الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[إضمار «أن» وجوبا بعد واو المعية في الأجوبة المذكورة]
قال ابن مالك: (فصل: وتضمر «أن» النّاصبة أيضا لزوما بعد «واو» الجمع واقعة في مواضع «الفاء» فإن عطف بهما أو بـ «أو» على فعل قبل، أو قصد الاستئناف بطل إضمار «أن»، ويميّز «واو» الجمع تقدير «مع» موضعها، و «فاء» الجواب تقدير شرط قبلها أو حال مكانها).
ــ
الاستثبات، بأن يقول القائل: أسير فتقول له: متى؟ فإنك لو اقتصرت على قولك:
متى جاز بخلاف أن يكون ابتداء استفهام فإنه لا يجوز فإذا كان كذلك كان الفعل مدلولا عليه بسابق الكلام فكأنه ملفوظ فيجوز ذلك لهذا المعنى. انتهى.
وما قاله غير ظاهر؛ فإن الكوفيين صرحوا بأن الحذف إنما هو لدلالة الجواب كما تقدم نقل الإمام بدر الدين لذلك عنهم.
المسألة الثالثة:
أن النفي قد يلحق به غيره فينصب الجواب حينئذ، والذي ألحق بالنفي شيئان:
التقليل والتشبيه، قال المصنف في شرح الكافية (1): التقليل يجري مجرى النفي في إيلائه جوابا منصوبا فيقال: قلما تأتينا فتحدثنا كما يقال: ما تأتينا فتحدثنا؛ فجواز هذا وأمثاله متفق عليه، وزاد الكوفيون إجراء التشبيه مجرى النفي نحو: كأنك أسير فنطيعك لأن فيه معنى: ما أنت أمير فنطيعك.
المسألة الرابعة:
أن «قد» ينفى بها فينصب الجواب بعدها، وتقدم ذكر ما حكاه ابن سيده من ذلك عن بعض فصحاء العرب وهو: قد كنت في خير فتعرفه.
قال ناظر الجيش: قال المصنف في شرح الكافية (2) بعد ذكر «الفاء» ومواقعها: فلو وقع موقع الفاء «واو» مقصود بها المصاحبة نصب الفعل أيضا بعدها على نحو ما ينصب بعد الفاء، فمن ذلك قول الشاعر (3): -
(1) انظر: شرح الكافية الشافية (2/ 1555).
(2)
انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1547) وما بعدها.
(3)
نسبه في الكتاب (3/ 41) للأخطل، وكذا فعل ابن يعيش (7/ 24)، ونسبه الزمخشري في -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
3874 -
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
…
عار عليك إذا فعلت عظيم (1)
ومثله قول الآخر (2):
3875 -
فقلت ادعي وأدعو إنّ أندى
…
لصوت أن ينادي داعيان (3)
ومثله قول الآخر في النفي:
3876 -
ألم أك جاركم ويكون بيني
…
وبينكم المودّة والإخاء (4)
ومن النصب [5/ 123] بعد «واو» الجمع الواقعة بعد نفي قوله تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (5).
ومن النصب بعدها في التمني قوله تعالى: يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (6) في قراءة حمزة (7) وحفص (8).
قال ابن السراج (9): الواو ينصب ما بعدها في غير الواجب من حيث انتصب ما -
- المستقصى (2/ 260) للمتوكل الكناني، ونسب لسابق البربري، وللطرماح بن حكيم، والمشهور أنه من قصيدة لأبي الأسود الدؤلي انظر ملحقات ديوانه (ص 130).
(1)
هذا البيت من الكامل. واستشهد به: على نصب المضارع في قوله: «وتأتي» بـ «بأن» مضمرة بعد الواو التي للمصاحبة لوقوعها بعد النهي. وانظر البيت في الكتاب (3/ 41)، والمقتضب (2/ 16) والأصول لابن السراج (2/ 128)، وابن يعيش (7/ 24)، والعيني (4/ 393)، والمغني (ص 361) والخزانة (3/ 617).
(2)
نسب في الكتاب (3/ 45) للأعشى وليس في ديوانه، ونسبه الزمخشري في المفصل (ص 248) لربيعة بن جشم، وابن يعيش (7/ 33) للحطيئة، أو الأعشى، وعزاه ابن بري لدثار بن شيبان النمري.
(3)
هذا البيت من الوافر ومعناه: قلت لهذه المرأة ينبغي أن يجتمع صوتي وصوتك في الاستغاثة فإن أرفع صوت دعاء داعيين.
