الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أحكام أخرى لهذه الأسماء]
قال ابن مالك: (ولا يتقدّم عند غيره معمول شيء منها، وما نوّن منها نكرة، وما لم ينوّن معرفة، وكلّها مبنيّ لشبه الحرف بلزوم النّيابة عن الأفعال، وعدم مصاحبة العوامل، وما أمكنت مصدريّته أو فعليّته لم يعدّ منها).
ــ
ثم قد مر أن في مثل: عليكم كلكم لك أن تجر التوكيد على أنه تابع للمجرور، ولك أن ترفعه على أنه تابع للضمير المرفوع المستكن، وكذا إذا كان التوكيد بالنفس يجوز الأمران، لكن إذا أكدت المرفوع فلا بد من التأكيد بالضمير المنفصل على القاعدة المعروفة (1) فيقال: عليكم أنتم أنفسكم، قالوا (2): ولك أن تجمع بين التوكيدين فتقول: عليك نفسك أنت نفسك زيدا، وكذا إذا قلت: هلم لك، تقول: نفسك إن أكدت الكاف؛ فإن جمعت بين التوكيدين قلت: هلم أنت نفسك (لك نفسك، ولا تقول: هلم لك نفسك أنت نفسك ولا عليك أنت نفسك)(3) نفسك، بل يجب [5/ 41] الترتيب إذا جمع بين التوكيدين لأن المؤكّد من تمام المؤكّد، قال الشيخ (4):«والمغرى به إن كان ضمير متكلم أو غائب جاز اتصاله وانفصاله، تقول: زيد عليكه وعليك إياه وعليكني وعليك إياي، وإن كان ضمير مخاطب فالانفصال فقط، أو يؤتى بالنفس فيقال: عليك إياك، وعليك نفسك» .
قال ناظر الجيش: اشتمل هذا الكلام على مسائل أربع:
الأولى:
أن معمول اسم الفعل لا يجوز تقدمه عليه عند غير الكسائي، قال المصنف في -
(1) وهي أنه لا بد من التوكيد بالضمير المنفصل إذا كان التوكيد بالنفس والعين، يقول ابن مالك في الألفية:
وإن تؤكد الضمير المتصل
…
بالنفس والعين فبعد المنفصل
عنيت ذا الرفع وأكدوا بما
…
سواهما القيد لن يلتزما
انظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 199).
(2)
انظر التذييل (6/ 233).
(3)
ما بين القوسين ساقط من نسخة (جـ) ومصحح على هامشها.
(4)
انظر التذييل (6/ 233).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
شرح الكافية (1): «ومما عزي إليه - يعني إلى الكسائي - دون غيره (2) جواز إعمال هذه الأسماء في ما تقدم عليها كقول الراجز:
3650 -
يا أيّها المائح دلوي دونكا
…
إنّي رأيت القوم يحمدونكا (3)
ولا حجة فيه لصحة تقدير «دلوي» مبتدأ أو مفعولا بـ «دونك» مضمرا (4)، فإن إضمار اسم الفعل متقدما لدلالة متأخر عليه جائز عند سيبويه» (5) انتهى.
واعتلّ البصريون (6) لمنع تقديم المعمول في هذا الباب على عامله بأن عمل اسم الفعل ليس بحق الأصالة بل بالحمل على الفعل الذي وضع ذلك الاسم موضعه وهو لا يتصرف تصرفه لأنه لا يتصل به ضمير رفع على حد اتصاله بالفعل ولا تلحقه علامة تأنيث، قالوا: وقياس العامل بحق الأصالة إذا لم يكن متصرفا في نفسه أن -
(1) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1394).
(2)
انظر ابن يعيش (1/ 117) وشرح ابن الناظم (ص 238) وانظر شرح التصريح (2/ 200) والهمع (2/ 105) والأشموني (3/ 206)، وقال الأشموني (3/ 207):«ادعى الناظم وولده أنه لم يخالف في هذه المسألة سوى الكسائي: ونقل بعضهم ذلك عن الكوفيين» وانظر شرح الكافية (2/ 68) واللباب في علل البناء والإعراب للعكبري (2/ 387، 388) وشرح الجمل لابن عصفور (2/ 231).
