الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[جواز إظهار «أن» وإضمارها بعد عاطف على اسم صريح وبعد لام التعليل]
قال ابن مالك: (تظهر «أن» وتضمر بعد عاطف الفعل على اسم صريح، وبعد لام الجرّ غير الجحوديّة ما لم يقترن الفعل بـ «لا» بعد اللّام فيتعيّن الإظهار، ولا تنصب «أن» محذوفة في غير المواضع المذكورة إلّا نادرا، وفي القياس
عليه خلاف).
ــ
وقولهم: مره يحفرها (1)، وقد روي: يحفرها بالجزم على الجواب، وبالنصب على إضمار «أن» ، وبالرفع على ما ذكرناه.
قال ناظر الجيش: قد تقدم أن «أن» الناصبة لها أحوال ثلاث: وجوب إضمار، وجواز إظهار وإضمار، ووجوب إظهار، ولما انتهى الكلام على الحالة الأولى حصل الشروع الآن في ذكر الحالتين الأخريين وهما جواز الأمرين، ووجوب الإظهار، فجواز الأمرين يكون بعد الحرفين اللذين تقدم ذكرهما وهما: لام الجر غير الجحودية ما لم يلها «لا» ، وحرف العطف الواقع قبله اسم وبعده فعل ووجوب الإظهار إذا ولي لام الجر المذكورة «لا» النافية.
قال الإمام بدر الدين (2): اطرد نصب [5/ 133] المضارع بإضمار «أن» جائزة الإظهار في موضعين:
أحدهما: أن يكون الفعل معطوفا على اسم صريح كقول الشاعر:
3908 -
ولبس عباءة وتقرّ عيني
…
أحبّ إليّ من لبس الشّفوف (3)
أراد: ولبس عباءة وأن تقر عيني، فحذف «أن» وأبقى عملها، ولو استقام الوزن بإظهار «أن» لكان أقيس، ولا يختص هنا الإضمار بالمعطوف بـ «الواو» بل يجوز -
- الشرح: الزاجري: أي الذي يكفني ويمنعني، ورواية الديوان: ألا أيهذا اللائمي: أي الذي يلومني، والوغى: الحرب، وقوله: وأن أشهد يروى في مكانه: وأن أحضر، والشاعر يقول: أنا لست خالدا ولا بد أن يأتيني الموت يوما، فليس مما يقتضيه العقل أن أقعد عن شهود الحرب ومنازلة الأقران مخافة أن أموت.
والشاهد في قوله: «أحضر الوغى» حيث رفع «أحضر» بعد حذف «أن» المصدرية، ويروى «أحضر» بالنصب، بـ «أن» المصدرية المحذوفة، قال الأعلم:(وقد يجوز النصب بإضمار «أن» ضرورة وهو مذهب الكوفيين). والبيت في الكتاب (3/ 99)، وابن يعيش (2/ 7)، والعيني (4/ 402).
(1)
انظر: الكتاب (3/ 99).
(2)
انظر: شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 48).
(3)
تقدم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في المعطوف بغيرها كـ «الفاء» و «ثم» و «أو» فمثاله بالفاء قول بعض الطائيين:
3909 -
لولا توقّع معتر فأرضيه
…
ما كنت أوثر أترابا على ترب (1)
ومثاله بـ «ثم» قول الآخر:
3910 -
إنّي وقتلي سليكا ثمّ أعقله
…
كالثّور يضرب لمّا عافت البقر (2)
ومثاله بـ «أو» قراءة السبعة إلّا نافعا: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا (3) بنصب (يرسل) عطفا على (وحيا،) وأصله: أو أن يرسل رسولا.