والشاهد فيه: قوله: «وأدعو» حيث نصب بعد الواو التي للمصاحبة لوقوعها بعد الأمر. وانظر البيت في الكتاب (3/ 45) ومعاني القرآن للفراء (2/ 314)، والمفصل (ص 248)، وابن يعيش (7/ 33).
(4)
تقدم.
(5)
سورة آل عمران: 142.
(6)
سورة الأنعام: 27.
(7)
حمزة بن حبيب بن عمارة أحد القراء السبعة، انعقد الإجماع على تلقي قراءاته بالقبول. توفي سنة (156 هـ) انظر طبقات القراء (1/ 261).
(8)
انظر: الحجة لابن خالويه (ص 137) والكشف (1/ 427).
(9)
انظر: الأصول لابن السراج (2/ 154).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بعد «الفاء» وإنما تكون كذلك إذا لم ترد الاشتراك بين الفعل والفعل، وأوردت عطف الفعل على مصدر الفعل الذي قبلها كما كان في «الفاء» وأضمرت «أن» وتكون الواو في هذا الموضع بمعنى «مع» فقط.
وقال ولده بدر الدين (1): الواو حرف عطف ويقع المضارع بعدها على أربعة أوجه: لأنه إما مشارك لما قبلها في حكمه، وإما مخالف له وذلك إذا كان ما قبل «الواو» غير واجب وما بعدها إما مستأنف وإما مصاحب عطف لنفي الجمع غير مبني على مبتدأ محذوف أو مبني على مبتدأ محذوف.
فإذا قصد بالمضارع بعد «الواو» إشراكه فيما قبلها تبعه في إعرابه، وإن قصد به أنه مستأنف أو مصاحب عطف لنفي الجمع وهو مبني على مبتدأ محذوف رفع كقولك: ما تأتيني وتحدثني على استئناف إثبات الحديث بعد نفي الإتيان، أو على نفي الجمع بين الإتيان والحديث والذهاب إلى معنى: وأنت تحدثنا، وإن قصد به أنه مصاحب عطف لإفادة نفي الجمع وليس مبنيّا على مبتدأ محذوف نصب كقولك:
ما تأتينا وتحدثنا على نفي الجمع بين الإتيان والحديث على معنى: ما تأتينا محدثا؛ أي: تأتي ولا تحدث، ونصبه عند الكوفيين (2) بـ «الواو» وعند البصريين (3) بـ «أن» لازمة الإضمار وما قبل «الواو» في تأويل مصدر معمول لفعل محذوف ليصح العطف عليه والتقدير: ما كان منك إتيان وحديث، فنصبوا الفعل على هذا التأويل ليدلوا على المصاحبة ونفي الجمع، وإنما يكون ذلك في مواضع الفاء.
أما الأمر: فكقولك: زرني وأزورك، بالنصب؛ على معنى: زرني مع زيارتي لك، أي: اجمع بين الزيارتين، والتقدير: لتكون زيارة منك وزيارة مني قال الشاعر:
3877 -
فقلت ادعي وأدعو إنّ أندى
…
لصوت أن ينادي داعيان (4)
وأما النهي: فكقولك: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، والتقدير: لا يكن منك أكل السمك وشرب اللبن، ويجوز فيه الجزم على التشريك والنهي عن كل من المفعولين، والرفع على إضمار مبتدأ و «الواو» للحال كأنه قيل: لا تأكل السمك -
(1) انظر: شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 35).
(2)
انظر الهمع (2/ 14).
(3)
المرجع السابق.
(4)
تقدم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأنت تشرب اللبن أي: في حال شربك اللبن، أو على الاستئناف كأنه قيل:
ومشروبك اللبن أكلت السمك أو لم تأكله، فأما قول الأخطل:
3878 -
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
…
عار عليك إذا فعلت عظيم (1)
فالنصب على معنى: لا تجمع بين أن تنهى وتأتي، ولو جزم كان المعنى فاسدا، ولو رفع جاز على إضمار مبتدأ و «الواو» للحال لا على الاستئناف.
وأما الدعاء: فكقولك: رب وفقني وأطيعك، فينصب فيه ما بعد الواو كما في قول الآمر. وأما الاستفهام: فكقولك: هل تأتينا وتحدثنا؟ فتنصب على معنى: هل يكون منك إتيان وحديث، وإن شئت رفعت على الاشتراك في الاستفهام، أو على إضمار مبتدأ وقصد الحال، أو على الاستئناف.
