن المصنف لما تقدم له أن مثل اسم المفعول من غير الثلاثي يصاغ دالّا على الحدث والزمان والمكان، ذكر في هذا الباب أنه يبنى من الثلاثي أيضا ما يدل على ثلاثة الأمور المذكورة، وختم الباب بذكر ما هو للآلة وما هو للدلالة على كثرة الشيء أو محلّه مما هو مفتتح بزيادة الميم. -
(1) انظر أول الباب الذي قبل ذلك (مصادر غير الثلاثي).
(2)
التذييل والتكميل (6/ 147).
(3)
انظر اللسان (قنع).
(4)
انظر اللسان (دعس).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثم الصيغة المرادة في هذا الباب هي صيغة «مفعل» - بفتح العين - وصيغة «مفعل» بكسرها (1).
والحاصل: أن المصدر يأتي على «مفعل» - بالفتح مطلقا - سواء اعتلت لام الفعل كـ «مرمى» و «معزى» أم كانت صحيحة وضمّت عين المضارع منه أو فتحت أو كسرت كـ «مقتل» و «مذهب» و «مضرب» إلا أن تكون «فاء» الكلمة «واوا» مع كون اللام صحيحة فإنه يأتي على «مفعل» - بالكسر - إلا عند طيّئ (2) كما ذكر المصنف، وأما أسماء الزمان والمكان فإنهما موافقان المصدر فيما ذكره إلا إذا كسرت عين المضارع واللّام صحيحة فإنه يقال فيهما:«مفعل» بالكسر (3).
وإذ قد عرف ذلك إجمالا فلنرجع إلى ألفاظ الكتاب فنقول:
قوله: إن اعتلّت لامه مطلقا - يعني بـ «الإطلاق» الذي ذكره أن النظر فيه هو لاعتلال اللام فقط، صحّت فاؤه نحو: دنا مدنى وغزى مغزى، أو اعتلت نحو:
وفى موفى، ووقى موقى (4).
وقوله: أو صحّت ولم تكسر عين مضارعه يعني به أن العين إذا ضمّت أو فتحت فالحكم كذلك نحو: قتل مقتلا، وذهب مذهبا (5)، ولا شك أن «مفعلا» من هذا الذي ذكره صالح لأن يراد به المصدر أو الزمان أو المكان (6)، وقد يكون «مفعل» مضعّفا نحو: جرّ مجرّا، قال النابغة:
3588 -
كأنّ مجرّ الرّامسات ذيولها
…
عليه حصير نمّقته الصّوانع (7)
-
(1) قال سيبويه في الكتاب (4/ 90)«ليس في الكلام مفعل» .
(2)
أي فإنه يأتي على «مفعل» انظر الكتاب (4/ 93).
(3)
قال سيبويه في الكتاب (4/ 87) «أما ما كان من فعل يفعل فإن موضع الفعل مفعل وذلك قولك:
هذا محبسنا ومضربنا ومجلسنا، كأنهم بنوه على بناء يفعل فكسروا العين كما كسروها في يفعل» وانظر شرح الشافية (1/ 181).
(4)
انظر التذييل (6/ 147).
(5)
انظر الكتاب (4/ 89).
(6)
الكتاب (4/ 89).
(7)
هذا البيت من الطويل وهو للنابغة الذبياني الشاعر الجاهلي المشهور (ديوانه ص 31).
اللغة: كأن مجر: فيه حذف مضاف والتقدير: كأن أثر مجرّ أو موضع مجرّ، الرامسات: الرياح الشديدة الهبوب من الرّمس وهو الدّفن، وذيولها: مآخيرها وذلك أن أوائلها تجيء بشدة ثم تسكن، -
وقد يأتي مؤنثا بالتاء: ومنه: «المشقّة» و «الملامة» و «المقالة» و «المدعاة» إلى الطعام، وهذه الكلمات مما مضارعه «يفعل» بالضم، ومنه مما مضارعه «يفعل» - بالفتح -:«المسألة» و «المسعاة» وهو السّعي إلى الخير (1).