ومثله قول القائل:
3911 -
ولولا رجال من رزام أعزّة
…
وآل سليم أن أسوءك علقما (4)
والثاني: أن يكون بعد لام الجر غير المؤكد للنفي وهي لام التعليل كما في نحو:
جئت لتحسن، ولام العاقبة كما في قوله: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً (5) والزائدة كما في قوله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ (6) فإن الفعل إذا وقع بعد إحدى هذه اللامات كان نصيبا بإضمار «أن» لأن اللام حرف جر فهي كسائر عوامل الأسماء في امتناع دخولها على الأفعال فإذا وليها الفعل وجب أن يكون مقدرا بـ «أن» ليكون معها اسما مجرورا باللام فنصبوه بها وإن -
(1) هذا البيت من البسيط ولم يعلم قائله إلّا ما ذكره الإمام بدر الدين من أنه لبعض الطائيين، الشرح:
المعتر: المعترض للمعروف، والأتراب: جمع: ترب - بكسر التاء وسكون الراء - وترب الرجل: لدته وهو الذي يولد في الوقت الذي ولد فيه.
والشاهد فيه في قوله: «فأرضيه» حيث نصب بعد «الفاء» التي عطف بها على اسم غير شبيه بالفعل.
وانظر البيت في شرح التصريح (2/ 244)، والهمع (2/ 17)، والدرر اللوامع (2/ 11).
(2)
البيت من البحر البسيط وهو لأنس بن مدركة الخثعمي.
اللغة: سليك: اسم رجل من الصعاليك. أعقله: أدفع دينه. عافت: كرهت الشرب وغيره.
الشاهد فيه: نصب «أعقله» بأن مضمرة جوازا بعد «ثم» المسبوقة باسم خالص وهو «قتل» .
(3)
سورة الشورى: 51.
(4)
البيت من بحر الطويل وهو للحصين بن الحمام المري، ورزام: حي من تميم. وعلقما: منادى مرخم.
الشاهد فيه: نصب «أسوءك» بإضمار «أن» جوازا بعد «أو» المسبوقة باسم خالص وهو كون المقدر بعد «لولا» .
(5)
سورة القصص: 8.
(6)
سورة النساء: 26.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
شئت أظهرت «أن» نحو: جئت لئلّا يجيء، ولا يجوز إضمار «أن» بعد غير اللام من حروف الجر، خصوها بذلك لكثرة دور معناها في الكلام.
وقد تحذف «أن» قبل المضارع في غير المواضع فتلغى غالبا كقولهم: «تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه» (1)، وقول الشاعر:
3912 -
ألا أيّهذا الزّاجري أحضر الوغى
…
وأن أشهد اللّذّات هل أنت مخلدي (2)
وقول الآخر:
3913 -
وما راعني إلّا يسير بشرطة
…
وعهدي به قينا يفشّ بكير (3)
تقديره: أن تسمع، وعن أن أحضر، وإلّا أن يسير، ولكنهم رفعوا؛ لأنهم ألغوا «أن» لما ضعفت بالحذف على غير القياس، وقد لا يلغونها فينصبون بها المضارع كقوله:
3914 -
فلم أر مثلها خباسة واحد
…
ونهنهت نفسي بعد ما كدت أفعله (4)
قال سيبويه (5): أراد بعد ما كدت أن أفعله، وهو قليل لا يقاس عليه، ورآه -
(1) هذا مثل يضرب لمن خبره خير من مرآه، و «المعيديّ»: تصغير معدي بتخفيف الدال، وقال ابن السكيت: هو تصغير معدّي إلّا أنه إذا اجتمعت تشديدة الحرف وتشديدة ياء النسبة خففت ياء النسبة».
(2)
تقدم.
(3)
هذا البيت من الطويل لقائل مجهول.
الشرح: قوله: إلا يسير: يسير: فعل مضارع من السير، ووقع فاعلا لـ «راعني» بتقدير «أن» المصدرية أي: وما راعني إلّا أن يسير، أي سيره، وقوله: بشرطة متعلق بـ «يسير» وهو بضم الشين، وفتح الطاء، بمعنى: الشرطي، والعين: الحداد، ويفش: من فش الكير نفسه: إذا أخرج ما فيه من الريح، و «الكير» بكسر الكاف: كير الحداد وهو زق أو جلد غليظ، والمعنى: أتعجب منه.