(3)
نسب في العيني (4/ 311) وشرح التصريح (2/ 200) لجارية من مازن، ونسب إنشاده في اللسان (ميح) لأبي عبيدة، والصواب كما في الخزانة (3/ 17) أن الرجز لراجز جاهلي من بني أسعد ابن عمرو بن تميم وأن الجارية أنشدته وليس لها. وبعد الشاهد قوله:
يثنون خيرا ويمجّدونكا
…
خذها إليك اشغل بها يمينكا
الشرح: المائح: هو الرجل يكون في جوف البئر يملأ الدلاء. والشاهد فيه قوله: «دلوي دونكا» فإن ظاهره أن «دلوي» مفعول به مقدم لـ «دونك» وبهذا الظاهر أخذ الكسائي وجماعة من الكوفيين.
وعليه فإنه يجوز عندهم تقديم معمول اسم الفعل عليه، وهذا غير جائز عند البصريين وهو مذهب ابن مالك. وانظر الرجز في معاني القرآن (1/ 260، 323) والمقرب (1/ 137)، وشرح الجمل لابن عصفور (2/ 231) والمرتجل (ص 261) وشرح الكافية للرضي (2/ 68).
(4)
هذا يدل على أن ابن مالك يجيز إعمال اسم الفعل مضمرا. وانظر الهمع (2/ 105) والأشموني (3/ 205).
(5)
انظر الكتاب (1/ 138) والتذييل (6/ 163).
(6)
انظر الإنصاف (ص 229) والمرتجل (ص 261) واللباب في علل البناء والإعراب (2/ 387، 388) وابن يعيش (1/ 117).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا يكون متصرفا في معموله فكيف إذا انضاف إلى عدم التصرف كونه لم يعمل بحق الأصالة؟
ومما استدل به المجيز (1) قوله تعالى: كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ (2). وأجيب (3) عن ذلك بأن «كتاب الله» منصوب على المصدر أي: كتب الله ذلك عليكم كتابا كما قال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ * (4)، قال ابن عصفور:«أو على أن يكون مفعولا بفعل مضمر أي: الزموا كتاب الله» (5).
وعلى القول بأنه منصوب على المصدر يكون الدال به على العامل الناصب له ما تقدم، وذلك أن قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ (6) فيه دلالة أن ذلك مكتوب عليهم فانتصب «كتاب الله» بهذا الفعل الذي دل عليه الكلام المتقدم، التقدير: كتب الله تعالى ذلك عليكم كتابة؛ فلما حذف الفعل والفاعل لم يبق للضمير ما يعود عليه فأتى بالظاهر بدله (7).
وأما قول القائل:
3651 -
دلوي دونكا
…
...
فقد خرجه المصنف على وجهين كما عرفت، لكن في كون اسم الفعل يعمل مقدرا كلام، قال الشيخ (8): «ودلوي إما مبتدأ أو منصوب بفعل محذوف، ولم يجعل -
(1) هم الكوفيون وعلى رأسهم الكسائي واستثنى من الكوفيين الفراء انظر التذييل (6/ 234) وابن يعيش (1/ 117) ومعاني القرآن (1/ 260) وشرح الجمل لابن عصفور (2/ 231).
(2)
سورة النساء: 24.
(3)
انظر الإنصاف (ص 230) وما بعدها والمرتجل (ص 260) واللباب في علل البناء والإعراب (2/ 388) والتذييل (6/ 235) وشرح الجمل لابن عصفور (2/ 231).
(4)
سورة الروم: 6، وسورة الزمر:20.
(5)
يبدو أن هذا في شرح الإيضاح له ولم أعثر عليه، وانظر شرح الجمل (2/ 231). وانظر ملخصا له من شرح المقرب لابن عصفور (المنصوبات القسم الأول، ص 324 وما بعدها).
(6)
سورة النساء: 23.
(7)
انظر الإنصاف (ص 230، 231) والبيان في غريب إعراب القرآن (1/ 248، 249) والمرتجل لابن الخشاب (ص 260).
(8)
انظر التذييل (6/ 235) وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المقدر اسم فعل، قال: لأنه لا يجوز حذف اسم الفعل وإبقاء معموله، قال:
وأجازه بعضهم، وفي كلام سيبويه ما يدل ظاهره على الجواز لكن تأوله الشيوخ».
انتهى.
وقد عرفت أن المصنف أخذ في المسألة بظاهر قول سيبويه، ولا شك أنه لا مانع من عمل اسم الفعل مقدرا من جهة الصناعة النحوية (1).