وقوله: فإن كسرت فتحت إلى آخره أي فإن كسرت عين المضارع كـ «ضرب يضرب» فتحت في المراد به المصدر، وكسرت في المراد به الزمان أو المكان، تقول: هذه الدراهم فيها مضرب أي ضرب (2)، والمضعّف كذلك قال الله تعالى:
أَيْنَ الْمَفَرُّ (3) أي: أين الفرار (4)؟
وأما في الزمان والمكان فتكسر العين، يقال (5): هذا مجلس زيد ومحبسه ومضربه، وقالوا «أتت النّاقة على مضربها» و «أتت على منتجها» يريدون الزمان الذي فيه الضّراب، والنّتاج، وكذلك يقال: المفرّ في الزمان والمكان (6).
وأما قوله: وما عينه ياء في ذلك كغيره إلى آخره فأشار به إلى نحو: يبيت ويعيش، ويقيل ويحيض، وذكر فيه ثلاثة مذاهب (7):
أحدها: أنه كغيره من الصحيح العين المكسورها فيكون للمصدر بالفتح، وللزمان والمكان بالكسر قال الله تعالى: وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً (8) أي: جعلناه -
- ويروى ذيولها بالنصب - كما هنا - على أنه مفعول لـ «مجر» وروي بجره فيكون بدلا من الرامسات بدل بعض. وعليه فالمجر اسم مكان ولا حذف، وحصير: أي المنسوج سمي حصيرا لأنه حصرت طاقته بعضها مع بعض، ونمقته: نقشته وزينته بالكتابة، والصوانع: جمع صانعة.
والمعنى: شبه آثار هذه الرامسات في هذا الرسم بحصير من جريد أو أدم ترمله الصوانع: أي تعمله وتخرزه، والشاهد فيه: قوله: «مجر» فإنه
مصدر بمعنى الجرّ وهو على زنة «مفعل» .
وانظر البيت في ابن يعيش (6/ 110، 111)، والمفصل (ص 239)، وشرح الشافية (2/ 16)، وشرح شواهدها للبغدادي (ص 106).
(1)
انظر الكتاب (4/ 98)، وانظر اللسان (سعى).
(2)
الكتاب (4/ 87).
(3)
سورة القيامة: 10.
(4)
انظر الكتاب (4/ 87).
(5)
الكتاب (4/ 87).
(6)
الكتاب (4/ 87).
(7)
ذكر الشيخ أبو حيان هذه المذاهب الثلاثة في التذييل والتكميل (6/ 148، 149) وهذا يوضح لناشده تأثر المؤلف بشيخه.
(8)
سورة النبأ: 11.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عيشا (1)، ويكون «المحيض» بمعنى: الحيض ونحوه شاذّا (2)، ويقال: المبيت والمقيل للمكان [5/ 24] والزمان، يراد بذلك المكان الذي يبات فيه ويقال فيه، أو زمان البيتوتة والقيلولة.
ثانيها: أن المتكلم مخيّر فيه بين أن يبنى المصدر على «المفعل» أو «المفعل» وأما الزمان والمكان فمكسور العين، فتقول في المصدر إن شئت:«معاشا» وهو المسموع، وإن شئت:«معيشا» قياسا على «المحيض» (3) وكذلك المحيض هو المسموع ويجوز المحاض قياسا على المعاش. ومما سمع من المصادر غير المحيض على «المفعل» في ما عينه ياء: «المغيب» و «المزيد» و «مغيض الماء» و «المقيل» (4)، ومما جاء منه مؤنثا بالتاء:
«المخيلة» و «المشيئة» و «المعيشة» إن قيل: إنها «مفعلة» بكسر العين (5).
ثالثها: أن يقتصر في ذلك على السماع، فيقتصر على ما قالته العرب، فلا يقال في «المعاش» الذي هو مصدر: المعيش، ولا يقال في «المحيض» بمعنى الحيض:
المحاض، وهذا المذهب قد ذكر المصنف أنه الأولى (6).
وقوله: والتزم غير طيّئ إلى آخره يعني أن العرب - غير طيّئ - يلتزمون الكسر مطلقا يعني في المصدر والزمان والمكان، ولا فرق في ذلك بين أن يكون على «فعل» كـ «وجل» أو «فعل» كـ «وعد» (7).
(1) انظر الكتاب (4/ 88).