وقد كان أمس حدادا ينفخ بالكير واليوم رأيته صار والي الشرط.
والشاهد في قوله: «إلا يسير» حيث رفع حين حذفت «أن» المصدرية قبله، والبيت في الخصائص (2/ 434)، وابن يعيش (4/ 27).
(4)
هذا البيت من الطويل نسب لعامر بن جوين الطائي أو لعامر بن الطفيل.
الشرح قوله: فلم أر: الفاء للعطف. وخباسة: بضم الخاء: المغنم. ونهنهت: زجرت، وما في «ما كدت» مصدرية والتقدير: بعد قربي من الفعل.
والشاهد فيه: «أفعله» ؛ حيث نصب لأن أصله: أن أفعله فحذفت «أن» وبقي عملها وهو النصب، قاله سيبويه والبيت في الكتاب (1/ 307)(هارون) والإنصاف (561)، والمقرب (1/ 270)، والهمع (1/ 58)، (2/ 18) والدرر (1/ 33)، (2/ 13).
(5)
قال في الكتاب (1/ 307)(هارون): (فحملوه على «أن»؛ لأن الشعراء قد يستعملون «أن» ها هنا مضطرين كثيرا).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الكوفيون مقيسا (1)، وحكوا: خذ اللصّ قبل يأخذك (2)، وأنشدوا:
3915 -
ألأ أيّهذا الزّاجري أحضر الوغى (3)
انتهى كلام الإمام بدر الدين رحمه الله تعالى (4).
ولما كان الملفوظ به العاطف إذا لم تذكر «أن» فعلا قال المصنف: بعد عاطف الفعل، وإن كان العاطف في الحقيقة إنما عطف اسما مقدرا على الاسم الذي قبله.
وقوله: (على اسم) يشمل ما كان مصدرا، وما كان اسما غير مصدر كما في الأمثلة التي ذكرت.
وأما قوله: صريح فقال الشيخ (5): احترز به من العطف على المصدر المتوهّم، فإن ذلك يجب فيه إضمار «أن» ، وما قاله الشيخ غير ظاهر، فإن هذا الكلام يقتضي أن المصدر المتوهم كان مقدرا قبل العطف، فلما جاء العاطف عطف عليه، وليس الأمر كذلك، وإنما لما حصل العطف ونصب الفعل بـ «أن» مقدرة تعين أن يقدر قبل العاطف مصدرا متوهّما ليصح عطف الاسم المقدر عليه، وإذا كان كذلك فلا يتجه القو بأنه احترز بـ (صريح) من العطف على المصدر المتوهم، والذي يظهر بل ربما يتعين أنه احترز بقوله:(صريح) عما احترز عنه بقوله في الألفية:
(خالص) حيث قال:
وإن على اسم خالص فعل عطف
…
تنصبه أن ثابتا أو منحذف
وفسر ولده بدر الدين ذلك بأن يكون غير مقصود به معنى الفعل، قال (6): واحترز بذلك من نحو: الطائر فيغضب زيد الذّباب، فإن:«يغضب» معطوف على اسم الفاعل، ولا يمكن أن ينصب؛ لأن اسم الفاعل مؤول بالفعل؛ لأن التقدير: الذي يطير فيغضب زيد الذباب.
ثم إننا نشير بعد هذا إلى أمرين:
أحدهما: أنك قد عرفت من كلام بدر الدين أن «لام الجر» التي يجوز إظهار «أن» بعدها وإضمارها وهي غير التي للجحود ثلاثة أقسام: لام التعليل، ولام العاقبة، والزائدة. -
(1) انظر: الإنصاف (559) وما بعدها مسألة رقم (77).
(2)
انظر: الأشموني (3/ 315).
(3)
سبق شرحه والتعليق عليه، والشاهد فيه هنا نصب «أحضر» بـ «أن» المصدرية المحذوفة على مذهب الكوفيين.
(4)
انظر: شرح التسهيل (4/ 50).