وأما النفي: فكقولك: لا يسعني شيء ويعجز عنك (2)، كما قال تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (3)، وقال الأخطل (4):
3879 -
ألم أك جاركم ويكون بيني
…
وبينكم المودّة والإخاء (5)
وإن شئت رفعت على ما رفعت عليه بعد الاستفهام.
وأما العرض: فكقولك: ألا تنزل وتصيب خيرا.
وأما التحضيض: فكقولك: هلا أمرت وتطاع، ينصب فيهما (6) ما بعد الواو كما في النفي والاستفهام.
وأما التمني: فكقولك: ليتك تأتيني وتحدثني، فتنصب على معنى: ليتك تجمع بين الإتيان والحديث، والتقدير: ليتك كان منك إتيان وحديث، ومثله قراءة حمزة وعاصم (7): يليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين (8)، وإن شئت -
(1) تقدم.
(2)
من أمثلة الكتاب (3/ 43).
(3)
سورة آل عمران: 142.
(4)
هكذا في نسخة (جـ)، (أ) والصواب أنه للحطيئة.
(5)
تقدم.
(6)
أي: في العرض والتحضيض.
(7)
انظر الحجة لابن خالويه (ص 137)، والكشف (1/ 427)، وقد روى حفص عن عاصم فنسبت القراءة إليه.
(8)
سورة الأنعام: 27.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رفعت على الاشتراك بين الفعلين في معنى التمني، أو على إضمار مبتدأ وقصد الحال، أو على الاستئناف.
وقد نبّه (1) على وجه ترك النصب بإضمار «أن» بعد «أو» و «الفاء» و «الواو» بقوله: فإن عطف بهما أو بـ «أو» على فعل، أو قصد الاستئناف بطل إضمار «أن» يعني أن هذه الأحرف إذا قصد بها عطف ما بعدها على فعل قبلها وإشراكه في حكمه تبعه في الإعراب وبطل النصب بإضمار «أن» وقد فاته التنبيه على بطلان النصب بإضمار «أن» إذا قصد بناء ما بعد هذه الأحرف على مبتدأ محذوف، وقد مضى شرح هذا كله وتمثيله.
والأحسن أن يقال: فإن بني ما بعدهما أو بعد «أو» على مبتدأ محذوف أو عطف على فعل قبل، أو قصد الاستئناف بطل إضمار «أن» .
ويميّز «واو» الجمع من «الواو» العاطفة: صحة تقدير «مع» موضعها؛ لأن «واو» الجمع إنما تكون في مقام نفي أو طلب للجمع بين فعلين، ومتى نفيت أو طلبت فعلا معلقا به «مع» مضافة إلى مصدر فقد أفدت نفي الجمع بين ما
قبلها وما بعدها أو طلبه، ألا ترى أنك إذا قلت: لا تأكل السمك وتشرب اللبن فنصبت لأنك جعلت «الواو» للجمع وأردت النهي عن الجمع بين الفعلين لا عن واحد منهما كيف يصح أن تجعل فيه «مع» مكان «الواو» فيقال: لا تأكل السمك مع شرب اللبن؟ [5/ 124] لأنك إذا نهيته عن الأكل المقيد بمصاحبة الشرب فلم تنهه عن الأكل وحده ولا عن الشرب وحده، ولكن عن الجمع بينهما وذلك هو المعنى المراد في النصب.
ويميّز «فاء» الجواب من العاطفة: صحة تقدير: شرط قبلها أو حال مكانها؛ لأن المراد بـ «فاء» الجواب الفاء التي يصح نصب الفعل بعدها بإضمار «أن» وتلك هي الواقعة إما قبل مسبب انتفى سببه وأصبح حينئذ تقدير شرط قبل الفاء كما إذا قصد الإخبار بنفي الحديث لانتفاء الإتيان فقلت: ما تأتينا فتحدثنا، فإن يصح فيه أن يقال: ما تأتينا وإن تأتنا فتحدثنا، وإما بين أمرين أريد نفي اجتماعهما فيصح تقدير حال مكانها كما إذا قصدت أن تنفي اجتماع الحديث والإتيان فقلت: ما -
(1) أي المصنف في متن التسهيل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تأتينا فتحدثنا؛ فإنه يصح فيه أن يقال: ما تأتينا محدثا، فإن النفي إذا دخل على الفعل المقيد بالحال لم ينفه مطلقا إنما ينفيه بقيد تلك الحال فهو ينفي الجمع بينه وبينها وذلك هو المعنى المقصود من النصب على الوجه المذكور.