(2)
إنما كان المحيض بمعنى الحيض ونحوه شاذّا على هذا المذهب لأن حقه أن يكون على «مفعل» بالفتح لأنه مصدر.
(3)
قال سيبويه في الكتاب (4/ 88)«وربما بنوا المصدر على المفعل كما بنوا المكان عليه إلا أن تفسير الباب وجملته على القياس كما ذكرت لك» وقال السيرافي: «ومن ذلك فيما ذكره سيبويه: المطلع في معنى الطلوع» . شرح السيرافي هامش الكتاب (4/ 88).
(4)
قال أبو حيان في التذييل (6/ 97)«وممن جعل مثل المحيض مقيسا أبو إسحاق الزجاج في كتاب المعاني له» وانظر معاني القرآن للزجاج (1/ 289).
(5)
انظر الكتاب (4/ 88، 89).
(6)
قال أبو حيان في التذييل (6/ 149)«وإنما كان أولى عنده لأنا إذا قسنا مع وجود السماع في الكلمة التي ينطق بها كنا قد تركنا ما تيقنا أن العرب نطقت به مع وجود النص في شيء لا يحتاج إلى القياس» .
(7)
قال في الكتاب (4/ 93)«وحدثنا يونس وغيره أن ناسا من العرب يقولون في وجل يوجل ونحوه: موجل وموحل» وفي اللسان (وحل): «والموحل بالفتح المصدر وبالكسر المكان» وانظر شرح
وقوله: ممّا صحّت لامه فيه زيادة بيان لأنه قد تقدم له أن: ما اعتلّت لامه إنما يأتي بالفتح.
قال الشيخ (1): «وأطلق المصنف في هذا الفصل وذلك أن ما ذكر على قسمين: إما أن يكون «فعل» - بكسر العين - «يفعل» - بفتحها - نحو: وجل يوجل، ووحل يوحل، ووددت أودّ، أو على «فعل يفعل» (2): إن كان فعل يفعل فالحكم كما ذكر (3) نحو: الموعد، والموهب، والموجدة وغيرها، وإن كان فعل يفعل فإما أن تتحرك الواو في المضارع أو تسكن، إن تحركت نحو: أودّ فتحتها في «المفعل» نحو: مودّة (4)، وإن لم تتحرك نحو: يوجل ويوحل فأكثر العرب يكسر العين فيهما، وبعضهم يفتح العين (5)» انتهى.
وهذا الذي ذكره الشيخ نبّه عليه ابن عصفور في المقرّب له (6)، وينبغي أن يعلم أن «مفعلا» المذكور في هذا الباب ليس بمصدر وإنما هو اسم مصدر، وكذا ما افتتح بميم من غير الثلاثي إذا لم يرد به اسم المفعول ولا الزمان ولا المكان، وقد تقدم التنبيه على ذلك في باب إعمال المصدر، وأن الإمام بدر الدين ولد المصنف جعل ذلك من قبيل أسماء المصادر (7)، وأن والده ليس في كلامه تعرّض لذلك، وأن ظاهره يعطي أن ذلك من قبيل المصادر، وكذا ظاهر كلامه في هذا الباب.
- الشافية (1/ 170).
(1)
انظر التذييل والتكميل (6/ 150) وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه.
(2)
أي بفتح العين في الماضي وكسرها في المضارع.
(3)
أي يجيء المصدر منه والزمان والمكان على مفعل بكسر العين، قال سيبويه في الكتاب (4/ 92)«هذا باب ما كان من هذا النحو من بنات الواو التي الواو فيهن فاء، فكل شيء كان من هذا فعل فإن المصدر منه من بنات الواو والمكان يبنى على مفعل، وذلك قولك للمكان: الموعد والموضع، والمورد، وفي المصدر: الموجدة والموعدة» وانظر شرح الشافية (1/ 170).
(4)
قال سيبويه في الكتاب (4/ 93)«وقالوا: مودّة لأن الواو تسلم ولا تقلب» وانظر شرح الشافية (1/ 170).
(5)
انظر الكتاب (4/ 93)، وشرح الشافية (1/ 170).
(6)
انظر المقرب (2/ 137).
(7)
انظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 418، 419).