(5)
انظر: التذييل (6/ 681).
(6)
انظر: شرح ابن الناظم (269).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فأما لام التعليل فهي الأصل، وأما لام العاقبة وهي التي تسمى: لام الصيرورة، ولام المآل أيضا (1) كالتي في قوله تعالى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً (2)، وفي قوله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها (3)، ومنه قول العرب:
3916 -
لدوا للموت وابنوا للخراب (4)
فالمنقول أن المثبت لها الكوفيون (5)، وعزي إلى الأخفش أيضا (6)، وأن البصريين لا يخرجونها عن التعليل فيجعلونها في مثل ذلك لام السبب على جهة المجاز؛ لأنه لما كان ناشئا عن التقاط موسى صلى الله عليه وسلم، كونه صار عدوّا، صار كأنه التقط لذلك، وإن كان التقاطه في الحقيقة إنما كان ليكون لهم حبيبا وابنا (7)، وكذلك
يقال في الآية الشريفة التي هي وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها، وكذا يقال في قولهم:
لدوا للموت وابنوا للخراب
قال الزمخشري في تفسير قوله تعالى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ
…
الآية (8). -
(1) لام العاقبة ولام المآل من تسميات البصريين، والصيرورة من تسميات الكوفيين.
انظر: البيان في غريب إعراب القرآن (2/ 229)، والمغني (ص 214)، وشبه الجملة واستعمالاتها في القرآن الكريم (رسالة)(ص 244).
(2)
سورة القصص: 8.
(3)
سورة الأنعام: 123.
(4)
أورد المؤلف هذا القول على أنه منثور، والحق أنه قول منظوم فهو صدر بيت من الوافر وعجزه:
فكلكم يصير إلى ذهاب
وقد نسب إلى الإمام علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - واستشهد به على أن «اللام» في «للموت» وكذا «للخراب» تسمى لام العاقبة ولام المآل أيضا، وهو مذهب الكوفيين. والبصريون يجعلونها لام العلة على جهة المجاز. والبيت في شرح الكافية للرضي (2/ 328)، وشرح التصريح (2/ 12).
(5)
انظر: التذييل (6/ 686).
(6)
انظر: المرجع السابق، وشرح التصريح (2/ 11)، والهمع (2/ 32)، ومنهج الأخفش الأوسط (ص 223) وشبه الجملة واستعمالاتها في القرآن الكريم (ص 244).
(7)
انظر: التذييل (6/ 687)، والمغني (ص 214)، وشبه الجملة (ص 244).
(8)
يوجد بياض في جميع النسخ وإتماما للفائدة أنقل تعليق الزمخشري على الآية من الكشاف (3/ 309) يقول: «اللام في: لِيَكُونَ هي لام «كي» التي معناها التعليل كقولك: جئتك لتكرمني سواء -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأما «اللام» في قوله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ (1) فهي ثالثة الأقسام، وقد حكم بدر الدين بزيادتها كما عرفت، لكن قال الشيخ (2): دعوى الزيادة على خلاف الأصل. ثم ذكر في نحوها أقوالا ثلاثة:
أحدها: للفراء قال (3): زعم الفراء (4) أن العرب تجعل [5/ 134] لام «كي» في موضع «أن» في أردت وأمرت، قال الله تعالى يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ، يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا (5) وأَنْ يُطْفِؤُا (6)، إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ (7).
وقال الشاعر (8).
3917 -
أريد لأنسى ذكرها فكأنّما
…
تخيّل لي ليلى بكلّ طريق (9)
وقال تعالى: وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ (10)، وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ (11)، وإلى ما ذهب إليه الفراء ذهب الكسائي. -
- بسواء، ولكن معنى التعليل فيها وارد على طريق المجاز دون الحقيقة؛ لأنه لم يكن داعيهم إلى الالتقاط أن يكون لهم عدوّا وحزنا ولكن المحبة والتبني، غير أن ذلك لما كان نتيجة التقاطهم له وثمرته، شبه الداعي الذي يفعل الفاعل الفعل لأجله وهو: الإكرام الذي هو نتيجة المجيء، والتأدب الذي هو ثمرة الضرب في قولك: ضربته ليتأدب، وتحريره: أن هذه اللام حكمها حكم الأسد، حيث استعيرت لما يشبه التعليل كما يستعار الأسد لمن يشبه الأسد» اه.