هذا آخر كلام الإمام بدر الدين ولا يخفى حسنه ولطفه.
ولنشر هنا إلى أمرين:
الأول: كلام ابن عصفور يقتضي أن من شرط صحة النصب بعد «الواو» أن يتقدم عليها فعل أو ما فيه معنى الفعل، وكذا يكون الحكم مع «الفاء» أيضا إذ لا فرق بينهما في الأحكام المذكورة في هذا الفصل، فإنه لما تكلم على الأمور الثمانية قال (1):
وأما الاستفهام فلا يخلو من أن يدخل على اسم أو فعل، فإن دخل على فعل مثل:
أتقوم فنكرمك؟ جاز الرفع على المعنيين: الاستئناف والقطع، والنصب على ما يثبت، فإن دخل على اسم فإما أن يكون ذلك الاسم ظرفا أو مجرورا أو لا: فإن لم يكن لم يجز النصب نحو: أين زيد؟ وهل أخوك زيد فنكرمه؟ لأنه ليس ثمّ ما يدل على مصدر فلم يبق إلا أن يكون مرفوعا، فإن كان ثمّ مجرور أو ظرف نحو: أين بيتك؟ (2) أو: أفي الدار زيد؟ تصوّر النصب لأن هذا المجرور قد ناب مناب الفعل ولم يعمل العامل فيه، ألا ترى أنه يتصور اللفظ به
فتقول: أفي الدار استقر زيد؟
فلما كان ثمّ ما يدل عليه ولم يكن منسوخا حمل عليه بخلاف: عليك زيدا، إذ لا يلفظ بهذا الفعل هنا أصلا، فلما كان لا يلفظ به لم تجز معاملته فيحمل عليه فيجوز هنا الرفع والنصب. انتهى.
وتبعه الشيخ في ذلك لكنه أوضح الكلام في المسألة فقال (3): النصب في جواب الاستفهام تارة يكون بعد أداة الاستفهام من الحرف نحو: «الهمزة» و «هل» ، وتارة بعد أداته من الاسم ظرفا وغير ظرف، فأما الحرف فنحو قوله تعالى: فَهَلْ -
(1) هذا مضمون كلام ابن عصفور في شرح الجمل (2/ 150) وقد تقدم نقل مثل هذا الكلام عن المقرب ولكن ليس بنصه. ولعل النص الذي بين أيدينا في كتاب آخر غير هذين الكتابين.
(2)
لم يظهر لي أن اسم الاستفهام هنا قد دخل على ظرف ولعله خطأ من الناسخ بدليل ذكر «أو» بعده.
(3)
انظر: التذييل (6/ 612، 613) وقد نقله المؤلف بتصرف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا (1)، وقال الشاعر:
3880 -
هل تعرفون لباناتي فأرجو أن
…
تقضى فيرتدّ بعض الرّوح للجسد (2)
فإذا قلت: أيقوم زيد فأكرمه؟ فالرفع على الاستئناف أو العطف، والنصب على الجواب، وإذا تقدم اسم غير استفهام وأخبر عنه بغير مشتق نحو: هل أخوك زيد فأكرمه؟ فالرفع ولا ينصب، فإن تقدمه ظرف أو مجرور نحو: أفي الدار زيد فأكرمه؟ جاز النصب؛ لأن المجرور ناب مناب الفعل.
وأما الاسم فنحو ما ورد في الحديث الشريف: «من يدعوني فأستجيب له؟» (3)، وقولك: أين بيتك فأزورك؟ ومتى تسير فأرافقك؟ وكيف تكون فأصحبك؟ ويقدر حينئذ مصدر ما تتضمنه الجملة، ففي مثل: أين بيتك فأزورك؟
يقدر: ليكن منك تعريف ببيتك فزيارة مني، وكذا يقدر في: متى تسير؟: ليكن منك تعريف بسيرك فمرافقة مني، لأن معنى أين بيتك؟ عرفني [بمكان] بيتك.
ومعنى متى تسير؟: عرفني بوقت (4) سيرك. انتهى.