المسألة الثانية:
أن ما نوّن من هذه الأسماء كان نكرة وما لم ينوّن فهو معرفة، قال المصنف في شرح الكافية (2):«ولما كانت هذه الكلمات من قبل المعنى أفعالا، ومن قبل اللفظ أسماء جعل لها تعريف وتنكير، فعلامة تعريف المعرفة منها تجرده عن التنوين، وعلامة تنكير النكرة منها استعماله منونا، ولما كان من الأسماء المحضة ما يلازم التعريف كالمضمرات وأسماء الإشارة، وما يلازم التنكير كـ «أحد» (3) و «عريب» (4) وما يعرّف وقتا وينكّر وقتا كـ «رجل» و «فرس» جعلوا هذه الأسماء كذلك فألزموا بعضها التعريف كـ «نزال» و «بله» و «آمين» ، وألزموا بعضها التنكير كـ «واها» و «ويها» ، واستعملوا بعضها بوجهين فنوّن مقصودا تنكيره، وجرّد مقصودا تعريفه كـ «صه» و «صه» و «أفّ» و «أفّ» انتهى.
وفي شرح الشيخ: قال قوم: هي معارف تعريف علم الجنس، قال: وهو ظاهر -
(1) لكن بشرط أن يتأخر عنه ما يدل عليه. وانظر حاشية الصبان (3/ 205)، وفي كلام المؤلف هذا موافقة لابن مالك ومخالفة للشيخ أبي حيان.
(2)
انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1388).
(3)
أطلق ابن مالك أحدا وله استعمالات أربعة «أحدها: مرادف الأول وهو المستعمل في العدّ: نحو أحد عشر، والثاني: مرادف الواحد بمعنى المنفرد نحو: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: 1]، والثالث: مرادف إنسان نحو: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ [التوبة: 6]، والرابع: أن يكون اسما عامّا في جميع من يعقل نحو: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ [الحاقة: 47] وهو المراد هنا فإنه الملازم للتنكير وندر تعريفه. انظر شرح التصريح (2/ 200)، وحاشية الصبان (3/ 207).
(4)
عريب: مرادف لأحد. وفي اللسان (عرب): «وما بالدار عريب ومعرب أي أحد، الذكر والأنثى فيه سواء، ولا يقال في غير النفس» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كلام ابن خروف (1) إذ المعاني توضع لها الأعلام كـ «سبحان» كما توضع لغير المعاني كـ «أسامة» و «ثعالة» (2).
المسألة الثالثة:
كون أسماء الأفعال كلها مبنية، أما بناؤها فلا خلاف فيه، وإنما الخلاف في علة البناء ما هي؟
فعند المصنف أن العلة ما أشار إليه وهي: شبه الحرف بلزوم النيابة عن الأفعال، وعدم مصاحبة العوامل، وقد تقدم الكلام على ذلك في باب الإعراب.
والمراد أن أسماء الأفعال عاملة غير معمولة فشبهها للحرف من هذه الجهة، وقد قال:«إن هذا هو مذهب المحققين» (3)، ولا شك أن هذا بناء منه على أن أسماء الأفعال لا موضع لها من الإعراب، وقد تقدمت الإشارة إلى أن هذا هو الصحيح، ولكن المغاربة يخالفون في ذلك ويجعلونها معمولة لعوامل مقدرة، قال ابن عصفور (4):«أسماء الأفعال فيها خلاف بين النحويين: فمنهم من ذهب إلى أنها منصوبة بأفعال مضمرة وهو مذهب سيبويه (5)، ومنهم من ذهب إلى أنها لا موضع لها من الإعراب وهو مذهب الأخفش (6)، ولأبي علي الفارسي القولان: فإنه في حلبياته لم يجعل لها موضعا من الإعراب، وفي تذكرته (7) جعلها في موضع نصب بأفعال مضمرة فقال: عليك زيدا، أصله: اعطف عليك زيدا أو نحو ذلك، ثم استغني بالمجرور عن الفعل فحذف وصار الضمير الذي كان في الفعل في الجار والمجرور، ثم قال - أعني ابن عصفور -: والصحيح عندي أنها منصوبة بأفعال مضمرة (8)، وسواء أكانت من لفظ الفعل كـ «نزال» و «تراك» أم من غير لفظه -
(1) انظر شرح التصريح (2/ 201)، والأشموني (3/ 207، 208).
(2)
انظر التذييل (6/ 236).
(3)
ذكر الشيخ أبو حيان أن المصنف ذكر ذلك في بعض تصانيفه انظر التذييل (6/ 238).
(4)
في شرح الإيضاح له ولم أعثر عليه.
(5)
انظر التذييل (6/ 236) والأشموني (3/ 196).
(6)
انظر الحلبيات (ص 211)، والتذييل (6/ 237) وشرح التصريح (2/ 195) والهمع (1/ 17).