(1)
سورة النساء: 26.
(2)
انظر: التذييل (6/ 685).
(3)
انظر: التذييل (683 - 686) وقد نقله عنه بتصرف.
(4)
انظر: معاني القرآن (1/ 221، 261).
(5)
سورة الصف: 8.
(6)
سورة التوبة: 32.
(7)
سورة الأحزاب: 33.
(8)
هو كثير عزة كما ذكر السيوطي في شواهد المغني (ص 581).
(9)
هذا البيت من الطويل، قائله كثير عزة شرح شواهد المغني (ص 581).
تمثل لي ليلى بكل سبيل
والشاهد في قوله: أريد لأنسى فإن اللام فيه لام «كي» ووضعت في موضع «أن» بعد «أريد» وأصله:
أريد أن أنسى وهذا مذهب الفراء والكسائي كما قال الشيخ أبو حيان. والبيت في المغني (ص 216)، وشرح شواهده (ص 65، 580) والمغني بحاشية الأمير (1/ 180)، وحاشية الدسوقي (1/ 227).
(10)
سورة الأنعام: 71.
(11)
سورة غافر: 66.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثانيها: ذهب سيبويه (1) وأصحابه إلى أن اللام دخلت هنا لإرادة المصدر، كأنه قيل: الإرادة للبيان وإرادتي لهذا.
قال (2): وكلا المذهبين ضعيف، أما مذهب الفراء فمبناه على أن اللام عاملة النصب لوقوعها موقع «أن» وقد علم أن اللام حرف جر، وليس من شأنها أن ينصب بها، قال: وقد قال أبو إسحاق (3): لو كانت اللام بمعنى «أن» لم يجز اجتماعها مع «كي» لأن «أن» لا تدخل على «كي» ، وأما مذهب سيبويه فلوجهين:
أحدهما: أنه سبك مصدرا من غير حرف سابك مع الفعل.
والثاني: أنه لو كان كما ذهب إليه لجاز: ضربت لزيد على معنى: الضرب لزيد، وهذا لا يجوز.
ثالثها: القول بالزيادة، قال (4): والصحيح أن اللام في هذين الفعلين كهي مع غيرهما من الأفعال، قال: وإنما حمل الفراء وسيبويه وابن المصنف على ما ذهبوا إليه كونهم لم يجدوا مفعولا لـ «أراد» فجعلوا ما دخلت عليه اللام منصبّا عليه الفعل السابق، فادعى الفراء أن اللام وقعت موقع «أن» ولا سيما وقد وجد ذلك مصرحا به في نحو: وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ (5) ويُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا (6) فتأول الحرف.
وسيبويه تأول الفعل بأن جعله بمعنى المصدر وأنه في موضع رفع بالابتداء، قال (7): والذي نختاره ما اختاره بعض أصحابنا من أن مفعول «يريد» محذوف، ومتعلق «أمر» محذوف والتقدير: يريد الله ما يريد ليبين لكم، وأمرنا بما أمرنا لنسلم، وأما قوله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا، وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ فلا يتعين أن تكون «أن» والفعل متعلق الفعل السابق؛ إذ يحتمل أيضا حذف المفعول وأن «أن» مضمر قبلها حرف الجر؛ لأن حرف الجر يضمر قبلها كثيرا، والتقدير: يريدون ما يريدون من الكفر والمكر أن يطفئوا أي: ليطفئوا، فتكون إذ ذاك لام العلة، وكذلك وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ أي: أمرت بما أمرت أن أسلم أي: -
(1) قال في الكتاب (3/ 161): «وسألته - يعني الخليل - عن معنى قوله: أريد لأن أفعل، فقال:
إنما يريد أن يقول: إرادتي لهذا».