ولم يظهر لي منع النصب في نحو: هل أخوك زيد فأكرمه؟ فقد يقال: إذا نصب الجواب يقدر من الجملة السابقة مصدر يعطيه قوة الكلام كما يقدر ذلك في الجملة المصدرة باسم الاستفهام فيقدر هل أخوك زيد فأكرمه؟ بقولنا: ليكن منك تعريف بإخوتك زيدا فإكرام منا، كما لو قيل: من أخوك فنكرمه؟ إذ تقديره:
ليكن منك تعريف بإخوتك زيدا (5) فإكرام منا.
ثم لك أن تقول: إنما يشترط تقدير المصدر في ما قبل إذا كان المذكور قبل «الفاء» أو «الواو» فعلا نحو: هل تزورني فأزورك؟ أو أزورك؟
أما إذا كان المذكور قبل اسما فإن المصدر لا يقدر حينئذ للاستغناء عن تقديره بوجود اسم صريح قبل العاطف، ويدل على صحة ذلك إجماعهم على صحة -
(1) سورة الأعراف: 53.
(2)
تقدم.
(3)
هذا جزء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البخاري عن أبي هريرة في باب «التهجد بالليل» .
انظر البخاري بشرح السندي (1/ 200)، وانظر: صحيح مسلم (1/ 522).
(4)
في (جـ)، (أ): وقت، وما أثبته من التذييل.
(5)
هكذا في النسختين، ولعله زائد؛ لأنه لم يجر له ذكر في الجملة المقدرة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
النصب دون تقدير المصدر في قول الشاعر:
3881 -
ولولا رجال من رزام أعزّة
…
وآل سبيع أو أسوءك علقما (1)
التقدير: أو إساءتك، وهذا المصدر المقدر معطوف على «رجال» ، لا يقال:
بين التركيبين فرق، أعني: هل أخوك زيد فأكرمه؟ وقول الشاعر:
ولولا رجال
…
...
…
البيت
فإن «أخوك زيد» جملة و «رجال» مفرد، والعطف الذي الكلام فيه من عطف المفردات لا من عطف الجمل؛ لأنا نقول: والذي في البيت جملة أيضا لأن «لولا» الامتناعية مخصوصة بالجمل، ومعلوم أن الخبر مقدر ولكنه واجب
الحذف، فالجملة واقعة في كلا التركيبين، إلا أن إضمار «أن» واجب في أحد التركيبين جائز في الآخر، وكأن المشترط إنما هو وجود اسم متقدم في الجملة، فلا فرق بين «لولا رجال أو أسوءك» ولا بين:
3882 -
ولبس عباءة وتقرّ عيني (2)
وأما كلام ابن عصفور فإن في بعضه تثبيجا (3)، والخلاصة منه هو منع ما أشار الشيخ إلى منعه وقد عرفت ما فيه.
الأمر الثاني: المراد من قول النحاة: الواو تقع في جواب كذا وكذا، أن «الواو» -
(1) هذا البيت من بحر الطويل وهو للحصين بن حمام المري كما في الكتاب (3/ 49).
الشرح: رزام بن مالك بن حنظلة بن مالك بن عمرو بن تميم، أعزة: جمع عزيز، وسبيع: هو ابن عمرو ابن فتية، وعلقما: ترخيم علقمة وهو ابن عبيد بن عبد بن فتية.
والشاهد في البيت: في قوله: «أو أسوءك» حيث نصب الفعل بعد «أو» باضمار «أن» بدون تقدير المصدر فيعطف اسم على اسم. والبيت في الكتاب (3/ 50)، والمحتسب (1/ 326)، والعيني (4/ 411)، والهمع (2/ 10، 17).
(2)
هذا شطر بيت من الوافر وتمامه:
أحبّ إليّ من لبس الشّفوف
قالته ميسون بنت بحدل الكلبية. زوج معاوية رضي الله عنه تذكر ضيق نفسها واستيلاء الهم عليها حين تسرى عليها معاوية وعذلها وقال: أنت في ملك عظيم وما تدرين قدره.
والشاهد فيه: نصب «تقر» بعد الواو بـ «أن» مضمرة.
والتقدير: ولبس عباءة وقرة عيني، و «الشفوف» بضم الشين: من الثياب الرقاق، والبيت في الكتاب (3/ 45)، والمقتضب (2/ 27)، والمحتسب (1/ 326)، وابن يعيش (7/ 25)، والخزانة (3/ 592، 621)، وشرح التصريح (2/ 244).
(3)
التثبيج: التخليط. انظر: اللسان (ثبج).