والأشموني (3/ 196).
(7)
لم أعثر عليه.
(8)
أخذ بهذا الرأي الشيخ أبو حيان. انظر التذييل (6/ 236).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كـ «صه» و «مه» وهو [5/ 42] مذهب سيبويه، وقد نص على ذلك في كتابه (1)، وذلك أنه جعل «نعاء» من قول الشاعر:
3652 -
نعاء جذاما غير موت ولا قتل
…
ولكن فراقا للدّعائم والأصل (2)
في موضع نصب بإضمار فعل، وكذلك قد نص أبو علي الدينوري (3) في مهذبه (4) على ذلك، ثم قال (5):
ويبتنى على هذا الخلاف خلاف آخر في «دونك» و «مكانك» ، و «حذرك» وأشباهها من أسماء الأفعال، فمن زعم أن أسماء الأفعال لا موضع لها من الإعراب اعتقد في هذه الأسماء أنها مبنية؛ إذ لا يتصور أن تكون معربة لأن الإعراب لا يكون إلا بعامل، وهذه الأسماء عنده غير معمولة، ومن اعتقد في الأسماء المذكورة أنها معمولة لعوامل مضمرة اعتقد فيها أنها معربة، وإنما كانت معربة لأنها في الأصل ظرف كـ «مكانك» و «دونك» أو مصدر كـ «حذرك» وقد كانت معمولة لأفعال فلما حذفت تلك الأفعال وأنيبت هي منابها بقيت على ما كانت عليه من الإعراب، قال (6): ومما يبين لك أن المصادر والظروف وما أشبهها من الأسماء التي -
(1) انظر الكتاب (1/ 275، 276).
(2)
هذا البيت من الطويل وهو للكميت كما في الكتاب (1/ 276) وليس في ديوانه.
الشرح: نعاء: معناه: انع والأصل فيه ذكر خبر موته والفجيعة فيه، وكانوا في جاهليتهم إذا مات منهم ميت له خطر وقدر، ركب راكب وجعل يسير في الناس ويرد عليهم محلاتهم وهو يقول:«نعاء فلانا» أي أظهر خبر وفاته وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عما كان أهل الجاهلية يصنعونه، والدعائم: جمع دعامة وأصله:
أن يميل شيء فتدعمه بخشبة أو نحوها لتقيمه، وسموا سيد القوم دعامة من ذلك لأنه الذي يقيم ما اعوجّ من أمورهم. يقول: انع هؤلاء القوم واذكر الفجيعة فيهم ولكن لا تذكر ذلك لأنهم ماتوا وقتلوا، ولكن لأنهم فارقوا سادتهم وأهل الخطر منهم فتبدد أمرهم وانصدع شملهم.
والشاهد في قوله: «نعاء جذاما» حيث استعمل فيه اسم فعل أمر مأخوذا من مصدر الفعل الثلاثي المتصرف وبناه على الكسر وهو في موضع نصب بإضمار فعل. وانظر البيت في الإنصاف (ص 539)، وابن يعيش (4/ 51).
(3)
أبو علي الدينوري: أحمد بن جعفر الدينوري، نزل بمصر وتوفي فيها، له المهذب في النحو، توفي سنة (289 هـ). انظر الأعلام (1/ 107) وبغية الوعاة (1/ 301).
(4)
من مؤلفات أبي علي الدينوري ولم أعثر عليه، وانظر التذييل (6/ 236).
(5)
أي ابن عصفور وانظر التذييل (6/ 237).
(6)
أي ابن عصفور، وانظر التذييل (6/ 237).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنيبت مناب الفعل ولم تجعل في أول أحوالها اسما له لم يعامل معاملة «نزال» وأشباهها فيلزم بناؤها، وكونها مضافة إلى ما بعدها يدل على افتراقها من «نزال» وشبهه؛ لأن أسماء الأفعال لا تضاف» انتهى كلام ابن عصفور - رحمه الله تعالى - ولم يذكر العامل المقدر في اسم الفعل ما هو؟ بل اقتصر على ما نقله عن أبي علي أن الأصل: اعطف عليك زيدا، واقتصاره عليه دليل أنه رضيه مع أنه قد تقدم له نظير ذلك وهو أنه جعل التقدير في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ (1): أمسكوا عليكم أنفسكم.
لكن لقائل أن يقول: يلزم مما ذكره أن يكون «زيدا» من: عليك زيدا - منصوبا بـ «اعطف» المقدر ويكون «عليك» متعلقا به، وعلى هذا لا يكون عليك اسم فعل حينئذ، وإن قال: إن اسم الفعل ضمّن معنى: «اعطف» بعد حذفه كان معنى عليك زيدا: اعطف زيدا، وليس ذلك معنى هذه الكلمة، إنما معناها:«الزم» .