(2)
أي: أبو حيان.
(3)
انظر: معاني القرآن للزجاج (2/ 43).
(4)
أي: أبو حيان.
(5)
سورة غافر: 66.
(6)
سورة التوبة: 32.
(7)
أي: أبو حيان.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأن أسلم، قال: فيكون المعنيان في ذكر اللام وحذفها سواء، وحذف المفعول لدلالة المعنى عليه. انتهى.
وهذا الذي ذكره من التخريج في يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا، وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ يبعد وإذا كان ما بعد «يريدون» و «أمرت» صالحا لتسلطهما عليه استغنى عن تقدير مفعول محذوف، ويدل على أن أَنْ يُطْفِؤُا، وأَنْ أُسْلِمَ متعلقان بما قبلهما قوله تعالى: إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها (1) فإن المقصود من هذه الآية الشريفة الحصر، إذ المعنى: ما أمرت إلا بعبادة الله تعالى، وإذا جعل التقدير: إنما أمرت بما أمرت لأن أعبد فات معنى الحصر مع أنه هو المقصود، وإذا ثبت في ذلك في هذه الآية الشريفة تعيّن أن يثبت في ما هو نظيرها، والمحوج إلى تقدير مفعول محذوف في نحو قوله تعالى يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ، ويُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا، ووَ أُمِرْنا لِنُسْلِمَ إنما هو عدم صلاحية مدخول «اللام» للمفعولية، فإذا كان ما بعد يُرِيدُونَ» أو أُمِرْتُ * صالحا لأن يكون مفعولا انتفى الاحتياج إلى التقدير (2).
الأمر الثاني: أن الشيخ ذكر في شرحه فروقا بين اللامين - أعني لام الجحود ولام «كي» - فقال (3): «ولما كان بين لام الجحود ولام «كي» قدر مشترك من كونهما حرفي جر، وكونهما تضمر «أن» بعدهما - وإن اختلفت جهتا الإضمار - فإنه واجب مع لام الجحود جائز مع لام «كي» ، أردنا أن نذكر ما بينهما من الفرق:
فمنها: ما ذكر من حكم الإضمار (4).
ومنها: أن فاعل لام الجحود لا يكون غير مرفوع «كان» فلا يجوز: ما كان زيد ليذهب عمرو. -
(1) سورة النمل: 91.
(2)
أي انتفى الاحتياج الى تقدير مفعول محذوف وإضمار حرف الجر قبل «أن» وثبت أن قوله تعالى:
أَنْ يُطْفِؤُا وأَنْ أُسْلِمَ متعلقان بما قبلهما، وهذا رد على أبي حيان الذي ذهب إلى احتمال حذف المفعول وإضمار حرف الجر قبل «أن» وما ذهب إليه المؤلف أولى لبعده عن التكلف بعدم التأويل لأن ما بعد «يريدون» و «أمرت» صالحا لتسلطهما عليه.
(3)
انظر: التذييل (6/ 687 - 689) وقد نقله المؤلف عنه بتصرف.
(4)
أي إضمار «أن» من حيث وجوبه مع لام الجحود وجوازه مع لام «كي» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومنها: أنه لا يقع قبلها فعل مستقبل فلا تقول: لن يكون زيد ليفعل، ويجوز ذلك في الفعل قبل لام «كي» فتقول: سأتوب ليغفر الله لي.
ومنها: أن الفعل المنفي لا يكون مقيدا بظرف فلا يجوز: ما كان زيد أمس ليضرب عمرا، أو يوم كذا ليفعل، ويجوز ذلك في الفعل قبل لام «كي» فتقول: جاء زيد أمس ليضرب عمرا.
[ومنها: أنه لا يوجب الفعل معها فلا يجوز: ما كان زيد إلا ليضرب عمرا] ويجوز ذلك مع لام «كي» فتقول: ما جاء زيد إلا ليضرب عمرا.
[ومنها: أنه لا يقع موقعها «كي» لا تقول: ما كان زيد كي يضرب عمرا].
ويجوز ذلك في لام «كي» فتقول: جاء زيد كي يضرب عمرا.
ومنها: أن المنصوب بعدها لا يكون سببا فيما قبلها، وهو كذلك بعد لام «كي» .
ومنها: أن النفي متسلط مع لام الجحود على ما قبلها وهو المحذوف الذي تتعلق به اللام، فيلزم من نفيه نفي ما بعد اللام، وذلك على مذهب البصريين (1)، وفي لام «كي» يتسلط على ما بعدها نحو: ما جاء زيد ليضربك، فينتفي الضرب خاصة ولا ينتفي المجيء إلا بقرينة تدل على انتفائه.
ومنها: أن لام الجحود لا تتعلق إلا بمعنى الفعل الواجب حذفه، فإذا قلت: ما كان زيد ليقوم فكأنك قلت: ما كان زيد مستعدّا للقيام، يقدّر في كل موضع ما يليق به على حسب مساق الكلام، ففي قوله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ (2) تقديره: مريدا لإطلاعكم على الغيب، وأما لام «كي» فإنها متعلقة بالفعل الظاهر الذي هو معمول للفعل الذي دخلت عليه.
ومنها: أن لام الجحود تقع بعد ما لا يستقل أن يكون كلاما دونها، ولام «كي» لا تقع إلا بعد ما يستقل كلاما، فأما قول الشاعر: -
(1) الذين يرون أن ما بعد اللام ليس خبرا لـ «كان» وإنما الخبر محذوف وقدروه في: ما كان زيد ليفعل: ما كان زيد مريدا ليفعل، واللام متعلقة بذلك المحذوف على مذهبهم، وذهب الكوفيون إلى أن ما بعد اللام هو الخبر واللام للتوكيد، وانظر: الأشموني (3/ 292، 293).
(2)
سورة آل عمران: 179.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
3918 -
فما جمع ليغلب جمع قومي
…
مقارنة ولا فرد لفرد (1)
فظاهره أن لام «كي» دخلت بعد ما لا يستقل كلاما؛ لأنه لم يتقدمها إلا قوله: فما جمع وليس بكلام، وتأوله الفراء (2) على أن لام [5/ 135]«كي» دخلت على اسم لا فعل له؛ لأن الاسم مأخوذ من الفعل ودالّ عليه، والتقدير عنده: فما قوم يجتمعون ليغلبوا، فأدى «جمع» هذا المعنى، وهذا التأويل ليس بجيد؛ لأن لام «كي» مع ما بعدها من الفضلات وما قبلها لا يكون إلا مستقلّا، ولو صرح بقوله: فما قوم يجتمعون لم يكن أيضا كلاما.
وتأوّله بعض أصحابنا على أن اللام فيه لام الجحود و «كان» مضمرة لدلالة المعنى عليه، التقدير: فما كان جمع ليغلب جمع قومي، قال (3): قال هذا المتأوّل: ونظير ذلك قول أبي الدرداء (4) في الركعتين بعد العصر: «ما أنا لأدعهما» (5)، أي: ما كنت لأدعهما، فأضمر «كان» فانفصل الضمير الذي هو اسمها. انتهى ما أشار إليه من الفروق، ولا يخفى أن بعض ما ذكره غير محتاج إلى التنبيه عليه؛ لأن ذلك يعرف من جهة المعنى الذي وضع الحرف له مثلا قوله: إن المنصوب بعد لام الجحود لا يكون سببا فيما قبلها، بخلاف لام «كي» ، يقال فيه: كيف يتصور ذلك ولام «كي» إنما هي للتعليل؟ فوضعها أن تكون داخلة على ما هو علة وسبب، ولام الجحود وضعها أن تكون لتوكيد النفي الذي تقدمها، فالمنافاة بينهما في ذلك حاصلة بالوضع.