والذي يظهر أن نحو: عليك وإليك بعد أن نقل وسمّي به الفعل يمتنع أن يقدر له عامل من حيث اللفظ والمعنى: أما اللفظ: فلأن «عليك زيدا» ليس معناه: اعطف عليك زيدا كما عرفت، وأما المعنى: فلأن الذي يستفاد من اسم الفعل إنما هو الذي يستفاد من الفعل، والذي يستفاد من الفعل إما طلب فعل أو إخبار عن فعل، وشيء من هذين الأمرين لا يقبل المفعولية.
وأما قوله - أعني ابن عصفور - في «دونك» و «مكانك» و «حذرك» أن من اعتقد في أسماء الأفعال أنها معمولة
لعوامل مضمرة فإنه يعتقد في هذه يعني: دونك ومكانك وحذرك أنها معربة؛ وتعليله ذلك بأنها في الأصل ظرف كـ «مكانك» و «دونك» أو مصدر كـ «حذرك» ، وقد كانت معمولة لأفعال، فلما حذفت تلك الأفعال وأنيبت هي منابها بقيت على ما كانت عليه من الإعراب - فغير ظاهر؛ لأنها إن كانت باقية (على ما كانت عليه من الإعراب)(2) فالعامل فيها الآن - أعني بعد النقل - إن كان العامل فيها قبل النقل؛ فهي باقية على ما كانت -
(1) سورة المائدة: 105.
(2)
ما بين القوسين ساقط من (جـ) وفي (أ) زيادة كلمة «فيها» بعد قوله: من الإعراب.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عليه من الظرفية؛ وإذا كانت كذلك فكيف يتصور فيها أن تكون اسم فعل؟ وإن كان العامل فيها بعد النقل غير العامل فيها قبل النقل فقد عرفت أن ذلك ممتنع كما أشرنا إليه آنفا (1).
والحق أن أسماء الأفعال لا موضع لها من الإعراب سواء أكانت موضوعة اسم فعل في الأصل أم منقولة من ظرف مضاف أو جار ومجرور (2)، وإذا كان كذلك فالحركات التي في «دونك» و «مكانك» - أعني حركة النون فيهما - وفي «حذرك» أعني حركة الراء - ليست بحركات إعراب ولا بناء، وإنما هي حكاية لحركاتها الإعرابية لا غير.
المسألة الرابعة:
أن ما أمكن أن يكون مصدرا أو فعلا لا يعدّ من أسماء الأفعال. أما ما أمكنت فعليته فالظاهر أن المراد به: «هات» و «تعال» فإن المصنف قد تقدم نقلنا عنه أنه قال في شرح الكافية: إنهما فعلان لا يتصرفان (3). فهاتان الكلمتان أمكنت فعليتهما لاتصال ضمائر الرفع البارزة بهما، وإذا كان كذلك كان الحكم بأنهما أسماء فعل خطأ (4).
وأما ما أمكنت مصدريته فيمكن أن يمثل له بـ «حذرك» الذي مثل به ابن عصفور على أنه اسم فعل منقول من المصدر؛ فإنه لا داعية تدعو إلى القول بأنه اسم فعل فيدعى أنه باق على المصدرية، وقد مثل الشيخ لذلك بقولهم:«سقيا ورعيا» قال (5): «فلا تقول: إنهما اسمان للفعل بجامع ما اشتركا فيه من دلالتهما على معنى الفعل، ألا ترى أن المعنى: سقاك الله ورعاك» ؟.
وما ذكرته من التمثيل بـ «حذرك» أولى فإن أحدا لا يرتاب في أن سقيا ورعيا مصدران.
(1) يرى المؤلف أن نحو: عليك وإليك بعد أن نقل وسمي به الفعل يمتنع أن يقدر له عامل من حيث اللفظ والمعنى، وهو ما أشار إليه سابقا
بقوله: «والذي يظهر» .
(2)
وهو الصواب لوقوعها موقع فعل الأمر وهو مبني عند المحققين، ووقوع هذه الأسماء موضع ما أصله البناء (وهو الفعل) وجريها مجراه في الدلالة سبب كاف في البناء.
(3)
انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1389) وانظر التذييل (6/ 239).
(4)
انظر التذييل (6/ 215، 239).
(5)
انظر التذييل (6/ 239).