وكذا قوله أولا: إن إضمار «أن» مع لام الجحود واجب ومع لام «كي» -
(1) هذا البيت من الوافر لقائل مجهول.
والشاهد فيه قوله: «فما جمع ليغلب» حيث يوحي ظاهره بأن لام «كي» دخلت بعد ما لا يستقل كلاما وهذا ليس من شأنها، وتأوله الفراء على أن لام «كي» دخلت على اسم لا فعل له، والتقدير عنده: فما قوم يجتمعون ليغلبوا. وأولوه على أن اللام فيه لام الجحود و «كان» مضمرة بعد النفي، والتقدير: فما كان جمع ليغلب جمع قومي. والبيت في المغني (ص 212)، وشرح شواهده (ص 562)، والأشموني (3/ 293).
(2)
انظر: الارتشاف (2/ 401) تحقيق د/ مصطفى النحاس.
(3)
أي: أبو حيان.
(4)
أبو الدرداء: اسمه عويمر بن زيد، صحابي جليل، حكيم هذه الأمة، وسيد القراء بدمشق، توفي سنة (33 هـ). انظر ترجمته في طبقات القراء (1/ 606)، والإصابة (3/ 46)، وسير أعلام النبلاء (2/ 335).
(5)
انظر: المغني (ص 212)، والأشموني (3/ 294).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
جائز. فإن هذا هو حكم كل منهما.
وحاصل الأمر: أن الحرفين المذكورين لم يكن بينهما اجتماع في شيء فيحتاج إلى أن يفرق بينهما، غاية ما في الباب أن لفظهما مشترك فيه بين المعنيين، وأما في المعنى فليس بينهما اشتراك في شيء منه، وإنما يحتاج إلى الفرق بين أمرين إذا اشتركا في معنى وافترقا في آخر.
وأما قول المصنف: ولا تنصب «أن» محذوفة في غير المواضع المذكورة إلّا نادرا، وفي القياس عليه خلاف فظاهر، لكن في كلام الشيخ أن حذف «أن» من أصله في غير المواضع المذكورة فيه خلاف، فإنه قال في الارتشاف (1): ولا يجوز أن تحذف «أن» في غير ما تقدم ذكره، بل يجب إظهارها، هذا مذهب جماعة؛ منهم متأخرو أصحابنا، وذهب جماعة إلى أنه يجوز حذفها في غير تلك المواضع، واختلفوا فذهب أكثرهم إلى وجوب رفع الفعل بعد الحذف، وهو مذهب أبي الحسن (2)، ومذهب أبو العباس (3) إلى أن العمل يبقى بعد الحذف. انتهى.
ولكنه استشهد في الشرح (4) على الحذف بعد ذكر الأبيات التي تقدم إنشادها بقوله تعالى: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ (5) أي: أن أعبد، وبقوله تعالى:
وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ (6) أي: أن لا تعبدوا إلا الله.
وبعد أن ثبت الحذف في هاتين الآيتين الشريفتين كيف يسوغ القول بمنعه؟ على أن الشيخ بعد ذكر آيات الكتاب العزيز، وذكر ما تقدم من الأبيات قال (7): وفي هذه الشواهد دليل على جواز الحذف ثم قال: ولأن الحذف مع لام «كي» وبعد العاطف على اسم إنما هو للدلالة على الناصب وكذلك في هذه المواضع؛ لأن العامل إذا تسلط على الفعل - وليس من عوامله - علم أنه لا يعمل فيه فاحتيج إلى سابك لذلك الفعل إلى الاسم فجاز الحذف لهذا المعنى. انتهى.
(1) انظر: الارتشاف (2/ 422، 423).
(2)
انظر: الهمع (2/ 17)، ومنهج الأخفش الأوسط (ص 255).
(3)
انظر: الهمع (2/ 17)، والإنصاف (ص 559) وما بعدها مسألة رقم (77).
(4)
انظر: التذييل (6/ 691).
(5)
سورة الزمر: 64.
(6)
سورة البقرة: 83.
(7)
التذييل والتكميل (6/ 691).